11‏/08‏/2012

جمالية الخط والزخرفة تتجلى على الجلود بأنامل الفنان طالب العزاوي


حاوره مراسل الحوار – الموصل 
الخط العربي ميزة من ميزات الثقافة والحضارة الإسلامية، وهو لغة اتصال بين المهتمين بالثقافة الإسلامية من أقصى الأرض إلى أقصاها.
والموصل إحدى المدن التي رفدت حركة الخط العربي والزخرفة بمبدعين كُثر، فمنهم شيخ الخطاطين يوسف ذنون وتلاميذه الكثيرون على مدى أكثر من خمسين عاما من العطاء، ومن هؤلاء الخطاط والمزخرف والمُذهّب (طالب أحمد بكر العزاوي) والمعروف بين سائر الفنانين باسمه الفني (طالب العزاوي).
هو من مواليد مدينة الموصل سنة 1948. خريج معهد المعلمين للعام الدراسي 1968ـ 1969.
ولكن ما يميز هذا الخطاط هو تفرده بالعمل على الجلود بالإضافة إلى الورق، ومن أجل التوصل معه إلى خبايا هذا الفن الجميل، أجرت مجلة الحوار معه هذا اللقاء في منزله الذي كان بحق(معرضاً دائماً لنتاج عشرات من السنين).

الحوارـ كيف كانت بداياتك مع الخط العربي والزخرفة؟.
-كانت البداية منذ دخولي لمعهد المعلمين في العام الدراسي 1966ـ1967 والتقائي بالأستاذ يوسف ذنون الذي كان يدرس مادة التربية الفنية والخط العربي، في البداية تعلقت بالأستاذ يوسف ذنون من حيث الخلق العالي الذي كان ولازال يتمتع به بالإضافة لتمكنه من الخط العربي والحس الفني الراقي الذي يحمله. 
تتلمذت على يدي هذا الإنسان المبدع خلال سنوات الدراسة، ولم أنقطع عن مراجعاتي في التتلمذ على يديه بعد ذلك، حيث كنا (مجموعة تلاميذه) نلتقي أسبوعياً في جامع الخضر(عليه السلام) في صلاة المغرب لنذهب بعدها إلى مقهى يحيى لصنف العمال ليقدم كل فرد منا دروسه التي استمر بكتابتها على مدى الأسبوع الفائت فيقوم الأستاذ يوسف بتصحيح الأخطاء التي قد يقع فيها البعض، وأذكر أنني في 1970 عملت في لوحة جامعة لثمانية أنواع من الخطوط الكوفية نالت استحسان الأستاذ يوسف.

الحوارـ تذكر الأستاذ يوسف ذنون بشكل كبير، مامدى علاقتك به؟.
-للأستاذ يوسف ذنون أثر كبير في حياتي من كل النواحي، فأنا نشأت يتيم الأب، ووالدتي(رحمها الله) كان لها الفضل الكبير في تنشئتي وتربيتي على حب الدين الإسلامي، أما الأستاذ الفاضل يوسف ذنون فلقد رأيت فيه الأخ الكبير والمربي الحريص الذي علمني أول درس من دروس الحياة وهو طول النفس مع الحياة، والصبر والجَلد والأخلاق الحسنة التي كان يتمتع بها. 
أما في مجال الخط فإن استمراري معه مكنني من إتقان الخطوط كلها على يديه، وأحب أن أقول بأنني لم أتتلمذ على يدي خطاط غيره.

الحوارـ عُرف عنك إتقانك الكبير واهتمامك بالخط الديواني، فكيف أنت مع باقي أنواع الخط العربي؟.
-كما أسلفت الذكر بأنني تتلمذت على يدي الأستاذ يوسف وتعلمت جميع انواع الخط العربي، ولكنني في سنة 1973 أعددت مجموعة دروس في الخط الديواني لأقدمها في الدورات الصيفية في مدرسة الزهراء(وهذه الدورات يعرفها أهل الموصل جيداً). فكنت أقوم بتقديم هذه الدروس للأستاذ يوسف ليقيمها، قبل أن أقدمها لتلاميذ الدورة، فكان يثني على هذه الدروس والتي كانت أساساً ليقدم بعدها الأستاذ يوسف كراسه عن الخط الديواني.

الحوارـ متى حصلت على الإجازة من الخطاط حامد الآمدي؟.
-عام 1980 ذهبنا أنا والأستاذ باسم ذنون والأستاذ وعد الله محمد داؤد بسفرة سياحية إلى تركيا، للقاء الأستاذ حامد الآمدي (آخر الخطاطين العظام ووريث السلطنة العثمانية)، واستصحبنا معنا نماذج من خطوطنا والمصحوبة بتصحيحات من الأستاذ يوسف ذنون.
وكانت لوحتي بخط الثلث وعنوانها (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، فحازت على استحسان الأستاذ الخطاط الكبير حامد الآمدي، فكتب لي بخط يده إجازة بممارسة الكتابة بالخطوط العربية؛ وكذلك أجاز الأستاذ حامد، والأستاذ والأخ باسم ذنون، فكان هذا الأمر من أهم المنعطفات في حياتي؛ وهذه الإجازة من أهم الشهادات التي حصلت عليها على مدى أكثر من أربعين عاما في مجالات الخط والزخرفة.

الحوارـ دراستك للزخرفة؟ كيف بدأت وعلى يد من؟.
-درست الزخرفة بداية الأمر على يد الأستاذ يوسف ذنون وبشكل مبسط، ولكن ما أن بدأت حتى تعلقت بها بشكل كبير وهو ما دفعني للاستمرار بدراسة الزخرفة بشكل أكبر، وفي العام 1977 فتحت أول دورة لتعليم الزخرفة(التوريق)، وبعدها قدمت كرّاسي الأول في فن الزخرفة(التوريق). 
وفي العام 1985 ذهبت بزمالة تدريبية وفرتها لي وزارة التربية وبمدة فصل دراسي كامل إلى جامعة مرمرة في استانبول لدراسة الزخرفة والتذهيب، حيث أشرف على تدريبي هناك (البروفيسور الدكتور محي الدين سيرين) وهو خطاط مجاز بالتعليق من كمال بطناي، ودرست هناك أيضا على يد المزخرفتين الكبيرتين فاطمة جيجك وشقيقتها انجي بيرول، (اللتان درستا على المزخرفة الكبيرة رقت كونت)، حيث كان لهما الفضل الكبير علي في الزخرفة والتذهيب.
وبعد ذلك ومن خلال تواجدي في استانبول انضممت إلى جمعية (قبة آلتي)حيث كانت الأستاذة فاطمة جيجك تدرس الزخرفة والتذهيب هناك بعد الدوام الرسمي للجامعة ما أفادني كثيراً في العمل والتدريب على التذهيب وكذلك في التعرف على الكثير من الأساتذة في الخط والزخرفة والتذهيب.
كل ذلك أفادني في تدريسي للزخرفة والتذهيب في مركز الأشغال اليدوية عبر إقامة الدورات للمعلمين وغيرهم، كما أنني في الفترة (1999ـ 2004) قمت بالتدريس في الأردن لمادة الزخرفة والتذهيب وتركت أثراً جميلا هناك مابين المتعلمين والمهتمين بهذا الفن الجميل.

الحوارـ معلوم عنك أنك وظفت الخط والزخرفة في العمل على الجلود، كيف ظهر هذا الاهتمام بالجلود؟.
-يبقى الورق المقهّر والمطلي ببياض البيض هو الأساس لعمل الخطاط والمزخرف، وينبغي للخطاط والمزخرف ان يتعلم كيفية التعامل مع الورقة المُعدة للخط والقلم، وكيفية بريه وإعداده للكتابة به، وغير ذلك من الأمور الواجب تعلمها من قبل الخطاط.
ولكن يبقى هناك وعلى الدوام مجال للإبداع، بداية حين تم ترشيحي لدخول دورة أقامتها اليونسكو عام 1970، ولمدة سنة واحدة لدراسة الأشغال اليدوية، وكان عنوان الدورة(دورة قادة مدربي الأشغال اليدوية). 
وبعد ذلك افتتحنا مركز الأشغال اليدوية في الموصل واستقبلنا الدورة الأولى في 1/1/1971. لإعداد الكوادر الفنية التربوية، وبقيت موظفاً في مركز الأشغال اليدوية لمدة 31 سنة أقمت أكثر من 60 دورة تدريبية، ومن خلال تواجدي في مركز الأشغال اليدوية وفي العام 1980 تمكنت من الحصول على شهادة من معهد الـ(أستوهيلمان) الأمريكي وهو أحد المعاهد التي تمنح شهادات في التعلم عن بعد، ولكن كان ذلك بعد أن تمكنت من الحصول على منهاج الدراسة وتمكني من إتقان المواد الدراسية (النظرية والعملية) وبعد ذلك قمت بإرسال أعمالي بواسطة صديق لي كان قد حصل على زمالة دراسية في أمريكا؛ فأثارت إعجاب المسؤولين في المعهد ما جعلهم يرسلون لي شهادة منهم على تمكني من العمل على الجلود وفق المنهج المتفق عليه في المعهد، فكانت تلك بداية العمل بالشكل الصحيح.
ومنذ ذلك الوقت بدأت بتطوير العمل على الجلود وفق المدرستين الشرقية والغربية في فن العمل على الجلود، فقمت بإدخال الوحدات الزخرفية الشرقية والخط العربي على اللوحة الجلدية وفق أضبط المعايير ما جعلني أتفرد تقريبا في هذا العمل.
بعد ذلك قمت بتطوير العمل وفتحت عددا من الدورات للمهتمين بهذا الفن وخرجت عددا منهم.

الحوارـ ماهي خطوات العمل على الجلود؟.
-بداية أود أن أوضح بأن الدباغة نوعين، دباغة صناعية وتستخدم فيها مواد كيميائية، ودباغة طبيعية، وتستخدم فيها مواد طبيعية مثل قشور الرمان والعفص وغيرها؛ وهذه الجلود المدبوغة طبيعياً هي المطلوبة في عملنا.
نقوم بأخذ قطعة الجلد المدبوغة طبيعيا ونقصها بالشكل المطلوب، ثم نقوم بطبع التصميم المراد عمله على قطعة الجلد، بعد ذلك نقوم بطرق التصميم بعدة أنواع من الأزاميل الخاصة بهذا الفن، وكل أزميل له عمله الخاص، والطرق يكون بواسطة مطرقة من الخشب وذلك بعد أن نبلل قطعة الجلد قليلاً بالماء، ويكون الطرق بقوة مناسبة في كل مكان من أماكن القطعة الفنية الجلدية، وبعد أيام من العمل، وقد يصل الوقت أحيانا لأكثر من شهر وشهرين لتكتمل القطعة ولنقوم بعد ذلك بتلوين الزخارف الموجودة فيها بألوان مناسبة، أو نقوم بتلوين اللوحة عامة بلون أسمر ليعطي لوناً موحداً وبدرجات مختلفة، ولكل لوحة طريقة عمل وطريقة تلوين وذلك بحسب التصميم. 

الحوارـ كيف تبدأ في عمل اللوحة؟.
-كل فنان يبدأ بتكوين العمل في ذهنه لينفذه بعد ذلك بشكل أولي على وريقات صغيرة، وحينما يرضى عن العمل يقوم برسم خطوطه الرئيسية ويوزع الألوان عليها، وأنا أنطلق في تنفيذ لوحتي من الشكل العام، لأدخل بعدها في رحلة البحث عن المضمون المناسب، وأحياناً العكس، حيث أبدأ بالنص والمضمون لأبحث بعدها عن الشكل العام للوحة، وبهذه الطريقة أو تلك فأنا أرى في مخيلتي لوحتي جاهزة قبل العمل، ما يدفعني لإنجازها بكل حيوية، وكما قلت سابقا فإن هذا العمل قد يتطلب مني أياماً أو شهوراً من العمل المتواصل. 

الحوارـ حصلت على العديد من الشهادات، فأيها أقرب إلى نفسك؟.
-الإجابة عن هذا السؤال من الصعوبة بمكان، حيث أنني على مدى أكثر من أربعة عقود قضيتها بين الحروف والأقلام والأحبار وغيرها، وحصولي على العشرات من الشهادات ومن عدة مصادر، أرى أقربها إلي هي إجازة الأستاذ كبير الخطاطين حامد الآمدي، وكذلك شهادة معهد الـ(أستوهيلمان) الأمريكي، وشهادة مركز الأبحاث للتاريخ والفنون الإسلامية(آرسيكا) باستانبول، وشهادة من إمارة الشارقة، وعدة شهادات أخرى من وزارة الثقافة العراقية، ولكن الأغلى والأثمن بشكل عام هي شهادة الصحبة لأكثر من أربعين سنة مع الأستاذ والمربي الفاضل يوسف ذنون. 

الحوارـ أين تجد نفسك أقرب، للخط والزخرفة والتذهيب، أم للعمل على الجلد؟.
-المراقب لأعمالي كلها يرى المزج الكبير لكل من الخط العربي والزخرفة بأنواعها (التوريق والهتاي التركي) وكذلك المشتق من الثقافة الغربية، وتقديمها على لوحات من الجلد الطبيعي أو من الورق المقـّهر، وغيرها من المواد التي تدخل في العمل الفني، وهذا هو أحد أسباب تميزي في العمل الفني الذي يجمع مابين عدة نواحي فنية في عمل فني واحد، لذا فأنا أجد المتعة وكل المتعة في أي عمل أقوم بتنفيذه سواء كان على الورق أو الجلد خطياً كان أو زخرفياً. 

الحوارـ أخيراً: أين هو طالب العزاوي الآن؟.
-بكل بساطة أجيب على سؤالك هذا، الآن وبعد أن أحلت على التقاعد فأنا أتنقل مابين الورشة التي أعددتها لنفسي في البيت والتي أقضي فيها جل وقتي ومابين تقديم الدروس في الخط العربي في المسجد القريب من بيتي، وكذلك أتواصل مع زملائي القدماء، وكذلك المطالعة. ولا أضيع وقتي أبداً، ولهذا أنصح الشباب باستغلال الوقت الإستغلال السليم، لأن الوقت من ذهب.

الحوار: بالرغم من ابيضاض الشعر وانحناء الظهر إلا أن العمل هو ديدن الإنسان الحريص على استغلال الوقت وعدم تركه هدراً، وهذا هو سبب النجاح الذي تراه على الدوام حليف المهتمين بالوقت والمتسلحين بالمهارة التي تمكن صاحبها من العمل في المجال المحبب إليه. والخط العربي والزخرفة لا يحبان المتكاسلين على الإطلاق، وهما يمنحان المهارة لمن يمنحهما حبه ووقته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق