أيوب حسين ئاميدى
الإعلام في العصر الحديث
يجدر بنا الاهتمام بالإعلام اليوم وبدوره العظيم وأهميَّته في إدارة دفَّة الحياة نحو المناحي المتنوِّعة، إذ لا يغيب عن أذهاننا قدرته على التأثير والتوجيه في مجريات الأحداث السَّاخنة على السَّاحة العالميَّة على الرَّغم من سعة المساحة التي يشغلها، ضمن عملياتِ تخليةٍ وتحليةٍ للنُّفوس الإنسانيَّة وما يحمل من أفكارٍ، فبمجرد مناورات ومُؤثِراتٍ إعلاميَّةٍ محدودةٍ، إذا به يُجبر الناس على تصديق ما يذيعه من أنباء، وإن لم تكن معبرة عن حقيقة الأمر، وعلى الإيمان بما يبديه من آراء وإن كانت بعيدة عن الصَّواب، أو منصبَّةً في غير صالح المستقبِل ومستقبَل أمَّته، إنَّه السِّحر الإعلاميُّ _ إن صح التَّعبير_ الذي جعل من العالم كرةً زجاجيَّة صغيرة في يد غول يقلب فيها كيف يشاء، لقد "أصبح المستمع والمُشاهد يعتمد على أجهزة الإعلام ليس فقط في نقل الخبر، وإنّما في نقل المعلومات الثَّقافية، وفي تلقي التَّوجيهات والإرشادات في كافّة المجالات، حتَّى في التَّسلية والإمتاع بل أصبحت التَّسلية نفسها تُستغلُّ كقوالب فنِّيةٍ جذّابةٍ لنقل بعض الأفكار وغرس العادات والتقاليد وتعليم الكثير من المعلومات، وذلك كالتّمثيلية الإذاعية وبعض الرُّسوم والكاريكاتير في الصُّحف والمجلات،" وغيرها من البرامج التَّرفيهيَّة التي تبث في وسائل الإعلام المتنوعة.
لقد رافق الإعلام الإنسان وحافظ على كيانه في كل زمان ومكان، وبوسائل تنسجم مع طبيعة وقدرات المجتمع الذي يعيش فيه، إلا أنَّه ازدهر في القرون الأخيرة ازدهاراً ملحوظاً، حيث تحوَّل الإعلام فيها من الإعلام البدائيٍّ بالبسيط إلى الإعلام المتحضِّر المؤثر، ومن الإعلام المساند للقرارات الصادرة من قبل السلطات إلى الإعلام المؤثِّر على إصدار القرارات، من خلال الضَّغط على السُّلطات والحكومات وإجبارها على ذلك، وإلى الإعلام الموجه للجماهير المُستقبلة له بفعل القدرات العجيبة التي يمتلكها، ومن إعلام محدود بحدود محدَّدة إلى إعلام عالميٍّ أُمميٍّ لا تقدر الحدود المرسومة على إعاقة مسيرته ومخاطبته لشعوب العالم أجمع، كل هذا بفعل التَّطورات الهائلة في الوسائل والأساليب والتَّقنيات الحديثة.
الإعلام المقروء (الصَّحافة):
يعتبر الإعلام المقروء المتمثِّل في الصَّحافة من الوسائل الإعلامية القديمة، مع وجود خلاف بين المؤرخين في أصل نشأتها، حيث "يرى فريق من المؤرخين أنَّ الصَّحافة نشأت عند المصرييِّن القدماء والرُّومان لأنَّهم كانوا ينقشون الأخبار على الحجارة ويكتبونها بلغتهم على ورق البردي، ولذلك يرجع البعض باستعمال الإعلام المكتوب إلى الفراعنة، ويرى البعض الآخر "أنَّ أقدم جريدةٍ صدرت في العالم هي جريدة (كين بان) الصِّينيَّة التي صدرت عام 911 قبل الميلاد" .
ويرى فريق آخر من المؤرخين أنَّ الصَّحافة قد ظهرت في القرن الخامس عشر بعد أن اخترع يوحنا جوتنبرج الطِّباعة بالحروف المعدنية المتفرقة" ، والظَّاهر أنَّ الصَّحافة عند الصِّينيين والفراعنة والرومانييِّن وإن لم تكن على شاكلة الصَّحافة في العصر الحديث، إلا أنّها كانت تتمتَّع بقدر من مقومات الصُّحف، مقارنة بما جاء في قانون نقابة الصحفيين في مصر رقم 76 لسنة 1970م وفي المادّة 74 في تعريف الصَّحيفة حيث نصَّت على أنَّ الصَّحيفة يُقصد بها (الصُّحف، والمجلات، وسائر المطبوعات التي تصدر باسم واحد، وبصفة دوريَّة)، وكذلك قانون تنظيم الصَّحافة في مصر رقم 156 لسنة 1960م وتناولت المادة الأولى منه تعريف الصَّحيفة بأنها (الجرائد، والمجلات، وسائر المطبوعات التي تصدر باسم واحد وبصفة دورية)، "أمّا نظام المطبوعات السُّعودي فهو يعرف الصَّحيفة على أنَّها كلُّ مطبوعة دوريةٍ يتكرَّر صدورها في مواعيد محدَّدة كالصُّحف والمجلات والنّشرات،" ، وقد كانت هناك جريدة (كين بان) الصِّينية، وفي العهد الفرعوني صحيفة (القصر) التي كانت تكتب على أوراق البردي، وفي العهد الروماني صحيفة (الأحداث اليوميَّة- Actadiurna) التي يمكننا أن نطلق عليها اسم الصَّحيفة وبذلك يتبيَّن رجحان رأي الفريق الأول من المؤرخين في أنَّ أصل الصَّحافة ونشأتها يعود إلى عهد المصريين القدماء في إصدارهم لصحيفة القصر.
إنَّ "أول قفزة للإعلام الكتابيِّ هي اكتشاف المطبعة، ففي سنة 1436م قام جوتنبرغ باختراع الطباعة بالحروف المعدنية المنفصلة"، حيث أصبحت عملية الطبع والنَّشر أسهل من ذي قبل، إلا أنَّ الاستفادة من المطابع في بداية الأمر ظلت محدودة ولم تكن بالمستوى المطلوب، وذلك لأنَّ "مردود المؤسَّسات الطِّباعيَّة كان قليلاً نظراً للتَّكلفة الباهظة، فلجأ أصحاب هذه المؤسَّسات إلى تغذية فضول النَّاس، وذلك بنشر أخبار الأحداث السِّياسيَّة الكبرى ثمَّ نشر الأفكار والنَّزعات النَّاشئة عن النَّهضة والإصلاح الدينيِّ، وفي بداية القرن السَّابع عشر ولدت فكرة جمع الأخبار وقام أصحاب المطابع بطبع النَّشرات الإخباريَّة، وظهرت أول صحيفة في أنفرس ببلجيكا قام بها أبراهام فيوهوتن في تلك المدينة، وظهرت ستراسبورغ سنة 1606م إحدى أوائل الصُّحف في فرنسا ثمَّ صحيفة الأغازيت سنة 1631م)."
ومن أوائل الصحف التي ظهرت في العالم بالمعنى الحديث ما يلي:
في أمريكا ظهرت الصّحافة في 25/9/1960م بنشرة اسمها (الوقائع
الهامّة الخارجية والمحلية).
في ألمانيا صدرت أول جريدة مطبوعة سنة 1507م.
في إيطاليا صدرت أول جريدة مطبوعة سنة 1566م.
في هولندا صدرت أول جريدة مطبوعة سنة 1616م.
في إنجلترا صدرت أول جريدة مطبوعة سنة 1622م.
في السُّويد صدرت أول جريدة مطبوعة سنة 1624م.
في فرنسا صدرت أول جريدة مطبوعة سنة 1631م.
أمَّا في البلاد العربية فقد كانت أوائل الصُّحف الصَّادرة فيها ما يلي:
تعتبر مصر أول دولة عرفت الصَّحافة في البلاد العربيَّة وأول صحيفة أصدرت فيها هي صحيفة (كورييه دي يلجبت) باللُّغة الفرنسيَّة من قبل الفرنسييِّن المستعمرين في 29/8/1798م، ثمَّ أعقبتها بعد رحيل الفرنسييِّن بسنوات جريدة (الوقائع المصريَّة) سنة 1827م.
وأول صحيفة صادرة في لبنان كانت لخليل الخوري سنة 1858م، وهي أول صحيفة عربية يصدرها مواطن عربي، أمَّا أول مجلَّة لبنانيَّة فكانت مجلة (النَّشرة الشَّهريَّة) التي أصدرها يوسف السّلفون سنة 1866م.
أول صحيفة سوريَّة كان اسمها (سوريَّة)، أصدرها الوالي العثمانيِّ في دمشق سنة 1865م، التي كانت تحرَّر باللغتين العربيَّة والتُّركيَّة، وبعدها بسنتين صدرت صحيفة رسميَّة ثانيَّة باسم (غدير الفرات) بأمر من الوالي العثمانيِّ في حلب.
وفي العراق أمر الوالي العثمانيِّ مدحت باشا بإصدار صحيفة (الزَّوراء) الرَّسميَّة في بغداد سنة 1869م، وكانت أسبوعيَّة تحرَّر باللغتين العربيَّة والتُّركيَّة، وفي سنة 1885م أصدر العثمانيُّون جريدة (الموصل) الرَّسميَّة في الموصل، وبعدها بعشر سنوات صحيفة (البصرة) في البصرة.
وفي فلسطين فقد صدر الدستور العثمانيُّ سنة 1908م، فنقل أحد الصحفييِّن الفلسطينييِّن صحيفته (النَّفير) من الأسكندرية إلى القدس، ثمَّ إلى حيفا، ثمَّ إلى يافا.
أمَّا اليمن فقد عرفت هذه البلاد الطِّباعة والصَّحافة منذ سنة 1877، وقد أمر السُّلطان عبدالحميد في مدينة صنعاء بإنشاء أول مطبعة، وكانت تطبع جريدة (صنعاء) الأسبوعية باللغة العربيَّة والتُّركية، وبعد استقلال اليمن صدرت صحيفة (الإيمان)، ثمَّ مجلة (الحكمة اليمانيَّة)، وبعد ثورة 16/9/1962م وإعلان الجمهورية في اليمن صدرت صحفٌ جديدة مثل (الأخبار اليوميَّة)، و(الثَّورة)، و(الجمهوريَّة).
وفي السعوديِّة جلبت ولاية الحجاز سنة 1882 مطبعة لتطبع عليها صحيفة (الحجاز)، ولمَّا صدر الدستور العثماني سنة 1908 نشر بعض الحجازييِّن صحفاً في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة ثمَّ أصدر الشَّريف حسين في سنة 1916م صحيفة (القبلة) بعد إعلان الثَّورة العربيَّة خلال الحرب العالميَّة الأولى.
وفي الجزائر أُصدرت صحيفة (المبشِّر) سنة 1847م.
وفي تونس أُصدرت صحيفة (الرّائد التونسي) سنة 1860م.
وفي ليبيا أُصدرت صحيفة (طرابلس الغرب) سنة 1866م.
وفي مراكش أُصدرت صحيفة (المغرب) سنة 1889م.
وفي السّودان أُصدرت صحيفة (الغازيتة السُّودانيَّة) سنة 1889م.
وفي الحجاز أُصدرت صحيفة (الحجاز) سنة 1908م.
وفي الكويت أُصدرت مجلة (الكويت) سنة 1928 .
في العدد القادم نكمل مع الاعلام المسموع والاعلام المرئي ودورهما في الاعلام الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق