16‏/08‏/2012

جولة في ربوع إمارة الشارقة الجامعة الامريكية في الشارقة صرح علمي بمنهج غربي وخلفية حضارية إسلامية

الشارقة – محمد صادق امين
ما أن انتهت اعمال منتدى الاعلام العربي في دبي الذي شاركت فيه ممثلا لمجلة الحوار حتى انطلقت باتجاه عاصمة الثقافة الاماراتية الشارقة، وهي واحة غناء على ساحل الخليج العربي، ولاتبعد كثيرا عن إمارة دبي، عشرون دقيقة بالسيارة لم 
اشعر خلالها بأي فاصل مكاني؛ فالبنيان والعمران متصل الى درجة انك لا تفرق بين الإمارتين، وما ان دخلتها حتى شعرت بعراقة الماضي وأصالة الحاضر من خلال تمازج راق بين القديم والجديد في بنيانها وأسواقها وشوارعها، حيث تلحظ القباب الاسلامية الجميلة الضخمة والتي تمثل دوائر ومؤسسات الحكومة المحلية. 
تعتبر الشارقة ثالث أكبر إمارة من حيث المساحة من الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة؛ تمتاز بشواطئ خلابة على جانبيها من جهة ساحل الخليج العربى وخليج عمان؛ ما يجعلها قبلة للسواح من كافة أنحاء العالم.

الشارقة في التاريخ
كانت الشارقة واحدة من أغنى المدن في المنطقة حيث نشأت على أراضيها مستعمرة دامت 5000 سنة، ضمت أهم ميناء على الخليج العربى منذ بدء التجارة مع الشرق حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، ونظرا لهذا الموقع الجغرافي الهام الذي يربط آسيا بأوروبا وأفريقيا فقد تعرضت الشارقة للاحتلال من قبل البرتغاليين والهولنديين وبالبريطانيين.

العاصمة الثقافية
الشارقة حاليا تعد العاصمة الثقافية لدولة الإمارات لما فيها من أنشطة ثقافية تشمل المؤتمرات، والمعارض، والمسابقات، والمشاريع الثقافية المتنوعة، الى جانب المتاحف الغنية والتي تعرض مختلف مراحل التاريخ الانساني والاسلامي، فهي لاتزال تحتفظ بعراقتها وتقاليدها الفريدة. 
تغطي الشارقة ما يقارب 2600 كيلومتر مربع وهذه المساحة تعادل ما نسبته 3.3% من مجموع مساحة دولة الإمارات العربية المتحدة؛ هذه المساحة توفر لها موقعا جغرافيا سياحيا هاما حيث تطل على الخليج العربى وتمتد على ساحله بمسافة تزيد عن ستة عشر كيلومترا وبعمق يقرب من ثمانين كيلومترات نحو الداخل باتجاه خليج عمان، وتملك الإمارة ثلاثة أقاليم على الساحل الشرقي الغني بمشاهده الخلابة، وهي (دبا الحصن، وخورفكان، وكلباء).

جامعة الشارقة والجامعة الامريكية
لابد لمن يزور الشارقة من دخول صرحها العلمي الضخم (الجامعة) وهي مدينة كاملة مترامية الاطراف مقامة على مساحة شاسعة من الأرض، تتخللها شوارع واسعة كأنها مدينة داخل مدينة، تنتشر في ارجائها وجزراتها الوسطية الحدائق الغناء؛ فأينما وجهت بصرك رأيت الخضرة ممتدة مع الافق، لا يتخللها إلا بياض القباب الاندلسية التي تعتلي كافة الكليات، سألت صديقي الشيخ عمار البنا الذي اصطحبني الى جامعته التي يدرس فيها الدكتوراه، وهو شاب عراقي يحفظ القران الكريم، بكلوريوس شريعة، ويحمل شهادة الماجستير، فار من الارهاب حيث تعرض لمحاولتي اغتيال، فلجأ الى المهاجر كسائر الكفائات العراقية، حيث استقر به المقام اماما وخطيبا في امارة دبي؛ سألته عن سر الزي الاندلسي الذي ترتديه جامعة الشارقة؟ فقال لا عجب في ذلك، فرئيسها الدكتور سلطان القاسمي متخصص في مجال التاريخ الاندلسي، هو شيخ إمارة الشارقة وراعي مشاريعها الثقافية، وهو ليس رئيسا فخريا كما في بعض الدول، بل هو رئيسها الفعلي الذي يشرف على مناهجها، ويرعى طلابها، ويشرف على رسائلها وبحوثها، ويشارك في تخريج طلابها.
في كلية القانون التي دخلتها رأيت أجواء هادئة، ومرات نظيفة جدا ومرتبة، وتحت قبتها ثمة مكتبة تحوي الشهادات التي حازتها الجامعة، واقواس وشبابيك إسلامية تحوي رسوما رمزية ترمز الى التاريخ الاسلامي الاندلسي، وفي كل كلية مكتبة خاصة بها، داخل قاعة تتوفر فيها اجواء مريحة ووسائل تقنية تمنح للطالب الفرصة للقراءة الالكترونية الى جانب القراءة الورقية، وما اذهلني في نظام الجامعة هو قيامها على الفصل بين الذكور والاناث، والمذهل يكمن في نظام الفصل، حيث لا يقتصر على الفصل بين الجنسين في قاعات الدرس كما كنت اتصور؛ بل كل كلية هي عبارة عن كليتان منفصلتان لكل منهما، نظامها الاداري، وابنيتها المستقلة، وهيئة تدريسها، ودوامها المستقل، ما يعني أن الكلية الواحدة في الجامعة عبارة عن كلية للذكور وأخرى للإناث.

