محمد واني
يمتلك العراقي
خصوصية ثقافية ودينية تختلف عن الشعوب الأخرى في المنطقة، وجاءت هذه الخصوصية من شخصيته
المتناقضة، التي لا تستقر على حال: تراه مثقفا ثقافة تقدمية متطورة، ويمتلك شهادات
عالية، ولكنه يقف عاجزا ورجعيا حتى النخاع أمام الشعائر الدينية الجامدة، ولا يختلف
حاله عن حال أي جاهل. وقد تراه كريما، شهما، يأبى الضيم على نفسه، وعلى جيرانه، ولكنه
مع ذلك يتمتع بدرجة عدائية عالية، ولا يتوانى عن الغدر والقتل، بطريقة قاسية جدا، يصعب
على العقل في بعض الأحيان تصورها، كما في المقابر الجماعية والأنفال وحلبجة، وما يجري
اليوم من خطف
وقتل على الهوية.
فهو بدوي
حتى النخاع، يتحلى بكل صفات البداوة المتناقضة، من خشونة ورعونة وبطش، وكذلك: كرم ووفاء
وشجاعة وأصالة، إلى درجة لا يستطيع الحضري- بحسب العالم السوسيولوجي العراقي الدكتور
(علي الوردي)- أن يدانيه فيها. هذه الشخصية المتناقضة المعقدة أخذت حظها من التحليل
والتدقيق، من قبل علماء بارزين، وعلى رأسهم الدكتور (الوردي)، الذي لم يترك جانبا منها
دون أن يشبعها بالبحث والتحليل العلمي الرصين، وخلص إلى نتيجة مبهرة، وهي أن العراقي
يحمل طابع النفاق في داخله: يقول شيئا، ويفعل شيئا آخر ضده، يعتقد بشيء، ويفعل نقيضه،
يجمع داخله شخصيتين مختلفتين: البداوة والحضارة في آن معا، تراه (أفنديا) مهندما، يظهر
التقدم والثقافة، ولكنه في حقيقته رجعي يحكم أهل بيته بالحديد والنار، يدعو إلى العفة
والفضيلة، ويدافع عنها، ولكنه إذا سنحت له الفرصة، فلن يتورع عن الانحراف عنها. فهو
كما يقول (الوردي): "أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب
الدينية، فتراه ملحدا من ناحية، وطائفيا من ناحية أخرى"، كثيرا ما يدعي الوطنية
وحب الوطن باللسان، ولكنه يعمل على تفكيك الوطن وتقسيمه. يدعو إلى مكافحة الفساد، ولكنه
غارق حتى أذنيه في وحل الفساد.. وقد رأينا قبل فترة عالما في الذرة، ووزيرا لأعلى مؤسسة
تعليمية في البلاد، كيف كان ينهمك في تلاوة قصة (مقتل الحسين)، بصوت حزين، و(آخرون)،
على أعلى المستويات في الدولة، يبكون نائحين على وقعه.. الشخصية العراقية شخصية انفصامية
بحاجة إلى دراسة أعمق..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق