كتبه: الدكتور محمود محمد علي الزمناكويي
ترجمة: الأستاذ هريم جمال الهروتي
لا يفرّق السبحاني بين المصطلحَين: ــ الحكمة،
السُنّة ــ، ويعرف السُنّة بتعريف الحكمة، ولا يری بأساً في أن بعض المفسّرين([1])،
فسّروا الحكمة بالسُنّة، ولكن الفرق بينه وبينهم، في تعريف ومضمون الحكمة
والسُنّة، يتمثل في جانبين: نظري وعملي.
ففي تعريف السُنّة يقول السبحاني: "السُنّة:
هي الطريقة الصحيحة لتطبيق كتاب الله، ولذلك تُسمَّی الحكمةَ"([2]).
ويقول في موضع آخر: "ثم إن الحكمة منها
ما قد جاء به كتاب الله، ومنها ما قد فعله أو قاله أو قرّر عليه رسول الله ــ عليه
الصلوات والبركات ــ في حياته الفرديّة، أو في حياته الأسريّة مع أزواجه ــ عليهنّ
رضوان الله ــ، أو في حياته الاجتماعيّة مع السابقين الأوّلين من المهاجرين و
الأنصار ــ عليهم رضوان الله ــ"([5]).
ولا ريب أنَّ ذلك واحد من تجديدات السبحاني في
مفهوم السُنّة، الأمر الذي لم أرَ أحداً يتحدث عنه هكذا، وهو ــ مع الأسف ــ لا
يشير إلى أي مصدر أو خيوط!.
العلاقة
بين القرآن والسُنّة والسيرة عند السبحاني
في البداية قلنا: إن القرآن عند السبحاني، هو
محور كل موقف ونظرية وقرار، لكل بُعد ومجال وناحية من الحياة، فلذلك لا تفترق
السُنّة من هذه القاعدة.
لذلك، يقول مطمئناً: "إن حياة الرسول
النسخة العملية لكتاب الله؛ أي لا وجه لأن ننظر إلى ما نعلم أنه من حياة الرسول
بغير النظرة التي ننظر بها إلى كتاب الله، ونحن نعلم أنه ما كانت حياته إلا القرآن"([6]).
والقصد بأن سنّة النبي هي الجانب العملي
للقرآن، بمعنی أن النبي في حياته، قد جسّد معاني القرآن ومقاصده للناس عملياً،
فلذلك: القرآن والسُنّة شيء واحد لا يمكن التفريق بينهما، فالسُنّة مبيِّنة
ومفسِّرة للقرآن، والمبيِّن والمبيَّن أمر واحد.
ولتوضيح رأيه أكثر، علاوة علی ما ذكرنا، نمثّل
بما يتحدّث القرآن عن الوضوء نظريّاً: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرَافِقِ﴾([8]).
فيأتي النبي يمثّل ذلك لأصحابه عمليّاً، فهل
يمكن أن يقال إن هذين الشيئين مختلفان؟ أو السُنّة هي المصدر الثاني للتشريع؟!([9]).
بل في موضع آخر يعلن صريحاً ويری أن كلاًّ من
المصطلحات الثلاثة: (الحكمة والسُنّة والسيرة) تعبّر عن مضمون واحد. حقّاً إن
السُنّة والسيرة المقبولة عند السبحاني، هي التي توزن بميزان القرآن.
يقول السبحاني: "وإذا تذكرنا، أن الحكمة
الطريقة الوسط في تطبيق أصول العمل الصالح، وأن السيرة والسُنّة تلك الطريقة
-كذلك-، أدركنا أن الحكمة (من جانب) والسيرة والسُنّة (من جانب آخر) أمر واحد،
ولأن الحكمة مُعظَم القسم الثابت منها -وهو القسم الأهم منها- مذكورة في كتاب
الله، فإن معظم السيرة والسُنّة النبويّة في كتاب الله"([10]).
وفي البداية، نقلنا عن السبحاني أنه يری: أنه لو
وجد باحث خبيرٌ، فإنّه يستطيع أن يستنبط جميع السُنّة وتاريخ رسول الله (صلى الله
عليه وبارك) والصحابة من القرآن([11]).
ويسأل متعجّباً فيقول: "هل السُنّة غير
القرآن، حتی ــ إن لم يوجد شيء في القرآن ــ نفتقر إلی السُنّة؟!"([12])، وذلك لأن السُنّة عند
السبحاني ــ كما أشرنا إليه من قبل ــ هي:
۱ـ حياة النبي الفردية.
۲ـ حياة النبي الأسرية.
مكانة
السُنّة عند السبحاني
يبدأ السبحاني هذا الموضوع بهذه القاعدة
الأصولية المشهورة، التي تقول: (السُنّة هي المصدر الثاني للتشريع)، وهذا ليس موضع
جدال بين العلماء.
يقول الشاطبي: "رُتْبَةُ السُنّة
التَّأَخُّرُ عَنِ الْكِتَابِ فِي الِاعْتِبَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ
أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْكِتَابَ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَالسُنّة مَظْنُونَةٌ،
وَالْقَطْعُ فِيهَا إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي التَّفْصِيلِ:
بِخِلَافِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ،
وَالْمَقْطُوعُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَظْنُونِ؛ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ
تَقْدِيمُ الْكِتَابِ عَلَى السُنّة"([14]).
ولكن هذا يفسّره السبحاني بأمرين:
الأول: إن كان المراد بهذه القاعدة: أن
القرآن قد أخذ المرتبةَ الأولى في الحجّية، والسُنّة المرتبة الثانية؛ لأنهما شيئان
مختلفان، فبعض الأشياء موجودة في السُنّة، وليس في القرآن. فالسبحاني ينقد هذا
التفسير بشدّة، بهذا النوع الذي ذكرناه، والمتمثّل في أن السُنّة مُبيِّنةٌ
للقرآن، والمبيِّن والمبيَّنُ شيء واحد([15]).
الثاني:
وإن كان المراد، أن ثانوية المرويّات في المصدرية، إنما تكون في طور إثباتها،
والقول بأنها من السُنّة، حيث يتوقّف القول بذلك على الرجوع إلى كتاب الله؛ لا في
الحجّية التي تثبت للمرويّ بعد ثبوت كونه من رسول الله ــ صلى الله وبارك عليه وعلى آله ــ؛ فإنه لا
وجه لأن نجعل ما ثبت كونُه من الرسول في المرتبة الثانية في الحجّية، ونحن نعلم أن
حياة الرسول النسخة العملية لكتاب الله([16]).
هذا الموضوع ــ أي ترك العمل بالسُنّة، قبل
الرجوع إلی القرآن ــ يحتمل كلاماً أكثر، لذلك نفصّل فيه، فيما بعد.
مقامات
الرسول والعصمة عند السبحاني
يذكر السبحاني هذا الموضوع في عدة مواضع و يری
أن النبي (صلى الله عليه
وسلم) له ثلاث مقامات:
الأول: مقام النبوة؛ لأن النبي هو
المتلّقي والأمين لوحي الإله.
الثاني:
مقام الرسالة؛ لأن النبي مبلّغ هذه الرسالة، التي جاءت إليه من عند الله وحفظه،
بدون زيادة أو نقصان.
الثالث:
مقام الإمامة؛ لأنه قدوة المؤمنين، في اتّباع هذه الرسالة وتطبيقها، والتي تلقّاها
وحفظها وبلّغها لعباد الله؛ لكي يتقدّمهم للعمل بهذه الرسالة التي بلّغها لهم([17]).
ثم يقسّم الإمامة إلی ثلاثة أقسام:
تقسيم السبحاني هذا لمقامات الرسول، ليس
بجديد، له وجود عند العلماء، وإن كان ليس بالتعبير والشكل الذي عند السبحاني.
مثلاً: الإمام (القرافي) في: (الفرق السادس
والثلاثون بين قاعدة تصرّفه صلى الله عليه وسلم بالقضاء، وبين قاعدة تصرّفه بالفتوى،
وهي التبليغ، وبين قاعدة تصـرّفه بالإمامة) يقول:
"اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
الإمام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو صلى الله عليه وسلم إمام
الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء، فجميع المناصب الدينية فوَّضها الله تعالى
إليه في رسالته"([19]).
وعصمة الرسول يفسّرها الشيخ السبحاني هكذا:
1ـ
معصوم من جانب النبوة، بمعنی أنه غير ممكن أن يتلّقى الكلامَ الكذب، أو الوسوسة
الشيطانية، يظنها وحياً من الله، ولا يختلط عليه الوحي الإلهي مع غيره.
2.
معصوم من جانب الرسالة، بمعنی تلك الرسالة التي أرسلت إليه، يبلّغها بدون زيادة أو
نقصان، وإنَّ عصمة النبوة والرسالة، إنما هي من أجل الرسالة، لا من أجل حامل
الرسالة.
3.
أما من جانب الإمامة، فليس بمعصوم من الخطأ، لكن ليس بمعنی أنه يُذنب؛ لأن الخطأ
ليس بذنب؛ ولأن بعض الأخطاء اجتهادية ويترتّب عليها الثواب([20]).
وسمّیت هذه الحالة بــــ(مراقبة التطهير والإصلاح)،
ويقول أيضاً: "إنَّ الإمامة كالنبوة والرسالة محاصرة بمراقبة الله، ولكن ليس
مراقبة العصمة، بل هي مراقبة التطهير والإصلاح، يقع في الخطأ من جانب الإمامة، ثم
يسعفه الوحي، فيعالج له خطأه"([21])، والذي لم ينزل فيه وحي،
فهو (صلى الله عليه وسلم) مصيب فيه([22]).
فهذه هي النقطة المميّزة الجوهرية بين الرسول
وبين غيره في جانب الإمامة؛ لأنه في جميع الأمور والمعالم الشخصية، إنما جعل فرداً
واحداً أسوة وإماماً، وهو الرسول:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾([23]).
حتی شخصية مثل أبي بكر لا يمكن أن يُتّخذ أسوة
في جميع الأمور الشخصية؛ لأن النبي لو أخطأ في تجسيم معاني القرآن، يأتيه الوحي
فيصحّح له، لكن هذه الفرصة لم تُسنَح لأي إنسان آخرَ. أما في الحياة الاجتماعية،
فيلزم اتّباع النبي واتّباع إجماع جمع السابقين الأوّلين، من المهاجرين والأنصار.
هنا يری السبحاني: أن بهذا التبيين، يُزال
الخلاف الواقع بين العلماء في العصمة([24])، لذلك يقول: "بهذا
النوع يرفع الإشكال، لا يبقى مكان لهذه الاختلافات، يقول أحدهم: النبي معصوم،
والآخر يقول: ليس معصوماً، هذا حاصل بسبب عدم وضوح المقامات المختلفة للنبي:
(النبوة، الرسالة، الإمامة)، وعدم إدراك مضمون كل مقام على حقيقته"([25]).
الضوابط
المتعلقة بالراوي عند السبحاني
وهذه الشـروط يقبلها السبحاني، لكن بتفسير
وتأصيل، وبعض المرات بمضمون مختلف، وقد شرح هذا الموضوع في رسالته (علوم الحديث)
مفصّلاً.
ومعلوم أن مصدر السبحاني لدراسة مثل هذه
المواضيع والمسائل، كان ـ كعادته ـ هو القرآن وحده.
إذ يعتقد السبحاني: أن أيّ عضو صالح نافع في
المجتمع، يجب أن يتحلّی بخصلتين، خصلة عامة، (كالصدق، والأمانة، وغيرها)، وخصلة
خاصة، (كالخياطة، أو أي مهارة حياتية أخرى).
ولبيان ذلك، يقول القرآن: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الْأَمِينُ﴾، فإنَّ الأمانة من الخصال العامة، التي
ينبغي أن تكون وصفاً للناس كلّهم، من رُعاتهم وزرّاعهم وصنّاعهم وعُمّالهم وغيرهم.
والقوة من الخصال الخاصة، التي يكون المرء المتصف بها راعيّاً.
وعن الموضوع نفسه يقول النبي يوسف: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي
حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، فإن الحفظ من الخصال العامة، والعلم
بشؤون خزائن الأرض من الخصال الخاصة.
وإذا كان كذلك، فلا بدّ ــ في مجال تلقّي ما
يُروى من بيان أقوال رسول الله ــ صلى
الله وبارك عليه ــ وأفعاله وتقريراته، من اتّصاف الراوي بما له علاقة قريبة بأمر
الرواية من الخصال، وذلك الإيمان والتقوى، الأمر الذي يعبَّر عنه بالعدالة، ومن
اتّصافه بالمهارة في مجال الرواية، الأمر الذي يعبَّر عنه بالضّبط([27]).
بهذا النوع من التفسير يؤصِّلُ الموضوع ويربطه
بالقرآن. وهذا ـ بنظري ـ هو التجديد الذي فعله السبحاني في هذا الموضوع.
1.تعريف
الصحابة وعدالته عند السبحاني:
السبحاني
ــ في بداية هذا الموضوع ــ يعترف بأن المحدّثين وضعوا الضوابط والمعايير
الجيّدة للعدالة، لكن بعد ذلك ينتقدهم في بعض المواضيع المتعلقة بالعدالة([28]).
أ. تعريف
الصحابة عند السبحاني:
يبدأ في البداية بتعريف الصحابة، وينقل عن
العلماء، أنهم قالوا في تعريف الصحابة: "الصحابي من رآه رسول الله، أو رآه هو،
مؤمناً"([29]).
فالسبحاني
ينتقد هذا التعريف، معتمداً في ذلك على بعض الأدلة:
الدليل
الأول: من الجانب النفسي والتربوي:
يقول: "فلم يكن ينبغي أن يقوله ــ أي
التعريف ــ من يعلم الفرقَ بين ما يُنشئه قضاءُ بضع سنينَ في ملازمة إمامِ الهدى
من الملكات الطيبة، والأخلاق الحسنة، وبين ما يَحدث في لقاءات عابرة، وزيارات
عاجلة، من أحوال عارضة زائلة!"([30]).
هنا يرجعنا السبحاني إلی هذه القاعدة، التي
استوظفها ههنا، وآمن بها، وهي أنه لا يُعبأ بإيمان وخلق وعمل، لم يصبح خصلةً
وملكةً في صاحبه، بمعنی أنه قد ترسخ في قلب صاحبه إلی حدّ، لم يستطع مفارقته
أبداً، ويمثّل بذلك الشخص الذي يتدرّب علی مهنة الخياطة، فإنه لا يقال له خيّاط،
ما لم تصر ملكة فيه، بحيث لو تركها لم يَنسَها([31]).
الدليل
الثاني: من الجانب اللغوي:
يعتقد السبحاني: أن هذا التعريف لا يتوافق مع
التفسير اللغوي لهذه الكلمة، لأن: (صاحب) مأخوذ من جذور كلمة (صحبة)، بمعنی كثرة
الصحبة والملازمة لشخص ما.. ويطلق على شخص صحب شخصاً ولازمه مدة طويلة، بحيث أخذ
منه من الأمور، حتی يصح أن يقال له: هو صاحب له، لا بلحظة ونظرة، ويوم وعشرة أيام،
وعشرون يوماً. كما يقال: أصحاب الشافعي، أو الحنفي([32]).
وبالرجوع إلی اللغويين، يتبين ذلك، يقول
الراغب الأصفهاني: الصَّاحِبُ: الملازم، إنساناً كان أو حيواناً، أو مكاناً، أو
زماناً، ولا فرق بين أن تكون مُصَاحَبَتُهُ بالبدن ــ وهو الأصل والأكثر ــ، أو
بالعناية والهمّة... ولا يقال في العرف إلّا لمن كثرت ملازمته... والـمُصَاحبَةُ
والاصطِحَابُ أبلغ من الاجتماع؛ لأجل أنّ المصاحبة تقتضـي طول لبثه، فكلّ
اصطِحَابٍ اجتماع، وليس كلّ اجتماع اصطحاباً([33]).
وفي هذا السياق يقول المناطقة: بين الاصطحاب
والاجتماع عموم وخصوص مطلقين، بمعنی: أن كلمة اجتماع عامة، وكلمة اصطحاب خاصة.
الدليل
الثالث: من الجانب المنطقي والواقعي:
يقول رسول الله: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي،
فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ
ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)([34]).
فلا يمكن أن يكون جميع المؤمنين في عصر الرسول
صحابة، وإلا يُطرح هذا السؤال: إلی من يتوجّه هذا الخطاب، إنْ كان جميع المستمعين
صحابة؟!.
من هنا يتبيّن أن الصحابة هم فئة خاصة من المتربين
على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يعتقد السبحاني: أنهم هم السابقون
الأوّلون من المهاجرين والأنصار، ويشمل ذلك المؤمنين الذين آمنوا بالرسول قبل
هجرته إلی المدينة([35]).
ويبدو أن هذا ليس رأي السبحاني وحده، بل ابن
السمعاني سبقه إلى ذلك، ويری أنه من الجانب اللغوي والظاهري، يطلق لفظ (الصحابي)
على من عايش الرسول كثيراً، وعزا ذلك إلی الأصوليين([36]).
وكذلك هو رأي الباقلاني، والغزالي، مع أنهما
يقولان: وإن كان من الجانب اللغوي يستوي اللفظان، سواء أكانت مصاحبة قليلةً، أم
كثيرةً، ولكن العرف خصّص الصحبة بمدة طويلة([37]).
إذن هذا التعريف، ليس من إبداع السبحاني، لكن
الذي أبدع فيه السبحاني، هو إيجاد أساس لمعرفة الصحابة، وتأصيله وتحديده،
بالاعتماد علی القرآن، والذي يرى أنهم هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار
وحدهم.
ب ـ عدالة
الصحابة عند السبحاني:
وادّعاء الإجماع كلام غير مقبول، بل يوجد خلاف
في ذلك، حيث يری البعض: أن الصحابة كغيرهم يجب البحث فيهم([39]).
لكن السبحاني ينظر إليه ويفسره بنوع آخر،
فيقول: "فإن كان المراد به أنَّ كل الذين كانوا مؤمنين به حقاً عدول فصحيح،
فإنّ كل مؤمن عدلٌ؛ ولكنّ ذلك لا يُعفينا عن البحث ـ في حدود الإمكان ـ لتمييز من
هم مؤمنون حقاً عن غيرهم. وإن كان المراد أنَّ الذين كانوا مؤمنين في الظاهر كلّهم
عدول فقول لا يستند إلى دليل؛ بل إنه مخالف لكثيرٍ من آيات كتاب الله، ومباينٌ
للواقع؛ فلا بدّ من البحث، لتمييز الذين كانوا مؤمنين حقاً، عن الذين قالوا آمنا
بأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم"([40]).
ومن ثم ينتقد انتقاداً حادّاً القاعدة التي
جُعلت معياراً لكشف الصحابة، ثم لكشف عدالته، لذلك يقول: "إن كثيراً من
أولئك، إنما قيل بصحبتهم، لروايات، لا يقبلها إلا من يقبل الدور الممتنع؛ وذلك أن
كثيراً ما وقع أن قيل بصحبة رجل أو امرأة؛ لأنه رُوي عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله
(صلى الله عليه وسلم)
وهذا دور ممتنع؛ فإنه إِنما قيل بصحبته؛ لأنه قال: سمعتُ رسول الله، وإنما قُبل
قولُه: سمعتُ رسول الله، المبنيُ عليه القولُ بصحبته على أساس اعتقاد كونه عدلاً؛
وواضح أن هذا الاعتقاد إنما جاء من توهّم كونه صحابيّاً!، فلزم تقدّم الشيء على
نفسه؛ وذلك محال، وكيف يُقام على مثل هذه التوهّمات الدِّينُ الذي ما كان له أن
يقوم إلا على أساس السلطان المبين؟!.
إن قول سمعتُ رسول الله، ما كان ينبغي له أن
يُسمع، إلا ممّن يكون قد ثبت لقاؤه رسول الله بشهادة صحيحة من غيره؛ ولأن القول
بلقاء أحد لرسول الله، كثيراً ما يترتّب عليه قبولُ كثير من الرّوايات، فهو ـ من
ثمة ـ أصل ينبني عليه جملة فروع، فلذلك لا يجوز بناءه إلا على اليقين ـ كما هو شأن
الأصول ـ؛ وذلك بأن تتضافر في الدّلالة على أنه قد لقي رسول الله رواياتٌ تُـزيل
الارتياب، وليس ردّنا لقول من قال: (سمعتُ رسول الله) تكذيباً له؛ ولكن اجتناباً
للدّور الممتنع، وابتعاداً عن بناء الأصول على الأوهام و الظنون"([41]).
وممّا يلاحظ هنا أن السبحاني يوضح توضيحاً
جديداً للسبب الموجود وراء هذا القول: (الصحابة كلهم عدول)، ويقول: "كان نشوء
هذا القول بسبب واحد، وهو قضية سياسية، عندما بدأ أعداء الإسلام (يزدجر) و(قيصر)
بالهجوم علی الصحابة، فلسدّ باب هذا الهجوم، ومنع وصوله إلی أبي بكر الصديق، قام
العلماء بسدِّ الطريق عليه من الأسفل، بدل أن يتم التفرقة بين السابقين الأولين
وبين من أتوا بـالملك العضوض([43])"([44]).
2ـ
ضوابطُ عدالة الصحابة عند السبحاني:
واضح أن السبحاني ليس مطمئناً إلى صحة أي طريق
من الطرق التي وضعها المحدّثون لاستكشاف ذوي العدالة من الصحابة، فلذلك ـ كعادته
الدائمة ـ يربط هذا الموضوع بالقرآن، ويجعله ميزاناً.
يقول: "فإذا أردنا أن نبني الأمر على أساس لا يزلزله شيء، فإنّ
علينا أن نرجع الى كتاب الله، فإن فيه بيانَ رضى الله عن السّابقين الأوّلين من
المهاجرين والأنصار، والذين اتّبعوهم بإحسان، وبيانَ رضاه عن أصحاب بيعة الرضوان،
وبيانَ توبته على المهاجرين والأنصار الذين اتّبعوا النبي ـ عليه وعليهم صلوات
الله وبركاته ـ في ساعة العسـرة، وبيانَ وعده بالحسنى للذين أنفقوا من قبل الفتح
وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا. نعم قد يتعسّر أو يتعذّر ـ كذلك ـ تمييز
المهاجرين والأنصار في الله، والذين اتّبعوا النّبي في ساعة العسرة، عمّن هاجر أو
نصر لدنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها، ولكن تمييز السّابقين الأوّلين من المهاجرين
والأنصار، وتمييز الذين بايعوا الرسول تحت الشّجرة،
كلِّهم أو أكثرِهم، أمرٌ يسيرٌ غيرُ عسير، فنعرف أولئك بأعيانهم، وننظر في سِير
غيرهم، فمن كانت سيرته اتّباع السّابقين الأوّلين بإحسان ألحقناه بهم؛ ومن كان قد
رُوي في شأنه خلافُ ذلك، تركناه احتياطاً لدين الله، لا حكماً عليه بأنّه من غير
جماعة الصّالحين"([45]).
3ـ ضبط الحديث ومراحله عند السبحاني:
الضبط ـ كما قال السبحاني ـ يمرّ بمراحل ثلاثة: 1.
التلقي، 2.الحمل، 3.الأداء.
وهنا يعترف السبحاني بأنَّ أهل الحديث ـ المحدّثين ـ، قد أحسنوا في بيان
الضوابط والقواعد المتعلقة بقسمَي (الحمل والأداء).
أما عن قسم التلقي، فيرى أنهم لم يوفّوا الأمر حقّه؛
وذلك أن لكلّ كلامٍ لفظٌ، ومدلول لغويّ، وغرض، والمقصود بالذات من الثلاثة الغرض،
وأما الأوّلان فإنما هما وسيلتان إلى ذلك، فمن كان من أهل اللسان المتكلم به،
وأدرك غرض الكلام وفقهه، فقد تلقاه، ولا يعسر عليه أن يحمله ثم يؤديه، سواء رواه
بلفظه الذي سمعه أم بغير ذلك.
وأما من لم يفقه
الكلام، فإنّه لا يؤمن أن يُخطئ في أدائه، ولو رواه بلفظه الذي سمعه، وذلك أن أداء
الغرض لا يكفي فيه ـ في كثير من الأحيان ـ اللفظ والدلالة اللغوية، بل يكون
معتمداً ـ كذلك ـ على تمهيد من حال السامع، والظرف الذي هو فيه.
هذا ولا يخفى أن في هدى الله مفاهيمَ غريبةً على أهل الجاهلية الذين
يواجههم الهدى، ولكلمات الهداية الربانية أغراضٌ، هي غير مألوفة للفاعلين الذين
يدعون إلى الله، ولا بدّ ـ في حصول الاقتدار على إدراك تلك الأغراض وتلك المفاهيم
ـ من صحبة طويلة لمن جاء بالهدى صلى الله عليه وسلم"([46]).
ولفهم هذا
الموضوع أكثر، يضرب مثالاً، خلاصته هو: "شيخ له مجموعة من الأصحاب، وعاش معهم
فترة طويلة ـ بحيث يكتفي في بعض الأحيان لمسألة مفصلة بإشارة أو تلميح، أو يضع لها
أحياناً مصطلحاتٍ خاصة، ثم يحضر شخص آخر اجتماعاً، يسمع منه هذه الإشارة أو
المصطلح، فيقوم بكتابة ذلك، وقد يسجّله بخلاف مقصوده"([47]).
فالسابقون
الأوّلون، وطائفة أخرى، الذين أدركوا جميع اللمحات والمصطلحات، بخلاف الذي ربما
سمع ذلك مرة واحدة، مثلاً في يوم حجة
الوداع، حضـر أربعة آلاف شخص، يسمع واحد شيئاً عن بُعد، فيحفظه ويرويه، والله يعلم
في أيّ مقام، ومقدمة، وأيّ حال قيل([48]).
ثم يقارِن هذا
الموضوع بغيره من العلوم الأخرى، فيقول: "فلا يسوغ أحد لنفسه أن يتلقى آراء
خبير في فنّ الفيزياء ـ مثلاً ـ إلا من أصحاب ذلك الخبير المختصين، وتلاميذه
الملازمين؛ ويأبى أن يتلقّاها من غير أولئك، ولو كان من أصدق الناس، أفليس هدى
الله بأولى برعاية هذا الأمر؟!"([49]).
4ـ صحيح البخاري ومسلم عند السبحاني:
للمحدّثين قول
مشهور هو: (رجال الشيخين جازوا القنطرة)([50])،
بمعنى لا يُلتفت إلى ما يوجه إليهما من النقد والطعن.
أما السبحاني،
فلا يرضى بهذا القول وينتقده، ويرى: ـ مع أنه لا دليل عليه ـ أنه لا يركن إلى هذا
القول إلا من قُرِّنوا في أصفاد الكسل الذهني، وآثروا راحة التقليد على مشقة
الاجتهاد.
ويعلل ذلك
الرفض، بأن عاقبة قبول ذلك خطيرة، أو كما هو يقول: لو كانا ـ أي البخاري ومسلم ـ
يعلمان أنهما يتحملان هذا الأمر الصعب، لما رضيا بتحمله.
وهذا مبنيّ
على أن كلام الله لا يُفْقَه ـ بزعمهم ـ إلا أن يقترن به قول أو فعل أو تقرير من
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيَلزَم أن لا يؤخذ دينُ الله إلا من الرّوايات؛ ومن
سلّم أنّ القول في الرّوايات نفياً أو إثباتاً ما قال الشيخان، فقد قال بأن دين
الله لا يؤخذ إلا منهما، فأيّ مؤمن مستعد لتحمل مثل هذا الحمل العظيم! حتى يحمّله
الشّيخين؟([51]).
فيقول
السبحاني: نعم، قد حصل الاتفاق على ذلك، ولكنّ هذا لا يدلّ على المدّعى، فإنهم لم
يتّفقوا قط على أن كلّ ما فيهما صحيح، فلم يلزم الاتفاق على أن كلّ رجالهما جامع
بين العدالة والضبط([53]).
الضوابط
المتعلّقة بـنصّ الحديث (المروي) عند السبحاني
لقد أجاد السبحاني في الكلام على هذا الموضوع،
وخصّ معظم رسالته التي بعثها إلى موسوعة السيرة والسُنّة النبوية، التي كانت يشرف
عليها الدكتور يوسف القرضاوي، لكي يبيّن وجهة نظره في ضوابط الحديث وعلومه.
يعتقد السبحاني: أنّ أهم شرط للقول بصحة حديث
هو: توقيف الحديث، حتى يرجع إلى القرآن، ويكتشف أصله. ويرى أيضاً: أن هذه القاعدة
ـ أي عرض الحديث على القرآن ـ هي نصف علوم الحديث، بل نصفه الأهم([54]).
وهنا يضرب الدليل لإثبات صحة هذه الفكرة، من
نفس منظومة المحدّثين ومقاييسهم التي اتّفقوا عليها، وهذا يبين لنا أيضاً دقّة
السبحاني وإنصافه.
يقول: "اشتراط كون المروي ممّا يصدر مثله
من الرسول، هو الذي جعل أهل الحديث لا يحكمون بصحة الحديث إلا بعد تبيّن عدم
شذوذه، أي جعلهم يوقفون القول بصحة الحديث على النظر فيما روي في موضوعه من
الأحاديث، فإن لم يوجد له معارض هو أقوى منه سنداً قالوا بصحته، وإلا رَدّوه ولم
يلتفتوا إلى كون رجال سنده عدولاً ضابطين.
فإذا اتّخذ ذلك التوقيف، فإن هناك ما هو أولى
من ذلك، بأن يوقف القول بصحة المروي على الرجوع إليه ـ أي القرآن ـ ؛ لأنه ما من قول أو فعل أو
تقرير لرسول الله ـ عليه صلوات الله وبركاته ـ إلا مذكور في كتاب الله بخصوصه أو
بعموم ما يشمله، وهذا ـ لا ريب فيه ـ يقتضي أن يتوقف في القول بصحة ما يُروى عن
رسول الله، حتى يُرجَع إلى كلام الله، فإن وجد بخصوصه، وذلك إذا كان متعلقاً بأمر
اعتقادي أو ترهيباً أو ترغيباً أو متحدّثاً عن قاعدة كلّية أو مذكّراً بما صُرٍّح
به في القرآن من الحكمة، أو بعموم ما يشمله،
وذلك إذا كان من قبيل الحكمة غير المذكورة بخصوصها في القرآن، قُبِلَ؛ وإلا
رُدّ، كائناً ما كان سنده، كما يفعل بما يسمى شاذاً"([55]).
ويمثّل السبحاني هنا بحديث: (لعن الله الواشمة
والمستوشمة...)([56])،
فيقول: "لا يصلح أن أبادر بالحكم على هذا، يجب أن أتوقف حتى أرجع إلى القرآن،
فيقول: ﴿فَلَيُغَيرُنَّ
خَلقَ اللهِ﴾([57]). ولا أستعجل بالقول بأنه هذا... بقي أن نعلم ما
المقصود بالخلق؟. استعمل الخلق في القرآن للباطن، للفطرة، وللقِسم الخارجي، فقال
عن الباطن: ﴿لا تَبدِيِلَ
لِخَلقِ اللهِ﴾، إذ الفطرة منسجمة مع التوحيد، ولا
تتغير أبداً، والمشرِك يحارب الفطرة، ولا يغيّرها. إذن يراد به الظاهر، ولا يجوز
أي تغيير في هذا الهيكل...فصار هذا الحديث: لعن الله الواشمة..([58]) مذكّراً للأصل القرآني" ([59]).
إنَّ هذا الرأي ـ أي توقيف الحديث على الرجوع إلى
القرآن ـ، لا يتفق مع رأي أكثرية العلماء، وإن كنت أرى أنَّ الشيخ ناصر لم يبدأ من
نقطة الصفر، بل سبقته إليه أمّ المؤمنين عائشة حيث رفضت جملة من الأحاديث، بدليل
معارضتها للقرآن([60]).
وكذلك الإمامان الشاطبي والرازي، عندما
يتحدّثان عن عرض السُنّة على القرآن، يسندان هذا الرأي إلى عيسى بن أبان([61]). وكذلك ابن السمعاني، يسنده
إلى جماعة من الحنفيين، وكثير من أهل علم الكلام، وأبي زيد الحنفي([62]).
ومن
غير هؤلاء، قال به الشيخ أحمد مفتي زاده، ولذلك أرى أن السبحاني يبدو عليه في هذا
الطرح تأثره بالشيخ مفتي زاده، لا أقول إن فكرتهما متطابقة تماماً، وإن كنت أعتقد
أنه هو من أبدع هذه الفكرة، بحيث لم يكتشفها قبله أحد، لا أرى مانعاً من ذلك، بل
إنها مناسبة مع المستوى العلمي لهذا الرجل العظيم.
برأيي أن نقطة الفرق بين السبحاني وهؤلاء
العلماء هي: أن تعاملهم مع الحديث تعامل جزئي، وربّما تجاوزوا أحياناً الأسس التي وضعوها لأنفسهم، بحجة الاستثناء،
لكن تعامل السبحاني تعامل كلّي صلب، غير مستعد أن يتنازل عن تلك الأسس التي التزم
بها، تحت أية ذريعة أو مبرّر.
والسبحاني نفسه يُقِرُّ بذلك فيقول: "ما
غائب عني أن قولي هذا غريب غريب؛ وأن القيام بمقتضاه عسير عسير... ولكن ذلك ـ على ثقله ـ لا يصـرفني عن أن أقول ما أراه
صواباً وأريد به وجه الله، وكيف لا، وما عدا ذلك ـ أي هذه القاعدة ـ ممّا جاء في
كتب علوم الحديث نصف هذا الفن؛ وذلك نصفه الآخر، بل نصفه الأهم؛ لا يضيره أنّه قد
اتّخذ من قديم الزمان مهجوراً!؛ لأنه ظُنّ أن القرآن لا يفقه ـ بزعمهم ـ إلا أن
يقترن به قول أو فعل أو تقرير من الرسول!، وكيف يوقّف القول بصحة الروايات على
الرجوع إلى كلام الله مَن لا يتلقّى من كتاب الله إلا ما يُلقيه إليه الروايات؟!"([63]).
وخلاصة هذا الموضوع هو: أن السبحاني لا يؤمن
بأي معيار لقبول نص الحديث، غير الرجوع إلى القرآن، ودليله هو: إذا كان الحديث
المظنون يستحق هذا التوقيف، ألا يستحق القرآن ذلك التوقيف؟!، ألا ينبغي أن لا نقبل حديثاً، إلا بعد الرجوع إلى القرآن، لئلا نقبل
حديثاً مخالفاً لمعاني القرآن؟!.
حجية حديث الآحاد عند السبحاني:
يتّهم البعض ــ بدون دراسة ــ الشيخ ناصر
السبحاني على أنّه كان يؤمن بالحديث المتواتر فقط، وعدّه عشرة أو أحد عشر حديثاً،
وهو غير مؤمن بحديث الآحاد.
والحق أن من كان له معرفة بمؤلفات السبحاني،
يعرف أن ذلك تهمة باطلة، عارية عن الصحة؛ لأن الشيخ ناصر قد شرح بعض أحاديث
الأربعين النووية، في حين أن غالبيتها أحاديث آحاد، وليست متواترة.
علاوة على ذلك، فالسبحاني يرفض بصريح العبارة
وفصيحها هذه التهمة، ويُقِرُّ بأن حديث الآحاد حجة، لكن في موقعه وموضعه، وكذلك
الشيخ أحمد مفتي زاده له الرأي نفسه، الذي نتحدّث عنه فيما بعد.
يقول السبحاني: "حديث الآحاد، الذي يفيد
الظن، لا يكون مصدراً لأصول العقيدة، ولا يكون أساساً للأحكام الكلّية، التي تستنبط
منها الأحكام الجزئية المتطورة للمسائل الملحة، لكن في الأحكام الجزئية يعتمد على
حديث الآحاد المفيد للظن، وهنا لا يحدث إشكال؛ لأنه عندما تكون العقيدة يقينية،
ومبنى الأمر يفيد الطمأنينة، بعد القاعدة الكلية التي تستنبط منها الجزئيات
المختلفة، والتي هي يقينية للمسألة الجزئية، فوجود الظن إذن لا إشكال فيه، بل ـ
رعاية لظروف الإنسان ـ لا يوجد حل غير إفساح
المجال لاتّباع الظن في المسائل الجزئية. لماذا؟.
قلنا فيما سبق: لو بُيّن جميع الأحكام
الجزئية، لَلَزم أن ينزل آلاف من الكتب، حينئذ لم يقدر الإنسان على تلقّيها وفهمها
وحفظها، فلذلك هذا غير ممكن، بغير أن يوضع بدل الأحكام المتطورة، جملة من الأحكام
الكلّية، إذ لا يوجد حل آخر.
فهذا إِذْنٌ بالظن، لماذا؟، عندما يوضع حكم
كلّي، يُوكل استنباط الجزئيات إلى المختصين والمجتهدين، وواضح أن المجتهدين في
كثير من المسائل عاجزون عن التوصّل إلى اليقين، يصلون إلى الظنّ فقط، إذن في الأصل
طبيعة الأمر، وهداية الإنسان وظروفه، تقتضـي الاعتماد على الظن في الجزئيات.
إذن، عندما
تكون بداية الأمر ونهايته واضحة، ومراحله ومحطاته العامة كلها مبيّنة، فلا إشكال
في القواعد الكلية. إذن، في الوقت الذي يفيد حديث الآحاد الظن، فلأنه يستنبط منه
الأحكام الجزئية فقط، والأحكام الجزئية في حدود ضيقة جزئية فقط، فتداخُل الظن لا
إشكال فيه، ولا يكون موضع اعتراض.
وفيما يتعلق
بأن من القرآن قد ذمّ اتّباع الظن، وبناء العمل على أساس الظن، فإنَّ الذي ذمّه
القرآن هو:
الأوّل: الاعتقاديات؛ لأنها لا تجوز أن تبنى على أساس الظن.
الثاني: القواعد العامة الكلية، التي هي أساس جميع الأمور، لكن في الجزئيات، تلك
الجزئيات التي لا تُعيَّن في حياة الإنسان لا تكون موضع انتقاد، حين يعمل الإنسان
بالظن في مسألة جزئية، وكذلك في أي أمر آخر من أمور الحياة.
الإنسان بعد ما كان أساس عمله صلباً ثابتاً، إن وجد في
الجزئيات شيء، لم يكن أساسه بهذه المتانة والقوة التي يتمتع بها أساسه، فلا عجب
ولا غرابة عنده في أن يقبله ويتحمله.
مثلاً: في
إنشاء مبنى، عندما تكون الأمور الأساسية محكمةً متينة، بعد ذلك في وضع لبنة، في
مكان معيّن، إن لم يكن بمثابة المتانة التي كانت في جميع الأمور الأساسية، فلا
إشكال فيه، ولا يضرّ المبنى، ولا يقلّل من قوة المبنى ومتانته"([64]).
فهذه هي رؤية
الشيخ ناصر السبحاني في الجانب النظري.
أما الجانب العملي، فكذلك اعتمد على حديث الآحاد، وجعله
دليلاً لجملة أحكام جزئية.
مثلاً في كتاب
(خواناسي ـ معرفة الله)، أتى بعدّة مشاهد من هذه الأحاديث، واعتمد عليها. وهنا
نشير إلى بعضها:
1. يقول السبحاني: "في حديث يرويه الترمذي ويحسّنه،
قال رسول الله: من حلف بغير الله فقد أشرك، وكذلك في هذا المجال يروي الإمام
البخاري حديثاً، وكتابه من أوثق كتب الحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
مَنْ حَلَفَ وقَالَ فِي حَلِفِهِ: واللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ"([65]).
2. ويقول أيضاً: "حديث رواه البخاري ومسلم، والحديث
الذي يرويانه معاً معتبر جدّاً، من الأحاديث الصحيحة، يقول: لاَ تُطْرُونِي كَمَا
أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْد، فَقُولُوا: عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ"([66])
3. ويقول أيضاً: "حديث صحيح آخر، يرويه الإمام
مسلم: لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا"([67]).
وكذلك في عدة مواضع أخرى في هذا الكتاب، يستدل بحديث الآحاد لمسائل ومواضيع
جزئية في الأحكام الشرعية([68]).
وكذلك في كتبه الأخرى، كـ: (النظام السياسي في الإسلام)([69])،
وكتاب: (النظام الاقتصادي في الإسلام)([70]).
فيتبيّن لنا
كيف أن مكانة السُنّة عموماً، وحديث الآحاد عند السبحاني، قد أوتيت أهميةً كبيرة،
ويتبيّن أيضاً كيف أن كلام هؤلاء حين ينسبون تهمة رفض الحديث إلى السبحاني غير
علمي، ولا أساس له من الصحة.
تطبيق الأحاديث على قواعد السبحاني
1.
الأحاديث المتعلقة بالرقى:
هنا يقوم السبحاني ببحث عميق على نهج القرآن، لمفهوم:
المشيئة والتوكّل، بعد استكشاف القاعدة الحاكمة على سائر الجزئيات في القرآن
الكريم ــ كعادته الدائمة ــ ثم يتحدّث عن هذه المسألة الجزئية، وهي (الرقى).
يعتقد السبحاني أنه يتوقف وجود أي عمل ــ غير المعجزة ــ
على شيئين:
1.مشيئة الله.
2.السبب الصالح لهذا العمل.
لا
شك أن تعيين سبب أي فعل عند السبحاني ليس عشوائياً، بل يجب أن يُعتمد على مصدرين:
أولاً: الوحي. أي أن يأتي في القرآن أن هذا الشيء سبب لهذا الفعل.
ثانياً: التجربة، التي تحصل بالاستقراء التام.
فأي شيء جعله الناس سبباً للشفاء، ولم يثبت بإحدى هاتين الطريقتين، فلا
يجوز أن يُعدّ من الأسباب، ولو استتبع الاستشفاء به ــ في الظاهر ــ، من حيثُ أنَّ
حسابَ كونه سبباً للشفاء يقوِّي النفسَ، وبتقويتها يتقوى الجسد ــ كذلك ــ فيأتي
الشفاء([71]).
ثم يقسم الداء ودواؤه إلى ثلاثة أنواع:
1. داء نفساني،
فإن دواءه يجب أن لا يكون إلا نفسانياً، كالشفاء من ضلال القلب، إنما يكون
باتباع هدى كتاب الله. 2. داء جسماني، غير مؤثر في النفس، فإنما يكون شفاءه
جسمانياً، كالجرح، فإنما يشفى بالخيط.
3. داء مختلط، أي: داء نفساني مؤثر في الجسم، أو داء
جسماني مؤثر في النفس، فشفاءه بدواء نفساني مشفوع بدواء مادي، أو بدواء مادي مشفوع
بدواء نفساني، وقد يقتصر على أحدهما، ومع ذلك يحصل الشفاء من الدائين([72]).
والقصد من الرقى عند السبحاني، هي المقولة الشافية، لا المكتوبة، لذا يقول:
"الرقى كُلّ كلام يستشفى به من عارض، كالداء، أما التميمة فمحرّم"([73]).
ثم
يذكر بعض الأحاديث، ويرى: أن دلالته ــ مشـروعية الرقى بالقرآن واسم الله والدعاء
ــ تتوافق مع ما قد بينه ما لا يحصى من آيات الكتاب، من أن التوكّل عبارة عن
الاعتماد على رحمة الله عند الأخذ بالسبب، للعلم بأنه لا يقع فعلٌ من أفعال الله
ــ غير المعجزة ــ إلا بسبب، والإيقان بأنه لا فاعل إلا الله، وذلك الأصل من أكثر
الأصول دليلاً من كتاب الله وأشدِّها ظهوراً؛ مما يجعله ميزاناً يجب أن يوزَن به
كلُّ ما ينسب إلى رسول الله في التوكّل من الأحاديث، فيُقبَلَ منها ما يوافقه،
ويؤول ما لا يوافقه بظاهره مما يحتمل التأويل، ويُرَدّ ما لا يتأتى تأويلُه([74]).
فلذلك هنا
يأتي السبحاني بحديث، يمثل تمام التزامه وصدقه مع ما استنبطه في القرآن من المبادئ
والقواعد، وهذه هي النقطة الجوهرية التي تميّزه عن غيره من العلماء، كما أشرت إلى
ذلك من قبل، يقول الحديث: (يَدخُلُ الجنَّةَ مِن أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلفًا
بِغَيرِ حِسَابٍ.. هُمْ الَّذِينَ لاَ يَستَرقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، ولا
يَكتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)([75]).
فالسبحاني حسب
قاعدة الرجوع إلى القرآن، لا يقبل هذا الحديث، وما يؤوّله العلماء، ويدلّل على
ذلك:
1. هذا الحديث ــ الذي يزعم أن التوكّل يكون بترك الأخذ
بالأسباب ــ معارِضٌ لذلك الأصل بظاهره وباطنه، ومعارِضٌ ــ كذلك ــ لما هو موافق
لذلك الأصل من الأحاديث.
2. وقد تكلَّف العلماءُ في الجمع بينه وبين تلك الأحاديث
التي تجيز الرقى، فجاءوا بما لا يسمن ولا يغني من جوع. وأما الاحتكام إلى ذلك
الأصل القرآني، فلم أرَه لأحد منهم؛ وإن ذلك لمؤسف حقاً، فإن كون المروي ــ غير
المتواترــ قد روي بسند محكوم عليه بالصحة، لا يستلزم كونه مما قد قاله رسول الله
صلى الله عليه وسلم، إنما هو الظن؛ والظن قد يصيب وقد يخطئ؛ فيكون حكمُنا بأنَّ
الحديث صحيح محتمل للخطأ؛ ويحتمل ــ كذلك ــ أن يخطئ بعض الرواة، فينسب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، ولو كان من أعدل العدول وأضبط الضّابطين.
3. أن قبول مثلِ هذا الحديث لدليل على أن قولهم: بأن
الحديث في الدرجة الثانية بعد كتاب الله، قول غير مؤيد بالعمل؛ وأن الروايات هي
القاضية عندهم على كتاب الله! وإلا فهل كون الحديث في الدرجة الثانية إلا أن
المرويات ــ لاحتمال الخطأ في نسبتها إلى الرسول ــ لا تعتبر إلا مذكِراتٍ بأصول
الكتاب، حتى إذا تذكرت الأصول جعلت قاضية على الروايات؛ فقُبل منها ما كان بياناً
لشيء من تلك الأصول؛ ورُدَّ ما كان على خلاف ذلك([76]).
2. أحاديث التصوير والتمثال:
يثير السبحاني هذا الموضوع في عدّة مواضع من كتبه ومحاضراته، كــ(علوم
الحديث) و(أحكام شرعية) و (أصول الفقه)، لكن بأسلوبه الخاص، الذي يختلف عن رأي
غيره من العلماء، معتمداً على القاعدة الدائمة الحضور: (عرض الحديث على القرآن قبل
العمل به).
في البداية يحرّر موضع النزاع بأن التماثيل المحرّمة على
نوعين:
1.تماثيل اتّخذها المشركون من دون الله آلهة.
2.التماثيل التي يُعلم أو يُظن أن تعبد من قبل أناس.
أما غير هذين
النوعين فصنعه وأخذه حسب غايته وما يقصد منه، على التفصيل الآتي:
فإن كانت الغاية مما جاءت الشـريعة بتحريم تحقيقه لم
يجز، وذلك كصور النساء العاريات.
وإن كانت مما جاءت الشريعة بكراهة تحقيقه، وذلك كالصور
التي يقصد بها إلهاء الناس بغير إضلال، فهو مكروه.
وإن كانت مما قد أبيح تحقيقه، وذلك كصور الحدائق ذات
البهجة التي تسر الناظرين، فهو مباح.
وإن كانت مما قد ندب إلى تحقيقه، استحب ذلك، كالصور التي
تسهّل تعلّم ما يُطلب تعلُّمه، مثل صور النباتات و الحيوانات التي تعنى المعاجم
اللغوية بها لشـرح معاني الألفاظ الموضوعة للدلالة عليها.
وإن كانت مما
يجب تحقيقه وجب ذلك، كالأفلام التلفازية والسّنمائية عن القصص القرآنية، وصور
طبيّة وبطاقات الأحوال والتذاكر ونحوها، مما قد أصبح من حاجيات الحياة في هذا
العصر([77]).
واحتج لذلك بما يأتي:
الدليل
الأول: يقول الله تعالى: ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ
وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾([78]).
يقول في وجه
دلالتها: "ولفظة التماثيل في هذا الخبر غير مقيدة إلا بقيد (ما يشاء)، أي
أنهم كانوا يعملون له ما يشاء، لا ما لا يشاء، وجليٌ أنه لم يكن يشاء أن يعملوا له
النوع الأول من التماثيل (أي تماثيلَ المتخذين من دون الله إلهة)، فلا يجوز أن
يقال: إنه كان يشاء هذا دون ذاك، بل إنه لم يرِد فيما شُرع لنا من الدين، فيما روي
عن رسول الله من الأحاديث كذلك، ما يدل على التفرقة بين تمثال وتمثال.
وأما التفرقة
بين تماثيل ذوات الأنفس وتماثيل غيرها، فإنما هو رأي مرويّ عن ابن عبّاس لا يدلّ
عليه شيء من الأحاديث المرفوعة الصحاح، بل تردّه العموميات الواردة فيها. وأما
قوله ــ صلى الله وبارك عليه ــ : (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)([79])،
فإنه وارد في واقعة خاصّة، لا دلالة فيه على التفرقة بين تصاوير ذوات الاستعداد
للإحياء وغيرها([80]).
هنا يطرح هذا
السؤال: هذه الآية شرع من قبلنا، فلا تكون شرعاً لنا، لأن هذا الحكم نقض في
شريعتنا([81]).
يجيب السبحاني
على هذا السؤال مفصّلاً، بتقسيم الشريعة إلى قسمين:
1.قسم التصوّرات، ولا
يختلف من شريعة لأخرى.
2.قسم الأحكام والقيم، ويقسمه إلى قسمين:
الأول: الأصول، كذلك لا يختلف، مثل التصورات.
الثاني: الفروع، ويتفرع منه قسمين:
القسم الأول: الأحكام الثابتة المتعلقة بأفعال لا ينفكّ
كلُ واحد منها عن مصلحة أو مفسدة، ولا يقبل النقض والتغير، كعقوق الوالدين، وإيذاء
الجار...إلخ.
القسم الثاني: الأحكام المتطورة المبنية على أفعال ليست
مصالحُها أو مفاسدها ذاتيّة لازمة...هذا القسم من الفروع، يمكن أن يقال له: شرع من
قبلنا([82])
.
أي أن صنع التماثيل من الأحكام الثابتة ولا يتغيّر من
زمن لآخر.
الدليل الثاني: هنا يَتخذ السبحاني طريقاً آخر، سمّاه الأصوليون: تنقيح
المناط([83]).
يقول: "إنَّ
الأحاديثَ المروية في التصوير وما إليها، قد ذكرت أن العلّة المقتضية للتحريم هي
المضاهاة والتشبيه بخلق الله، فإن زعمنا أنّ المراد مضاهاةُ التمثال وتشبيهها بخلق
الله الذي أُخذ التمثال منه، وظننّا أن هذه هي المفسدة المقتضية للتحريم، فقد قلنا
بكون العلة أمراً لازماً للفعل؛ الأمرَ الذي يستلزمُ القولَ بلزوم حكم التحريم
للتصوير في كلّ زمان وكلّ مكان؛ وبلزومه التصاوير غير ذوات الأنفس، كلزومه لتصاوير
ذوات الأنفس؛ فانه لا يصوِّر المصوِّر حين يصوِّر إلا وهو يضاهي ويشبّه ما يعمل
بخلق الله؛ بل ليس عمله إلا أنّه يشبّه ما يعمل بخلق الله، على عهد سليمان كان، أم
على عهد نوح، أم على عهد محمد ــ عليهم
وعلى آلهم صلوات الله وبركاته ــ، وتشبيهُ تصاوير غير ذوات الأنفس بخلق الله،
وجعلُها مثلَه، أتمّ من تشبيه تصاوير ذوات الأنفس بخلق الله، فإن القسم الثاني
بحاجة ــ في تمام شَبَهه بخلق الله ــ إلى
ما لا يملكه المصوِّر من الأنفس، بخلاف تصاوير غير ذوات الأنفس"([84]).
الدليل الثالث:
تأويل الحديث
بما يوافق مع قاعدة الرجوع إلى القرآن، حيث يرى السبحاني: أن الحديث قد جاء فيه
ذكر (المشبَّه به) بلفظة (خلق الله)، التي تشمل كلّ مخلوق، حتى التماثيل التي
يصنعها أصحابها، فيكون المشبَّه الذي غير خلق الله، هو الله، ومعناه: يشبِّهون
الله بمخلوقاته، أي الذين يصنعون تماثيل مَن يدعون من دون الله، أو يشرعون من
الدِّين ما لم يأذن به الله، وهم عالمون بما يفعلون عامدون، فيشركون بالله بعض
خلقه؛ فيضاهون خالق الخلق بخلقه، وهو الذي خالق السموات و الارض﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ
كَمَن لا يَخْلُقُ﴾([85])([86]).
الدليل الرابع:
الاجتهاد في المرويّات الواردة عن التصوير، لاستنباط
معنى مشترك، ثم إيراد الروايات المختلفة لهذا المعنى المشترك.
يقول: "وإذا كان قد هدانا أصلُ (توقيف الاحتجاج بالأحاديث
على النّظر في أصولها من الكتاب) لطريق تأويل عبارة (الذين يضاهون أو يشبّهون بخلق
الله) بما أوّلناها به ــ وهو تأويل ظاهر لا غبارَ عليه ــ، فإنّه ينبغي أن يهدينا
ــ كذلك ــ لاتّخاذ الموقف الحقّ من الأحاديث المختلفة الألفاظ، المتعدّدة
الأسانيد المرويّة في أمر واحد، ومن الألفاظ المختلفة من حديث واحد؛ ألا وهو
اعتبار المعنى المشترك، بين الروايات أو الألفاظ؛ ثم ردّ تلك المختلفات إلى ذلك
المعنى، غيرَ جاعلين كلّ رواية أو كلّ لفظة دليلاً مستقلاً يُثبَتُ به أمر زائد
على المعنى المشترك، كمن يتناسى أن الأمر الواحد إنما أتى فيه عن رسول الله بيان
واحد، وأنَّ الحديث الواحد إنما صدر منه بلفظ واحد، وأن الاختلاف إنما جاء من
الرّواة ــ الذين ليست عباراتهم من الحجيّة في شيء ــ.
وعلى هذا يجب
ردّ عبارة (يخلق كخلقي)، الواردة في حديث أبي هريرة، إلى عبارة (الذين يضاهون بخلق
الله)، بالتأويل الذي أوّلناها به؛ لأن أصلها كانت (ومن أظلم ممن ذهب يضاهي
بخلقي)، وأنها آتية من تصرّف بعض الرواة. وليس في قولنا هذا ما يُنكَر؛ فإنّ
التّصرّفاتِ المخطئةَ من الرّواة أمر لا يَجحَد به أحد؛ ولا نذهب بعيداً، فهذا
حديث القرام أو النّمرقة المرويُّ عن عائشة، قد بلغ الاختلاف بين بعض ألفاظه وبعضٍ
أن قد يُظنُّ أنّ كلاً حديث مستقلّ؛ الأمر الذي لا يدع مجالاً للشّك في وجوب رعاية
ما ذكرنا، من أصل (توقيف الاحتجاج بالأحاديث على النظر في أصولها من الكتاب)؛ ذلك
الأصلِ الذي تقينا رعايتُهُ أن نرفع إلى مستوى الوحي عبارات لا نشكّ أنها من غير
رسول الله، كما في الأحاديث المختلفة الألفاظ، المتعددة الأسانيد، المرويّة في أمر
واحد، والألفاظ المختلفة من حديث واحد، وعبارات لا نَأمَنُ كونَها من غيره، كما في
غير ذينك النوعين؛ والذي يدفعنا التزامُه إلى أن نتّخذ كلّ حديث وسيلةً إلى تذكّر
أصله القرآني" ([87]).
ومن الجدير
بالذكر، أن فكر السبحاني واجتهاده، كان دائماً في نموّ وتطوّر، وكانت عملية تحديث
الآراء وتعديلها دائمة الحضور عنده.
وموضوع
التمثال مثال حيّ آخر، يمثّل هذه الحقيقة؛ لأن السبحاني نفسه، كان له رأي آخر حول
هذا الموضوع، فها هو في أشرطة شرح (شذور الذهب) يقول: "حقاً، في مورد
التماثيل، من شريعة حضرة سليمان، التي كان صنع التماثيل فيها مباحاً، من هذه
الأمور الجزئية، أو ما ليس من التصور والعقيدة، ولا من الأحكام الأساسية
والأصولية، يجوز الاختلاف فيها من شريعة لأخری، لذلك إن كان التمثال والمجسّمة
مباحاً في شريعته، فهذا لا یعني أن يكون في شريعتنا مباحاً مثله؛ لأن هذه الأمور
الجزئية، لها ارتباط بالظروف والأحوال، من الزمان والمكان وغيرهما، وهذه الأحوال
تتغير، فكذلك حكم هذه الأمور يتغير"([88]).
3
- أحاديث إمامة الفاسق:
هذا الموضوع
وإن كان فيه اختلاف، أكثر العلماء على أنه يصحّ([89])،
حتى أدخله بعضهم في كتب العقيدة([90])،
لكن السبحاني بالاعتماد على قاعدته القرآنية التي هي عشرون صفحة تقريباً، يفصل في
هذا الموضوع ويثبت أن إمامة الفاسق ليست بصحيحة، ويردّ الأحاديث التي تجوّزها
بشدّة.
فيقول: "ولعمر
الحق إن يقضَ العجب من الأعاجيب، لا يقضى من أن بلغ الأمر ببعض، أن اغتروا بذلك
الكذب المفترى على رسول الله، الموحى من إبليس من قول: (صلوا خلف كل بَرٍّ وفاجر)([91])،
وبآخرين أن عزَّ عليهم أن يدركوا مناقضة هذه الكلمة الخبيثة لما أنزل الله على
رسوله، بل لكل رسالات الله، الأمر الذي كان ينبغي أن يكتفى بأخفّ منه بكثير في ردّ
الرواية، ولو رويت بأصح الأسانيد، فعولوا في الردّ، على ضعف الإسناد!, وكيف لا،
وفي كتاب الله تعالى مثل قوله: [إِنَّ الاَبْرَارَ لَفِى نَعِيم ، وَإِنَّ
الْفُجَّارَ لَفِى جحِيم ، يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّين]([92])،
إي وربي، إن الفجار لفي جحيم، يصلونها يوم الدين، وما هم عنها بغائبين؛ فهم فيها
خالدون، ولا يخلد في الجحيم إلا الكافرون والمنافقون، أفلِلأمر بالاقتداء
بالكافرين، وباقتدائهم في أكبر الصالحات، جاءنا رسول الله؟!، حاش لله، ثم حاش لله!([93]).
وهنا أيضاً ــ
كعادته الدائمة ــ يؤكّد السبحاني التزامه بقاعدة تقييم جميع الأمور بمعيار
القرآن.
أسباب عدم قبول بعض الأحاديث عند السبحاني
ما
عدا هذا السبب الرئيسي الذي ذكرناه من قبل ومثّلنا له (توقيف العمل بالحديث حتى
يوجد أصله في القرآن)، ثمة عدة أسباب أخرى عند السبحاني لعدم قبول بعض الأحاديث،
منها:
1-
تعارضها مع القرآن:
هذا من أقوى
الأسباب عند السبحاني لعدم قبول بعض الأحاديث، ذكرنا بعض الأمثلة من قبل، كـالرقى
والتصوير، ومع ذلك نشير إلى بعض أمثلة أخرى:
أ-
(الشَّيخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُموهُما
البَتَّة)([94]).
لا يَقبل هذا
الحديث ويقول: "لا يرتاح له القلب، وبعيد جدّاً عن القرآن، ولا دليل لإثباته،
ولا يتّفق مع الهداية الإلهية([95]).
ب-
وكذلك في موضوع أنواع الشفاعة يقول: "ثمة نوع آخر
من الشفاعة، أقول في البداية: إنه معارض للقرآن جدّاً، فهو مردود، وهو أن رسول
الله يشفع أن يخفف العذاب عن أبي طالب، هذا واحد،([96])
وكذلك أن أبا لهب خفف عنه العذاب، لأنه حينما ولد النبي في يوم الاثنين، وبشرته
ثويبة به، أعتقها. أما أبو لهب فلو علم أن هذا هو محمد، قام بخنقه آنذاك، ولم يقم
بالعقيقة من أجله، هذا واحد.
أما أبو طالب فأنا لا أقول: إنه كافر أو مسلم،
أمسك لساني عن شيء غامض، فإنه كان قديراً جدّاً، وخدم كثيراً، فأنا الآن لا أقول:
إنه كافر أو مسلم؛ لأن المرء ليس متيقناً منه، فالصمت أفضل، لكن اللوم على هؤلاء
العلماء الذين يحكمون عليه بالكفر ويُدخلونه النار، ثم يقولون: خفف عنه العذاب،
فماذا يفعلون بهذه الآيات الوافرة: ﴿فَذُوقُوا فَلَن
نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾([97])
أو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ
عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾([98])،
ومثلها من الآيات التي لا تدل إلا على زيادة العذاب، ماذا يفعلون بهذه الآيات
الكثيرة، يردونها دفعة واحدة برواية، الله يعلم من اختلقها، يخفّف العذاب عن أبي
طالب، ينقل من وسط جهنم إلى موضع، ويجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه، فيغلي منه
دماغه. فهذه الأشياء، يجب أن يتأملها الإنسان، إنها ناقضة للقرآن، وليست مبيّنة له.
إن كان أبو طالب كافراً، فماذا يعني تخفيف العذاب، وماذا تعني نتيجة الشفاعة؟!،
وإن لم يكن كافراً، فلا تتحدّث عنه"([99]).
ج-
كذلك الأحاديث التي تتحدث عن قضية أن هناك خمسة أشياء
غيبيّة، إشارة إلى الآية الأخيرة من سورة لقمان، التي يری السبحاني أن دلالة الآية
واضحة، وأن ثلاثة منها من الغيب، والآخرَين ليسا من مسائل الغيب، والحديث مخالف
لهذه الدلالة الواضحة.
لذا يقول: "لم تكن هذه الأشياء الخمسة غيبيّة، ثلاثة منها علمها عند
الله وحده، لم يبين معها شيء، هذه الثلاثة فقط علمها لله، أما غيرها فيمكن أن
يعلمه غير الله، إذن لا يثبت الادعاء ــ حسب بيان هذه الآية ــ بأن هناك خمسة
أشياء، علمها مختص بالله، وليس بعدها شيء من
الغيب لا يعلمه عباد الله.
وقد روي حديث يبدأ بهذا التعبير: (مفاتح الغيب خمس)، ثم يذكر هذه الأشياء
واحداً تلو الآخر، التي ذكرت في آخر آية سورة لقمان، وقد قلنا: ثلاثة منها طرحت
علی أنها غيب مـختص بالله. واحد منها ـ أي من الخمسة ـ: الذي هو علم (ما في
الأرحام) لم يذكر بنوع خاص، ولم يُبيّن علی أن هذا العلم مختص بالله وحده، والآخر
هو عمل، بإنزال الغيث على التدريج، لا العلم بإنزال الغيث ونزوله، ولكن عند البعض
ينظر في هذا الحديث الصحيح علی أن (ينزل الغيث) بمعنی يعلم في أي حال يصلح إنزال
الغيث، وفي أي ظرف صالح مع الحكمة، أو ليس صالحاً.
ويُنظر إلی (يعلم ما في الأرحام) بالشكل نفسه، وإن كان
التعبير لا يدل على هذا المعنی، بحيث يكون علمه عند الله وحده، ولكن نحن نفهمه
هكذا أيضاً، وحتی عند الذين يرون أن هذا الحديث صحيح، يجاب عن هذا الخطأ الذي
وقعوا فيه، حيث حصروا الغيب في هذه الأمور، بما هو مشهور عند علماء أصول الفقه، من
أن العدد لا يشمله مفهوم المخالفة، أي عندما يقال: في هذه الدار أربعة أشخاص، فهذا
لا يعني أنه ليس فيها أكثر، يريد المتكلم أن يبين أربعة فقط، ربما هم عشرة، لكن
ربما ليس في ذكر أكثر منهم مصلحة، فهو ليس كالحصر، بأن تقول: ليس في الدار غير
أربعة، أو أن في الدار أربعة فقط"([100]).
2-
التعارض مع الحقائق التاريخية:
هنا نشير إلى
مثالين اثنين فقط:
الأول: رواية المباهلة، خلاصتها هي: "عندما جرى بين النبي صلى الله عليه
وسلم ونصارى نجران جدال، أمره الله بالمباهلة، أي: أن يجتمعوا هم وأزواجهم
وأولادهم، وأن يدعوا الله أن يجعل لعنته على الكافرين، فلكي يقوم بهذا الأمر، دعا
النبي علياً وفاطمة والحسن والحسين"([101]).
أما السبحاني،
فلا يرى الحديث صحيحاً ولا يقبله؛ لأنه ــ كما يقول ــ: قد نزلت سورة آل عمران في
السنة الثالثة من الهجرة، وحينذاك لم يولد الحسين، وكان الحسن في سنته الأولى بعد
الولادة([102]).
إن هذه
الرواية قد رواها جميع مفسّري القرآن ــ فيما أعلم ــ كشـيء ثابت، وعومل معها كجزء
من فهم الآية الحادية والستين من سورة آل عمران.
وحتى ابن تيمية، عندما يبحث في هذا الموضوع،
يقول: "لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، سَنَةَ تِسْعٍ
أَوْ عَشْرٍ، وَالنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) مَاتَ، وَلَم يُكْمِلِ الحسَينُ
سَبعَ سِنِينَ، والحسَنُ أَكْبَرُ مِنْهُ بِنَحْوِ سَنَةٍ"([103]).
اختلاف
السبحاني مع هؤلاء العلماء، هو أنه ملتزم بهذه القاعدة التي وضعها لفهم القرآن،
منها: عدم الاعتماد على الرواية لفهم القرآن.
الثاني: حديث الطلبات الثلاثة لأبي سفيان، فقد روى مسلم عن ابن عبّاس أن أبي
سفيان طلب من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاث طلبات، منها: أن تتزوج ابنتي أم
حبيبة([104]).
يقول الشيخ
ناصر متعجّباً: "متى تزوّجت أم حبيبة، ومتى أسلم أبو سفيان؟!، حتى يضطرّ
الإمام النووي أن يؤوّله فيقول: هذا تجديد للنكاح. أولاً: لم يكن تجديد النكاح
آنذاك، ثانياً: أيّ افتخار هذا؟"([105]).
وكذلك إن قلنا:
كان قصده تجديد النكاح، فهل كان النكاح باطلاً خلال هذه السنوات التي كانت معه أم
حبيبة؟!. وفضلاً عن ذلك أن النبي(صلى الله عليه وسلم) لا يستلزم نكاحه وجود وليّ
الأمر، إذ كانت النساء تستطعنَ أن تهبنَ أنفسهنّ للنبي، كما يقول: ﴿وَامْرَأَةً
مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن
يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا
فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا
يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾([106]).
فهنا السبحاني
لا يقبل حديث مسلم اعتماداً على هذه الحقيقة التاريخية المتواترة وهي أن (أم
حبيبة) واسمها (رملة بنت أبي سفيان)، نكحها النبي عندما كانت في الحبشة([107]).
فإن السبحاني
ليس وحيداً في هذا الرأي، فقد ردّ هذا الحديث قبله بعض العلماء، بنفس السبب.
يقول ابن
القيم: "فهذا الحديث ــ أي حديث مسلم ــ غلطٌ لا خفاء بِهِ"([108]).
ويقول ابن
حزم: "هذا هو الكذب البحت؛ لأن نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة
كان وهي بأرض الحبشة مهاجرة"([109]).
ويقول ابن
الجوزي: "وفي هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لا شكّ فيه ولا تردّد"([110]).
3-
التعارض مع العقل:
واضح أن للعقل
دوراً مهمّاً في فهم النصوص، وفضلاً عن ذلك جعله العلماء معياراً لصحة الأحاديث،
لذلك يقول الإمام ابن الجوزي: "كلّ حديث يخالف العقول، أو يناقض الأصول،
فاعلم أنه موضوع، فلا تتكلّف في اعتباره"([111]).
فمن هذا الجانب، لا يقبل السبحاني حديث الأنهار الأربعة، التي تنبع من سدرة
المنتهى: النيل والفرات، يأتيان إلى الأرض، والآخران يذهبان إلى الجنة([112]).
وينتقد ذلك التأويل، الذي يقال: إن عروق الشجرة في الأرض([113])،
ويقول: "أجل، أتيتم بتوجيه النيل والفرات، فكيف يذهب الآخران إلى الجنة التي
في السماء السادسة؟!"([114]).
4-
التناقض مع السياق:
هنا نشير إلى مثالين:
المثال الأول: السبحاني يردّ الروايات التي تبيّن كلمة (أهل البيت)
بأنها (علي وفاطمة والحسن والحسين)، بأن ما قبل الكلمة وبعدها يثبت أنها مختصّة
بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول عن آية: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾([115])
: "هذه الجملة مختصّة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تتضمن غيرهنّ،
إلا بالقياس عليهنّ؛ لأن سياق الآيات لبيان ذلك أبينُ من الشمس، لا أدري مع ذلك
كيف رضي المفسّرون لأنفسهم أن يقولوا: القصد من هذه الآية: فاطمة والحسن والحسين،
حقيقة هذه وقاحة؛ لأن أهل الرجل زوجته، وأهل بيت رسول الله هم الذين يبيتون معه،
وهم زوجاته.
مع الأسف جاءت
روايتان في صحيح مسلم هكذا: سألوه: هل أزواجه من أهل بيته؟ يقول: لسنَ من أهل
البيت، والرواية الأخرى مختلفة: أزواجه من أهل بيته.
رفض السبحاني كلتا الروايتين بعلّة تناقضهما مع هذه
الآية، أما رواية أهل العباءة، وأن علياً وفاطمة والحسن والحسين أتوا إلى النبي (صلى
الله عليه وسلم) فألقى عليهم عباءته، فليست بصحيحة، ومختلقة، تكذّبها هذه الآيات"([116]).
إن حديث
العباءة رواه مسلم([117])
والترمذي([118])
وغيرهما، وصحّحه ابن تيمية، وسعى لتوفيقه([119]).
أما السبحاني فلا يقبله؛ لأنه برأيه لا يتفق مع بنية هذه الآيات وتكوينها.
المثال
الثاني: في موضوع إمامة الفاسق يأتي بهذا الحديث لمسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي
الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي
الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا يُؤَمنّ
الرَّجُلَ فِي أهله، وَلَا فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا تجْلَس عَلَى تَكْرِمَتِهِ
إِلَّا أن يَأذَنَ لَكَ، أَو بِإِذْنِهِ)([120])،
ويقول في حاشية كتابه (أحكام شرعية): لا أخفي عنك أن سياق الحديث، وبعض جمله،
يجعلني أشك أنه قد صدر من رسول الله ــ صلى الله وبارك عليه ــ([121]).
5-
عدم نسخ القرآن بالسُنّة:
يردّ السبحاني
الحديث الذي يقول: (لا وصية لوارث)([122])،
وينتقد القول الذي يقول: إن تلّقي حديث بالقبول عند الأمة يعمل به، وإن كان سنده
ضعيفاً([123]).
يقول: وهم
يعلمون، أن هذا الحديث ضعيف، فلهذا غطي بشيء آخر ــ تلقته الأمة بالقبول ـ.
أما هذا فبعيد،
وعلی أيّ أساس وضع، ثم هذا ادعاء، فهل ثبت إجماع عليه؟ هل هناك اجتماع؟ كيف كان؟
إنَّ اتفاق جميع الأعضاء مختلف مع إجماعهم جميعاً علی شيء؟. ثم إن موضع البحث هو:
هل يُنسخ القرآن بالسُنّة؟([124]).
قبل السبحاني،
الشافعية والحنابلة أيضاً يقولون: إن القرآن لا يُنسخ بالسُنّة([125]).
لكن يريد
السبحاني هنا أن يقول: أن الوصية للوارث جائزة، بخلاف إجماع جميع العلماء، كما
نقله ابن عبد البر([126]).
ويمثّل لذلك
بأخوين، أحدهما له ذرية كثيرة، والآخر لم يتزوج بعد([127]).
وإن كان قول
السبحاني الأسبق، متفقاً مع العلماء، فيقول: "قلنا: لمّا نزلت هذه الآيات
الثلاث، لم تنزل بعدُ آيات الإرث، ولم يُعيَّن نصيبُ إرث الأبوين وأقارب الإنسان،
فكان واجبٌ علی صاحب المال أن يوصي بنفسه، ولكن أخيراً نزلت هذه الآيات، في أن
الله حدّد لكل وارث حقّه، وبالتالي فإن الذين عيّنت لهم حقوقهم من هذه الأنصبة بعد
موت صاحب التركة، يأخذون سهامهم من غير أن يقدر أحد علی تغييرها، فلا يحتاجون إلى
الوصية، حتی لو تمت الوصية بخلاف ذلك لم تقبل"([128]).
فبهذا يظهر
لنا أن السبحاني يرى: أن آيات الميراث نسخت آية الوصية للوارثين، وهذا رأيه
القديم، أما رأيه الجديد، فقد مرّ ذكره آنفاً.
لكن برأيي، أن
الشيخ (بابا علي) قد فسّر آيات الوصية بأحسن من السبحاني، إذ يرى أن القصد من
الآية هو: أن يكون شخص على فراش الموت، وترك أموالاً كثيرة، فيجب أن يوصي للوالدين
والأقربين، بأن هذا المقدار من المال مختص بفلان، وهو حرّ في تعيين الأشخاص، من
غير الوارثين؛ لأن الآية لم تعيّن المستفيدين منها.
هنا يدلّل
(بابا علي) لرأيه ويقول: "تری
المفسّرين، يفسـّرون اللام إذا
عدّيت الوصية بها بلام الأجل، أي أن ما دخل عليه اللام، يعني الشخص الذي كانت
الوصية لأجله، أو بتعبير آخر هو الذي يحوز المال الموصى به، ولكن هذا غير متعيّن؛
فلم لا يجوز أن يكون اللام بمعنى إلى، مع أن ذلك ثابت عند النحاة؟، فحينئذ يكون ما
دخل عليه اللام هو الوصي، بل لم لا يجوز أن تكون اللام التقوية كما في: شكره وشكر
له؟...
ومادام الموصى به هو المعروف، فليس من المهمّ تعيين
الموصى لأجلهم، فللموصى الاختيار في التعيين، فله أن يوصى بدفع بعض التركة إلى من
يراه حقيقاً به من الورثة، أو من المحجوبين، أو غيرهم من أولى القربى واليتامى
والمساكين، أو الصرف في أعمال البر"([129]).
لكني أرى أن الرأي
القديم للسبحاني، الذي يرى أن لا وصية للوارث، أصحّ من رأيه الجديد، ومن النتيجة
التي وصل إليها الشيخ بابا علي، اذ يرد النقص على تحليله ــ فيما لو قلنا بالوصية
للوارث، وذلك بإفراغ حكمة الوصية من جوهرها؛ لأن حكمة الوصية، وحتى الميراث نفسه
هي: تحقيق العدالة، ومنع احتكار الأموال في يد شخص واحد، أو فئة معينة، وهو الذي
يسمّى في اصطلاح الاقتصاد (إعادة توزيع الثروة).
إذ إن
السبحاني في رأيه القديم قد أدرك تلك الحقيقة، حيث يقول: "اذا عُيِّن لهم
الإرث، فأي مورد للوصية، وماذا تفيد الوصية؟!، فإن أوصى بمقدار ما يوافق الميراث
فلا فائدة في ذلك، لأنهم يأخذونه، وإن أوصى بما يخالف ذلك فالوصية مردودة، إنما
تفيد الوصية عندما يأخذ الأب ــ مثلاً ــ أو الابن، أو الأخ، فيحجب من هم أبعد
منهم، إذن يوصي للمحرومين من الميراث"([130]).
6- عدم الانسجام مع النظام الكلي للقرآن:
هنا أشير
مجملاً إلى مثالين:
المثال
الأول: نظرة السبحاني إلى مسألة أسباب نزول القرآن، والروايات الواردة فيها.
هنا حقيقة تكلّم كلاماً جدياً، وأبدع إبداعاً عظيماً، يجدر أن يجعل موضوع بحث
مستقل.
خلاصة رأيه هو
أنه لا بدّ أن يكون لأيّة آية، أو مجموعة من الآيات، سبب نزول، لكن لا بمعنى الذي
يوجد في التراث الإسلامي، ليس عبارة عن كلام، أو موقف شخص، أو وقوع بعض أحداث
جزئية، ثم تنزل مجموعة من الآيات، بل هو: مجموع الاستعداد النفسي والاجتماعي في
الحال الذي يعيشون فيه، على مستوى الفرد، أو المجتمع.
وجود هذه
الآيات في المصحف، كوجوده بداية في اللوح المحفوظ، حينذاك أنزله جبريل حسب ظروف
ذاك الوقت، والآن يجب أن ينزله الداعي مرة أخرى، حسب ملاحظة المقتضى النفسي
والاجتماعي من واقعه. فلو لم تكن رعاية تلك الظروف، لم يحتج إلى نزوله منجّماً مفرّقاً،
خلال تلك الفترة الطويلة، بل لكان ينزل مرة واحدة([131]).
يرى السبحاني
أن القرآن نظام كامل، وأن تعليمات فهم آياته مغروسة في باطنه، لا نحتاج أبداً إلى
الخروج من حدود القرآن.
هنا يظهر مدى
اعتبار السبحاني للروايات الواردة حول أسباب نزول القرآن، كم عددها، ولم لا
يقبلها؟.
فضلا عن ذلك، يأتي السبحاني بعلّة أخرى لرفضها، وهي غياب هذه الروايات في
عهد الدعوة في مكة، الذي نزل فيه أكثر الآيات.
يقول: "كما
بيّن أن الأحاديث التي رويت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أكثرها في عهد المدينة،
وفي الأحكام، غير متعلّق بدوران الدعوة الفردية"([132]).
حقيقة أنا لا
أعلم، من أين استقى السبحاني هذه الفكرة العميقة ؟، هل هي حصيلة تأمّله وتفكّره،
أو هي بعضها أو جميعها لأشخاص آخرين جاء بها وعبّر عنها؟، مع الأسف هذا أحد
الانتقادات التي توجه إلى هذا الرجل العظيم.
المثال
الثاني: رأي السبحاني عن ليلة القدر، وتلك الروايات التي جاءت عن خصوصيتها،
وفضل إحياء هذه الليلة.
فإن السبحاني
بالاعتماد على النظام القرآني، يعتقد: أن ليلة القدر كانت ليلة واحدة، انتهت ولا
تتكرّر، وما يقوم به الناس سنويّاً هو ذكرى لتلك الليلة، لا نفس الليلة، كما في
مولد النبي والإسراء، ويردّ جميع الروايات التي جاءت حولها و تثبت خصوصية ليلة
القدر للذكرى، كان فيها نزول القرآن، في هذه البداية التي وقع الحدث، ربما لم يخطر بباله آنذاك أن يعيّن هذه الليلة، أية
ليلة كانت.
ويُــقِرُّ
السبحاني بأن أحداً قبله ــ غير سيد قطب([133])ــ
لم يدرك هذه الحقيقة.
يقول
السبحاني: "بهذا يتبيّن لنا، أن ليلة القدر هي ليلة، بمعنى بداية نزول القرآن
تدريجياً، والملائكة والروح في هذه الليلة، يأتي بمعنى أن هذا العمل حصل في تلك
الليلة، و{من كلّ أمر} يعني أمر هداية البشـر، و(السلام) يعني النجاة مما يبتلى به
الإنسان ويصيبه نتيجة حِرمانه من أمر التشريع الإلهي. بالتوجّه إلى ذلك ندرك مسألة
مهمّة، وهي أن ليلة القدر كانت مرة واحدة وانتهت، وبعدها كل عام تأتي الذكرى لتلك
الليلة، ولا تتكرر ليلة القدر نفسها.
إلى حد علمي
جميع العلماء - ما عدا سيد قطب - صوّروا ليلة القدر أنها بتلك الخصوصية، وأنها تتكرر
في كل عام، في حال أن ليلة القدر كانت ليلة واحدة وانتهت، كما يقال مثلاً: ليلة
المولود، ليلة المعراج، ليس بمعنى أنه يقع فيها المولود أو المعراج.. يعني هي ذكرى
لتلك الليلة، لا أنها ليلة أخرى، التي فيها {خير من ألف شهر} أو أن ينزل فيها
الملائكة أو الروح"([134]).
ثم يتحدث عن
الروايات الواردة فيقول: "هذه الروايات، إن لم يكن فيها إشكال في أي جانب،
تكون النتيجة التي تثبتها هي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد نسـي متى كانت
بداية نزول القرآن، عندما وقع ما وقع في البداية، ربما لم يلتفت نظره إلى تعيين
هذه الليلة، أية ليلة كانت، ثم بعدها حينما شرعت الأحكام الجزئية في المدينة، وشرع
حكم فكرة ذكرى تلك الليلة، كان قد مضت فترة طويلة، ولم يتذكّر النبي تلك الليلة،
كل ما بقي في ذهنه أنها كانت في العشر الأواخر من ليالي رمضان"([135]).
هذا إبداع
مهمّ، جدير لأن يقف عنده العلماء والباحثون، ويعيدوا النظر في هذا الموضوع، وفي
الروايات المروية في هذا المجال.
عالم الكتب، بدون طبعة
وبدون تاريخ: (1/ 205 - 206).
([37])انظر:
المستصفى: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (ت505ه) تحقيق: محمد عبد السلام
عبد الشافي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413 ه/ 1993 م: (ص:131). فتح
المغيث بشرح ألفية الحديث شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي
بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (ت902 ه) المحقق: علي حسين علي الناشر: مكتبة
السنة، مصر، الطبعة: الأولى، 1424 ه / 2003 م: (4/78-79).
([42])
يقول ابن حجر: يُعْرَفُ كَوْنُه صحابياً.1ـ بالتواتر.2ـ
الاستفاضَةِ أَو الشُّهْرةِ. 3ـ إخبارِ بعضِ الصحابةِ. 4ـ إخبار بعضِ ثقاتِ
التَّابِعينَ.
5ـ إِخباره عن نفسه بأنه صحابي،
إذا كانت دعواهُ ذلكَ تدخُلُ تحتَ الإِمكانِ. وقد استَشْكل هذا الأخيرَ جماعةٌ مِن
حيثُ إِنَّ دعواهُ ذلك نظيرُ دَعْوى مَن قالَ: أَنا عدْلٌ، ويَحْتاج إلى تأمُّلٍ.
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر
العسقلاني (ت852ه) المحقق: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، مطبعة سفير بالرياض،
الطبعة الأولى، 1422ه (ص142-143).
([47])من
هنا، تذكرت هذا المثال: روى الطيالسي بسنده عن مكحول قل لعائشة: إن أبا هريرة
يقول: قال رسول الله: (الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأة والفرس)، فقالت عائشة: لم
يحفظ أبو هريرة، لأنه دخل ورسول الله يقول: قاتل الله اليهود يقولون: (إن الشؤم في
ثلاث: في الدار والمرأة والفرس)، فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله. مسند أبي داود
الطيالسي: أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري (ت204ه)، المحقق:
الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر، مصر، الطبعة الأولى، 1419 ه/ 199 م:
(3/124).
([52])انظر:
تهذيب الأسماء واللغات أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت676ه)، دار
الكتب العلمية، بيروت، لبنان: (1/73). النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي: أبو
عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (ت794ه)، المحقق:
د. زين العابدين بن محمد بلا فريج، أضواء السلف، الرياض الطبعة الأولى، 1419ه/
1998م: (1/163).
([61])يقول
الشاطبي: قالوا خبر الواحد إذا ملكت شروط الصحة، هل يجب عرضه على الكتاب أم لا؟.
فقال الشافعي: لا يجب، لأنه لا
تتكامل شروطه إلا وهو غير مخالف الكتاب. وعند عيسى بن أبان يجب، محتجاً بحديث في
هذا المعنی، وهو قوله: (إذا روي لكم حديث فأعرضوه علی كتاب الله، فإن وافق،
فاقبلوه، وإلا فردوه)، وللمسألة أصل في السلف، فقد ردتْ عائشة رضي الله عنها حديث:
(إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) بهذا الاصل نفسه، لقوله تعالى (ولا تزر وازرة
وازرة وزر أخری) ( وأن ليس للإنسان الا ما سعی) وردتْ حديث رؤية النبي (صلی اللە
علیە وسلم)، لربه ليلة الاسراء لقوله تعالی: (لا تدركه الأبصار). انظر: الموافقات:
(3/18)، المحصول: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الملقب بفخر الدين الرازي (ت606ه) دراسة وتحقيق:
الدكتور طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1418ه/1997م:
(4/438). الرسالة للشافعي:
أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف
المطلبي القرشي المكي (ت204ه)، المحقق: أحمد شاكر، مكتبة الحلبي، مصر، الطبعة
الأولى، 1358ه/1940م: (1/224).
1-
جائز
مع الكراهة. مذهب أكثرية العلماء، مثل: الحنفي والشافعي والظاهري ورواية عن أحمد.
2-
لا
يجوز. هو رأي المالكية والزيدية والإمامية، وأصح رواية عن أحمد.
انظر:
العناية شرح الهداية، محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبد الله ابن الشيخ
شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي (ت786ه)، دار الفكر، بدون طبعة
وتاريخ: (1/362). المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة: محمد بن عبد الله
بن أبي بكر الحثيثي الصردفي الريمي، جمال الدين (ت792ه)، تحقيق: سيد محمد مهنى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى،
(1419ه/1999م): (1/ 199). الكافي في فقه الإمام أحمد أبو محمد موفق الدين عبد الله
بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن
قدامة المقدسي (ت620ه)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414ه/1994م: (1/294).
المحلى بالآثار: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري
(ت456ه)، دار الفكر، بيروت، بدون طبعة و تاريخ: (3/127).
([91])سنن
الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار
البغدادي الدارقطني (ت385ه)، تحقيق: شعيب الارنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد
اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1424ه/2004م:
(2/404). يقول الدارقطني: لم يسمع المكحول من أبي هريرة. و يقول الشوكاني: ضعيف.
نيل الأوطار: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت1250ه)، تحقيق:
عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، الطبعة الأولى، 1413ه/1993م: (2/31).
([96])عَنِ
الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ
وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ. هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ. وَلَوْلاَ
أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ". صحيح البخاري: (8/46)، صحيح مسلم: (1/194).
([101])جامع
البيان في تأويل القرآن: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر
الطبري (ت310ه)، المحقق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى،
1420ه/2000م: (5/469). تفسير ابن المنذر أبوبكر محمد بن إبراهيم بن المنذر
النيسابوري (ت319ه)، تحقيق: الدكتور سعد بن محمد السعد، دار النشر: دار المآثر،
المدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1423ه/2002م: (1/229).
([123])قال
ابن عبد البر: أجمع العلماء علی القول بأن لا وصیة لوارث، وعلی العمل بذلك قطعاً
منهم علی صحة هذا الحدیث، وتلقیاً منهم له بالقبول، فسقط الكلام في إسناده.
الاستذكار: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي
(ت63ه)، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة
الأولى، 1421/2000: (7/265) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق