بصراحة/ سلميّة الإخوان المسلمين

صلاح سعيد أمين

قبل تسعين عاماً من الآن، أسّس (حسن البنّا)، بمصـر، جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، تركت تلك الجماعة - بصورة مباشرة أو غير مباشرة- بصمتها في كل الحقب التي مرّت بها مصـر، والمنطقة بأسرها.

وضع (حسن البنّا) بنفسه الخطوط الفكرية العريضة للجماعة، ومن أبرز خصائصها: السلميّة في الفكر والممارسة. والمتابع لتاريخ الإخوان المسلمين يرى بأشدّ الوضوح أن الجماعة لم تتجاوز سلميّتها في حياتها الدعوية والتربوية والسياسية قيد أنملة، رغم كل التقلّبات الكبيرة الكثيرة التي مرّت بها مصـر والمنطقة والعالم، ورغم كلّ الإجحاف والإرهاب والعنف الذي مورس ضد الجماعة من قبل الأنظمة المختلفة، وعلى كل الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية؛ من اغتيال مؤسسها ومرشدها الأوّل، إلى الإعدامات التي نفذّت بحقّ رموز وقيادات الجماعة، ومن الاعتقالات العشوائية التعسفية لكوادرها وأعضائها، والتي تشير المصادر إلى أنه في فترة حكم حسني مبارك فقط اقترب عدد معتقلي الجماعة

من مئة ألف شخص، إلى إبعاد الجماعة عن المشاركة في العملية السياسية، وإغلاق المقرّات والمؤسسات التابعة لهم، والتضييق عليهم، بوسائل تعسفية شتى.

ومع هبّة الربيع العربي، شارك الإخوان المسلمون، بجدية وتفان، في ثورة 25 يناير في 2011، وتمسّكوا بسلميّتهم في الثورة، وأصـرّوا على الالتزام بمدنيّة الثورة، وعدم اللجوء إلى العنف، بكل أشكاله ووسائله. وبعد انتصار الشعب المصـري، وسقوط نظام مبارك، شاركوا في الانتخابات الرئاسية، وفاز مرشح الجماعة في أوّل انتخابات مدنية نزيهة. ولم يكمل (مرسي) عامه الأول في الرئاسة، حتّى انقلب عليه العسكر، وعندما لجأ الإخوان، وحلفاؤهم، إلى الشوارع، رفضاً للانقلاب، ودفاعاً عن الشـرعية، قام الانقلابيون بقمع تظاهراتهم، وصنعوا مجزرتي الرابعة والنهضة بالقاهرة، وزجّوا أكثر من ستين ألف من داعمي الشـرعية في سجونهم، ومارسوا أعتى أنواع التعذيب والانتهاكات بحقّهم.

كل هذه الأعمال البشعة، والانتهاكات الجسيمة، لم تجرّ الإخوان المسلمين إلى العنف، ولم تدفع الجماعة إلى التخلّي لحظة عن سلميتها في الفكر والممارسة.

سلميّة الإخوان المسلمين ستضمن لهم المستقبل، وتؤكد على أنهم في النهاية سيخرجون من السجون أقوى مما كانوا عليه قبل دخوله. وقد أثبت التاريخ أن الإخوان المسلمين قبل أن يكونوا أفراداً وأشخاصاً حاملين رؤية معيّنة، فهو فكر ومشـروع راسخ في أذهان ملايين الناس، بمصـر وخارجها.

ونحن نكتب هذه الكلمات، والجماعة تعيش أحلك أيامها، والانقلابيون وأعوانهم صاروا محور الشـرّ في المنطقة، وواجهوا انتقادات عنيفة من قبل المنظمات الدولية المعنيّة بحقوق الإنسان، وسيبدو عاجلاً أم آجلاً أن السلمية والشرعية ستنتصـران في النهاية، وأن مصير هؤلاء في محور الـشرّ، ومن ساعدهم بكلمة واحدة، ليس بأقلّ من سابقيهم، وهذا وعد الله، وأن الأرض يرثها عباده الصالحون.