عمار وجيه
التقارير
التي يتناقلها الناس حول أوروبا في العصور المظلمة، وكيف أنهم لم يكونوا يغتسلون
إلا مرّتين في السنة، فيها معانٍ كثيرة وواضحة. لكن ما خطر في بالي أن أقارن أوروبا
اليوم بأوروبا الأمس، فالمواطن الأوروبي والأمريكي اليوم صار يغتسل كل يوم، يختتن،
يستحدّ، ويطبق الكثير من سنن الفطرة. المواطن الغربي اليوم لم يعد ملتصقاً بوثنيات
الكنيسة، كما كان بالأمس، بل إن نسبة كبيرة، وربما تبلغ ٥٠٪ في بعض البلدان، لا
يهتمون بالدين، وبعضهم أقرب إلى الإلحاد.
المواطن الغربي اليوم أصبح
صديقاً للكون، ولم يعد يؤمن بخرافات السابقين بأن الأرض مسطحة، بل يعيش في كل
دقيقة مع google map، سيّما إذا أراد السفر أو الذهاب إلى
مكان لا يعرفه؛ كلّ من لديه سيارة - في الغالب - يضع جواله على الداشبورد
(الدشبول) ليتابع تعليمات google.
المواطن الغربي اليوم يحب
الحياة إلى درجة أنه اصبح يؤمن بالسلام إلى حدّ الخوف. وليس هو من يحرّك في الناس
الكراهية، بل المؤسسة السياسية، والمنظمات المتصهينة، والمهووسون، ومروّجو
الكراهية.
لكن في نفس الوقت، صار
المواطن الغربي، ونتيجة للحرية غير المنضبطة، جباناً، مادياً، يخاف سطوة القانون،
وقلّما يخاف الله.. ساذجاً، مغفلاً، مسيّراً من الإعلام، إباحيّاً.. لا يتورّع عن
احتساء الخمور والمخدّرات.. يمكن للآخر أن يفسده ويرشيه.. لماذا؟ لأنه بالرغم من
مقته لهرطقات رجال الدين في العصور الوسطى، اختار الإلحاد لا الإسلام، بمعنى أنه
خلع ثوب الخرافة والنجاسة، واختار أن يتعرّى نفسياً، ولم يرتدِ ثوب الطهر الذي
يريده الإسلام، فصار عرضةً للأوبئة والأمراض الاجتماعية والنفسية. { يَا بَنِي
آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ
التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ،
ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
مع ذلك، وفي هذا الوضع الذي
نراه، أصبح الغرب شعوباً أقرب للإسلام. فمن يتعامل مع النواميس الكونية بالتزام
واحترام وصداقة وبمنهجية علمية، ويختار أن يكون صديقاً للجمال والحياة والصحة
والنظافة والسلام، خير بألف مرّة من كائنات الغاب ووحوشها.
قد أبالغ إن قلت إن العالم،
ربّما في عشرين أو ثلاثين عاماً قادمة، سيبدأ فعلاً بالانقسام؛ بين مجاميع ستصطفّ
مع السلام والإسلام والقضايا العادلة في كل العالم؛ من عدالة توزيع الثروات، وحقّ
التعليم، ومنح فرص العمل، والكرامة الإنسانية، وهؤلاء هم القريبون من الإسلام
(خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام إذا فقهوا)، وبين مجاميع تلهث وراء النفوذ
والجشع والشهوات والشذوذ، وهؤلاء هم أزلام الدجال ودجاجلة كل عصر.
المقصد من هذا المقال، أن
نوسع مداركنا ونحرص على إقامة علاقات مع كل من يرجى فيه خير للإنسانية، لأنه
الأقرب. نظرتنا يجب أن تكون وسطية بين من ينظر إلى العالم نظرة ثنائية، فيتلّذذ
بالتكفير، لأنه لا يكلّفه شيئاً سوى أن يطلق زفرات غضبه على الآخر، وبين أرباب
الميوعة والانحلال الذين يدعون الإنسانية بلا ضوابط، وبدلاً من أن يرفع الآخر من
مستنقع الجاهلية، ينقلب هو على وجهه، قافزاً إلى ذلك المستنقع. وإذا به بعد أن كان
ملتزماً بالدين والخلق يتحول إلى كائن مخنّث.
الغرب وشرق آسيا، شعوب
ارتقت في العلوم والمعارف، ونحن لن نواكبهم ربما في خمسين عاماً قادمة، فلنتحاور
معهم ونهديهم إلى صراط العزيز الحميد. عندها سيتغيّر وجه العالم، وتتبدّل
التعريفات، من دول العالم المتقدّم والعالم الثالث ونحو ذلك، إلى دول السلام والإسلام،
ودول الكفر والكراهية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق