بقلم: علاء بيومي
للإخوان صادرة عن مركز أبحاث أميركي معروف - وهو مركز كارنيجي للسلام الدولي - خلال شهر مارس الماضي تحت عنوان "الإخوان المسلمون المصريون: مشاركة الإسلاميين في بيئة سياسية مغلقة".
الدراسة على الرغم من صغر حجمها (33 صفحة) تحتوي على عدد وافر من الحجج الرئيسية المتعلقة بمشاركة الإخوان السياسية، والتي تشعرك بأن كثير من الأفكار المطروحة عنهم في وسائل الإعلام العربية والغربية فارغة وغير ذات معنى، وذلك كفكرتي "انقسام الإخوان بين حمائم وصقور" و"مبالغة الإخوان في الاهتمام بشئون الدين والأخلاق على حساب السياسة والاقتصاد" على سبيل المثال.
نقد الإخوان
الدراسة لا تخلو من نقد لاذع للإخوان ولا تنحاز لهم، فهي موضوعية إلى حد كبير تنظر إلى الإخوان
كجماعة معارضة مصرية أو كأكبر هذه الجماعات في الوقت الراهن، وترى في حضورهم السياسي القوي على الساحة المصرية "تعددية سياسية" وفي غيابهم "فقدان فرصة" في ظل نظام سياسي مصري "شبه سلطوي".
كجماعة معارضة مصرية أو كأكبر هذه الجماعات في الوقت الراهن، وترى في حضورهم السياسي القوي على الساحة المصرية "تعددية سياسية" وفي غيابهم "فقدان فرصة" في ظل نظام سياسي مصري "شبه سلطوي".
فالنظام المصري الراهن يسمح بقدر من المعارضة والتي لا تجعل منه نظاما سلطويا، تماما كما كان الحال في ظل النظام الناصري، ولكنها لا تجعل منه أيضا نظاما ديمقراطيا تعدديا، لذا نحن أمام نظام "شبه سلطوي" كما يسميه التقرير.مؤلفا التقرير (عمرو حمزواي و ناثان بروان) - الباحثان بمركز كارنيجي – لا يترددان في نقد الإخوان، فالجماعة المصرية – كما يصورها التقرير – مازالت قيد التطور وتعاني من الغموض وعدم الوضوح لأنها لم تشارك بشكل علني وكامل في السياسة المصرية ما يمنع المتابعين من فهمها فهما كاملا.
أما ما يصدر عن الجماعة من خطاب سياسي ومواقف – خاصة من قبل أعضائها في البرلمان – فيكشف عن عيوب واضحة مثل ضعف اهتمام الإخوان بمشاركة المرأة سياسيا ورفضهم لتولي الأقباط الرئاسة – كما ظهر في مسودة مشروع حزب الأخوان الصادر في 2007.
كما ينشغل الاخوان أكثر من اللازم أحيانا بنقد النظام والفساد، ويعانون من تناقض أيدلوجي واضح لأنهم يطالبون بتزايد دور الدولة الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وبالحد من دور الدولة المصرية السياسي، وهو تناقض يصعب علاجه، فالمطالبة بتدخل الدولة في الاقتصاد وقضايا أخرى سوف يقوي من قبضتها ولن يسمح بالإصلاح السياسي الذي ينادي به الأخوان بقوة.
تطور مع المشاركة
في المقابل يرسم التقرير صورة مميزة للإخوان كجماعة تطورت كثيرا في السنوات الأخيرة لأنها زادت من مشاركتها السياسية وأصبح لها كتلة برلمانية تختلف عن الجماعة وقادتها.
الكتلة البرلمانية ركزت على الإصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي والقانوني وعلى مكافحة الفساد والاحتكار والدفاع عن حقوق الإنسان، وتركت لقيادة الجماعة التركيز على قضايا الدين والأخلاق والثقافة.
إذن نحن أمام تمايز وتطور وظيفي ونوعي نتيجة للمشاركة السياسية، ويقول التقرير أن كتلة الإخوان بالبرلمان لا تخلو من تخصصات عديدة ومتنوعة مما سمح لها بالتعامل مع قضايا تشريعية مختلفة لأنها تمتلك "مؤهلات" داخلية تساعد على ذلك، هذا يعني أننا أمام جماعة تتطور؛ وثرية داخليا، كما أنها مليئة بالحوار والجدل الداخلي، فالتقرير يقول أن صدور موقف ما عن الجماعة، مثل موقفهم من تولي الأقباط الرئاسة لا يعني إجماع الجماعة كلها على نفس الموقف ولا يعني أن الموقف – الصادر في مسودة حزب الإخوان الصادر في عام 2007 – هو موقف نهائي. فالمسودة قد تتغير في نصها النهائي لو سنحت الظروف بظهوره في يوم من الأيام، كما أن الجماعة بينها أعضاء معارضون، وآخرون يرون أن الديمقراطية هي من يجب أن تقرر رئيس مصر.
ويبدو من التقرير أن الإخوان يميلون بشكل مضطرد نحو استخدام لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات السياسية والمدنية والدستورية في الحديث عن مطالبهم المختلفة بما في ذلك المطالب الدينية والثقافية والأخلاقية، وهنا يبدو أن الإخوان أو اليمين الديني المصري – إذا صح التعبير – تعلم من خبرة اليمين الديني الغربي الذي بات يطالب بمطالبه الدينية والثقافية من منطلق الحقوق والحريات المدنية والسياسية وليس من منطلق ديني وثقافي بحت، ولكن تبقى المخاوف من أن طبيعة المطالب الدينية اليمينية ذاتها – مثل تطبيق الشريعة وتكوين مجلس لعلماء الدين يشرف على القوانين – هي أفكار من شأنها ربط الدين بالدولة على المدى البعيد بدلا من تحريرهما.
فالإخوان يطالبون برفع يد الدولة عن الأزهر وعن المؤسسات الدينية وعن الأوقاف، ولكنهم يطالبون في نفس الوقت بتدخل الدولة لتشريع سياسات دينية وأخلاقية، وهذا يعني إننا أمام موقف انتقائي متناقض في علاقة الدين بالدولة، وأن الإخوان يريدون الدولة كأداة لتحقيق أجندة دينية معنية، وهي أجندة يصعب التحكم فيها على المدى البعيد، وكان الأولى بهم تحرير الدين من الدولة مرة واحدة وبشكل كامل حتى يعود الدين إلى المجتمع فينعم بالحرية وتتقلص قبضة الدولة وتنحصر في القضايا المدنية،عموماالتقرير يقول أن الإخوان يتطورون باستمرار ويتعلمون ويتجادلون فيما بينهم وأن المشاركة السياسية تساعد على ذلك كثيرا، فالمشاركة تدفع الإخوان إلى إعلان مزيد من المواقف والأفكار التفصيلية وتزيد من نخبهم، فنحن الآن نتحدث عن نخب وقيادات الجماعة ذاتها، كما نتحدث عن كتلة الجماعة داخل البرلمان، كما أن المشاركة السياسية تفتح الإخوان على الإعلام والمعارضة والنظام المصري، ونتيجة للشد والجذب تتطور أفكار الإخوان ومطالبهم.
حذر استراتيجي
ويبرز التقرير فكرة مثيرة عن الإخوان وهي حذرهم الشديد في التعامل مع النظام، فالتقرير يقول أن الإخوان حريصون على عدم تهديد النظام سياسيا، فهم لا يريدون أن تشكل معارضتهم خطرا سياسيا رئيسيا عليه، فهم يدركون أن النظام المصري لن يسمح لهم بالنمو بدرجة كبيرة، لذا يحرصون على عدم منافسته منافسة كاملة، ففي انتخابات مجلس الشعب الكبيرة لم ينافس الإخوان النظام إلا على ثلث مقاعد البرلمان، ومع ذلك فازوا بخمس المقاعد، وهذا يعني أن نصف مرشحي الإخوان تقريبا فازوا في الانتخابات، وأن لدى الإخوان قدرة كبيرة على المنافسة، ومع ذلك فضلوا عدم المنافسة على جميع مقاعد البرلمان أو حتى نصفها، وهي قاعدة ذهبية للإخوان كما يصورهم التقرير، فهم حريصون على عدم تقدم صفوف مظاهرات المعارضة في أحيان كثيرة، وحريصون على التنسيق مع أحزاب المعارضة وترك المقاعد التي يتنافس عليها كبار ممثلي المعارضة.
وحريصون أيضا على عدم منافسة قيادات الحزب الوطني الديمقراطي ورموزهوعلى عدم استفزاز النظام بأكبر قدر من الإمكان دون التخلي عن مواقفهم الإصلاحية، وذلك لأنهم يدركون أن تكلفة مشاركتهم السياسية أعلى بكثير من تكلفة مشاركة أي حزب أو جماعة معارضة مصرية أخرى، فموقف الأمن من مظاهرات كفاية والأحزاب المعارضة يختلف كثيرا عن موقفه من مظاهرات الإخوان، فالنظام باختصار أكثر بطشا بالإخوان ومظاهراتهم وممثليهم وقياداتهم مقارنة بأحزاب المعارضة الأخرى.
التكلفة الإستراتيجية للمشاركة السياسية
وهو أمر يدركه الإخوان جيدا، ويعلمون أن هناك "خطوط حمراء" على مشاركتهم؛ وأن هذه الخطوط الحمراء غامضة ومتحركة متقلبة، فالمسموح به اليوم ممنوع بشدة غدا، والعكس صحيح، لذا يقول التقرير أن الجدل الأكبر داخل الجماعة يدور حول "التكلفة الإستراتيجية للمشاركة السياسية" أو بمعني أخرى حول الثمن الذي يمكن أن يدفعه الإخوان في نظير المشاركة، فهم يدركون أن جماعات المعارضة المصرية لن تسعفهم، وأن الرأي العام الدولي الذي بات أكثر فهما لهم لن يساعدهم، وأن النظام لن يسمح له بلعب دور كبير، فنشاطهم السياسي يؤدي إلى قمعهم، وانسحابهم يؤدي إلى التسامح معهم؛ وهم يدركون – على سبيل المثال وكما يقول التقرير – أن النظام لن يسمح لهم إلا بالفوز بعدد قليل جدا من مقاعد مجلس الشعب المصري في الانتخابات المقبلة، كما أن النظام حرمهم من ممارسة دورهم التشريعي تقريبا على الرغم من وجودهم شبه المستمر في مجلس الشعب المصري؛ وجودهم الكبير في المجلس الحالي (2005-2010).
فالتقرير يقول أن الإخوان قدموا أكثر من 20 ألف استجواب خلال دورة البرلمان المصري الحالي، وقدموا أفكارا ومشاريع قوانين هامة تتعلق بإصلاح الدستور ومحاربة الفساد وكسر الاحتكار وسداد الدين وإصلاح النظام الضريبي، ومع ذلك لم يسمح لهم النظام بتمرير أي تشريعات أو بوقف أي قوانين إلا ما ندر جدا، وهذا يعني أننا أمام نظام متحكم لا يترك نافذة لجماعات المعارضة، والإخوان يدركون ذلك جيدا، ولا يوجد سبب يدفعهم لتصور غير ذلك في المستقبل المنظور.
انسحاب استراتيجي
لذا يتوقع التقرير أن يقرر الإخوان في "البيئة السياسية" الراهنة الانكفاء على الذات والبعد عن المشاركة السياسية العلنية؛ والتركيز على بناء الجماعة داخليا وعلى أجندتها الاجتماعية والثقافية والدينية والأخلاقية مع عدم إهمال دورها السياسي، والذي يتوقع له التراجع في شقه العام المتعلق بالمشاركة في المؤسسات السياسية الكبرى في الوقت الراهن.
ويبدو أن التقرير فطن إلى "اللعبة السياسية" المصرية، لذا يقول في خاتمته أن انكفاء الإخوان على الذات أو الداخل في الفترة المقبلة لا يعني تراجعهم أو اختفاءهم، فهم باقون والنظام المصري باق، أما الخاسر الأكبر من تراجع الإخوان وإحجامهم عن المشاركة السياسية فهو "التعددية السياسية المصرية" ذاتها والتي فقدت "فرصة" وفرها الإخوان عندما سمح لهم النظام بالمشاركة السياسية على نطاق واسع نسبيا في 2005.
وفي النهاية يبدو قرار (الإخوان المسلمون) بالانسحاب والانكفاء على الذات والعزوف عن المشاركة السياسية منطقيا، فهو لا يمثل انتصارا للصقور على الحمائم، ولكنه يبدو استجابة منطقية وعقلانية للتكاليف الباهظة التي تتطلبها المشاركة السياسية الحقيقية في نظام سياسي مغلق.
بقي لنا أن نشيد ببعد التقرير عن الأيدلوجية وبمنهجه العلمي وبرصده لمواقف الإخوان داخل البرلمان وعلى مستويات مختلفة والتي سمحت له بقراءة سلوكهم السياسي قراءة مغايرة تستحق الرجوع إليها لفهم سلوك الإخوان في المستقبل.
---
للإطلاع على النص الكامل لتقرير كارنيجي، يرجى زيارة الوصلة التالية على الانترنت:
http://www.carnegieendowment.org/publications/index.cfm?fa=view&id=40318
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق