مروان حجي الزيباري
تعريف
الدستور، وأهميته :
الدستور
يعني مجموعة القواعد (السنن)، أو القوانين، التي تتعلق بتنظيم ممارسة السلطة في
الدولة([1]).
والدستور
هو الذي يرسي دعائم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، في إطار من الشـرعية القانونية، التي تحاسب
كل الدول ذات الأنظمة الديموقراطية عليها. وكما يقول أساتذة النظم السياسية، فإن
الهدف الأصلي لأيّ دستور حكم، هو المساعدة على توفير نظام متكامل من الضوابط
القانونية، التي بإمكانها أن توقف أي مظهر من مظاهر الممارسة الاستبدادية أو
التحكمية للسلطة، وتكون وسيلته إلى ذلك: تحديد الإجراءات والتدابير القانونية
والسياسية، التي يمكن بواسطتها معاقبة أي انتهاك للمعاني الأساسية، التي يحرص
الدستور على تأكيدها، ويدفع الجميع - حاكمين ومحكومين - إلى احترامها، والتقيّد
بها([2]).
الدستور
لا يتطرق للجزئيات، ولا يتضمن الأحكام التفصيلية، ولا يتناول كل شي بالاسم، وإنما
يقتصـر على أمّهات الأحكام، وتأسيس الأسس العامة، وتقعيد القواعد الكلية، وصنع
إطار عام، يتحرّك عقل المشـرّع في حدوده، بحيث لا يجوز تشـريع قانون يتعارض مع
قاعدة من قواعده، ولا إصدار تعليمات خارجة عن إطاره([3]).
الفراغ
الدستوري في الإقليم:
لو
تأملنّا الدستور العراقي الفدرالي لسنة 2005، لوجدنا أن المادة (120) منه تؤكّد
صراحة على حقّ إقليم كوردستان العراق في وضع دستور خاص به، حيث تنصّ المادة
المذكورة على ما يلي:
(يقوم
الإقليم بوضع دستور له، يحدّد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك
الصلاحيات، على أن لا يتعارض مع هذا الدستور).
ومعلوم
أن الدستور يتضمن المبادئ الأساسية، والحقوق والحريات العامة، وتوزيع السلطات.
ولكن
لماذا لم يتم وضع دستور للإقليم لحدّ اليوم؟
من
المعلوم أن هناك جهوداً قد بذلت في هذا السبيل، وهناك خطوات عملية قد اتخذت، منذ
ذلك التاريخ، بل وقبل ذلك التاريخ.. ولكن هذه الجهود، والخطوات، لم تتوج بإقرار
دستور ثابت للإقليم، والاستفتاء عليه، وبقي الأمر مجرد مشروع دستور..
نظرة
على مراحل وخطوات إعداد مشروع دستور إقليم كوردستان:
هناك
عدّة مراحل مرّ بها إعداد مسّودة مشروع دستورالإقليم، يمكن الحديث عنها كما يلي:
المرحلة
الأولى، وبعد احتلال العراق، وبدء مرحلة سياسية جديدة، وفيها تمّت مراجعة مشـروع الدستور،
ليتوافق مع الدستور الاتحادي للعراق. استمرت المرحلة تلك حتى تاريخ 22/ 8 / 2006..
تمّ تحضير وإقرار دستور الإقليم من قبل لجنة
إعادة النظرفي مشـروع دستور إقليم كوردستان – العراق، في
أربيل، في 22/8/2006م،
ضمّ 160 مادة دستورية، وطبع بعد ذلك كمسّودة، عرضت على الأطراف السياسية، والنخب،
والمواطنين، في الإقليم، وصادق عليه البرلمان. وصدر- بعد ذلك - قانون رقم ( 16)
لسنة 2008 : قانون إقرار دستور إقليم كوردستان – العراق، ضمّ 123 مادة دستورية..
ولكن الأمر توقّف هنا، ولم يعرض مشـروع الدستور على الاستفتاء العام، ولم يجر
إقراره كوثيقة دستورية.
المرحلة
الثانية، انتهت بصياغة جديدة، بعد الملاحظات التي قدّمت في المرحلة الأولى، وصادق
البرلمان على مشـروع الدستور بأغلبية أعضائه. وصدر قانون رقم(9) لسنة 2009- قانون
التعديل الأول لقانون إقرار دستور إقليم كوردستان، رقم(16) لسنة 2008.
ونص
المادة (1) منه، كالآتي:
تعدّل
المادة السادسة من القانون، وتقرأ كالآتي:
أولاً: يعرض مشـروع الدستور على الاستفتاء العام، بعد مصادقة البرلمان عليه؛ بموافقة ما لايقلّ عن ثلثي عدد أعضائه.
أولاً: يعرض مشـروع الدستور على الاستفتاء العام، بعد مصادقة البرلمان عليه؛ بموافقة ما لايقلّ عن ثلثي عدد أعضائه.
ثانياً:
تجري عملية الاستفتاء العام على مشـروع الدستور، وبالاقتراع العام السـري والمباشر،
يوم السبت المصادف 25/7/2009 .
وصدر،
بعدها، قانون رقم (10)لسنة 2009، قانون التعديل الثاني لقانون إقرار دستور إقليم
كوردستان ـ العراق، المرقم 16 لسنة 2008.
وجاءت
المادة (1) منه، كالآتي:
تلغى
الفقرة (ثانياً) من المادة السادسة المعدّلة من القانون، ويحلّ محلّها ما يلي
ثانياً: يتمّ تحديد موعد الاستفتاء العام على مشـروع دستور إقليم كوردستان- العراق بالتنسيق بين رئاسة إقليم كوردستان- العراق، وحكومة الإقليم، والجهات ذات العلاقة.
ثانياً: يتمّ تحديد موعد الاستفتاء العام على مشـروع دستور إقليم كوردستان- العراق بالتنسيق بين رئاسة إقليم كوردستان- العراق، وحكومة الإقليم، والجهات ذات العلاقة.
ولم
يجر تنفيذ شيء من ذلك، وبقيت مسّودة مشـروع دستور الإقليم، تنتظر الاستفتاء الشعبي
العام، الذي لم يجر لحدّاليوم.
المرحلة
الثالثة كانت عام 2015، ونال قانون إعداد مشـروع دستور كوردستان – العراق
للاستفتاء، مصادقةالبرلمان،رقم (4) لسنة 2015، وتشكلت لجنة برلمانية، مع مختصين في
القانون، والقانون الدستوري، لمراجعة المسودة، وإعدادها بشكل نهائي، للمصادقة
عليها، قبل عرضها على الاستفتاء.. ولكن اللجنة لم تكمل مهامها، بسبب بروز خلافات كبيرة
بين الأطراف السياسية في الإقليم، على خلفية منصب رئيس الإقليم، وتوقفت اللجنة،
وتمّ تجميد عمل البرلمان في12/10/2015.
إشكالات
ناجمة عن الفراغ الدستوري في الإقليم:
حدثت
إشكاليات عديدة، ناجمة عن الفراغ الدستوري، من حيث الواقع العملي في حياة إقليم
كوردستان، نشير هنا إلى بعضها:
(تمديد
الدورة الانتخابية لبرلمان كوردستان، ولاية رئيس الإقليم لمنصبه، استقطاب الأموال
عن طريق الاقتراض..)
ومن
أجل إرساء دعائم دولة القانون في الإقليم، سنلقي نظرة سريعة على كل من هذه
المسائل، وكما يلي:
1/ (تمديد دورة البرلمان)([4]):
ثمّة
نص دستوري، يتمثّل في المادة 81 من قانون
رقم ( 16) لسنة 2008 (قانون إقرار دستور إقليم كوردستان – العراق)، يفيد بأن مدة
الدورة الانتخابية للبرلمان أربعة سنوات، ولا يشير إلى تمديد عمل البرلمان.. ولو
كان للإقليم دستور، لماأمكن تمديد عمل البرلمان بتشريع عادي!
كذلك،
فإنّ المادة 56 من الدستور العراقي الفدرالي لسنة 2005 ، تنصّ على:
أولاً
ـ تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة
له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة
ثانياً
ـ يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسةٍ وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة
الانتخابية السابقة.
وهذه
مادة دستورية ثابتة، لا يمكن تجاوزها.. وبموجب هذه النصوص، فلا مناص والحالة هذه
سوى الامتثال لتلك المدد، ولا خيار دستوري لمدد أخرى.
واستناداً الى هذا القيد الدستوري، يصبح من
المتعذّر جداً التفكير في مدد أخرى، لكونه نصاً واجب الطاعة، ولا يجوز تجاوزه .!
2/
تنظيم أفضل للسلطات في الإقليم، مثلاً (رئاسة الإقليم):
عام
2015 حدث جدال حول قانون رئاسة الإقليم، رقم 1 لسنة 2005، حيث كانت ولاية رئيس
الإقليم تنتهي في 20/ 8/ 2015، وتركّز الجدال بالأخص حول المادتين: 15 و16..([5]).
وقد
جرى تفسير المادتين، بطرق متباينة، كل حسب منظوره الخاص.. وقد ذهب بعض القانونيين
في البرلمان إلى أن ولاية رئيس الإقليم باقية ونافذة. وفسـّر البعض الآخر الولاية
على أنها انتهت عملياً، وقانونياً.. ومن جهة أخرى، صدر رأي استشاري من مجلس شورى
الإقليم (التي هي جهة تابعة لوزارة العدل لحكومة إقليم كوردستان)، ذهبت فيه إلى أن
ولاية رئيس الإقليم باقية، وأنه مستمر في منصبه..
ولو
عدنا إلى قانون رقم ( 16) لسنة 2008 (قانون إقرار دستور إقليم كوردستان – العراق)،
لوجدنا أن ثمةنص دستوري في المادة 103 منه، يقرّر أن مدة رئاسة الإقليم أربعة
سنوات.. فلو كان لإقليم كوردستان دستور
ثابت، لما حدثت هذه الإشكالية أيضاً!
3/
المثال الآخر: قانون رقم (7) لسنة 2015، قانون استقطاب الأموال عن طريق الاقتراض
في إقليم كوردستان – العراق، المادة الثانية([6])..
وقد
اعترضت الكتل الإسلامية، وثلاثة من أعضاء البرلمان، من الكتل الأخرى، على هذا
القانون، على اعتبار أن هذا القانون فيه رباً، وأنه يقترب من منطقة الحرام، من
ناحية ثوابت الشريعة الإسلامية.
ورغم ذلك الاعتراض والاحتجاج، فقد مرّر القانون،
وأصبح تشريعاً، وغدا أمراً واقعاً..
ولو كان لإقليم كوردستان دستور، ومحكمة دستورية،
لكان بالإمكان الطعن بدستورية التشـريعات أعلاه، وهل هي تشريعات دستورية أم لا؟!
كل
هذه الأمثلة، وغيرها، تؤكّد لنا أن الفراغ الدستوري في الإقليم، كانت له عواقب
وخيمة على الحياة السياسية، ومجمل الحياة العامة للمواطنين فيه، وأنه لو جرى إقرار
مسّودة الدستور، وعرضها على الاستفتاء، لكان ذلك عاملاً مساعداً، وأساسياً، في
استقرار الحياة السياسية، والعامة، في الإقليم.
*** ***
***
تتعرّض
الوفود الكوردستانية التي تذهب إلى الخارج، وفي المحافل الدولية، إلى إحراجات،
بسبب عدم تطبيق المادة (120) من الدستور العراقي، أي أن يكون للإقليم دستور خاص
به..
فلماذا
لا تطبق المادة الدستورية أعلاه، وهي مادة صريحة لا خلاف عليها؟
ومع
أن وجود دستور في إقليم كوردستان لن يحل جميع المشاكل، إلا أن وجوده يعتبر مصدراً
ومرجعاً رسمياً يحل كثيراً من النزاعات التي حدثت سابقاً، والتي ستحدث في
المستقبل، بدلاً من اللجوء إلى الاتهامات المتبادلة بين الأطراف السياسية، من خلال
وسائل الإعلام، وغيرها، وتخوين كل طرف للآخر.
وقد
ناقشت مع بعض السادة المستشارين القانونيين، وأعضاء في لجنة صياغة مشـروع دستور
إقليم كوردستان: لماذا لم يعرض مشـروع الدستور على الاستفتاء في 25/ 9/ 2009؟
بعض
أعضاء لجنة صياغة الدستور آنذاك 2009 قالوا بأن (الولايات المتحدة الأمريكية) كانت
مانعاً،أو كانت لها ملاحظات!! لماذا ؟؟ قالوا: لا ندري، لعلّها حاجة في نفس (أمريكا)
قضتها..!
وهذا مخالف للمادة 120 من الدستور العراقي،
وأعتقد أن أحزاب السلطة في الإقليم مقصـرّة أيضاً في وجود هذا الفراغ الدستوري في
الإقليم.
([1]) د.منذر الشاوي، القانون الدستوري، الجزء الأول، الطبعة الثانية،
2007، ص9.
القرار
الصادر من برلمان كوردستان، رقم (6) لسنة 2009 ، في 13/ 5 / 2009،
الفقرة
أولاً: تستمر الدورة الانتخابية الثانية لبرلمان كوردستان- العراق، التي ستنتهي في
4 / 6 / 2009، ويبقى البرلمان قائماً لحين انتخاب برلمان جديد، وانعقاد جلسته الأولى .
قانون
رقم (1) لسنة 2017 قانون تمديد الدورة الانتخابية الرابعة لبرلمان كوردستان-
العراق،
الفقرة
أولاً: يستمر عمل الدورة الانتخابية الرابعة لبرلمان كوردستان- العراق لدورتي انعقاد
أخريين، اعتباراً من تاريخ 6 / 11 / 2017..
إذا
شغر منصب رئيس الإقليم، لأي سبب كان، يقوم بمهامه رئيس المجلس الوطني لكوردستان –
العراق، لحين انتخاب رئيس جديد، خلال ستين يوماً من شغور المنصب .
والمادة
(السادسة عشرة) التي تنص:
تنتهي
مدة رئاسة الإقليم بقرار من المجلس الوطني لكوردستان – العراق، في الحالات الآتية:
1-
إذا طلب رئيس الإقليم ذلك
.
2-
عجزه عن القيام بمهام واجبه، لأيّ سبب كان .
3-
سحب الثقة منه، بموافقة ما لا يقل عن 3/4 من أعضاء المجلس الوطني لكوردستان –
العراق، وباقتراع سري.
([6]) نص المادة 2 :
أولاً: يخوّل مجلس الوزراء باستقطاب الأموال من مصادر قانونية ومالية نظيفة، عن طريق الاقتراض والاستدانة، و _ أو ضمان الديون، أو غيرها من العمليات المماثلة، بقيمة إجمالية لا تزيد في كل الأحوال على (5000,000,000) خمسة مليارات دولار أمريكي.
أولاً: يخوّل مجلس الوزراء باستقطاب الأموال من مصادر قانونية ومالية نظيفة، عن طريق الاقتراض والاستدانة، و _ أو ضمان الديون، أو غيرها من العمليات المماثلة، بقيمة إجمالية لا تزيد في كل الأحوال على (5000,000,000) خمسة مليارات دولار أمريكي.
ثانياً:
يشترط أن لا تتجاوز جميع الاقتراضات أو الضمانات، أو ضمانات أخرى مماثلة، المبلغ المذكور
في الفقرة (أولاً) من هذه المادة، ويكون تسديد أو ضمان تسديد الرسوم والفوائد والمصارف،
والمبالغ الأخرى المرتبطة بها، ضمن اختصاصات مجلس الوزراء المبينة في هذا القانون،
ولا تحتسب هذه المبالغ ضمن الحد الأعلى المذكور في الفقرة (أولاً) من هذه المادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق