أحمد الزاويتي
ليس هناك كوردي لا يفرح بانتصارات (البيشمركة) و(الكريلا) و(وحدات الحماية)،
من الرجال والنساء، في مقاومتهم لغزو (داعش) للمناطق الكوردية، من أقصى الغرب في (كوباني)،
في غرب كوردستان، وحتى أقصى الشرق في (السعدية) و(جلولاء) جنوب كوردستان. وقد أثبت
هؤلاء الأبطال، أن المقاتلين الكورد هم الأكثر أهلية، في المنطقة، وبذلك رأى العالم
في الكورد عمليا الأمل في أن يكونوا رأس حربة في مواجهة الخطر الذي يشكله (داعش) تجاه
عموم المنطقة، وهذا ما
أكسب كوردستان شرعية واعترافا دوليا لم يسبق له مثيل، وأصبح
اسم (البيشمركة) يتردد في خطابات وكلمات، وعلى ألسنة، أكبر المسؤولين، ورؤساء أكبر
الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وأصبحت (أربيل)، عاصمة إقليم كوردستان
العراق، قبلة لمسؤولي الدول العظمى، التي تسابقت في الإعلان عن استعدادها لتسليح البيشمركة
وتدريبهم. وربما تكون هذه هي بداية الاعتراف الدولي بكوردستان، ككيان سياسي قائم بذاته،
قد يتطور مستقبلا ليكون أكبر من كونه مجرد إقليم محاصر بدول، لا هي ترغب في كوردستان،
ولا كوردستان ترغب فيها. لقد أصبح إقليم كوردستان، موقعا يبحث فيه عن الحلول لمشاكل
المنطقة، بعدما كان هو نفسه مشكلة للمنطقة، ولما حواليها.
بطولات تنتظر التقدير
من الضروري في البدء الإشارة إلى بطولة المقاتلات الكورد، في (كوباني)
خاصة، واللواتي قاومن لأكثر من مائة يوم، مقاومة بطولية، أجبرت (داعش) على التراجع،
ومنعتها من السيطرة على المدينة، الأمر الذي شكل هزيمة لـ(داعش)، ومن يدعمها، ويشجعها،
ويفرح لها، ويراهن عليها. هنا أشير بالتحديد إلى تلك البطلة، التي تم محاصرتها، ورفاقها،
في المعبر الحدودي بين (كوباني) و(تركيا) (معبر: مرشد بينار)، حيث كانوا على وشك أن
تعتقلهم (داعش)، لولا البطلة (آرين ميركان)، التي نفذت عمليتها الاستشهادية، وقتلت
20 عنصرا من (داعش)، وبها فكت الحصار، وأنقذت رفاقها من براثنهم. أو المقاتلة الأخرى،
(بيريفان ساسون)، والتي قاتلت حتى نفذت كل ذخيرتها، وتجنبا لوقوعها في أيدي مسلحي
(داعش)، أطلقت آخر طلقة على نفسها. هذه بطولات سيتذكرها التاريخ.
أما (البيشمركة)، فيمكننا الإشارة إلى نماذج من بطولاتهم: فهذا المقاتل
المتطوع (فاخر برواري)، والذي كان بساق واحدة، حيث سبق أن فقد إحدى ساقيه بانفجار في
مدينة (الموصل)، وكان يتحرك بساق صناعية، ويقوم بتفكيك المفخخات، وبذلك أنقذ حياة المئات،
من مفخخات (داعش)، الذين كانوا يتركون المدن والقرى مفخخة بعد أن ينسحبوا منها، حتى
سقط هو ضحية إحدى تلك المفخخات، وقضي عليه شهيدا في (زمار). وآخرهم البيشمركة البطل
العقيد شيخ (أحمد مزيري)، والذي جعل من نفسه فدائيا لرفاقه، بعدما تقدمت نحوهم سيارة
مصفحة مفخخة، ولم يتمكنوا من إيقافها بإطلاق النار عليها، فما كان منه إلا أن قاد سيارته
إلى تلك المفخخة، وصدمها، لتنفجر قبل وصولها إلى صفوف البيشمركة الآخرين، وبذلك قضى
نحبه شهيدا في معركة تحرير (سنجار). ويجب أن لا ننسى الشهيد البطل (عطا) ابن (محمد
حاج محمود) رئيس (الحزب الاشتراكي الكوردستاني)، والذي كان يرافق والده في معركة (تل
الورد) بـ(كركوك)، وقاتل حتى استشهاده.
هؤلاء يذكروننا ببطولات (البيشمركة)، على مدى العقود السابقة، من أجل
حصول الكورد على حقوقهم المهضومة، ودفاعا عن وجودهم كشعب ووطن.
وهناك المئات من مثل هذه البطولات والشهداء، دماؤهم تستوجب على الجميع
احترامها وتقديرها، وذلك بالابتعاد عن الصراعات الحزبية. فمن المؤسف أن نرى بعد كل
انتصار، أن حزبا بعينه يحسب الانتصار لنفسه، وينفيه عن الآخرين. إن الانتصار يجب أن
يكون كورديا وكوردستانيا، وليس حزبيا، فما من انتصار جعلناه حزبيا إلا وقد قللنا من
قدره، وما من انتصار جعلناه كورديا إلا وقدرناه حق قدره، خاصة إذا علمنا أن (البيشمركة)
في كوردستان الآن أصبحت مؤسسة محسوبة على الحكومة، وليس على حزب معين. وقد قاتل مع
البيشمركة في (سنجار) و(مخمور) و(كركوك)، وغيرها، مقاتلون من أجزاء كردستان الأخرى
(الشمال، والشرق، والغرب)، وهناك أيضا في (كوباني)، يقاتل (البيشمركة)، جنبا إلى جنب
إخوانهم في (وحدات حماية الشعب) و(الكريلا)، هذا ما يجعل المعركة كوردية بحتة، لا معركة
طرف كوردي دون آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق