ناصر اسعد الريكاني
منذ القدم حاول الإنسان ان ينظم حياته وعلاقته بمن حوله ويحدد المسئوليات المنوطة بكل فرد باعتباره اللبنة الاساسية لقيام المجتمع؛ فشرع الشرائع ووضع القوانين لبلوغ هذه الغاية اعتمادا اما على خبرته في الحياة وتجارب الامم الخالية، او مستمدا من تعاليم الرسالات السماوية التي انزلها الله سبحانه وتعالى بين الحين والآخر لانقاذ البشرية من ظلم الطغاة واستبداد الرعاة؛ ليرتقي بالمجتمع إلى مستوى عال من العدالة والحرية وإحقاق الحقوق وتحديد المسئوليات والواجبات، فيعلم كل فرد ما ...
له من حقوق فلا يتنازل عنها ولا يدعها عرضة للضياع او السلب والمصادرة، ويعرف ماعليه من واجبات فلا يتوانا في أدائها والقيام بها، ومن جهل او تجاهل هذه القوانين عرض نفسه للمساءلة والمحاسبة وفقا للقوانين التي تواضعوا عليها ليحتكموا إليها جميعا اذا اختلت الموازين وتجاوزت الحدود؛ فهذه الشرائع والقوانين بمثابة القوام والمسند الداعم لبنية المجتمع واسس قيامه.
وقد اخترع الإنسان واختبر خلال مسيرة حياته الطويلة أنظمة حكم عديدة لادارة المجتمع وتنظيم الحياة، فتحول من هذا الى ذاك لعله يهنئ بالاطمئنان والعيش بسعادة وأمان؛ الى ان حط الرحال على اعتاب نظام حكم فعال يكون الشعب فيه مصدرا للسلطات ومنبعا للصلاحيات أطلق عليه اسم الديمقراطية.
ولكن من اجل الوصول الى تطبيق مثمر ومجدي ومنتج لهذا النظام لابد من إضاءة أنوار ووضع اشارات على طول الطريق لتجنب الانحراف عن السبيل القويم والطريق الصحيح، وقد حاولت في مقالي السابق إضاءة احد هذه الانوار تحت عنوان التعددية.
والان وبعد ان تجاوزنا مرحلة وقطعنا شوطا من الطريق نحو الهدف لابد من اشعال قنديل اخر واضاءة سراج مقوي وداعم للسراج الاول الا وهو الانتخاب وتداول السلطة سليما.
عندما يكون هناك تعددية في الرؤى واكثر من توجه ومشروع للادارة في المجتمع فلابد اذن من غربلة هذه المشاريع وتصفيتها واختيار افضلها للادارة والقيادة، وبما ان الشعب هو محور العملية الديمقراطية؛ ومنه ياخذ الحاكم شرعيته فلابد من الرجوع اليه وتحكيمه في تحديد المشروع الانسب والافضل لادارة البلاد وخدمة العباد، ولتحقيق ذلك تم وضع آلية الاقتراع والتصويت لاختيار افضل المشاريع خدمة واوضحها رؤية وأكفئها قيادة خلال عملية انتخابية حرة نزيهة في اجواء رائقة شفافة لا ضباب فيها ولا غيوم تحجب رؤية العين وأشعة الشمس عن الانتهاكات وكل انواع التضليل والتزوير او الترهيب والضغط لتغيير إرادة الشعب ورأي الجماهير لصالح جهة معينة واتجاه فكري وسياسي محدد لتسفر العملية برمتها في نهاية المطاف عن تشكيل مجلس وطني منتخب من الشعب وفوز احد المشاريع المتنافسة باغلبية الاصوات لتكلف بتشكيل حكومة منفذة للوعود التي قطعتها على نفسها قبل وصولها الى سدة الحكم في جو رقابي من المجلس ومن بقية المنافسين الذين لم يستطيعوا بلوغ ذلك المستوى من ثقة الجماهير.
هنا يبرز للعيان عائق اخر وعقبة خطيرة على الطريق يتحتم على الجميع رعاة ورعية ترويض النفوس وانارة العقول بضوء هذا السراج المنير للطريق المؤدي الى تطبيق فعال للديمقراطية؛ الا وهو تداول السلطة سلميا، اي قد تؤدي العملية الانتخابية الى حصول ما هومفاجئ وغير متوقع وعكس ما تنبأ به البعض وخاصة من كانوا حكاما حتى الامس القريب فيصعب عليهم التسليم الطوعي لهذا الواقع الجديد الذي فرض عليهم، فتحولوا من حكام الى محكومين، ومن رعاة الى رعية، وهذا الشيء قد يكون غير مالوف وغريب الى حد ما وخاصة لمجتمع لازال في مرحلة التحول الى المجتمع الديمقراطي؛ فالخلفية الثقافية للمجتمع والتي تراكمت في العقول على مر السنين هي بقاء الحاكم باعتباره المخلص والمنقذ الاوحد للشعب والدولة ولم تلد النساء بعد من يستطيع القيادة والإدارة! واذا ما ولدنه فانه يجب ان يكون من نسل الحاكم لا غيره!!.
ولا يخفى؛ خطورة وجود هذه الفجوة وهذا الشرخ بين الارث الثقافي للمجتمع وبين الواقع الجديد، لذا من الضروري جدا وضع استراتيجية شاملة لتغيير المنظومة الفكرية والثقافية للمجتمع، واعادة صياغة المفاهيم على ضوء المتغيرات الجديدة، وهذا لا يتم الا بالسعي الحثيث والعمل الدؤوب لتوسيع الافق وتنوير العقول بنور هذا السراج، فيسلم المغلوب السلطة للغالب طواعية وبرحابة صدر مع برقية تهنئة بفوزه عن جدارة واستحقاق، ولا يتعامل مع كرسي الحكم كاحد المقتنيات التي ورثها من اسلافه واجداده؛ فلا يمكن التنازل عنه بل يسلمه بامانة لمن ياتي بعده من اهل بيته حفاظا على ارث العائلة من الضياع او الهلاك.
الى هنا أكون قد أضأت النور الثاني من الانوار التي تضيء طريق التحول الى الديمقراطية ووضعت إشارة مرور اخرى لاجتناب السائرين فيه عن أي حيد او انحراف عن السبيل القويم، وأكون قد قطعت شوطا آخر من المسافة التي تفصلنا عن الهدف؛ واقترب أوان اضاءة نور اخر من أنوار الطريق خدمةً للسائرين فيه.
Le succès .. J'espère que le nouvel écran est toujours
ردحذف