07‏/02‏/2014

ذكرياتي مع الاتحاد الاسلامي الكردستاني


هفال برواري 
بمناسبة مرور 20 عاما على إعلان (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) أردت أن أسجل لله وللتاريخ ما يجول بخاطري عن هذا الحزب الفتي، الذي ولد من رحم الحركة الإسلامية المعاصرة، الممثلة للمنهج الوسطي الاعتدالي، كمقتطفات وذكريات مررت بها، أو خواطر انتابت مشاعري، وأحاسيس دخلت في كياني، وأنوار أضاءت أفكاري، لكي تكون منطلقا لتجديد الأفكار والهمم، ولكي تستيقظ الروح التي كان يصحو بهمتها مئات الغافلين والتائهين، ولتخترق هذه الروح كل الميادين، غير عابئة بما سيؤول بعد حين، وتتجاوز كل حدود غير ناظرة إلى أشواكها أو مستنقعاتها. 
ولكي تكون منعطفا لتفعيل الأخوة التي كانت بلحمتها ضياءا تنير بنورها كل درب، وتهدي ببريقها كل ملهوف، وطوق نجاة من أوهام استحالة تحقيق لحمة الدين بالمحبة، لتصل إلى الفداء بالمال
والبنين في سبيل الأخوة في الدين، أخوة لم يعرف من كان قبلنا طعمها، ولم يستشعر عظمة أجرها، ولا ثمرة مردودها، ولا أحس بحلاوتها إلا من ذاق طعمها في حاضنتها، وارتوى من معينها، والتي امتدت بصفائها من الرعيل الأول، والجيل الذي لن يتكرر، جيل خير البشر، مع أشرف البشر وسيد الأصفياء والأتقياء، محمد المصطفى وصحابته الأوفياء. 
ونحن في العشرين من عمرنا، وفي قمة وعنفوان شبابنا، وفي منطقة أصبحت منفتحة على كل البلدان، ودخلت إليها كل الأفكار، وبعد التحرر من أغلال سلطة البعث، انفتحت أبواب كوردستان العراق، وأصبحت ساحة تتنافس فيها كل التوجهات والأيدلوجيات وكل الأحزاب من هذا وذاك .. فهذا يلوح لنا بالديموقراطية على نهج القومية، ولكن راياتها قبلية، تأخذ رمزيتها وسطوتها من العشيرة، مع تاريخها الطويل الذي لا ينكره إلا كل من يبخس الناس ما في أيديهم من أشياء، وذاك ينافسه في الميدان، لكن بيسارية تقطع الأوصال بما كان فيه الآباء والأجداد .. وهناك من كان يرفع رايات التكبير لله، ويثور بثورية، وكأنه جاء ليحارب أحفاد الكفار، وهو أيضا كان له في ميدان ردع الأعداء باع ..لكن هذا ما كان يجول في فلك مفاهيمهم وقت ذاك، المهــــــــــــــم كانت ســاحة كوردستان مكتظة بالمفاهيم والأفكار، ومستقطبة لهذا وذاك، لكـــــن كلهم كانوا يلتقون في التزمت بالأفكار، والتعصب للذات، وكلهم كان يمتلك روح الثورة بالعدة والسلاح، فلا مكان لمن لا يضرب الأخماس بالأسداس ! ولا أمان لمن لا يمتلك السلاح لحماية نفسه من كائد يكيد له في مكان!! المهم الثقة بالآخر كانت معدومة بين الخلان، وعقلية الإلغاء للآخر كانت هي ما يجول في الأفهام، رغم تأسيس البرلمان بعد سنوات من الحرمان.. حتى كان موعد الإعلان عن حزب غريب الأطوار على حالة ووضعية كوردستان، في السادس من شباط، قبل عشرين عاما، حزب - كما قلت - غريب الأطوار في الحالة الكوردستانية، فهو:
1- مدني بحت لا يؤمن برفع السلاح، ويعد رفع السلاح إهانة لمهنة الحزبية، وخرقا لقوانين اللعبة السياسية، كما هو حال كل البلدان التي تنادي بالديموقراطية، والمليشيات هي آفة الحالة الكوردية، والسلاح لا يجوز امتلاكه إلا من خلال تشكيلة موحدة، تسمى الجيش العسكري المنظم للبلاد.. مفاهيم كانت غريبة على منطقتنا، نأن من آثارها حتى الآن.
2- جعل المنافسة سياسية بحتة بين المتخاصمين في توجهاتهم السياسية، والبرامج التي تخدم الناس هي الأساس.
3- امتلك فكرة وسطية إسلامية، لم يعهدها الإسلاميون الذين كانوا متزمتين بنصية القرآن والحديث، أو المتمسكين بآيات الجهاد، بنظرة سطحية، أو المتوهمون بعقلية الفرسان.. وكان بذلك يؤسس منطلقاً فكرياً، جعل من أفراده روادا في نشر فكر الحريات والديموقراطيات وحقوق الإنسان..وحتى في مفاهيم المواطنة والقومية امتلك رؤية انبهر بها المخضرمون في أيديولوجيات الأقوام.
4- امتلاك عقلية ونظرة مدنية للإسلام، تؤمن بالآخر، وتجعله شريكا له على أرضية المشتركات، ولو كان مختلفا معه في الأفكار ،أو حتى في المعتقدات، من سائر الأديان.
5- اعتمد نظرة جديدة حتى إلى الذين لا ينتمون إلى عرقهم أو قومهم، فمشترك الإنسانية يجمعهم، وهذا هو مراد مفاهيم القرآن.
6- وتبنى النظرة الشمولية للإسلام، بعد أن كان قد صنفت له تصنيفات أو تخصصات، أو حددت له في أذهان الناس على أنه محصور بين جدران الجوامع والعتبات.
7- أرغم (الآخر) على القبول بهذه المفاهيم، مع أنه حاربها في البداية.. ولكنهم مع مرور الأيام تنازلوا عن أفكارهم القديمة في الصراع، وتم تحويلها إلى منافسة سلمية مدنية، ينافس بعضهم البعض في إقناع الناس.
8- أعاد الثقة بالشباب على أنهم أمل البلاد، وأن بهم يكمن التقدم والازدهار، وأنتجت حواضنهم التربوية جيلا شهد له القاصي والداني، وأصبحوا رموزاً يقتدى بها في كل مجالات الحياة .. واستطاعوا أن يبدعوا بخلق صحوة شبابية أنتجت جيلا تضرب به الأمثال، وكل هذا بلحمة الأخوة التي كانت قد أصبحت بابا من أبواب الخيال، وكانوا نواة لبتر التطرف والتشدد الذي ابتلي به الشباب المتحمس لنصرة الإسلام.
9- الإبداع في تشكيل لجان طوعية خدمية، تخدم من خلالها معاناة الناس، وتركض نحو تحقيق السعادة لهم، بسد ما كانوا يعانون منه من مشاكل اقتصادية أو اجتماعية، وخاصة منهم الأيتام.. وحث الناس على الإقدام بالمشاركة في هذا الميدان، وبث روح التكافل وروح العطاء بين الناس، ومن هنا قاموا بإعادة الإنسانية إلى شعب عانى من الاضطهاد المتبادل بين أفراد البلد الواحد.
10- أعاد الثقة بالمرأة التي كان لا يعنى بها مطلقا، أو كانت النظرة إليها هامشية أو دونية، وجعلها شريكا مع الرجل في كل الميادين الاجتماعية، بل تجاوزت لتكون هي شريكا" أساسيا" مع الرجل في السياسة، وكل ذلك كان منبثقا من رؤية إسلامية معاصرة، لم يسبقهم إليها أحد قبلهم في البلاد.
11- ولد هذا الحزب كبيرا منذ أول يوم من ولادته، فقد كان من أول يوم منضبطا في صفوفه، منتشرا في كل الميادين، وموفقا في كل توجهاته، حكيماً في قراراته، متوازناً في أحكامه، حتى سياسيا كان يتحرك بخطوات شهد له المراقبون بالحنكة والذكاء، وسط توترات وتشنجات كانت تعصف بالأحزاب عصفاً حيناً من الزمان ...
هذا ما كان يجول في خاطري من ذكرياتي مع الاتحاد الإسلامي الكورستاني، الذي كان حركة دعوية، ونهضة فكرية، ومؤسسة خدمية، ومشروعا "سياسيا"، ورؤية حضارية، تستطيع أن تكون قدوة في نهضة بلدنا..كوردستان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق