د. على عبد داود الزكي
يكلف ارسال البعثات الدراسية الى خارج العراق مبالغ كبيرة جدا؛ وكما هو معروف فان دراسة طالب الدكتوراه تكلف ما لا يقل عن 1500 دولار شهريا.
من وجهة نظري كان من الممكن دعم الدراسات العليا العراقية بدلا من ارسال الطلبة بشكل كبير الى الخارج، كما يمكن الاستفادة من المبالغ الكبيرة المخصصة للبعثات الدراسية في بناء مختبرات بحثية متطورة في الجامعات العراقية لتخدم التعليم العالي والبحث العلمي، والعمل على تقليص اعداد البعثات والاستعاضة عن ذلك بارسال الايفادات والدورات التدريبية بشكل منظم يساعد على تطوير الكفاءة البحثية للاكاديميين العراقيين.
عملت وزارة التعليم العالي العراقي منذ عدة سنوات مضت على وضع شروط تحد من امكانية تطوير التعليم العالي بدلا من تنشيطه محليا؛ حيث انها وضعت شروطا وقرارات معقدة وصعبة ومتناقضة احيانا تحدد من تطوير التعليم العالي وتعقد عملية الدراسة والبحث العلمي، وسأتطرق الى بعض هذه المعوقات في هذه المقالة.
يمكن ان تقوم وزارة التخطيط بالتعاون مع كل الوزارات التي تخدم القطاع الانتاجي والصناعي في البلد بوضع خطط استراتيجية للنهوض بالواقع التكنولوجي في البلد، ووضع مشاريع استراتيجة تعمل على توفير فرص عمل حقيقية؛ وتوفير اساس تكنولوجي حديث يمكن بتعاون هذه الوزارات مع وزراة التعليم العالي والبحث العلمي ان يتم تطوير التعليم العالي وتحديد الخطط البحثية له بما يخدم قطاع الانتاج المحلي، إذ لايمكن تطوير التعليم بزيادة حملة الشهادات او زيادة عدد الخريجين فقط؛ وإنما تطويرها سيتم من من خلال تفعيلها مع الوزارات الاخرى لغرض رفع مستوى الانتاج، وهذا التعاون سيفتح افاقا جديدة للتطوير والابداع. هناك عدة نقاط يجب الانتباه لها لغرض تطوير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي وهي كما يلي:
1-اجور الاشراف على طالب الدراسات العليا الدكتوراه بحدود 50000 دينار شهريا، والماجستير بحدود 40000 دينار شهريا، وهذه مبالغ زهيدة جدا! بينما المشرف على الطالب في الخارج يتقاضى ما لا يقل عن 600 دولار شهريا!.
2-تخريج طالب الدراسات العليا في العراق لا يكلف الدولة كثيرا مقارنة مع ما تنفقه لكي يحصل على نفس الشهادة من الخارج.
لذا يجب على الدولة ان تقوم برصد مبالغ كافية لمشاريع الطلبة الذين يدرسون داخل العراق، وتعمل على تقليل الروتين والتعقيدات في الصرف وتسهل وتبسط الاجراءات لكي لا يكون الروتين الاداري عاملا مكبلا للبحث العلمي العراقي.
3-مدة الدراسة لنيل شهادة عليا في العراق هي كما يلي؛ الماجستير فترة الدراسة سنتان وهي سنة دراسة كورسات والسنة الثانية للبحث، والدكتوراه سنة كورسات ثم ستة اشهر للامتحان الشامل ثم سنة ونصف للبحث، لذا فان البحث عادة ما يكون ضعيفا مقارنة مع ما ينجز في الجامعات العالمية الرصينة التي تعطي ما لا يقل عن سنتين او ثلاث سنوات بحثية للماجستير و4 الى 6 سنوات بحثية للدكتوراه! اذن يجب تعديل ذلك فيمكن ان يتم قبول الطلبة في الدراسات العليا باجراء امتحان تنافسي عام للطلبة؛ ثم اجراء اختبار تخصصي للطلبة الناجحين منهم في التخصصات التي يرغبون باكمال دراستهم فيها لكي يقوم المشرف الذي سيحدد مشروع البحث بتحديد الكورسات والدروس الاساسية التي يحتاجون اليها. ليقوم طالب الدراسات بعد ذلك بدراسة ما يحتاجه اليه فقط من كورسات وان يكون ذلك ضمن فترة بحثه لكي يكون هناك وقت كافي لانجاز البحث، كما يجب ان يكون هناك تساهل في فترة البحث ومدته؛ كأن تكون فترة الماجستير محددة من سنة واحدة الى 3 سنوات بحثية، والدكتوراة من 3 سنوات الى 5 سنوات بحثية.
4-لغرض تقليل الصرف المالي في الجامعات العراقية!!! تم استصدار قانون يمنع الاستاذ الجامعي (الاستاذ والأستاذ المساعد) من الاشرف على اكثر من طالبي دكتوراه، وثلاثة طلبة ماجستير بنفس الوقت، وهذا غير منصف بحق الاستاذ الجامعي لان اجور الاشرف زهيدة مقارنة مع اجور الاشراف في الجامعات غير العراقية، وكان الاجدى بوزراة التعليم العالي ان تقوم بتعديل اجور الاشراف بشكل معقول يتناسب مع حجم الجهد الذي يبذله المشرف.
كما يجب تحديد عدد الطلبة الذين يمكن ان يشرف عليهم المشرف وفقا لكفاءته وانجازاته البحثية والعلمية المحلية والعالمية، ويجب ان يكون التحديد في الاشراف للاساتذة الاداريين الذين اغلبهم لا يجد الوقت الكافي للاشرف على طلبة الدراسات العليا الا بشكل رمزي.
4-يجب ان تقوم وزارة التعليم العالي بتحديد التعيينات في التعليم العالي فقط للطلبة المتفوقين الاوائل في مرحلة البكلوريوس، كما يجب ان تحرص الوزارة على ان يكمل الاوائل دراستهم العليا مباشرة، وان تحصل الكليات والاقسام على خريجين يحملون الدكتوراه واعمارهم صغيرة لكي يخدموا التعليم العالي اقصى ما يمكن، فمثلا من يحصل على الدكتوراة بعمر 28 سنة او اقل سيخدم التعليم العالي اكثر بكثير من الذي يحصل على الدكتوراه وعمره اكثر من 45 سنة.
5-يجب ان تعمل التعليم العالي على الغاء قانون تخيير الاوائل بين التعيين او الدراسات العليا، ويجب ان تعمل الوزارة على تعيين الاوائل ومنحهم حق الدراسة مباشرة، فمن الافضل ان يكمل الاوائل دراستهم بشكل متتابع الى ان يحصلوا على الدكتوراه وهم باعمار صغيرة ستمكنهم من خدمة التعليم العالي بشكل اكبر وافضل، بحيث تكون اغلب خدمتهم في التعليم العالي وهم يحملون شهادة ألدكتوراه، للاسف الكثير من الاوئل الذين يتم تعيينهم حاليا لديهم خياران اما التعيين والانتظار على الاقل سنتين لاكمال الدراسة او يتنازلون عن التعيين ويكملوا الدراسة.
6-يجب على الوزارات التي تخلت عن حملة الشهادات لصالح التعليم العالي ان تعيد النظر بذلك وتعمل على استقطاب وارجاع ما فقدته بمنح رواتب ومخصصات مغرية لحملة الشهادات العليا فيها لكي يعود الكادر الذي كانت تمتلكه هذه المؤسسات لغرض بناء مجاميع تكنولوجية فعالة ممكن ان تقوم بتطوير التكنولوجيا في هذه الدوائر والمؤسسات.
6-يجب على التعليم العالي ان تمنح المنتقلين لها من الوزارات الاخرى او المتعينين فيها بعد ان استقالوا من وزاراتهم الحق في العودة الى وزراتهم اذا رغبوا في ذلك، ويجب على الوزارات ان تمنح حملة الشهادات مخصصات وحقوق لا تقل عن مخصصات وحقوق نظرائهم في التعليم العالي.
7-يجب ان تقوم التعليم العالي ووزارتي الصناعة والمعادن والعلوم والتكنولوجيا بالتعاون وتاسيس جمعيات ومؤسسات علمية وبحثية ومنتديات فكرية وثقافية وترفيهية للاستفادة من الكوادر التعليمية والتكنولوجية من الذين تم احالتهم على التقاعد ومنحهم التسهيلات المناسبة للتعاون واقامة الدورات التعليمية او للعمل كخبراء استشاريين لمؤسسات الصناعة والتعليم في البلد.
8-خفض سن التقاعد للأستاذة الجامعيين الى سن 55 سنة مع منح المتقاعد نفس الحقوق التي تمنح للمتقاعدين في عمر 65سنة لكي يتم فسح المجال للشباب لياخذوا مكانهم الحقيقي في العمل وتطوير مؤسسات البلد.
9-منع خريجي البكلوريوس من غير الاوائل من التقدم للدراسات العليا مباشرة، وتحديد فترة سنتين على الاقل بعد تخرجهم لكي يسمح لهم بالتقدم لدراسة الماجستير، كما يجب مستقبلا ان يتم تحديد الذين ممكن ان يكملوا الدراسات العليا فقط للمتفوقين ومن العشرة الاوائل في اقسامهم، وتحديد اعمار الذين يكملون الدراسات العليا من الموظفين في دوائر الدولة بحيث يكون سن الذين يتقدمون للماجستير لا يتجاوز 30 سنة، والدكتوراه لا يتجاوز 35 سنة، كما يجب الغاء القبول على قناة النفقة الخاصة وتحويل الذين تم قبولهم على هذه القناة ولازالوا في الدراسة من غير المتعينين في دوائر الدولة الى قناة القبول العام، كما يجب العمل على منح الفئات العمرية التي حرمت من التعليم العالي في زمن العهد المباد والتي تم اقصاؤها من الدراسة الحق في اكمال الدراسات العليا استثناءا من شرط العمر.
10-لابد ان تقوم وزارة التعليم العالي بتوفير الكهرباء في الاقسام العلمية والمختبرات العلمية والبحثية بشكل مستمر ومتواصل.
11-تكفل الوزارة بصرف كل اجور البحث لطلبة الدراسات العليا داخل العراق، وضرورة أن يكون ثمة تعاون بين الوزارات وتسهيل مهمات الطلبة وفحص عيناتهم ونماذجهم البحثية مجانا، وان كانت هناك رسوم فيجب ان تتحملها التعليم العالي، كما يجب تسهيل عملية صرف ما يحتاجه الطالب بسلف قبل الشراء وليس بعد الشراء لما يحتاجه الطالب من السوق.
12-يفضل دعم الجامعات الحكومية لكي تكون جامعات ذات اكتفاء ذاتي بفرض نسب مئوية تستقطع من رواتب خريجي هذه الجامعات المتعينين في مؤسسات القطاع العام والخاص لغرض خدمة هذه الجامعات.، ومن الممكن ان يكون هناك قطاع صناعي وتكنولوجي تابع لهذه الجامعات يساعد على دعم عملية البحث العلمي في هذه الجامعات.
13-ضرورة أن تقوم الدولة بمنح كل من يتم قبوله في الجامعات العراقية عقدا وفرصة عمل بعد التخرج؛ والا فانها تمنعه من الدراسة وتقوم بتعيينه على شهادة الاعدادية! كما يجب على الدولة ان لا تمنح مؤسسات وشركات القطاع الخاص وشركات الاستثمار العراقية وغير العراقية حق العمل في العراق الا ان وفرت فرص عمل للعراقين وبنسب تقوم بتحديدها وزارة التخطيط، وتوفر فرص عمل لحملة المتوسطة اكثر منها لحملة الاعدادية، ولحملة شهادة الاعدادية اكثر من حملة الدبلوم ولحملة الدبلوم اكثر من البكلوريوس.
14-واقترح على التعليم العالي ان تعمل على زيادة عدد خريجي التخصصات الطبية لان بلدنا بحاجة ماسة لهذه التخصصات.
15-دعم دراسات التخطيط والتنظيم وبناء المدن والحدائق والذوق لكي يتم تنشئة جيل جديد يحترم حقوق الانسان ويتصرف بذوق عال ويرفض اي شيء فيه قلة ذوق وقلة احترام للانسان، واضافة درس ثقافة جامعية يتضمن التعلم على احترام القوانين والانظمة الجامعية واحترام القيم الاجتماعية وحسن التصرف والذوق والاستفادة من النت علميا وثقافيا، وتعلم المناقشة الحضارية وكيفية المطالبة بالحقوق والثبات على المبدا، وكيفية احترام القانون الذي يتم الاتفاق عليه؛ وكيفية محاسبة من يفسر القوانين بشخصنة وروح استبدادية. ان السلوك السلطوي في عراقنا الجديد ما هو الا ثقافة استمرار لما مضى، يجب ان يفهم الانسان العراقي لماذا هذا ممنوع وذلك مسموح، ويجب ان تكون هناك عدالة في التطبيق، ويجب ان تكون ثقافة الممنوع ليس اجتهادا وشخصنة لاذلال الانسان وفرض قيود عليه.
16-لغرض التخلص من مسالة المهاترات الاعلامية بخصوص الاجتثاث والمسائلة والعدالة يجب الاعتماد على الشباب في الادارة بشكل اكبر بكثير من الفئات العمرية التي على ابواب التقاعد، لان اغلب الشباب (باعمار اقل من 40 عام) كانوا من المستقلين او بدرجات حزبية صغيرة؛ قد يقول البعض ان الخبرة لها دور كبير في الادارة، وأقول هنا لو كان هذا الراي صحيحا لما شكى احد ولرأينا الكثير من مشاكلنا تحل في اغلب المؤسسات. فالشباب لديهم الشجاعة في القرار ولديهم الجرأة على تغيير المسار بما يخدم سرعة التنفيذ وتقليل اهدار الوقت، ولديهم فكر جديد سيسهم فعلا في توجيه المسار بشكل افضل مما نراه الان، وان لم يكن لدى الشباب الخبرة فلا نتمنى ان يتعلموها من الجيل المتشبع بفكر البعث بالادارة الذي يعتمد الدكتاتورية في الراي والتسلط القهري على الموظف والمواطن، نحتاج الى حزم واحترام نحتاج الى ادارات تحترم حقوق الانسان.
17-تحويل الجامعات العراقية إلى وجه حقيقي للحضارة العراقية؛ حتى المظهر الخارجي والداخلي للجامعة يكون مستوحى من تراث وتاريخ العراق، كما يجب ان يكون التعامل داخل الجامعات العراقية قمة بالرقي والذوق الرفيع، ويجب ان يكون لكل موظف جامعي زيا لائقا، كما يجب ان لا يتم تعيين اي شخص بالجامعة الا بعد ان يدخل دورة لا تقل عن شهرين يتم فيها تعليمهم حسن التعامل والذوق وعدم التهور واحترام حقوق الانسان والالتزام بالقانون وتنفيذ الواجب، ويجب ان يكون هناك قانون صارم في ابعاد كل من لا يحترم حقوق الانسان او يتلفظ بالفاظ بذيئة داخل الجامعة.
18-ضرورة ان يكون هناك توقيتات زمنية للدراسات العليا ويجب ان لا تعطى العطلة الا بعد انتهاء امتحانات نهاية الكورس، لان اعطاء العطلة قبل امتحانات نهاية الكورس خصوصا اذا كانت العطلة مدتها اكثر من 15 يوما فان ذلك سيؤدي الى استرخاء وتماهل لدى الطلبة يجعلهم في حالة غير صحية علميا، فالعطلة تعطى للطلبة بعد انتهاء امتحانات الكورس لكي يسترخي الطلبة وترتاح ادمغتهم بعد الجهد الذهني الكبير الذي بذلوه في الامتحانات.
19-تسهيل العمل الاداري وتجاوز التعقيدات التي تفرضها ادارة الجامعة والكلية على قرارت الاقسام؛ ان القسم هو الادرى بشؤونه العلمية ومجلس القسم هو من يقرر ما فيه مصلحة القسم اكثر من غيره، لذا يجب ان يكون قرار القسم قبل اي قرار، ويجب ان تحصل الموافقات والمصادقات فقط على قرارات القسم ولا داعي لان تتعطل بعض الامور التي تخص القسم بانتظار توقيع وموافقة العمادات او رئاسة الجامعة.
20-توفير مطبعة حديثة وبمواصفات عالية في كل جامعة عراقية لغرض طبع الكتب والمجلات والاصدرات العلمية.
21-تسهيل معاملات الاساتذة الذين لديهم قبولات في مؤتمرات علمية خارج العراق، وتسهيل المعاملات المالية واختزال الروتين قدر الامكان لتسهيل انسيابية العمل في المؤسسات العلمية.
22-استصدار قوانين للترقيات العلمية لغرض تسهيل المعاملات وتسهيل عملية انجازها وتقليص الفترات الزمنية بحيث يمكن ان تحصل الجامعات على من يحملون لقب استاذ وهم باعمار صغيرة. كما يجب منع حملة شهادة الماجستير من التقدم للترقية الى مرتبة استاذ مساعد او استاذ لكي يكون الحافز الاكبر لحملة شهادة الماجستير هو اكمال الدراسة والحصول على الدكتوراة.
وهناك ضرورة لان يتم رصد مبالغ ضخمة لغرض بناء قاعدة صناعية ممكن ان تنهض باقتصاد البلد وتساهم في دعم التعليم العالي العراقي، ويجب ان يتم توفير فرص عمل لمن لا يحملون الشهادات الجامعية من الفنيين والصناعين اكثر مما تمنح للمهندسين والجامعيين لكي لا يحصل تسابق في الحصول على شهادات جامعية لا يحتاجها العراق خصوصا من قبل الموظفين، كما يجب نشر ثقافة تربوية جديدة يتم التثقيف بها الى ان العمل اقدس من الدراسة.
هذه بعض الافكار والمقترحات التي تتعلق بالتعليم العالي طرحتها كما أتصورها وأتقبل النقد الهادف المخلص الذي يبتعد عن المصالح الشخصية والانانية وينظر في مصلحة وطن يئن تحت وطئة الصراعات والتشرذمية الداخلية والتدخلات الخارجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق