11‏/08‏/2012

أساليب وفنون في تربية قرَّة العيون

صالح شيخو الهسنياني
ملاحظة:
تتقدم مجلة الحوار بالاعتذار للزميل صالح الهسنياني على الالتباس الذي حصل لدى محرر الصفحة، حيث تم نشر محتوى الحلقة الثانية باسم كاتب ثان في عدد سابق! بسبب تداخل في الملفات؛ ولأجل ذلك ومن باب احقاق الحق ونسبة المنتج المعرفي لصاحبه، نقدم الاعتذار، ونواصل نشر السلسلة القيمة للكاتب في مستهل هذا العدد والأعداد التالية.
تحدثت في الحلقة الأولى عن تربية الأبناء والتعامل معهم، والصبر على تهذيب سلوكهم وتحسينه.
وأشرت إلى وجوب معرفة الفنون والأساليب والقواعد والأصول وأحسن الطرق وأجدى السبل الملائمة والممكنة في تربية أطفالنا الذين جعلهم الله تعالى قرة لعيوننا.
وفي هذه الحلقة والحلقات التالية ساتناول أهم هذه القواعد والاصول، مسترشدا بأهم الكتب التي اعتمدها الباحثون والمتخصصون في هذا العلم نقلا وترتيبا وربطا لبعضها بالبعض الآخر؛ لعلها تكون منارا يرشد التربويين.

قواعد تربية الأبناء
من أهم القواعد في تربية الأبناء، هي:
التربية تفاعل : إن صيغة ( تفاعل ) من الصيغ التي تدل على اشتراك شخصين فأكثر فيما تدل عليه، ومن هنا؛ فإن التربية ليست عبارة عن استجابات تصدر من الأطفال لتوجيهات آبائهم أو وضعياتهم، وإنما هي عمل في اتجاهين، فالآباء والأمهات مطالبون كذلك بالتفاعل مع أبنائهم، يستمعون إليهم، يتعاطفون معهم، يستفيدون من بعض ملاحظاتهم.
وحتى يكون التفاعل مثمرا :
أجب على تساؤلاته.
تحدث معه عن تطلعاته وطموحاته.
حدّثه عن المسلّمات التي تؤمن بها.
تربية تقوم على التوازن: وهو إيجاد التكامل في تربية الأبناء من خلال اختلاف طبيعة الأب والأم وأدوارهما، وفي التكامل توازن واعتدال، لكن هذا لا يتم دائما على نحو تلقائي، ولا بد من التفاهم والتنسيق، بل إن عدم التنسيق قد يؤدي إلى الصدام والنزاع.

أمور نحتاج فيها إلى التوازن : 
المتابعة الشديدة لسلوك الأطفال، وغض الطرف عن أخطائهم.
الجدية والمزاح معهم.
الثقة وحسن الظن، والتعامل معهم على أنهم غير راشدين.
الإنفاق بسخاء، والاقتصاد والتدبير.
تدليلهم، وتحمل الأعباء عنهم، وتكليفهم في بعض الأعمال، وإسناد المسؤوليات إليهم.
التربية تعاطف: عند الأمر والنهي أثناء التأديب، والحرمان من بعض الأشياء، نحتاج إلى شيء نستعيد من خلاله دفء العلاقة بين الأبناء، ونرسخ من خلاله مفهوما مهما هو أن جميع ما نقوم به أثناء تربية الأبناء يصب بصورة من الصور في مصلحتهم، وهذا الشيء لن يكون سوى العطف والتعاطف، والتشجيع والاهتمام، والرحمة والشفقة.
أمثلة يتجسد فيها التعاطف :
التجاوب مع الطُّرف التي يلقيها الأبناء والضحك لضحكهم، والتفاعل معهم وهم يسردون ذكرياتهم الجميلة...
الاستماع إلى آراء الأبناء وأفكارهم ومقترحاتهم، ورؤاهم المستقبلية، ومناقشتهم معهم.
اصطحاب الابن إلى المسجد، أو إلى زيارة اجتماعية، أو عيادة مريض.
مشاركته في نشاطاته البيتية، وواجباته المدرسية. (يراجع القواعد العشر للبكار).

مرحلتا الطفولة :
أولا ً: مرحلة الطفولة دون سن التمييز.
وهي تبدأ من الولادة إلى قبيل سن السابعة تقريباً، أي مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية.
مميزات هذه المرحلة
توحد جهة التربية :
تعتمد التربية في هذه المرحلة بصورة رئيسية على الأبوين (تنشئة الطفل وتغذيته - تنمية مداركه وأحاسيسه- ضبط انفعالاته وتصرفاته).
اتفاقية :
يقول محمد ديماس: "ومن الثبات في معاملة الطفل اتفاق الوالدين على سياسة تربوية واحدة، فلا يمنع الأب سلوكا ً بينما تبيحه له أمه، ولا تظهر الأم على الطفل ما تخفيه عن الأب". 
تحذير :
الحذر من الأقارب ومن وسائل الإعلام والأخوة والأخوات (إن كانوا غير مؤهلين) إذا تخلى الوالدان عن مهمتهما في التربية. 
تعلق الطفل بوالديه: (هما مصدر الأمان، ومظهر القوة والصواب)؛ غير أن العلاقة من الأم تبقى النموذج والأساس لكل العلاقات الاجتماعية اللاحقة؛ وفي سن الثالثة إلى السادسة يتعلق الولد بالأب والبنت بالأم، تقول إلهام باقر : "ويجب أن يشعر الطفل بأنه يحتل قلوب والديه مكانا مهما، وينبغي للوالدين الانتباه إلى هذه الناحية، مثل الإصغاء إليه حين يتحدث، وأخذ مشورته في القضايا العائدة إليه، واحترام رأيه حين يختار". 
فائدة :
الاستفادة من هذا التعلق بزرع السلوكيات والأخلاقيات الحسنة، ولا يقتصر على توفير المأكل والملبس، والعناية بالصحة والجسد والنظافة مع إهمال الروح والعقل والقلب...
الاتصال بالرفاق: يرغب الطفل في سن فوق الثالثة الاتصال بالرفاق، غير أن التمركز حول الذات يمنعه من التعاون مع الأقران، وغالبا ما تطبع العلاقات الاجتماعية الأولى بطابع عدواني؛ لذا يجب على الوالدين تنمية غريزة حب الناس، حيث كلما ازداد حبا لمن حوله زادت بهجته وأنسه في الحياة.
التقليد والمحاكاة ممزوج ببراءة الطفولة: تقليد كل ما يلائم ويتوافق مع نوعه – في الغالب يقلد الابن الأب والبنت الأم – تقليد أبطال المسلسلات والأفلام الكرتونية – تقليد الأخوة والأخوات. 
كثرة الاعتماد على الأشياء المحسوسة، حيث تظهر سلوكياته الذهنية الأولى في إطار أنشطته الحسية الحركية (تقبيله – ضمه إلى الصدر – تحضينه – إعطاؤه شيئا يحبه).
الرغبة في الاستكشاف: التعرف على البيئة المحيطة (كثرة الأسئلة حول الأشياء التي يراها – علامة للحيوية والنشاط واللياقة العقلية – اللعب بالألعاب المفيدة مثل ألعاب الفك والتركيب). 
يقول الدكتور عبدالرزاق عمار: "وأن كثرة الاستكشافات والمحاولات التي يقوم بها فيما حوله، فهي التي تساعده تدريجيا على الانتقال من المجال الحركي إلى المجال الرمزي التصوري".
القدرة على التكلم: كأداة تواصل، فتساعده على ارتقاء الذكاء الذي يصبح بفضله الطفل قادرا على فهم العلاقات واستحضار المواقف.
فائدة: يقول الدكتور مأمون مبيض في كتابه (أولادنا من الطفولة إلى الشباب ): "حاول ألا تكون سلبياً أمام خياله، فإذا قال لك مثلاً عن علبة اللبن الفارغة إنها سيارة!!! فلا تسارع إلى تحطيم خياله، فتقول (هذه ليست سيارة) فهي بالنسبة إليه هي سيارة تمشي ولها محرك، وعلى العكس حاول أن تشجع خياله على التصور والإبداع".
التلقين (حفظ قصار السور- حفظ أحاديث قصيرة فيها كليات الدين)، ولا ننسى بأن للتلقين قواعد وأصولاً. 
تنويه: هناك حالات تلجأ الأسرة فيها إلى إخراج طفلها وهو بعد صغير إلى رياض الأطفال كأن تكون الأم تعمل خارج المنزل أو موظفة في إحدى المؤسسات، لحاجة الأسرة إلى ذلك، فيحدث من ذلك تداخل وتنازع في التربية بين المنزل وبين البيئة التي توجد في رياض الأطفال. 
زيادة الطاقة الحركية (علامة لصحة جسدية ونفسية - للطفل حركة يظل يمارسها طول فترة يقظته) لذا يجب أن تنوع الألعاب الرياضية – إذ يساعد اللعب على تخلص الطفل من التوتر والمخاوف التي يتعرض لها من الأسرة أو في المدرسة. 
تحذير: يجب عدم تخويف الطفل بأشياء تؤثر عليه مستقبلاً كتخويفه بالجن والعفاريت والنار، أو تخويفه بالسكين، أو ما إلى ذلك من الأشياء.... 

الأساليب والفنون
من الوسائل والأساليب التي تناسب هذه المرحلة هي: 
أولاً- التربية بالقصة
تأتي القصة في المرتبة الأولى من بين الأساليب المؤثرة في عقل الطفل، لأنها تشد انتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية، لما لها من متعة ولذة؛ وتفكير وتأمل، وإقامة الحجة، واستهواء وتقمص، وضرب للأمثال.
يقول محمد قطب: "في القصة سحر يسحر النفوس؛ أي سحر هو وكيف يؤثر على النفوس؟ لا يدري أحد على وجه التحديد؛ أهو انبعاث الخيال يتابع مشاهد القصة ويتعقبها من موقف إلى موقف، أهو "المشاركة الوجدانية" لأشخاص القصة وما تثيره في النفس من مشاعر تتفجر وتفيض؟ أهو انفعال النفس بالمواقف حين يتخيل الإنسان نفسه في داخل الحوادث، ومع ذلك فهو ناج ومتفرج من بعيد؟ وأيا كان الأمر فسحر القصة قديم قدم البشرية، وستظل معها حياتها كلها على الأرض .. لا يزول؛ والإسلام يدرك الميل الفطري للقصة، ويدرك ما لها من تأثير ساحر على القلوب، فيستغلها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم".
وأسلوب التربية بالقصة من الأساليب الحضارية الراشدة، والتنموية الرافدة، والفكرية الراقية، لما للقصة من تأثير على القلوب والعقول، ورسم برامج وخطط للحياة، ولما فيه من الدروس والعبر، ولأهمية القصة ودورها في التأثير والإبداع والتربية وأخذ الفوائد والمنافع؛ أنزل الله تعالى في كتابه المجيد سورة باسم سورة (القصص)، وفي سور أخرى جاءت آيات تشير إلى قصة أو جزء من قصة. قال تعالى تأكيدا على قص القصص : {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ سورة الأعراف : 176]. 
ويقول مالك بن نبي: "هناك إذن علاقة بين القصص والفكر عند البشر، وهناك إذن علاقة بين الأسلوب القصصي والتربية، وهناك إذن علاقة بين تدبر القصص والوصول إلى الحق، وهناك علاقة ثابتة بين القصص والتنمية الفكرية البشرية؛ وهذا ما يوحي بأهمية القصة، وأهمية دورها في العملية التربوية، وكذلك ما يدل على دور القصة في عملية إعادة الصياغة العقلية، وحركة البناء الفكري، وسيظل دورها التربوي قابلا، لأي عملية استدعائية أو استقرائية، لتشارك في أي نهضة حضارية، تقوم على قاعدة التربية الربانية".
ويقول الدكتور محمد راتب النابلسي: "القصة من أفعل الوسائل في التربية، وذلك لأنها تعرض قضية الإنسان في ارتفاعه وانحطاطه، وتماسك المجتمع في تألقه وتخلفه، وتبين حقيقة النفس البشرية من خلال تفاعلها مع الأحداث...الإنسان أمام القصة تسقط خطوط دفاعه، فأفكار القصة تتسلل إلى الإنسان من دون أن يشعر".
ويقول الدكتور علي الحمادي: "إن القصة يمكن أن تكون وسيلة من وسائل تنمية الإبداع والخيال عند الإنسان، ذلك لأنها تحتوي على حوادث ومواقف كثيرة يحتاج فيها الإنسان إلى تكوين علاقات وروابط بين عناصرها وأحداثها المختلفة. كما أن القصة أداة يمكن بها تحريك عواطف الإنسان وخياله وتفكيره" قال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [سورة يوسف: 111].
القصة تساعد على: 
تطوير لغة الطفل.
تنمية المدارك العقلية.
تنمية الفكر ومهارة التفكير.
الرغبة في زيادة المعرفة.
زيادة الهمم والتطلع إلى أبطال القصة.
التأسي بالقدوات.
أخذ الدروس والعبر.
من خير الوسائل التي تغرس الفضائل في النفوس، وتدفعها إلى تحمل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات النبيلة والمقاصد الجليلة.
تبعث على التأسي بذوي التضحيات والعزائم لتسمو إلى أعلى الدرجات وأشرف المقامات.
تضيء للإنسان حياته الدنيوية والأخروية.
عن طريقها نتزود بأنواع المعلومات العلمية والفنية والخلقية والتربوية.
من خلال القصة يصبح المقابل اجتماعيا ويتفاعل مع الآخرين.
ترسم الواقع وتجسد صورة واقعية للهدف المنشود.
تتعدد فيها الفوائد التربوية حتى أن بعضها قد يتحقق ولو لم يكن مقصوداً (تربية للروح والعقل والجسم).
تستخدم القصة لجميع أنواع التربية التي يشملها منهج الإسلام التربوي (مثلث التربية ).
تعتبر من الوسائل البارزة في تشكيل ثقافة الأفراد والأمم، وترتيب عقليتها...
شمعة : أكاذيب الصغار هي مجرد أمنيات ليس أكثر. 
كيف تحكي القصة:
إن القصة لا تدخل ذاكرة الإنسان إلا من أحد أبواب ثلاثة :
- مشاهدة حدوثها (قد تكون على شكل فلم سينمائي أو فلم كارتوني أو مسلسل تلفزيوني).
- سماعها (في وقت تأخذ القصة فيها جدواها).
- قراءتها في كتاب أو مجلة.
تنويه: حتى تأخذ القصة دورها التربوي والتعليمي، لا بد من اختيار الوقت المفضل لحكاية القصة...
ومن شروط القصة: 
قصص حقيقية هادفة تعتمد على حقائق ثابتة.
تحوي دروسا وعبرا تتناسب ومرحلة الطفولة.
تجنب القصص المفزعة والمخيفة كقصص الجنيات والسحرة والخرافات والشعوذة والأشرار.
تجنب قصص الإسرائيليات. 
الابتعاد عن قصص الظلم والتعذيب.
اختيار القصص التي تتميز بانفعالات المرح والعطف والابتهاج.
القصة المناسبة في الوقت المناسب.
دع الطفل يختار القصة التي يفضلها عند زيارته للمكتبة.
اسألهم بعد الانتهاء من القصة عما استفادوا منه.
القصص التي تساعد على تنمية التفكير العلمي لدى الطفل ويعد هذا مؤشراً هاماً للذكاء وتنميته، والكتاب العلمي يساعد على تنمية هذا الذكاء، فهو يؤدي إلى تقديم التفكير العلمي المنظم في عقل الطفل.
ماذا تقص من القصص :
قص سيرة الرسول (عليه الصلاة والسلام)، وأمهات المؤمنين. 
وقصص الأنبياء وسير الصحابة والتابعين.
قصص العلماء والعظماء في التاريخ.
قصص الأمم السابقة ( من المصادر الموثوقة ).
ذكر قصص السابقين من الموهوبين والمتفوقين.
قصص الحيوان في القرآن.
قصص الاكتشافات والاختراعات.
قصص الأطفال النجباء.
رحلات طلب العلم والمعرفة. 
قصص الأذكياء.
قصص الظراف وأصحاب النكت.
قصص الناجحين.
قصص لتجارب علمية وعملية بسيطة وغير خطرة.
تنبيه : قصة خيالية علمية غير خرافية لا بأس بها. ويتم من خلالها تنمية الخيال عند الطفل بسرد القصص العلمية الخيالية للاختراعات المستقبل، فهي تعتبر مجرد بذرة لتجهيز عقل الطفل وذكائه للاختراع والابتكار، التي لا تتعارض مع القيم والعادات والتقاليد، ولا تتحدث عن القيم الخارقة.
تنويه: يخطئ من يظن أن التلفاز وسيلة كافية للثقافة والمعرفة.

هناك تعليق واحد: