07‏/02‏/2014

الاستشراق الفرنسي ودوره في التأسيس للحملة الفرنسية على مصر


عمر جاسم محمد 
على مدار زمن طويل، لم يكن الاستشراق يستشعر حاجة إلى التساؤل عن أصوله ولا عن أسسه، وقد ركن إلى وجوده، وكان ذلك كافياً له، لكن حركة نزع الاستعمار العامة قد أرغمته على أن يضع نفسه موضع التساؤل، وعلى أن يتساءل ما إذا كان لم يتورط في أغلب الأحيان مع الاستعمار، والحال أن محصلة هذه الأزمة قد تمثلت في تعريف مزودج للاستشراق، هو في آن واحد عقلاني، علمي وغربي. ليس في وسع المرء – أن يقدم – في مجال حديثه عن (مصر)،
والحملة الفرنسية عليها، سوى تبسيط بالغ لمجريات الأحداث، إذا لم يرجع إلى أصول تلك الحملة الضاربة جذورها في التاريخ المؤسسي للاستشراق الفرنسي، الذي بدأ فعلياً حين تحول الشرق في مخيلة الفرنسيين إلى (مصر والإسلام)، لا سيما الرحالة الذين تتوجت أكثر مراحلهم تحقيقاً بخلفاء فولتير: (سافاري، وفولني)، اللذين أسسا بشكل مشذب صورة الشرق التخيلية في رأس (نابليون). 
يبدو من الصعب جداً توضيح الاتجاه العام لنشوء الاستشراق الفرنسي الذي مرّ بمراحل متقلبة، فيبدو النتاج الفرنسي عن الشرق والإسلام، اعتباراً من عام 1768 تحديداً، بمستوى متوسط حيث تعتبر فترة جزر الاستشراق، أما المد فهو مفاجئ وحاسم اعتباراً من 1768-1772، في حين أن العقد الذي يلي تلك الفترة يتميز بانخفاض طفيف في النمو، أما في عام 1782 فتحدث طفرة تبلغ ذروتها في 1788-1792، وبعد ذلك يحدث انهيار.
ولا يبدو أن الحروب والصدامات الأوربية، في القرن الثامن عشر، قد أثرت كثيراً على كمية النتاج الاستشراقي الفرنسي، إلا في مرحلة الثورة الفرنسية وحروبها على جميع القطاعات، إذ يهبط النتاج الفرنسي بشكل واسع، ويبدو كأن هناك تغيراً مفاجئاً في بؤرة اهتمام الرأي العام، يجتمع مع تفكك مباشر لشبكة النشر. وقد وجهت الثورة الفرنسية ضربة قاسية إلى استشراق كان في أوج تطوره، فيوضح جوزيف لاكانال (1762-1845) السياسي الحاذق وعضو المجمع العلمي الفرنسي: "إن نمو هذه اللغات (الشرقية) المختلفة، إنما يعد ضرورياً للتعمق في فهم أزمنة آسيا القديمة وآثارها، لكن الأعمال التي من هذا النوع لا تتم بنجاح إلا عبر التأمل العميق، والذي لا يتماشى مع الاضطرابات، التي لا مفر من أن ترافق الثورات العظمى، فكل مواطن يكرس عندئذ كل وقته للوطن".
وإذا ما أخذنا في اعتبارنا هذه التباينات، والحالة الأقل وضوحاً بالنسبة للرحلات، فإن بوسعنا أن نعتبر أن الاتجاه العام هو اتجاه أوربي، وليس خاصاً بفرنسا، فالأسباب الواحدة لها نتائج واحدة.
ويجب البحث عن سبب هذه التفاوتات في النتاج الاستشراقي، في تطور الشرق نفسه، فالذروة لأعوام 1728-1732 تتجاوب مع الموقف في فارس، والاضطرابات في القسطنطينية، والحرب بين فارس وتركيا، مثلما أن فترة 1737-1742 هي فترة الحرب بين العثمانيين وروسيا والنمسا، أما الركود الذي عرفته السنوات الخمس والعشرون التالية (في النتاج الاستشراقي) فهو معاصر لعهد سلم طويل في الشرق الأدنى، وحرب 1768-1774 ضد روسيا والنمسا هي لحظة حاسمة أيضاً بالنسبة للاستشراق، كما بالنسبة للعلاقات الدولية، ويشهد الاستشراق صعوده مع بدء إثارة المسألة الشرقية، وفي ذلك الوقت بالتحديد جرى طرح المشاريع الأولى لفتح مصر.
إن اللحظة التاريخية الكبرى التي تستأثر باهتمام المستشرقين الفرنسيين هي لحظة حياة النبي (عليه الصلاة والسلام)، والحال - كما سنرى - أن التصور الذي صاغه القرن الثامن عشر لحياة النبي، هو المسألة الوحيدة من مسائل الاستشراق التي درست دراسة جيدة نسبياً، والحال أن الاستشراق المتأسلم الفرنسي هو بشكل أساسي استشراق تاريخي، وهو ذاته الاستشراق الذي دفع (نابليون) إلى أن يكتب تعليقاته عن حياة النبي في كتاب ماريني (تاريخ العرب)، ويدعوه الأمر ذاته إلى كتابة قصة "قناع النبي - حكاية عربية"، التي سأوردها خلال الدراسة.
بعد كل ما مضى، ينبغي علينا فهم الرؤية المستبقة للفرنسي حين دخوله مصر، ثم آليات التخيل، وكيف تكونت تلك الصورة وما هي أبعادها، وما هي المرجعية الفكرية والمفاهيمية، التي استندت عليها محفزات تلك الصورة الذهنية، ثم ما هي الموروثات النصية التي اعتمدت عليها تلك الأخيلة الفرنسية في تكوين الرؤى والصور عن الآخر، الذي ظل مجهولاً حتى دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798.
ولأن الحدث يشتمل على قطبين أولهما: الفرنسيون ونابليون، وثمة قابلية هنا للتفريق بين الفرنسيين، من حيث هم شعب، وبين نابليون، من حيث هو صيغة للحدث التاريخي، لأن نابليون وحده استند على موروث جد نفسي وتخيلي عن الشرق، وانبثقت منه أحلامه ورغباته التي قادته للتطلع إلى الشرق، وعقليته التي تكونت بصعوبة وتعقيد لا يضاهى. والقطب الآخر هو الجبرتي ومصر، وتماماً ينطبق عليه ما انطبق على نابليون، فكانت له أدواته في تحديد زاوية الرؤية للفرنسي، من منطلقاته هو، وكأنه يقارن ويناظر بين تخيلات فكرية عاشها هو، وتلك المخيلة التي تمتع بها، وامتاز بقدرته على وضع الصور، ومن ثم تحريرها وتحليلها في مخيلته، ليخرج بذهنيته عن الواقع الذي يعيشه بصيغة نصية، ومن ثم قدرته على فهم الأحداث، ثم انعكاساتها على واقعه، هنا فقط يمكن أن تتحدد الصورة وأبعادها الدقيقة.
وبدءاً من هذا النص الذي كتبه (ليبنتز) (1) وقدمه إلى (لويس الرابع عشر)، الذي يقول: "المؤكد أن مصر كانت السبب الذي أدى بالمسيحيين إلى فقد الأراضي المقدسة، كما كانت المنقذ للمحمديين (2)، الذين لولا امتلاكهم لها لاختفوا من على وجه الأرض". يبين هذا النص مدى تجذر الصورة الذهنية عن الشرق ببعدها الديني، واندماجها اندماجاً كلياً في البعد الديني، لدرجة تفسير كل ما هو إسلامي بـ (محمدي). والحقيقة إن عملية التفريق تلك، جاءت نتيجة سوء الفهم، الذي تولد عن عدم المعرفة بالشرق جيداً، وتكوين الأساطير والصور الخرافية عن الشرق، وعن صعوبة اقتحامه، لأن فيه الوحوش التي لا تقهر، ومرد ذلك كله إلى الكينونة الغربية في عدم معرفة الشرق. لكن في الوقت نفسه، يقدم (ليبنتز) صورة أكثر وضوحاً وقسوة، إذ يقترح على الملك لويس الرابع عشر غزو مصر، ويقول: "هذا هو أضخم مشروع يمكن تصوره والأكثر سهولة في تنفيذه، وإن مصر من بين جميع بقاع العالم هي الأفضل موقعاً من أجل السيطرة على الدنيا، وعلى البحار"(3).
كانت فرنسا هي البلد الوحيد الذي أقام، اعتباراً من عام 1535م، علاقات مع (سليمان القانوني) (4)، بينما كانت الامبراطورية العثمانية لا تزال تثير رعب القوى المسيحية الأخرى، ومنذ إبرام معاهدة الامتيازات الأجنبية (5) استعادت المعادلة (الغرب/الإسلام/مصر) أهميتها مرة أخرى، كما لو كانت فرنسا - في رغبتها لنسيان ذكريات القديس لويس (6) المؤلمة - قد أرادت إقامة تبادلات تجارية ضخمة مع مصر، ولما كان مفتاح القدس موجود منذ فترة قصيرة في القاهرة، فقد أصبحت الإسكندرية وكالة تجارية أجنبية أنبأت عن العمليات التجارية الكبرى المستقبلية، وبعد عصر الحُجّاج، بدأ عصر القناصل، ومعهم مشروعات غزو جديدة، وسريعاً ما تم الوكالات التجارية الفرنسية في الاسكندرية ورشيد، وتدريجيا التفت الجاليات الغربية الصغيرة العدد حول فرنسا في البداية، ثم فتحت القنصليات الخاصة بها بعد ذلك، وتمثل الدور الرئيس لهذه القنصليات في حماية رعاياها، والحفاظ على تجارتهم، وكان من البديهي أن يتوافر في العاملين بها صفات التجار، قبل خضوعهم للقواعد والتقاليد الدبلوماسية التي تحدهم في دور القناصل(7).
ومصر مركز القارة القديمة (أفريقيا)، ولا يقدم هذا البلد سوى الذكريات العظيمة، فهي أرض الفنون والمعارف، وموطئ لأقدام عمالقة الفكر والفلسفة والسياسة، وصروحها الحضارية قد شيدت في زمن كانت فيه أوربا تخوض حروباً بربرية، في حين كانت مصر تتمتع - لزمن طويل - بالسيادة التجارية، فأصبحت محط أنظار واهتمام الأمراء العظام الذين يتحكمون بمصائر الأمم ، ولم يحدث مرة أن أمة من الأمم حشدت لنفسها قوة ذات شأو، في الغرب أو في آسيا، دون أن تقودها هذه القوة باتجاه (مصر)، التي اعتبرتها هذه القوى بوجه من الوجوه نصيبها الطبيعي(8). 
ولأجل فهم الموروث النصي الذي نتج عن المشاهدات العينية التي تركت - فيما بعد - أثراً واضحاً في تكّون الصورة في الأخيلة الفرنسية، لا سيما تلك التي كانت تنطلق من أيدولوجيا مستبقة تنبعث منها جذور العلاقات بين كل ما هو مسلم ومسيحي، ومن أجل تجاوز هذا الصراع القديم، سنتعامل معه من حيث هو موروث تاريخي نصي، ثم أثره على تصورات الفرنسيين تجاه مصر.
شهد القرن السادس عشر اتصالات أوربية جديدة بالشرق، بعد القطيعة التي حصلت إثر انتهاء الحروب الصليبية، في محاولة لدراسته واستكناه بواطنه، وكانت أولى تلك المحاولات هي المطبعة العربية، التي أمر البابا (جوليوس الثاني) بتأسيسها في (إيطاليا)، ونشرت أول كتاب باللغة العربية عام 1514م، وفي القرن ذاته ظهرت أولى الكتابات الهامة عن مصر باللغة الفرنسية، سجلها الرحالة الفرنسيون الذين زاروا مصر خلال هذه الفترة، وتم تداول هذه الكتابات من قصر إلى قصر، وبقي البعض منها مخطوطاً حتى تم طبعه. وتمثل هذه الكتابات وثائق تاريخية مهمة، لأثرها في تكون الصورة النمطية عن الشرق، وقد اعتبر الفرنسيون أن اكتشاف مصر والشرق مغامرة محببة إليهم، لأن الشرق كان بعيداً عنهم بعد النجوم، كما صورته بعض الكتابات الأوربية(9). 
وتميزت الرحلات الاستكشافية للرحالة الفرنسيين، الذين زاروا مصر في القرن السادس عشر، بأنها كانت تضم في معظمها رجال الدين، الذين حرصوا على تأدية فريضة الحج إلى بلاد الشام (القدس)، فضلاً عن زيارة الأماكن المقدسة المسيحية في مصر. يضاف إلى ذلك أنهم قد كلفوا بمهام سياسية، كنقل الرسائل من القادة الأوربيين إلى الدولة العثمانية، أو التجسس أو غيرها، وكان البعض منهم عالماً طبيعياً وهناك الجغرافي والشاعر والأديب، وقد زار هؤلاء مصر ابتداءً من عهد لويس الثاني عشر حتى هنري الثالث، ورحلاتهم جميعاً تمت بعد أن أصبحت مصر ولاية عثمانية عام 1517م (10).
وفي عام 1769م، وهو العام الذي ولد فيه (نابليون بونابرت)، حدث تحول وانتقال من الشعور بالتهديد التركي على الغرب المسيحي، الذي يرجع إلى ثلاثة قرون، إلى ولع بحضارة الإسلام، وظهر الاهتمام بشخصية النبي (عليه الصلاة والسلام)، فدفع (فولتير)(11)، كل مفكري عصره في هذا الأمر بدورهم. 
وقد تحولت صورة النبي (عليه الصلاة والسلام) تحولاً كبيراً بعد دراسة المستشرقين لها وتفسيرها وتعميمه(12)، الذي وصفه منظرو ومصنفو نخب العصور الوسطى، وانتهت تلك الصورة التي جاء بها، إذ أنه تحول من رجل ليس معه إلا القليل، إلى نشر دين عظيم وبناء امبراطورية عظيمة(13).
ولا تزال صورة النبي في ذهنية الغرب - رغم تغيرها - تلك الشخصية التي يشوبها الكثير من القلق، ولكن بدلاً من أن تكون للشخص قليل الذكاء، أصبح الأمر يتعلق الآن بعقلية راقية، تتبع خطة معدة سلفاً، تهدف إلى تحول جذري لضمان سيطرة العرب على العالم، ومزج الديانات فيما بينها. إنها شخصية مستعدة لبلوغ غاياتها واستخدام كل الوسائل الممكنة، فهو فوق كل القواعد الأخيلة - بوجهة نظرهم - وقد أصبح جذاباً وساحراً، ولكن ظل في الوقت ذاته "مخيفاً". والحق إن هذه الأسطورة الغربية عن النبي (عليه الصلاة والسلام)، تمت بصورة خاصة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وتحول إلى شبح يلح على الضمير الغربي والعبقرية التي تعلو على كل الأخلاق(14). وهناك جانب خاص بالنبي (عليه الصلاة والسلام) كان يجذب الانتباه، ويثير الاعجاب بمواهبه "كمشرع"(15)، ففي ذلك الوقت كانت الثورة الفرنسية على وشك الاندلاع، وكانت أوربا تبحث عن سبل سياسية واجتماعية جديدة للسماح للشعوب للوصول بصورة جماعية إلى "العصور الحديثة"، واقتبس المفكرون وفلاسفة عصر التنوير من مثل هذه الأمثلة التاريخية، أن الشعوب القاهرة تنتهي على الأغلب بأن يقهرها من قهرته، مثلما حدث بالنسبة للغزوات الألمانية في أوربا، والمغولية في ديار الإسلام(16).
--------
الهوامش:

(1) ليبنتز (1646-1716م)، فيلسوف ألماني مثالي وموضوعي، وأول رئيس لأكاديمية برلين للعلوم، وأحد مبتكري حساب التفاضل، كان جيولوجياً وبيولوجياً ومؤرخاً، وهو في تفسيره للواقع سعى إلى توحيد المبدأ الآلي ونظرية الذرات الروحية "الموناد"، التي عرضها في كتابه "علم الذرات الروحية "، وهو مؤسس الجدل المثالي الألماني، وقد وصل من خلال اللاهوت إلى تقرير الرابطة التي لا تنفصم بين المادة والحركة، ولعل من أبرز كتبه، كتابه المعروف بعنوان "مقالات جديدة في الفهم الانساني". سترومبرج، رونالد، تاريخ الفكر الأوربي الحديث 1601-1977م، ترجمة: أحمد الشيباني، ط3، دار القارئ العربي (القاهرة: 1994)، ص 755.
(2) ينسب المسيحيون في فترة العصور الوسطى وما بعدها، أتباع النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) إلى اسمه، واعتقد بعض المسيحيين أيضاً أن المسلمين يعبدون محمداً، كما عبد المسيحيون المسيح. وهذا ما سبب انتشار اسم (محمديين) بدل (مسلمين) في الغرب، ولا يذكرونهم بالمسلمين، استناداً إلى وجهة نظرهم التي رسموها عن الإسلام ونبيه، والأجدر قول (المسلمين)، لأن الإسلام لا ينسب إلى الشخوص، بل هو دين الله سبحانه.
(3) Stoddart , T.L. , “An Account Of the “ Consilium Written By Leibnitz : Under The Auspices Of the Elector of Mayenc and Presented to Louis XIV “ Foreign and Commonwealth office collection , University Of Manchester (England : 1850) , P.6.
(4) سليمان القانوني (1495-1566م) سليمان بن سليم الأول عاشر سلاطين آل عثمان، تولى العرش إثر وفاة والده سليم الأول عام 926هـ/1520م، وكان عمره آنذاك 26 سنة، وقد امتدت مدة حكمه 46 سنة، والدته يهودية تدعى أولغا Hulga، ولقبها سليم بـ(حفصة)، زوّجته والدته من الفتاة اليهودية البولونية (روكسلانه)، وبعدما أنجبت له ولداً سماها "خُرّم". كلو، اندريه، سليمان القانوني، ترجمة: البشير بن سلامة، ط1، دار الجيل (بيروت:1991)، ص 14. 
(5) كانت الامتيازات الأجنبية Les capitulations تعني، من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، النظام القانوني والتجاري والاقتصادي والدولي الذي كان نافذاً في السلطنة العثمانية في عهد انحطاطها وتخلفها، وقويت فيه شوكة الدول الأجنبية ورعاياها في جميع أرجاء السلطنة العثمانية. أَمَّا قبل ذلك فقد كانت الامتيازات الأجنبية وجهاً من وجوه التسامح الديني والتعايش الطائفي، اللذين كانا يقضيان باحترام المعتقدات والشعائر الدينية لغير المسلمين المقيمين في ديار السلطنة العثمانية. إن معاهدة الصداقة المعقودة عام 1535 بين الباب العالي La Sublime Porte وفرنسة كانت أول ما سُميَ بالامتيازات الأجنبية في عهد السلطنة العثمانية. وكانت تتألف من 17 مادة منها ما يتعلق بالإقامة، ومنها ما يتعلق بالتجارة، ومنها ما يتعلق بممارسة الشعائر الدينية والمعتقدات المسيحية. وتضيف تلك المصادر أن الدول الأجنبية الأخرى بادرت إلى عقد معاهداتها مع الباب العالي، وذلك على التفصيل التالي: إنكلترة عام 1583، هولندا عام 1613، النمسة عام 1718، السويد عام 1737، مملكة الصقليين عام 1740، توسكانا عام 1747، الدنمارك عام 1756، بروسية عام 1761، إسبانية عام 1782، روسية عام 1783، الولايات المتحدة عام 1830، وبلجيكا عام 1838، وأخيراً اليونان عام 1855. وقيل إن جمهورية البندقية سبقت فرنسة في عقد معاهدتها مع الباب العالي عام 1455، وإنها كانت معاهدة نموذجية في سلسلة تلك الامتيازات التي نصت على منح الأجانب حريات مختلفة. الكيالي، عبد الوهاب، موسوعة السياسة، ط 1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت: 1979)، ج 1، ص 309-310. 
(6) لويس التاسع (Louis IX) أو لويس القديس (Saint Louis) هو ملك فرنسا (1226- 1270م) وابن لويس الثامن، قام بعدها بقيادة الحملة الصليبية عام 1249م، حتى يحرر بيت المقدس من أيدي سلاطين مصر، كانت وجهته الأولى (دمياط) في مصر، إلا أنه هزم ثم أسر في أولى مواجهاته في (المنصورة) عام 1250م، بعد أن افتدى نفسه من الأسر، استقر في الشام لمدة أربع سنوات 1250-1254م، ليعود بعدها إلى فرنسا حيث قام بإعادة تنظيم أجهزة الدولة، ووطد دعائم السلطة الملكية، كما أرسى قواعد أولى المؤسسات البرلمانية. ديورانت، ول، قصة الحضارة، الهيئة المصرية العامة للكتاب (القاهرة: 2001)، المجلد الثامن، الجزء 15، ص 387. 
(7) ذهني، إلهام محمود علي، مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب (القاهرة: 1991)، ص 30؛ هريدي، صلاح أحمد، الجاليات الأوربية في الاسكندرية في العصر العثماني، دراسة وثائقية من سجلات المحكمة الشرعية 923-1213هــ/1517-1798م (الاسكندرية: 1988)، ص 15؛ ريمون، اندريه، الحرفيون والتجار في القاهرة في القرن الثامن عشر، ترجمة: أحمد إبراهيم وباتسي جمال الدين، ط1، المجلس الأعلى للثقافة (القاهرة: 2005)، ج2، ص673.
(8) Fourier , Joseph , Perface Historique ,Description de L’ Egypte , Imprimer Imperial , (Paris : 1809) , Vol.1.P.1.
(9) عبد الكريم، أحمد عزت، دراسات في تاريخ العرب الحديث (القاهرة: 1970)، ص 15؛ ذهني، مصر، ص 15؛ 
Corre , Jean Marle , Voyagurs Et Ecrivains Francaisen Egypte , (Le Cairo:1922) , P.5
(10) للتفصيل أكثر حول الرحالة الفرنسيين في مصر، ينظر: ذهني، مصر، ص ص 49-67؛ Meinardus , Otto F, A , Monks and Monasteries of The Egyptian Deserts , AUC , ( Cairo : 1989 ) P.P.37-52. 
(11) فرانسوا ماري أرويه، المعروف باسم (Voltaire)، من مواليد 21 نوفمبر 1694، توفي في 30مايو 1778، وهو كاتب وفيلسوف فرنسي عاش في عصر التنوير، ذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة، ودفاعه عن الحريات المدنية، خاصة حرية العقيدة، وكان كاتبا غزير الانتاج، قام بكتابة أعمال في كل الأشكال الأدبية، فقد كتب المسرحيات والشعر والروايات والمقالات والأعمال التاريخية والعلمية، وأكثر من عشرين ألفاً من الخطابات، وكذلك أكثر من ألفين من الكتب والمنشورات، وكان مدافعاً صريحاً عن الإصلاح الاجتماعي. طرابيشي، معجم الفلاسفة، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر (بيروت:1987)، ص 434 -435.
(12) بهذه الصفات كان المتعصبون المسيحيون يصفون النبي (عليه الصلاة والسلام)، وهي دليل على عدم إدراكهم لشخصية النبي ووعيهم بالآخر، وإنما تلك التصورات انبعثت عن أبعاد ذهنية عدائية لدينهم، فنظروا للدين الإسلامي بوصفه تمثلاً لسلطة الكنيسة، ولعل توجيههم لتلك الهجمات على الإسلام والنبي، جاء من رغبتهم بطرح الإسلام كنموذج بديل عن تهجمهم على سلطة الكنيسة، ولكن الصورة تختلف عند (دانتي اليغيري) في (الكوميديا الإلهية)، إذ نرى الرسول(عليه الصلاة والسلام)، وكرمه الله مما وصفوا، "يمزق بيديه صدره من الكوع حتى منتصف جسده لأنه صنع ديناً مزيفاً" كما يزعمون. اليغيري، دانتي، الكوميديا الإلهية، ترجمة: حسن عثمان، دار المعارف (القاهرة: 1969)، ج 4، ص 178.
(13) Laurens , Henry , Les Origines Intellecuetles de L’Expidition D’Egypte , L’Orientlisme Islamisant En France , (Paris : 1987) , P.22.
(14) Laurens , Les Origines , P.25.
(15) أقدم معرفة (موثقة) للمسيحيين عن النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) تعود للمصادر البيزنطية، التي كتبت بعد مدة وجيزة من وفاة الرسول سنة 632. ففي تعليمات يعقوب المعمد حديثا Doctrina Jacobi nuper baptizati ، وهو حوار بين يهودي تحول للمسيحية وعدد من اليهود، كتب أحد المشاركين أن شقيقه "كتب له قائلاً: إن نبياً مخادعاً ظهر وسط الشرقيين" ، وكتب آخر عن الرسول: "هو مخادع، فهل آتى الأنبياء بسيف وعربة حرب؟... لن تكتشفوا أي شيء حقيقي عن هذا النبي المذكور إلا سفك الدم البشري". ورغم أن محمداً لم يذكر باسمه، فوجوده معروف على ما يبدو. ويبدو أيضاً أن كلاً من اليهود والمسيحيين نظروا إليه نظرة سلبية. وهناك مصادر أخرى معاصرة، مثل كتابات البطريرك سوفرونيوس Sophronius تبين جهلهم بظهور نبي بين العرب أو بدينهم، بل نشير فقط الى أن هجمات العرب (المسلمين) كانت عقابا على ذنوب المسيحيين. وقد سمع الغرب عن النبي وعرفوا عنه منذ وقت ترجمة أعمال( يوحنا الدمشقي) الجدلية، الذي صاغ عبارة مهينة هي "النبي الكاذب وكانت "دائما تقريبا تستخدم لغرض الإهانة." Kaegi , Walter Emil, Jr., "Initial Byzantine Reactions to the Arab Conquest", Church History, Vol. 38, No. 2 (Jun., 1969), p. 139-149,; 
قباني، رنا، أساطير أوربا عن الشرق: لفق تسد، ط4، دار طلاس (دمشق: 1994)، ص 35-39.
(16) يوسف، أحمد، بونابرت في الشرق الإسلامي (القاهر المقهور)، ترجمة: أمل الصبان، ط1، المجلس الأعلى للثقافة (القاهرة: 2005)، ص 74-75.

هناك تعليق واحد:

  1. الباحث عمر جاسم من المواهب الواعدة ، ودعوتي للقراء التمعن في هذه المساهمة الناضجة لانها تستند الى اساس علمي رصين

    ردحذف