الجامعة الامريكية
في نفس المساحة الجغرافية تصل للجامعة الامريكية التي تمتاز بنفس الطراز العمراني لجامعة الشارقة، وهي عبارة عن مجمع من المباني المذهلة في حرم جامعي جميل؛ تستضيف أكثر من 5000 طالب من 82 دولة مختلفة، بدوام كامل، وأعضاء هيئة التدريس فيها مكون من 350 من المهنيين.
وهي مؤسسة غيـر ربحية للتعليم العالي المختلط، مملوكة لحكومة الشارقة أنشأها عام 1997، الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، وهو رئيسها الأعلى، وتطبق الجامعة نظام التعليم الأمريكي، إلا أنها تهتم أيضاً بتعزيز وتأكيد ارتباطها الوثيق بالتراث والحضارة الإسلامية، وتسعى إلى تلبية الاحتياجات التعليمية لهذه المنطقة، ذات التنوع السكاني الواسع.
ترتبط الجامعة باتفاقية توأمة مع الجامعة الأمريكية في واشنطن بالإضافة إلى اتفاقية تعاون مع جامعة تكساس الزراعية والميكانيكية بهدف إدارة وتطوير كلية الهندسة في الجامعة والاعتراف المتبادل بين كليتي الهندسة في الجامعتين؛ وتنص اتفاقية التوأمة مع الجامعة الأمريكية في واشنطن على إقامة تعاون علمي وإداري شامل، وعلى الاعتراف الرسمي المتبادل بين جامعة الشارقة والجامعة الأمريكية في واشنطن في جميع المجالات الأكاديمية والعلمية بما فيها المساقات الدراسية والبرامج التعليمية وتبادل الطلاب لاستكمال الدراسة في كلا الجامعتين؛ بالإضافة إلى تبادل أعضاء الهيئات التدريسية، ونصت الاتفاقية كذلك على إنشاء مكتب للجامعة الأمريكية في الشارقة في مقر الجامعة الأمريكية في واشنطن لاستقطاب أعضاء الهيئات التدريسية للجامعة الأمريكية في الشارقة الكليات والتخصصات المتوفرة.
تستند الجامعة على نموذج العلوم الإنسانية الأمريكي للتعليم العالي، وتعد الجامعة الرائدة للتعليم المختلط الشامل في منطقة الخليج العربي، وتحظى برؤية دولية فريدة من خلال وجود طلاب من 80 دولة، وهيئة تدريس مكونة من 50% من المواطنين الأمريكيين وآخرين من 40 دولة مختلفة.
وتقدم الجامعة 26 تخصصا رئيسيا و42 تخصصا فرعيا على المستوى الجامعي، و13 درجة ماجستير من خلال كلياتها المختلفة وهي كليات (الآداب والعلوم، وكلية الهندسة، وكلية العمارة والفن والتصميم، وكلية الأعمال والإدارة) والجامعة معتمدة من لجنة التعليم العالي في رابطة الولايات الوسطى للكليات والمدارس، وحاصلة على ترخيص من وزارة التعليم في ولاية ديلاوير، كما تحمل أيضا ترخيصا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت الذي تعتبر فيه اللغة العربية هي اللغة الرسمية في دولة الإمارات، فإن كافة الدراسات والفعاليات الإدارية في الجامعة الأمريكية تتم باللغة الإنجليزية. 
ويرأس الجامعة الدكتور بيتر هيث وهو اكاديمي امريكي معروف؛ وعمل هيث رئيسا مساعدا للجامعة الأمريكية في بيروت لمدة 10 سنوات، لعب خلالها دورا كبيرا في إعادة بناء هذه المؤسسة العريقة، وبوصفه الرجل الثاني في سلسلة القيادة الإدارية، شملت مسئولياته كافة أوجه القيادة في الجامعة.
وقبل هذا عمل الدكتور هيث في الولايات المتحدة الأمريكية، محققا إنجازات مميزة في واحدة من أبرز المؤسسات الأمريكية وهي جامعة واشنطن في سانت لويس، حيث عمل أستاذا جامعيا للغة العربية وآدابها، ومديرا لمركز دراسات المجتمعات والحضارات الإسلامية، ورئيسا لقسم اللغات الآسيوية ولغات الشرق الأدنى، وكان قد بدأ حياته العملية كعضو هيئة تدريس في جامعة بير زيت في الضفة الغربية في فلسطين.
معلومات حصلت عليها من الجامعة لانني لم اجد من اجري معه مقابلة لهذا الغرض؛ إذ وصلت خارج اوقات الدوام الرسمي، وقد اعجبتني فكرة الدمج بين الخلفية الثقافية الاسلامية، والاعتماد على وسائل وطرق ومناهج التدريس الامريكية، وهي فكرة خلاقة تستحق تسليط الضوء عليها في مساحة ووقت اكثر من هذه المساحة الصغيرة، ولعل الظروف تسمح بذلك ذات يوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق