06‏/02‏/2014

قراءة في كتاب: الاسر المسيحية في الموصل

د. محمد نزار الدباغ
صدر عن المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية/ وزارة الثقافة والشباب/ إقليم كردستان - العراق، كتاب: الأُسر المسيحية في الموصل، للمربي الفاضل بهنام سليم حبابة (الموصلي)، وتولت مطبعة وزارة الثقافة والشباب طبع الكتاب في أربيل بطبعته الأولى سنة 1912 وبواقع (300) صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف فني ملون ومزوق يحمل صورة (منطقة قليعات) في الموصل، والكتاب يحمل الرقم (24) من سلسلة كتب الثقافة السريانية الصادر ضمن مؤلفات المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية.
وقد ذكر المؤَلِف في كلمته عن موضوع الكتاب: أن هذا الإصدار يتضمن ذكراً لأهم الأُسر المسيحية، التي سكنت الموصل على مَرّ السنين، مع وصف مقتضب لكل منها، من حيث أصل الأُسرة وكبيرها وأفرادها ووظائفهم وحرفهم ومنجزاتهم، كل ضمن اختصاصه أو علمه، سواء كانوا تجاراً، أم صناعيين، أم أصحاب حرف حرة، أم أطباء، صيادلة، ومهندسين، صحفيين، رجال دولة، أساتذة جامعات، وكُتاب ومدرسين، معلمين،
ووجهاء أو أصحاب عقارات سكنية أو أراضي وبساتين وغيرهم. كما أشار المُؤَلِف إلى انتماءاتهم ومذاهبهم الدينية ومراجعهم البيعية المعروفة في البلد (انتمائهم إلى أي كنيسة)، وإن كانوا جميعاً مسيحيين من الكلدان والسريان الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن والروم والبروتستانت والإنجيليين والسبتيين واليعاقبة والآثوريين. وقد أحصى المُؤَلِف أكثر من 600 اسم من مختلف الطوائف المسيحية، بعضها عربية، ومنها سريانية تدل على عراقتها وأصالتها، وبعضها أسماء مختلفة المعاني، أدرجها المُؤَلِف كلها، حفظاً لها من الاندثار والضياع. ولا نجد فهرساً للكتاب، إنما جدولاً بأسماء الأُسر المسيحية، حسب الحروف الأبجدية، ولعل أصول أسماء بعض الأُسر نجده مرتبطاً بمهنة أو لقب ديني أو نسبة الى مكان أو بلدة أو طائفة، وإن كان الارتباط بالمهنة هو الأعم الأغلب.
ويلاحظ أن أغلب الأُسر المسيحية في الموصل كانت منتشرة في أحياء المدينة، إلا أن تركزها كان في أحياء: (الساعة) و(حوش الخان: القلعة) و(المكاوي) و(رأس الميدان) و(حوش البيعة) و(قصر المطران) و(الدواسة)، أما في الجانب الأيسر من المدينة، فنجدهم موزعين على أحياء: (الثقافة) و(الأندلس) و(المثنى) و(العربي) و(الزهور) وغيرها. وكان لهذه الأُسر كنائس مميزة ما بين قديمة وحديثة، وأخص منها: (مار أشعيا) و(الطهرة)، وكنائس منطقة (حوش البيعة)، وهي للأرثوذكس والكاثوليك والأرمن، وفي منطقة (الساعة) كنيسة الآباء الدومنيكان ومار توما التاريخية، ومسكنتا ومار حوديني، مما يقع في الجانب الأيمن من الموصل. وفي الجانب الأيسر من المدينة، نجد كنيستي العذراء مريم (الدركزلية وحي الثقافة) ومار بولص (المهندسين)، وفي حي(النور) كنيسة الروح الأقدس، هذا فضلاً عن الأديرة العريقة القائمة إلى اليوم في الموصل، كدير مار ميخائيل ومار كوركيس وغيرهما. وكانت للمسيحيين لهجتهم الخاصة، كما لهم عاداتهم وتقاليدهم في الأعياد والمناسبات والأفراح والأحزان، كما كانت لهم مقابرهم الخاصة في ساحات كنائسهم.
وأشار المُؤَلِف باعتزاز، إلى أن من أصحاب فكرة هذا الكتاب، هو جار قديم له هو الأستاذ الدكتور (جزيل الجومرد) (أستاذ التاريخ والحضارة العربية الإسلامية/ كلية التربية/ جامعة الموصل)، حينها شرع المُؤَلِف بجمع هذه الإحصائية بأسماء الأُسر، وتنظيمها حسب الحروف الأبجدية، وبالطبع فإن هذا العدد، الذي جمعه المُؤَلِف مشكوراً، لا يمثل العدد الحقيقي لأسماء الأُسر المسيحية، إنما هناك أسر أخرى لم تصلنا أخبارها، أو فات المُؤَلِف ذكرها. ولم يتقيد المُؤَلِف في شروحاته، متناً وأسلوباً وعرضاً، بقواعد اللغة العربية، حسب ما ذكره، لأنه أرادها (فلكلورية موصلية شعبية).
أما موارد الكتاب، ومصادر مادته، فقد اعتمدَت بالدرجة الأولى على الحوارات والاستذكارات والمناقشات مع زوجته الراحلة السيدة (ميري وديع ججي) (أُم سالم)، إذ أنه حسب قوله: أفادته معلوماتها عن الأُسر المسيحية، عن طريق علاقاتها الأُسرية مع الأقارب، فضلاً عن أصدقاء العائلة، يضاف إليها سؤال المُؤَلِف لبعض أصدقائه ومعارفه، ممن التقى بهم أثناء سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، فضلاً عن رجوعه إلى بعض المصادر التي أوردها في نهاية كتابه، وهي: (السلاسل التاريخية) لفيليب طرازي، و(ذخيرة الأذهان) لبطرس نصري، و(الموصل أيام زمان) لأزهر العبيدي، و(بحث في تراث الموصل) لسعيد الديوه جي، و(وثائق آل رسام)، تحقيق القس بطرس حداد، و(الآثار المسيحية في الموصل) لجان موريس فييه الدومنيكي، و(الطب في الموصل) لمحمود الحاج قاسم، فضلاً عن موارد أخرى غير مصرح بها، كقول المُؤَلِف: (تقول التواريخ)، (قرأت في أحد المصادر القديمة)، (وجدت في بعض المصادر الدينية)، فضلاً عن إشارات لأسماء مؤلفين وكتبهم، متصرفاً في عنوانها، مما لم يرد في قائمة المصادر بعبارة (كموسوعة بسام الجلبي) والصحيح (موسوعة أعلام الموصل) لبسام الجلبي، وربما اكتفى بإشارة واحدة من كتاب الجلبي، مما دعاه إلى الاختصار والتصرف باسم الكتاب. ونجد أن المُؤَلِف قد استعان بكتابه الآخر عن (الآباء الدومنيكان)، مما لم يضمنه في قائمة المصادر، واعتماده على مصادر موجودة في مكتبته، عند حديثه عن الأخوين كوركيس وميخائيل عواد، مما لم يصرح بها، كقوله: (وفي مكتبتي تفصيل كثير عن حياتهما ومؤلفاتهما)، واستعانته برواية والده بقوله: (وقد ذكر لي والدي رحمه الله)، معززاً بمادة هامة اطلع عليها من الأرشيف الكنسي الموصلي، وغيره، مثل: (سجل زوجات بيعة الطاهرة)، و(سجل الأخوية(1) في بيعة مار يوسف)، و(سجلات بيعة الطاهرة للسريان الكاثوليك)، و(قائمة القسس المتوفين في بيعة الطاهرة للسريان الكاثوليك)، و(سجل العماذ (2)في كنيسة مسكنتا)، و(سجل عماذ كنيسة حلب).
وتعود جذور بعض الأُسر المسيحية في الموصل، حسب مطالعتنا للكتاب، إلى أصول تركية أو فارسية، وفي أحيان قليلة: أوربية، فرنسية، أو ايطالية على وجه الخصوص، ممن سكنت الموصل قديماً. وإن أغلب الأُسر المسيحية كانت قد هاجرت من الموصل إلى بغداد وسهل نينوى، وإلى البصرة بصورة أقل، وخارج البلد إلى سوريا ولبنان والأردن، وإلى دول أوربا كألمانيا والسويد وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وفي الأمريكتين إلى الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، للعمل، أو نتيجة للأحداث السياسية، التي عاشها العراق بين ستينيات القرن وسنة 2003، ومن الأُسر المسيحية من انقرض وجودها في الموصل نهائياً.
وجاء ذكر أسماء بعض الشخصيات ضمن الأُسرة المعينة مرتبطاً برموز أو وظائف كنسية كالشماس (فلان...)، والأسقف والقس والمطران والبطريرك والراهب والخوري(3)، و(من رعية(4)...).
وفي الكتاب إشارات إلى العديد من مناطق الموصل القديمة، وإن كان أغلبها وروداً هو منطقة حوش الخان (القلعة) والساعة والميدان ومنطقة حوش البيعة، وشارع نينوى وسوق الشعارين والنجارين والحدادين، وقنطرة الجومرد، وبيت سرسم، ومنزل استارجيان، وعمارة توما جردق في شارع نينوى، ومدرسة شمعون الصفا ومدرسة الطاهرة للكاثوليك والأرمن، والدير الكهنوتي للكلدان.
وقد وردت إشارات طريفة، قلما نجد أخبارها في الكتب، منها: المدرسة المنذرية، والبنك الشرقي في الموصل، ودير الموصل أمام باب شط المكاوي، وأسرة عجزان (كان بيتهم على طريق النعلبندية)، والدكرمان (وهي آلة صغيرة لطحن القهوة)، وبيت عبدوني (كان لهم رحى في سرداب تحت الأرض لطحن ولدرس الحنطة وعمل البرغل)، وبستان أشجار الفستق، مقابل معمل العرق، قرب سور نينوى، والعائد لأُسرة (جرجيس أسحيق).
وأدرج المُؤَلِف في آخر الكتاب صوراً لبعض أسواق وشوارع وخانات وأبنية الموصل، مع الزي التقليدي للأُسرة المسيحية في الموصل، وزي رجال الدين المسيحيين، مع صور أخرى للمؤلف في مدرسة شمعون الصفا، ونموذج لبعض شهاداته التقديرية، ومنها شهادة تقديرية مقدمة للمُؤَلِف من مدير مركز دراسات الموصل / جامعة الموصل، الأستاذ الدكتور (ذنون الطائي)، إسهاماً وعرفاناً بعطائه الثقافي في مجال الكتابة والتأليف عن تاريخ مدينة الموصل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق