02‏/02‏/2015

أنا هو أنا.. مسلم كوردي كوردستاني.. لست شارلي ايبدو.. ولا داعش..

أحمد الزاويتي
الذين هاجموا هيئة تحرير جريدة (شارلي ايبدو) في (باريس)، وقتلوا اثني عشر شخصاً، ارتكبوا جريمة، وعلينا - نحن المسلمين - أن ندين العملية قبل غيرنا، لا من منطلق المجاملة، بل من منطلق أن الإسلام نفسه يدين ذلك.
(فرنسا)، دولة عرفت عنها علمانيتها، وديمقراطيتها، وحريتها، وتميزت بالتعايش بين مكوناتها وأديانها وثقافاتها، وقد استفاد من هذه الأجواء المسلمون قبل غيرهم. فالإسلام هو من بين أهم الأديان في (فرنسا) حالياً، وهو ديننا الذي نفخر بانتمائنا إليه، وأحد أهم أعمدة العقيدة فيه، هو
أن (لا إكراه في الدين)، وأن الحوار وتبادل الآراء هو سبيل الوصول إلى القناعات المختلفة. ولهذا عاش المسيحيون، وغيرهم من الطوائف والنحل، على أرض الإسلام، منذ مئات السنين، معززين فكرة أن الأساس في الإسلام هو القناعة لا الإكراه، ومن ثم التعايش بين الجميع.
ما يقوم به البعض باسم الإسلام، من قتل الآخرين، كما حدث مع (شارلي ايبدو)، ليس من الإسلام في شيء، بل هو يصيب الإسلام قبل غيره، مثلما أصاب الإرهاب، المستشري حالياً في العالم الإسلامي، المسلمين في ديارهم أكثر من غيرهم! إن أبسط إحصائية ستشير إلى أن المسلمين في أوطانهم، هم الضحية الأولى لهذا الإرهاب.
يؤلمنا أن تصبح فرنسا الحرية والديمقراطية هدفاً لإرهابٍ باسم الإسلام، وهذا ما وقع في يوم الأربعاء 7/1/2015! نعم فرنسا، وقيمها، هي التي أصبحت هدفاً، وليس جريدة (شارلي ايبدو)، التي نختلف نحن - كمسلمين – معها في توجهاتها، وخاصة في قضية التعرض لقضايا مقدسة في الإسلام، كالسخرية من نبينا (محمد) صلى الله عليه وسلم، فهذا ما لا يُقبل به إسلامياً، لكن أيضاً لا يمكن مواجهة ذلك بالقتل والإرهاب. ففي الإسلام تتم مواجهة الأفكار بالأفكار، والقناعات بالقناعات، والحجة بالحجة، وليس بالقوة، أو بالقتل والإرهاب.
 ما نراه بأعيننا في سوريا والعراق، وما وصل إليه الأمر، نتيجة إرهاب مستشر، هو أن الإرهابيين يقتلون، ثم يبحثون عن مبررات لقتلهم، ويتكلفون في ذلك، باحثين عن نصوص ليفسروها في غير محلها الحقيقي، حتى إذا لم يجدوا نصوصاً، استندوا إلى اجتهادات لا تعتمد أي دليل من الكتاب والسنة! ومثل هذه العمليات الإرهابية لا تستهدف أحداً بعينه، بل تستهدف الجميع، إلا أن دولاً     - كفرنسا - بإمكانها الوقوف بوجه مثل هذا التهديد، وهي تعرف كيف تتصرف مع المهددين لأمنها وحريتها وديمقراطيتها.
لست (شارلي ايبدو)، بل أدينها، لسخريتها بمقدساتنا وبنبينا، وأرد عليها بما هو أحسن، من منطلق الآية الكريمة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، واقتداء بالوصية الإلهية لأحد الأنبياء الكرام، عندما ابتعثه الله إلى أحد الطغاة: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، والتزاما بالإرشاد الإلهي في كيفية التعامل مع من يسخر من دين الله، عندما وجهنا بأننا إذا ما صادفنا مجالس يستهزأ فيها بالله، فليس أمامنا إلا تركها: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا، فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ، إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً). ونعرف كيف أن المنافقين في المدينة كانوا يستهزؤون بالإسلام كدين، وبالرسول نفسه (صلى الله عليه وسلم)، إلا أن تصرف الرسول تجاههم كان واضحاً، عبر عنه القرآن الكريم بقوله: (ومنهم الذين يؤذون النبـي، ويقولون هو أذن، قل أذن خير لكم، يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم).
 لست (شارلي ايبدو)، لكنني أتعاطف مع فرنسا والفرنسيين في مصابهم، من منطلق إسلامي، باعتبار أن الإسلام لا يقبل بذلك. ومن ثم أتعاطف معهم من منطلق أنني كوردي، لأن فرنسا هي التي تعاطفت مع شعبـي في محن ومآس مرت علينا. فلا نزال نتذكر موقفها في الهجرة المليونية، عندما هربنا كشعب من إرهاب دولة ونظام، عام 1991، ولم يكن بين أيدينا ما ندافع به عن أنفسنا، حينها كان يموت المئات من أطفالنا ونسائنا ومرضانا في الجبال، على الحدود بين العراق من جهة، وتركيا وإيران من جهة أخرى، ناهيك عن أننا فقدنا عشرات الآلاف من خيرة شبابنا ورجالنا، بعد أن قتلتهم آلة الحرب لنظام إرهابي، لم يكن يعطي للحرية، ولا للديمقراطية، ولا أي حق من حقوق الإنسان، قيمة تذكر. لهذا فأنا ككوردي أعرف حق المعرفة، قبل أي إنسان آخر في هذه الدنيا، ماذا يعني الإرهاب، وماذا يستهدف، ولماذا يجب أن نقف جميعا ضده؟
(دانيال ميتران) زوجة الرئيس الفرنسي السابق (فرانسوا ميتران)، عرفت بـ(صديقة الشعب الكوردي)، لأنها هي التي طارت حينها إلى الهاربين من الإرهاب، وعاشت معهم محنتهم، وحركت التعاطف الفرنسي والعالمي تجاهنا، وكانت هي جزءاً من حركة، شكلت - لأول مرة - موقفاً دولياً مشتركاً متعاطفاً معنا، ليكون بعد ذلك القرار رقم 688، والصادر عن (مجلس الأمن)، يوم الخامس من أبريل/نيسان 1991 م، وتشكلت بموجبه (المنطقة الآمنة) في شمال العراق، لتكون بداية تشكيل كياننا السياسي، الذي تطور إلى ما يسمى حاليا بـ(إقليم كوردستان العراق).
ومنذ عام 2003 أصبح إقليمنا مأمناً للهاربين من الإرهاب، من مسيحيين ويزيديين وشبك وكاكائيين، بل ومن مسلمين عرب سنّة، طالما وقفوا ضد مطالبنا ككورد في العراق! هذا الإقليم الذي تحول لنواة كيان سياسي على وشك التشكل، يختلف كثيراً عما حوله من تجارب حكم، ويحاول أن يكون تجربة تقتدي بدول كفرنسا، لا بنظام من أنظمة حكم قمعية، حولت المنطقة إلى بيئة ينمو فيها الإرهاب، سواء باسم الدين، أو الطائفة، أو القومية.  
لهذا فنحن الكورد، عندما نفكر بالمآسي التي وقعت علينا، نتذكر فرنسا. ففرنسا، والفرنسيون، دائماً كانوا هم المتعاطفون معنا، عندما كنا - ولا نزال - ضحية الأنظمة الدكتاتورية الظالمة، في العراق وسوريا وإيران وتركيا. وها نحن اليوم في (إقليم كوردستان العراق)، وكذلك في كوردستان الغربية (سوريا)، ضحية الإرهاب الأعمى، الذي أصاب (فرنسا) جزء بسيط منه. لقد أصبحت فرنسا هدفاً لهذا الإرهاب، الذي يقف في طريق مده: البيشمركة الأبطال، والمقاتلون الكورد في (كوباني).
وفي الوقت الذي كنا في بداية وضعنا لأولى لبنات الديمقراطية، ضمن كيان سياسي كوردي تشكل جديداً، نسعى من خلاله إلى تطوير منطقتنا ثقافياً وفكرياً، بصورة تختلف عن المحيط الذي نعيش فيه، وجدنا أنفسنا أمام جبهة حرب مفتوحة مع إرهاب مدجج بأكثر الأسلحة تطوراً، يهددنا به آلاف الإرهابيين المتطوعين من كل بلاد العالم، وعلى طول مئات الكيلومترات.. إرهاب يهدد وجودنا وديمقراطيتنا.. ولهذا فنحن نعيش الآن معركة الوجود أو اللاوجود، وهي معركتنا المصيرية التي وجدنا أنفسنا فيها دون إرادتنا.
يومياً يُقتل العشرات من خيرة رجالنا في هذه الحرب، لنكون جبهة صد أمام الإرهاب الذي يريد أن يتمدد، والذي يستهدف كل ما هو جميل في عالمنا.. يريد أن يقتل البسمة الجديدة التي تشكلت مؤخراً على وجه الطفل الكوردي.. يريد أن يقتل الطمأنينة التي تشكلت في قلب الأم الكوردية، والتي طالما كانت في عزاء، جرّاء قتل أبنائها على أيدي النظام الدكتاتوري الإرهابي المنحل.. ويأتي إرهاب (داعش) ليزيل تلك الطمأنينة، ويريد أن يقتل الحرية التي تشكلت جديداً، ويقتل الأمن والأمان الذي تميز به إقليم كوردستان، ويقتل محاولات اللحاق بركب التطور والحضارة، وفرنسا كنموذج، بل يقتل كل شيء فينا، بل يقتل وجودنا كي لا نكون.
نعم يقتل العشرات من رجالنا يومياً، ورغم ذلك نفتخر، لأننا جزء من هذه الجبهة التي تقف في وجه هذا الإرهاب، الذي يريد إزالتنا من هذا الوجود.. لكل هذا نحن نشعر بالألم أكثر من غيرنا، عندما يصيب الإرهاب أي مكان في العالم، ونشعر بالتعاطف مع ضحاياه أكثر من غيرنا.
هذا هو أنا مسلم كوردي كوردستاني..
لست لا (شارلي ايبدو).. ولا (داعش)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق