24‏/02‏/2012

دعوة بحثية أميركية لمنح السلفيين فرصة ودمجهم سياسيا


بقلم: علاء بيومي
 صعود التيار السلفي في السياسة المصرية مثل مفاجأة للعالم، وبات محل اهتمام واستفسار الكثيرين، ومن هذا المنطلق أصدر معهد كارنيجي للأبحاث – ومقره العاصمة الأميركية واشنطن - دراسة عنهم بعد ظهور نتائج الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب المصري؛ أهم ما ورد في الدراسة هو أمران:


 أولهما محاولة لفهم التيار وقادته ومواقفه السياسية، وثانيهما محاولة لترشيد موقف القوى السياسية الغربية من التيار.
ولنبدأ من القضية الثانية لأهميتها، فالتقرير يقول أن صعود التيارات الدينية وخاصة السلفية في السياسية المصرية قوبل "بعدم ارتياح" من قبل العلمانيين المصريين والحكومات الغربية.
وهنا يرى أن أمام المعارضين للتيار طريقان، إما محاولة "تهميش" التيار، أو منحه فرصة والسعي لدمجه في العملية السياسية.
 ومنذ بداية التقرير المختصر يقف مؤلفه – الباحث الأميركي ناثان براون - مع المذهب الثاني إذ يقول إن "السعي للتهميش ... لابد وأن تثبت عدم حكمته، لأن العملية الديمقراطية، والمشاركة السياسية، والمحاسبة الانتخابية سوف تستمر في إضفاء طابع وسطي على رؤى السلفيين وسياستهم على المدى البعيد، كما أن الانقلاب على مكاسبهم الانتخابية سوف يعكس التوجه السابق ويزيد من قوة هذه الجماعات بوضعهم مرة أخرى في مقعد المعارضة".
بمعنى أخر قرر مؤلف التقرير اتخاذ موقف عقلاني أو ربما برجماتي من التيار، ورأى ضرورة فهمهم، وأن الانقلاب عليهم أو على نتائج العملية الديمقراطية في مصر مستحيل، وسوف يصب في صالح التيار السلفي والتيارات الدينية، لأن عملية الديمقراطية انطلقت والسلفيين فازوا بنسبة كبيرة من الأصوات، كما أن الانقلاب عليهم سوف يظهرهم بمظهر الضحية وسوف يقوي الدعم الجماهيري لهم ويدفعهم للتشدد، ويعود بهم مرة أخرى إلى المعارضة وإلى حرية إطلاق الأفكار والمبادئ بدون وزنها سياسيا.
ومن هنا ينطلق المؤلف في محاولة لفهم التيار، ويبرز خلال دراسته القصيرة كيف تطور التيار سريعا خلال الفترة القصيرة الماضية من خلال الحركة على مسارات هامة مثل تركيز التيار سياسيا وبنائه تنظيميا وضبط خطابه السياسي.
ويرصد المؤلف كيف سعى ممثلو التيار إلى ضبط خطابهم والتحرك نحو الوسط فيما يتعلق بقضايا مثل حقوق المرأة والعلاقات الدولية.
ويبذل المؤلف - في بداية تقريره - جهدا يحسب له - في محاولة تعريف التيار وشرح مواقفه، وتبرز عبر صفحات التقرير طبيعة التيار غير المركزية وكيف يتمحور حول عدد من علماء الدين المنتمين للتوجه السلفي، وكيف أن لامركزية التيار صبت في صالحه وضده في آن واحد.
فعدم مركزية التيار ساعدت على انتشاره وإضفاء طابع من الحرية والبعد عن السلطة في عيون أتباعه مما قربهم منه، ولكن عدم المركزية تسبب مشكلة دائمة للتيار بسبب تصريحات بعض المنتسبين إليه، لذا يبدو في كثير من الأحيان أن مواقف التيار هي عبارة عن عدد من التصريحات والتصريحات المضادة لقادة منتسبين إليه
ويقول أيضا إن التيار السلفي يعاني من مشاكل أخرى داخلية مثل: عدم نضجه السياسي، وتسرع بعض أتباعه من الشباب الذين يحاولون أحيانا أخذ الأمور بقوة وبأيديهم، مما يظهرهم بشكل سلبي ويؤدي لتفاقم المشاكل التي يسعون لحلها، في حين أن تريث شباب السلفيين وقادتهم والتحكم في خطابهم وفي سلوكهم الجماعي في الشارع، وترك الأمور تأخذ مسارها الطبيعي وتقديم الأدوات السياسية والقانونية على التظاهر أو الحلول الغاضبة، قد يصب في النهاية في صالحهم.
ويقول أيضا إن السلفيين يواجهون هجوما إعلاميا شرسا ويعانون من عدم فهم الآخرين لهم، بما في ذلك وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي تخطئ أحيانا في تغطية أخبارهم وفي التسرع في اتهامهم بالمسئولية عن الأحداث؛ هذا ناهيك عن تنافسهم مع تيارات دينية وسياسية مختلفة داخل مصر.
عموما الدراسة تعبر عن وجهة نظر مؤلفها بالأساس، ولا يجب تضخيم تبعاتها وسحبها على موقف (مركز كارنيجي) بشكل عام أو على موقف الإدارة الأميركية، لكنها على صغر حجمها مفيدة على مستويين:
 أولهما أنها تعبر عن تيار غربي يحاول فهم السلفيين والجماعات الدينية في مصر والعالم العربي بشكل موضوعي وبرجماتي قدر الإمكان، ويحاول أن يمنحهم فرصة، وذلك في مقابل تيارات غربية أخرى يمينية متشددة ترفض هذا التوجه وتثير الفزع من تلك التيارات.
ثانيا: هذا يعني أن على التيارات السلفية عبء فهم من يسعون للتواصل معها فهما عميقا، ورفض أي رؤى داخلية تنظر للخارج نظرة سلبية مطلقة، وأن يسعى قادة التيار السلفي لبناء الجسور بينهم وبين القوى المعتدلة والمنفتحة في الداخل والخارج على حد سواء، والله أعلم



هناك تعليقان (2):