09‏/02‏/2012

الأحزاب الإسلامية بين آليات التخطيط الحزبي وآفاق الدعوة


بقلم : سالم الحاج
منذ انبثاق الحركة الإسلامية الحديثة أوائل هذا القرن، وهي تواصل سعيها وجهودها في سبيل (أسلمة المجتمع) في العالم الإسلامي، وقد حصلت على نجاحات عديدة وعظيمة في هذا الشأن، والمتابع لحركة التاريخ يرى الفرق واضحا بين الحالة الإسلامية آنذاك، والصحوة الإسلامية الشاملة اليوم!..
ومع ذلك فإن هناك الكثير من الثغرات التي ينبغي سدها، سواء في مجال الفكر والرؤية، أم في مجال العمل والحركة.. بل إن ثمة جماعات لا زالت تشاغب على (حركة التاريخ) و(سنن التغيير)، فتدعي حق احتكار الصواب المطلق، وتوزع ما يشبه (صكوك الغفران) المسيحية المعروفة، وتكفر يمينا وشمالا و.. وما نريد تأكيده هو أن: الانغلاق الحزبي، وتكفير المجتمع، واعتزاله، والعيش بعيدا عن مفاصل المجتمع الحيوية، أو اللجوء إلى العنف والإرهاب.. هي أمراض خطيرة أصابت حركة المسلمين في العصر الحديث، ولابد من تدارك ذلك، وتفهم طبيعة العالم المعاصر، وهضم ثقافته لإجادة فن مخاطبته بلسانه، وإدراك وضعية الناس وطبيعة مكوناتهم النفسية ومؤثراتهم الثقافية والاجتماعية.. ولابد من الاندماج بالمجتمع، والمشاركة معه وفيه كجزء منه، بدلا من التفرج عليه والاكتفاء بلعب دور (الضيف)، وترديد (فطوبى للغرباء)(1).. إذ أن (الغربة) المقصودة هنا لا يراد بها الانعزال والمقاطعة وإخلاء الساحة، بل تعني : إبراز (الإيجابية) التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم في مواجهة الحالات السلبية، وعدم اليأس والقعود واعتزال المجتمع، إذ (بدأ الإسلام غريبا) حقا، كما أخبر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ولكنه لم يرضخ لتلك الغربة، بل غيّرها إلى وضع إيجابي صحيح، وعلى المسلمين أن يكونوا كذلك، (فطوبى للغرباء) الذين لايخافون في الله لومة لائم، ولا يقعدون دون بلوغ الغاية وأداء الأمانة والواجب!.
والأمر الذي يهمنا الإشارة إليه هنا، أمر يتعلق بالتخطيط المنهجي الذي تتبناه الحركات والجماعات الإسلامية، وسنحاول اختصاره فيما يلي:
دأبت أكثر الحركات الإسلامية عند وضع الخطط والبرامج –وذلك بطبيعة التكوين الحزبي التنظيمي الذي تسير عليه – على عدم الأخذ بنظر الاعتبار ما هو خارج دائرتها التنظيمية، وإهماله، أي أن الحركات الإسلامية – بعبارة ثانية – لا تضع في حسبانها غير أفرادها ومؤيديها عند وضع الخطط والبرامج المختلفة!.. وهي بذلك تقع في خطأين قاتلين: الأول أنها بذلك تزيد الحواجز بين أفرادها وبين بقية أبناء المجتمع، أي أنها تشجع الروح الحزبية في الممارسة والسلوك، وفي الفكر والنظرية.. والثاني: أنها تَخْسر، وتُخْرج بذلك من حسابها، الكثيرَ من الطاقات الموجودة في المجتمع، ولكن غير المنتظمة في سلك الجماعة أو الحزب.. وإذا كان ذلك يصح عند الآخرين، فإنه مما لا ينبغي أن يكون عند يدعون أنهم تواصل وامتداد لتراث الأمة وتاريخها.. ولا يصح للجماعات الإسلامية أن تنسى هدفها الأصلي والأساس: وهو نشر الإسلام، وإعادة تحكيمه في الحياة، لتنشغل بالوسيلة نفسها (أي الحزب) ، على حساب تلك الأهداف السامية.. وشعار الجماعات الإسلامية في هذا المجال معروف، وهو: (نحن ندعو بتنظيم، لا إلى تنظيم)، فالتنظيم والحزب والجماعة ما هي إلا وسائل لخدمة الإسلام، ونشره، ودعوة الناس إليه، وتلك هي المهمة التي تعبدنا بها الله رب العالمين: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...}النحل125
نعم! فإن الجماعات والأحزاب الإسلامية ما لم تلتفت إلى مهمتها الأساسية، وما لم تضع في اعتبارها أن الأجهزة الحزبية ليست بديلا عن المجتمع، ولكنها أجهزة ريادية تقتحم وتخطط، وتتحمل الوزر والأجر، وهي لا تفعل ذلك رياء وسمعة، ولا لكي تنفرد دون الآخرين، وتعيش حياتها بمعزل، بل هي رائدة لمجتمعها وقومها، والرائد لا يكذب أهله، ولا يخونهم، ولا ينفرد دونهم!.. وبعبارة أخرى، فإن العمل الإسلامي ما لم يخرج من إطار التفكير والتخطيط الحزبي، فإنه سيظل يخبط في خطواته، ولن يتمكن لا من وضوح الرؤية، ولا من تحقيق الأهداف.. وسيبقى (الحاجز الحزبي) قائما يحول دون تحول الجماعات الإسلامية إلى حركات جماهيرية ضخمة تعبىء الشعوب بأكملها. ستبقى – كما هو الحال اليوم – حزبا من الأحزاب، ورقما بين الأرقام.. وإذا كان ذلك – من حيث الطبيعة الحزبية والعمل السياسي – أمرا طبيعيا، فإنه – بلحاظ الأهداف والتوجه الشمولي العالمي للإسلام – يغدو قصورا واضحا وعجزا عن ريادة المجتمع وقيادته..
ونعود إلى تأكيد ما طرحناه، وهو ليس بالجديد، ولا هو من عندياتنا، إذ أن الأصل أن تعمل الحركات الإسلامية للوصول إلى إقامة المجتمع الإسلامي.. ومن المعلوم أن حركةً إسلامية مهما بلغت من النضج والجماهيرية، لن تستطيع ، ولن يكون لها، أن تستوعب جميع أفراد المجتمع؛ إذ سيظل هناك أفراد مسلمون يفضلون أن يكونوا خارج دائرتها، وسيظل هناك أفراد ينتمون لجماعات إسلامية أخرى عاملة في الساحة، هذا فضلا عن جماهير الأحزاب غير الإسلامية.. وبالتالي فإن الحركات الإسلامية مطالبة بأن تأخذ بعين الاعتبار في تخطيطها، كل هذه القوى والطاقات التي تعمل بعيدا عنها.. وبغير ذلك لن تفلح في الحركة بالمجتمع حركة جسم واحد!..
ولكي نضع النقاط على الحروف، نقول: إن الحركات الإسلامية يوجد لديها عادة، في أي مجال من مجالات التخصصات المهنية أو العلمية، عدد محدود من الأشخاص( قل أو كثر)، في حين أن الموجود خارجها – بطبيعة الحال – عدد كبير جدا، فليس من المعقول والحال هذه، أن تخطط الحركات الإسلامية للمستقبل على أساس ما هو موجود عندها فقط، وتهمل أو تنسى ذلك الزخم الجماهيري غير الملتزم بخطها، ولكن الدائر في فلك الإسلام والملتزم به منهجا ودينا ( إلا إذا كانت تريد تغليب المصلحة الحزبية والتفكير الحزبي، وآنذاك فإن عليها أن تتنازل عن ادعاءاتها الكبيرة في تغيير المجتمع وأسلمته، وريادته في طريق الحق والخير).
ووضع مثل هذه الطاقات في الاعتبار، عند التخطيط، لا يعني – كما أوضحنا – التفكير في كسبها إلى (التنظيم)، ولا يعني ضرورة اللقاء المباشر أو التفاهم معها، فالتخطيط يحدد أهدافا، ويضع الوسائل لتحقيقها، وهو يعتمد على لغة الكم والأرقام.. وأما الأشخاص بأعيانهم وأشخاصهم، فلا تدخل في مهمات التخطيط.. إن التخطيط بطبيعته يجب أن يكون شاملا، يأخذ في اعتباره جميع مفاصل وطبقات المجتمع، بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة.. ومن غير ذلك سيظل التخطيط قاصرا غير متكامل، ليست له القدرة على الحركة بالمجتمع، ولن تكون له تلك التأثيرات الحضارية المطلوبة!.

1-حديث صحيح رواه الإمام مسلم وآخرون. 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق