الإرهاب بين النص المقدس والواقع الاجتماعي الحلقة الخامسة

مقابلة صحفية مع المفكر الإسلامي الكردي (أبو بكر علي) حول الإرهاب واشكالياته بين النص المقدس والواقع الاجتماعي، أجرتها صحيفة (يةككًرتوو) الأسبوعية، ولتعميم الفائدة ارتأينا نقلها إلى العربية. 

المترجم: د. ئاوات محمد أمين القره داغي

- ما هي العلاقة بين الفكر السلفي التطرفي والوهابية والسلفية الجهادية؟ وما هي علاقة الإخوان بهما؟

-التطرف والإرهاب الديني المعاصر ارتبط تشكل اعتقادهما الفكري بالمدرسة السلفية القتالية، وتشكل هذا المعتقد عن طريق الرموز المحسوبة على السلفية، وبالرغم من ذلك؛ لا تقف الوهابية خلف الظاهرة من جانب الفكر الدينى، لأن الوهابية تطالب معتنقيها بإطاعة حاكم الزمان كاستمرار لمسلك أهل السنة والجماعة فى إعطاء الشرعية للسلطة، كما تقترح التزام الصبر أمام فساد السلطة، وتحرّم الخروج عليها وتغييرها عن طريق القوة، ويوجد هذا النمط من السلفية في السعودية، ويدعم من قبل الأسرة المالكة، كما وتستخدم كوسيلة لمقارعة فكر القاعدة والإخوان ومثيلاتهما من الجماعات، وهذه المطالب ليست مطلقة، لأن الوهابية والسلفية الموجودة في السعودية تهيأ لمحاربة التطرف في هذا البلد، وقد حفز وشجع رموز هذا التيار؛ التطرف خارج حدوده وخاصة في العراق فى السنوات الماضية، وهذا غير منفصل عن الوجهة الفقهية التقليدية في موضوع احتلال جزء من أراضي المسلمين من قبل المحتلين الكفار، وفي بعض الأوقات تمثل الموقف الخفي لبعض المؤسسات السياسية التى تريد إحداث ضغط، ووأد المشروع ومقاومة السيطرة من قبل بعض القوى الإقليمية، والتوجه الدولي الذي تراه خطرا على مستقبلها، بمعنى استخدام الموضوع كوسيلة للسياسة الخارجية، وهناك تيارات سلفية تعادي كل منظمة إسلامية أو تنظيم إسلامي وتراه بدعة وضلالة، ولا تؤمن به في الأساس، وتوجه كل جهدها لتصحيح بعض المسائل التقليدية وتطبيق ما تراه (سنة)، وبهذه القراءة للوهابية والسلفية الجديدة نصل إلى وضعها في خانة السلفية المحافظة لنميز بينها وبين شكل آخر من السلفية ذات تفسير ونظرة تطرفية هي السلفية القتالية، وأصحاب هذا التيار لهم فهم سطحي وحرفي جامد للنصوص الدينية، ويلجئون إلى الفتوى لتجنيد الأعضاء وتنظيمهم وإسباغ الشرعية الدينية على مشروعية عملهم وخطواتهم، وفي هذا المجال هم في تقدم ويستلهمون من الفتاوى التاريخية، خاصة فتوى ابن تيمية ضد التتار كوسيلة للتكيف مع الأوضاع ومعرفة المقابل وإكساب الشرعية لأعمالهم.من الواضح أن التطرف الدينى المعاصر يقف وراءه نظرية فكرية، نظرية لاتضع في الحسبان ملابسات الأوضاع والواقع المختلف، ويتعامل مع النص بنفس تاريخي، كما وتسانده تقسيمات وإسقاطات حدية وتطرفية، وهذا النموذج الأيدولوجي الديني له علاقة بنظرية الولاء والبراء، التى تعد جزءاً مهماً من المنظومة الفكرية للسلفية، وهذه الآلية إشارة واضحة من الإعتقاد بالصراع الأزلي والأبدي بين الإيمان والكفر والحق والباطلومعسكر المؤمنين ومعسكر الكفار بالشكل الذى تطرحه السلفية الجديدة. أما مايتعلق بعلاقة الإخوان بالوهابية والسلفية فأنا كباحث ومراقب سياسي أرى بأنهما منافسان تقليديان للبعض، وهذا لايعنى عدم التاثير على بعضهما، وهذه وسيلة التكيف مع الأوضاع ومعل، يحتاج إلى شرح أكثر؛ تاريخ الوهابية أقدم من تاريخ الإخوان، فقد نشأ الإخوان في نهاية عشرينيات القرن العشرين كمنظمة ملقحة مع الصوفية والسلفية؛ وكنموذج لتنظيم سياسى معاصر، وإذا رجعنا إلى المصادر الموثوقة عند الإخوان، خاصة رسائل حسن البنا مؤسس ومرشد الإخوان نلمس هذا المزج جلياً، وبإمعان النظر في هذه الأدبيات نشعر بأن الإخوان يظهرون أنفسهم كحركة دينية سياسية في جوهرها يتمثل الإسلام كدين، مرشد الإخوان كان يعمل لفكر إسلامي شمولي يضم كل شيء، فهو لم يكن مرشداً للأخوان فقط، وفي العمق كان بديلاً لخليفة المسلمين، لذا حاول الإخوان أن يظهروا في أدبياتهم آيدولوجية محكمة وشمولية للإسلام، من أجل سد الفراغ وقطع الطريق أمام المسلمين والنشطاء في مجال الإسلام السياسي والفكري بكل أطيافهم من التفكير بإنشاء منظمات مستقلة بهدف إظهار شمولية الإسلام، بتطبيق كل جوانب الإسلام داخل المنظمة.

من هذا المنطلق فان مؤسس الإخوان يعرِّف منظمته بأنها جماعة سلفية، وهذا التعريف عبارة عن اظهار وجه من وجوه هذه المنظمة الشمولية، لهذا تجد جماعة الإخوان منذ تأسيسها تحمل نفساً سلفيا، ولكنها ظلت تتهم من قبل السلفية الجديدة بأنها غير صادقة في دعواها، بل إن الإخوان مستوعب للبدعة من وجهة نظرهم، وهنا تجدر الإشارة الى مابعد الخمسينيات – فترة المحنة الكبيرة والقاسية والقمع الذي تعرض له الإخوان على يد الأجهزة القمعية المصرية- والذي اضطرهم الى الإنتشار في الدنيا، فتوجه بعضهم الى الخليج، وهنا وقعت المنظمة تحت تأثير السلفية، لأن الأوضاع كانت مهيأة لمثل هذا التأثر، فالضغط يقوي نزعة التطرف في الإنسان، ويستخدمه كآلة للدفاع، وهو في حد ذاته تعبير عن اليأس أمام الإصلاح والتغيير، من جانب آخر السلفية في الخليج وضعت تأثيرها على مجموعة من الإخوان، وما تعرض له الإخوان في مصر من السجن والتعذيب والتنكيل، وتأخر الحياة السياسية أثر في تراجع نظرة الإخوان للديمقراطية ومواضيع أخرى، ففكر الإخوان في الأربعينيات كان أكثر انفتاحاَ من السبعينات والثمانينات، ولمعاداة دول الخليج وبالأخص السعودية للفكر الإسلامي المنظم وبالأخص الإخوان، فهذا الموقف أثر بوضوح في الموقف الفكري والديني لهذه الدول بخصوص الإخوان.

من جانب آخر فان السلفية القتالية استفادت من الهرم التنظيمي للإخوان، باعتبار أن مجموعة من قياداتها كانت داخل تنظيم الإخوان ثم تركتها واختارت هذا الأسلوب، وكانوا متأثرين بالموجة الثورية المتطرفة التي شهدتها المنطقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، خاصة بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وبدء الجهاد ضد المحتل الروسي، عند ذاك وصلت السلفية القتالية الى قمة التطور والغرور، وبشكل عام نستطيع القول أن التأثير والتأثر والتداخل بين الفكرين كان واقعاً، وفي بعض الدول ترك آثاره جلية على الفكر الإخواني، مثلاً في الكويت فان مسألة الترشح وتصويت المرأة وحقوقها السياسية كانت بامتياز فكرا سلفيا.

نتيجة لما سبق فان مدرستين مختلفتين في الفكر والعمل السياسي (الإخوان والسلفية) عارضتا بعضهما في بعض الدول، ووصلت هذه المعاداة في بعض الأحيان الى التكفير، وكتاب (الحصاد المُّر) للسلفية القتالية في مصر ضد الإخوان مثال جلي لهذه المعاداة والتهم القبيحة والتشكيك في عقيدة ولاء وبراء المقابل، وهكذا يتم التعرف على حلقة من تاريخ علاقة هاتين المدرستين، وفيما سبق تطرقت فقط للعلاقات الفكرية والآيدولوجية دون الإشارة الى العلاقات السياسية والتي بطبيعة الحال شهدت مداَ وجزراً كبيرين.

ـ يقول البعض أن موقف القوى الإسلامية السياسية تجاه المجموعات التي تمارس الإرهاب باسم الإسلام ضعيف، ما رأيك بهذا الامر؟.

هذا السؤال يحتاج إلى وقفة متمعنة، فالحركات الإسلامية من حيث البنية الفكرية والمكان الجغرافي والإتجاه السياسي، والنضج الآيدولوجي ليست سواء، فمنهم من ينظر الى الموضوع كصراع بين الشرق والغرب، ومنهم من لايرضى بالتقسيم الغربي للإرهاب، على سبيل المثال حركة حماس وحزب الله اللبناني يعدهما الغرب من المنظمات الإرهابية، وهما تصنفان كحركات مقاومة وطنية من القوى الإسلامية الأخرى.

من المعلوم أن الفكر الإسلامي الوسطي كان له دور بارز في تجفيف مصادر تجنييد الأعضاء للجماعات المتطرفة، وخاصة الجماعات التي يطلق عليها بالجماعات الإسلامية المتطرفة والتي لاتتحرز من قتل المدنيين وليس لها مشروع سياسي واضح، وكل ما عندهم يحصر في جملة شعارات عاطفية ويعملون على خلخلة الوضع الأمني وايجاد مناخ يملؤه اليأس.

بُعدٌ آخر من أدبيات هذه الجماعات الإسلامية هو العمل الدؤوب في سبيل إظهار الوجه الناصع للإسلام، والتمييز بين التياريين، فمن الجدير الإشارة الى أن الجماعات المتطرفة نشأتها كانت ردة فعل لعدم استخدام القوة من قبل التيار الوسطي ضد السلطة، ووصفوا هذا الموقف بالذل والرضى بحكم الطاغوت والتقاعس عن الجهاد وعدم العمل من أجل الدولة الإلهية، وهو ما دفعهم ليعرقلوا مسيرة حركتهم ويشككوا في اسلاميتهم، مع أنه من حق كل الحركات الإسلامية رفض التقسيم الغربي للإرهاب، لكن من المفروض أن لايسكت أمام هذا الإرهاب الأعمى واللاأخلاقي ضد المدنيين، الذي جعل من القتل هدفاً للقتل، يجب أن لايسكت عن هذا الفعل وأن يكون الموقف ازاء هذه الجرائم واضحا وجليا، بعض القوى لم يكن موقفها من هذا الأمر بالمستوى المطلوب إعلاميا لعدة أسباب منها وقوعها تحت ضغوطات مختلفة، ومنهم من ظن أنهم لو أدانوا هذه العمليات بشدة فانها ستدخل في مصلحة السلطة والدول القمعية في المنطقة، لأنهم ليسوا بأهل لتقديم الخدمات المجانية لهم، لأنهم في الأصل أساس المشكلة ويحكمون بقوة السلاح والحديد والنار، وليست مشكلتهم فقط مع القوى المتطرفة بل مع جميع الإسلاميين والتيارات المختلفة والمجتمع، ومن جانب آخر تشك بعض القوى في عمل أجهزة المخابرات في هذه الدول من حيث أنها تهدف لاشعال فتيل الحرب بين هذه الجماعات من وجهة نظرهم، وبعد ذلك هم يتابعون ما ينتج عنه من الإرهاب والإقتتال، ولابد أن يحسب الحساب لهذا الموقف وخاصة في الدول التي لاتتمتع بالقوة، على سبيل المثال فان بعض المصادر تشير الى أن الجماعة الإسلامية الجزائرية كانت مخترقة من قبل جهاز المخابرات، وقد قتلوا 250 شخصاً من جبهة الإنقاذ الجزائري، ومئات الأشخاص من حركة مجتمع السلم الجزائري وقد ذبحوا أمينها العام.

سبب آخر لعدم ادانة بعضالحركات الإسلامية لهذا النوع من الإرهاب؛ هو قناعتها بمدى تأثير الحوار مع هذه الجماعات بعيداً عن الإعلام، والذي يكون له مردود ايجابي على الجماعات والمجتمعات المسلمة، والأمر ليس بالمستحيل بحيث تترك الحركات المتطرفة العمل المسلح وتغير اسلوب عملها، وأحسن مثال على هذا الأمر الجماعات المسلحة المصرية، علماَ أن أكثر من 100 جماعة مسلحة تركت العمل المسلح في العالم وغيرت اسلوب عملها، ولكي تقوم الجماعات الإسلامية بالأدوار المناطة بها، لابد أن تفسح السلطة المجال أمام الحركات الوسطية والتي يكون لها سهم في تخفيض حدة التطرف والإرهاب.

من الجدير الإشارة اليه أن مجرد وجود الحركات الوسطية رد فعل عملي وحصار فكري للتكفير والإرهاب الديني، فهذه الجماعات إن لم تتواجد تصبح الأرضية مهيأة لزيادة اعداد المتطرفين وازدياد الأعمال الإرهابية على نطاق أوسع، فمن الضروري أن تفكر الجماعات الإسلامية على مستوى المجتمع وان لم تهتم بها الحكومات، وان تقوم بهدم البنية الفكرية للتكفير من أسسه، وهذا يُعَد جزء من العمل الإسلامي في اطار الفكر الإسلامي، ويساهم في اسباغ الشرعية القانونية والسياسية والأخلاقية لهذه الحركات في مقابل السلطة التي تشكك في ديمقراطيتها وقانونيتها، هذا القول يجب أن لاينسينا بأنه في بعض الدول الصراع الرئيسي دائر بين الإسلاميين المتطرفين والنموذج الآخر للإسلام وهذا يظهر جلياً في العراق وافغانستان وتركيا، ففي العراق دار صراع مرير خلال السنوات الماضية بين الحركات المتطرفة والحكومة العراقية والتي راح ضحيتها آلاف الأرواح، وفي افغانستان الحركات الجهادية التي قاتلت الإتحاد السوفيتي والحكومات المتعاقبة في كابل، اصبحت اليوم جزءاً من حكومة كارزاي، وتركيا يحكمها الآن حزب ذو أصول اسلامية، واصبحت جزءاً من مواجهة الإرهاب ومحاربته، وكما أسلفت وبحكم التغيير الحاصل في هذه الدول فان النموذج الإسلامي الآخر يقف في الصف الأمامي في المواجهة العسكرية والأمنية والفكرية لأفكار المتطرفين والإرهاب الديني، ومن منطلق واقع هذه الدول فهم حلفاء لأمريكا.

ولا ننسى بأن هذه الجماعات الارهابية تستخدم كدعاية مضادة ضد الحركات الإسلامية الوسطية، بل وتستخدم كحرب نفسية للتشكيك في مواقف بعض الإسلاميين، ويعلم الجميع بأن النموذج الإسلامي الوسطي مع وجود ملاحظات على ادائه يقف سداً منيعاً أمام انتشار فكر التكفير والإرهاب الديني، فتقييمنا للعمل الإسلامي لابد أن يأخذ بعين الإعتبار كل الدعايات الموجهة ضد هذا النموذج، وأنا على يقين تام بأن مستقبل الأيام يحمل في طياته أشياء كثيرة ستوضح موقف الحركات الإسلامية.