09‏/02‏/2012

أنوار على طريق الديمقراطية


ناصر اسعد الريكاني



 للديمقراطية سمات تميزها؛ ودلائل تعرف بها ويستدل عليها ويعرف مدى صحة ادعاء تطبيقها، لانها بمثابة علامات فارقة تميزها عن غيرها، وصفات خاصة تحتكرها لنفسها، عبرتُ عنها هنا بانوار باعتبارها قناديل  تضيء سبيل من ينوي الوصول اليها؛ أو قرر زراعة بذورها في البقاع الخصبة من ارض وطنه وبين افراد مجتمعه ليستظلوا جميعا بظلالها وينعموا بثمارها ويحيوا حياة طيبة يسودها العدل والحرية وسيادة القانون.....




أبدا بأول هذه الأنوار (التعددية)
 تعتبر التعددية من ابرز سمات المجتمع الديمقراطي، حيث لا وجود للديمقراطية بدون التعددية؛ وليس هناك تعددية اذا لم يكن هناك تعايش وتفاهم بين الفرقاء والمختلفين، فالتعددية بمنظور علم الاجتماع عبارة عن اطار للتفاعل تَظهر فيه المجموعات التي تحترم التسامح مع الآخرين والتعايش المثمر والتفاعل بدون صراع وبدون انصهار.
التعددية اذن تعني وجود افكار مختلفة وثقافات متنوعة تتفاعل وتتنافس احيانا مع بعضها في اطار تفاهمي وتعايشي اذا صح التعبير بعيدا عن الصراع المؤدي لازالة الآخر او التميع والانصهار في بوتقة واحدة؛ لانه في كلا الحالتين يفقد المجتمع خاصيته التعددية وبذلك يكون قد فقد اهم ميزة من ميزات المجتمع الديمقراطي.
 لذا يتوجب على كل من يتطلع الى بناء مجتمع ديمقراطي ان يبادر أولا الى تشييد صرح التعددية الفكرية منها والسياسية وذلك عن طريق توفير جو من الحرية لفسح المجال للعقول بالتفكير والتحليل والتعبيرعن نفسها من خلال انشاء منظمات مدنية، او مراكز ثقافية، او جمعيات خيرية، أو أحزاب سياسية، وبهذا يكون قد تم وضع اللبنات الاولى لاسس واركان مجتمع مدني تعددي ديمقراطي.
تأتي بعد ذلك الخطوة التالية والتي لا تقل اهمية عن سابقتها الا وهي؛ الحفاظ على هذا التنوع الفكري والثقافي وتوظيفه لبناء مؤسسات الدولة المدنية، وهذا لايتحقق الا عن طريق ترسيخ قواعد الحوار والتعايش والتفاهم بين الفرقاء، واهمها قاعدة: ( رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) لانه بمجرد وضع احتمالية صواب رأي الآخر وجائزية صحة فكر المخالف يكون بمثابة المضاد الحيوي الذي يقضي على كل الافكار التامرية التي قد تراود بعض العقول الضعيفة، واللقاح الفعال الذي يحمي الجميع من الوقوع في بئر التخوين واتهام الاخر بالعمالة وتنفيذ اجندات خارجية؛ فتصفى القلوب وتتسع الصدور وتلتقي العقول المتباينة والمختلفة على ارضية مشتركة – هي الشعور بالمواطنة او الانتماء للارض -  لتنتج افكارا تتلاقح فيما بينها فتتحول الى مشاريع بناءة لترتقي بالبلد الى الذرى والى القمة.
وبما اننا في طريقنا الى انشاء دولة مدنية ومجتمع ديمقراطي فلابد اذن من اضاءة هذا السراج وانارة هذا المصباح وامداده بكل عناصر البقاء ومقومات الصمود من اجل تبديد الظلام الدامس القابع على العقول والادمغة وكسر القيود المفروضة عليها لتنطلق سابحة في فضاء الحرية لا يحدها الا الخروج عن القيم والمثل العليا للمجتمع لانها خروج عن الطبيعة السوية للنفس البشرية وهدم لاسس إنسانيتها.
ومن اجل الوصول الى هذا المستوى الراقي من الحرية الفكرية والثقافية وهذه المنزلة العالية من تقبل الراي المخالف لابد من تجنيد كل الطاقات والامكانيات البشرية والمادية من اجل ترسيخ هذه القيم والمبادئ في اذهان وتصورات هذا الجيل والاجيال التي تليه، وهذا يتطلب تسخير كل المؤسسات التربوية والتعليمية والاعلامية والجماهيرية وغيرها لتهيئة الارضية الخصبة والبيئة الصالحة لنمو وتطور ثقافة الاعتراف بوجود اخرين مخالفين ومنافسين، فيعترف الكبير بوجود الصغير ويستسلم القديم لحقيقة نمو وزيادة نفوذ الجديد ولا يرفضه لحداثته وصغر سنه، او يثير الشكوك حول الهدف من مجيئه ليصل الامر احيانا الى اتهامه بتنفيذ مخططات خارجية فيصرف عيون المجتمع عن عيوبه وإخفاقاته في تنفيذ الواجبات التي فرضت عليه بحكم حجمه وسلطته في المجتمع، واذا تحدث عن تاريخه وانجازاته يكون على حساب تحقير الآخر واستصغاره امام الملأ، ولا يتذكر بل ينسى تماما انه في يوم ما هو نفسه كان صغيرا وجديدا بالنسبة لآخرين غيره ولكنهم أعطوا الفرصة لنموه والتعبير عن وجوده حتى بلغ اشده وبلغ قمة مجده.
وهنا يجب ان لا نغفل عن الشطر الآخر من المعادلة؛ وهو احترام كل حديث وجديد لتاريخ وتضحيات من هم اقدم منه ولا يضرب بكل ما حققوه من انجازات عرض الحائط فيخسر بذلك ثقتهم فيتحول الاختلاف الى خلاف ونزاع ومن ثم الى معاداة وصراع فيبددوا جميعا كل الجهود على رهانات ومنافسات عقيمة.
يتبين لنا مما سبق ان الزيت والوقود اللازم لاضاءة هذا السراج يكمن في توفير جو فسيح من الحرية وابداء الرأي وفتح الباب على مصراعيه للعقول بالتفكير والتعبير عن نفسها وافساح المجال للجميع بالظهور في بيئة يسودها الاحترام المتبادل وتقبل الاراء المخالفة ليبدأ السراج بالتوهح شيئا فشيئا فيسطع نوره ليبدد الظلام وينور الطريق امام المجتمع فيحفز الجميع لاستجماع قواهم ويوحدوا جهودهم نحو اضاءة السراج الذي يليه.r
 






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق