عبد الباقي يوسف
المسلم الحقيقي، هو الصفوة التي اصطفاها الله من بني
البشر، وعليه ألاّ يجعل أحداً أفضل، أو أكرم منه، لأن الذي يتربّى ويتأدّب على
كِتابٍ اكتَمَل به دين الله كلّه منذ بدء البشـرية، يكون كذلك على درجاتٍ
مُتقدّمةٍ من الكَمال البشـري في الأخلاق، والتسامح، والمحبة، والكَرَم. وإذا تفوَّق
عليه شخصٌ آخر غير مسلم، فاعلم بأن ذاك المسلم مخلٌ بمنهج عقيدته التي هو عليها،
ولا خلل قطّ في المَنهَج، بل الخلل، كل الخلل، يكمن في كينونة الشخص.
فالمسلم الحقيقي هو ذاك الذي يحمل بيدٍ مصحَفاً،
وبالأخرى وردةً، وهو يُقدّمها إلى الآخر، سواء أكان من عقيدةٍ أخرى، أو كان
كافراً، أو مشركاً، أو ملحداً، أو ما كان عليه مِن مُعتَقَد، يُقدّمها إليه بأدبٍ
جَمّ، وكلمٍ طيِّبٍ، وخُلقٍ حَسَنٍ. لا أن يقتحم عليه مَسكَنه، أو مَتجَره، أو
دائرته، وهو يحمل سلاحاً، ثم يخطفه بالقوّة، أو يتعمَّد
دهسه في الطُرقاتِ
بسيارةٍ، أو يُفخِّخ السكك الحديدية.
لقد مكّنك الله سبحانه وتعالى من الدخول إلى
ديارهم، وجعلهم يلينون لك، ويستقبلونك، ويستضيفونك، وذلك حتى تكون ممثّلاً جيداً
للإسلام فيهم، يرون فيك نصاعة القِيَم الإسلامية، فتستطيع أن تترك أثراً طيِّباً
لديهم، وتترك لديهم انطباعاً جيداً عن كل شخصٍ مسلمٍ. فيتيحون لك أن تبني المساجد
في ديارهم، وتنشئ وسائل إعلامية دعوية بلغاتهم فيها، ولكن إذا تَمادَيتَ، ومَدَدتَ
يدك إلى السلاح، فإن القرآن سوف ينقلب عليك، حتّى لو حملتَ باليد الأخرى ألف مصحف،
ولن يقفوا مكتوفي الأيدي، لأن كل ذاك الاحتفاء بك، إنما كان بسبب نشـرك للقيم
الإسلامية وفق ما وجّهك به القرآن، دون أن تجيز لنفسك وتزيد، أو تبتدع حتى تبرِّر
إلحاق الأذى بهم.
كما لا يجوز لك ذلك بالمقابل إذا حضـروا هم إلى
ديار المسلمين، سيّاحاً، أو عمّالاً، فتتعرَّض لهم، وهم في استضافتك، وتسلبهم
أموالهم، وتحجز حرّيتهم، ثم تطلب أموالاً نظير إفراجك عنهم. فأيّ بطولةٍ هذه، وأيّ
إسلامٍ هذا الذي تدعو إليه، وتريد للآخرين أن يكونوا مثلك.
إذن، سوف ينقلب القرآن عليك، وسيمكّنهم الله منك،
حتى يوقفوك عند حدودك، ويمنعوك من التجاوز عليهم، بل يمكّنهم الله تعالى أن يأتوا
إلى ديارك، ويملوا عليك شروطهم، وأنت تستجيب بذلٍّ وخنوع، وما ذلك إلاّ لأنك
انحرفتَ عن المنهج الدعوي الذي وضعه لك القرآن.
فالآية
تدعوك للانتباه إلى هذه المسألة، إن أردتَ أن تستردّ قوتك التي خسرتها، وتعود لك
مكانتك، ويعود لك مكانك لدى الآخرين، بأن تقذف السلاح من يدك، وتقذف الغلّ من
قلبك، وتنزع عبارات التأجيج وإثارة النعرات عن لسانك، فتحمل قرآنك بيدٍ، ووردة
باليد الأخرى، ولا يلفظ لسانك إلاّ بطيِّب الكلام، وتذكّر دوماً بأنك رسول رسول
الله - صلى الله عليه وسلّم- إلى الناس، وقد جاء عنه قوله لعموم أمّته: (بلّغوا
عني ولو آية)، حيث يتمّ تقديم المبادئ الإسلامية من خلال هذا البلاغ إلى الناس.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي - صلى
الله عليه وسلم-: (هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ،
قَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا
لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسـِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ
يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ،
فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا
بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ
أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ
اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ
إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ
الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا
شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ" فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ
اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ
شَيْئًا")[1].
وعندما
طلب منه بعض الصحابة أن يدعو على المشـركين، عندما أُصيب في (أحد)، دعا لهم
بالهداية: "اللهم اهد دوساً"، وفي حديث آخر: "اللهم اهد
ثقيفاً".
وعنه
صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يبعثني معنّتاً، ولا متعنّتاً، ولكن بعثني
معلّماً ميسّراً"[2].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق