26‏/02‏/2012

العلم .. والثقافة


أ.د. ابراهيم خليل العلاف*


 منذ سنوات ظهرت بعض الأفكار التي ميزت بين العلم والثقافة، فهناك من يقول إن" الثقافة" ليست "علما "وإنما هي اكبر من العلم .. وأن من واجبات الثقافة توسيع مدارك الإنسان، ومساعدته في أن يكون له موقف من الحياة والمجتمع. والفلسفة ،هي أس الثقافة؛ فالذي يقرأ الفلسفة ويتعامل معها يرى" الغابة" كلها، في حين أن الذي لا يقرأ الفلسفة لا يرى إلا "الشجرة" الواحدة؛ ومعنى هذا أن أفقه يظل محدودا ونظرته إلى الحياة تظل قاصرة 
المهم أن الجدل مايزال قائما، حتى أن هناك من تحدث عن علوم إنسانية وعلوم صرف.. واندفع البعض أكثر من ذلك ليقول إن العلوم الإنسانية كالتاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع ليست من العلوم بالمعنى الدقيق.. ما يهمنا التأكيد عليه أن المجتمع لايتقدم إلا بالعلم والثقافة، فالعلم مهم وضروري لبناء المجتمع؛ والثقافة مهمة وضرورية للغرض ذاته، فضلا عن أن الثقافة تهذب سلوك الإنسان وتصقل تفكيره وتزوده بخبرات جديدة وتساعده على التصرف اللطيف غير الضار لغيره من بني البشر.
والطريف أن نشير هنا إلى ان الكاتب الايرلندي الساخر برنادشو كان من أكثر الذين اهتموا بموضوع الفرق بين العلم والثقافة حتى انه أجاب عن سؤال يتعلق بمن هو المثقف قائلا: "المثقف هو الذي يعرف شيئا ما، عن كل شيء، وكل شيء عن شيء ما" وهو في هذا ينطلق من مقته لأولئك الذين كانوا في زمانه يسرفون في التخصص الدقيق ودون أن تكون لهم وجهة نظر أو رؤية متميزة لما يدور حولهم، فهم يتجهون إلى معرفة أكثر فأكثر عن اقل واقل، إلى أن يعرفوا كل شي عن لاشيء.
ونحن نقول إن العصر الذي نعيش فيه اليوم هو عصر العلم والثقافة.. انه عصر المعلوماتية عصر الحاسوب، والانترنت، والفيسبوك، والتويتر، والستلايت، والموبايل، ....والعالم - بكل تلك الوسائل - صار كما يقولون قرية كونية صغيرة؛ والإنسان اليوم بات على معرفة دقيقة بكل ما يجري حوله، سواء في مدينته أو وطنه أو في العالم، فخلال لحظات يصل الإنسان من خلال أجهزة الاتصال إلى مواقع الأحداث، وهذا يتطلب منه أن يغير عقله لكي يستوعب كل هذه الأمور وان لايبقى جامدا، وأن لايفكر بعقلية جامدة، الدنيا تغيرت وهو لوحده لايمتلك الحقيقة، وهناك أمر آخر يجب أن يفهمه ويجب أن يتعامل معه.
والإسلام دفع الإنسان للعلم، وفوق كل ذي علم عليم، وللأسف فإننا مازلنا نرى البعض وهو عندما يتحدث أو يكتب يصور نفسه وكأنه وحده يعرف الأمور والحقائق! في حين أن الحقائق نسبية، وللعملة وجهان، وما تراه أنت صحيحا يراه غيرك غير صحيح، ورحم الله الشافعي ورضي عنه عندما قال؛ رأيك صواب إلى ان يثبت خطؤه، ورأيي خطأ إلى أن يثبت صوابه؛ وهذا (فولتير) يقول إنني أخالفك بالرأي لكني مستعد أن أموت لأجعلك تعبر عن رأيك!!.
الثقافة لم تعد مجرد اصطلاح ومفهوم؛ ولم تعد مجرد معرفة للمعلومات، وإنما هي سلوك وذوق، فالإنسان المثقف هو الإنسان ذو السلوك القويم، والعلم أداة ومنهج لفهم الحياة والكون وأسرارهما.
وعلينا ان نتسلح ..بالعلم والثقافة إذا ما أردنا أن نكون وطنيين، وان نبدأ بأسس قوية لإعادة بناء وطننا واسترداد سيادته، وإذا ما أردنا أن نكون فاعلين منتجين، إذ بدون (العلم) و(الثقافة) مجتمعين لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ويعيد بناءه، فلنكن متشبثين بالرؤية العلمية  الموضوعية، والأفق الثقافي الواسع  لنستحق الحياة.
 والله سبحانه وتعالى جعل العلماء  ومن هم في مرتبتهم من الذين يعلمون ويفقهون وينظرون ويدركون  ويعقلون في مرتبة متقدمة، ان أولئك هم حقا  ورثة الأنبياء أليس كذلك؟!r
* أستاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل        

هناك 5 تعليقات: