د. سعد سعيد الديوه جي
أثير في الأيام الماضية لغط كثير حول مسلسل المسيح المنتج في إيران والذي اعترضت على عرضه الطوائف المسيحية في لبنان وأوقف بثه منعاً للمشاكل!.
ومصادفةً رأيت أحد أصدقائي المسيحيين في الجامعة، وسألته بعفوية عن سبب اعتراض المسيحيين وهم يصورون المسيح ويعلقون تماثيله وتماثيل أمه في بيوتهم وكنائسهم ومحلاتهم، فلم يعطني جواباً وكان محتاراً أيضاً.وصادف في اليوم التالي أن وجدت المسلسل يعرض في أحدى القنوات التجارية فتابعته، فلمست فيه ناحيتين، الأولى عرض المسيح كنبي مرسل إلى بني إسرائيل مجرداً من صفاته الإلهية التي يؤمن بها المسيحيون كونه ابن الله الذي فدى نفسه على الصليب ليخلص البشرية من آثامها، والثانية عرض معجزات المسيح و حياته كما جاءت في الأناجيل ولكن بقالب مفرغ من الصفات الإلهية المذكورة آنفاً، و من هذه النقطة انطلق الاعتراض المسيحي على ما أعتقد!.ونحن كمسلمين ملتزمين بالنهج القرآني وبالنهج الرسالي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لايمكن أن نرضى بتصوير المسيح ولا غيره من الرسل عليهم السلام في صور أو أفلام لأن ذلك يحط من قدرهم ومنزلتهم المرسومة رسماً مثاليا في أذهاننا كما أرادها القرآن الكريم، وإن هذا التمثيل مجافاة لحقيقة عصمة الأنبياء وعظمتهم، وكذلك من هم أدنى من الأنبياء شأناً كالصحابة رضوان الله عليهم.وهذا التمثيل لشخصية الأنبياء في أفلام ومسلسلات يضع سيناريوهاتها أناس متخصصون في الإثارة والتشويق يضفي على هذه النوعية من الأفلام نوعاً من اللامصداقية تكون سبباً للمشاكل والنزاعات الدينية نحن في غنىً عنها في شرقنا الإسلامي المبتلى بالحروب والنزاعات.إن عدوى تصوير الأنبياء انتقلت إلينا من الغرب الذي تخلى عن قيمه ومثله منذ زمن بعيد بحجة الحرية، وهي حجة واهية إلى أقصى الحدود، لأن الحرية يجب أن تقف عند الحد الذي تجرح فيه مشاعر الآخرين وخصوصاً المشاعر الدينية، وعندما تطرح بشكل متعمد ومقصود.فعندما كنت أدرس في ثمانينات القرن الماضي في بريطانيا، كانت هناك مسرحية تعرض بعنوان "الحياة الجنسية للسيد المسيح " وألح علي بعض الأصدقاء لمشاهدتها ورفضت في حينها رفضاً قاطعاً، لأن الإساءة للسيد المسيح (ع) هي إساءة لي ولكل مسلم يؤمن بأن المسيح (ع) هو نبي من أولي العزم كرمه الله برفعه إلى أعلى المقامات مما لم ينله بقية الأنبياء والرسل، وأن تمثيله في أي صورة إهانة للمشاعر الإسلامية الحقيقية، بينما لم يجد الانكليز أي غضاضة واعتبروا الأمر اعتيادياً فكان الحياء والغيرة قد فارقت أفكارهم منذ زمن بعيد.من هذا كله أرى أن الابتعاد عن النهج القرآني السليم في قصص الأنبياء والذي يعرض حياتهم وسيرهم بخطوط عريضة غايتها تقوية الإيمان وبناء الشخصية المسلمة من خلال الاعتقاد والإقرار بسيرهم وما تحملوه من مصاعب وآلام في سبيل الدعوة والتوحيد، لايقودنا إلا للسفسطة والضحالة الفكرية والمهاترات الكلامية الفارغة؛ ثم إلى قلة احترام الأنبياء والرسل، كما يجري الآن في الغرب وعلى ما أسلفنا. وأن كثرة التفاصيل المستندة للخيال والتاريخ الحكواتي – الأسطوري يضع من شأنهم ويقلل من قدرهم .وعليه فلتكن هذه الأزمة البسيطة حافزاً لنا ولدعاتنا، لكي ينبهوا الناس عموماً والمسلمين خصوصاً للابتعاد عن مثل هذه المسلسلات والأفلام، بل وتحريمها من ناحيتين، دينية لأنها تنال من قدر الأنبياء ومكانتهم؛ ودنيوية لأنها لا تقود إلا للمشاكل والنزاعات بين أطراف الدين الواحد ومع أتباع الديانات الأخرى.فالأنبياء والأولياء والصحابة ليسوا مادةً للسينما والمسلسلات الرمضانية إذا كان عرضهم بهذا الشكل المثير للمشاعر والأحاسيس الدينية والطائفية.إن قراءة القرآن بتمعن واتباع الأحاديث الصحيحة يكفيان لرسم صورة رائعة للأنبياء والرسل، تجعل من هذه المسلسلات عملاً لا ينظر إليه إلا بازدراء.وللمسألة جوانب عديدة لا يمكن الإلمام بها في خواطر عابرة، ولكن معظمها لا يصب إلا في دوائر خارجة عن التصور الديني الصحيح المجرد من التشخيصات والتي لا تقودنا إلا لنوعٍ من الوثنية المتطورة تلائم عصر الإعلام السريع ونتيجتها سلبية على الروح الدينية المتعلقة بالله الواحد الأحد وبرسله المكرمين الذي هم قدواتنا ونصب أعيننا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق