11‏/08‏/2012

أساليب وفنون في تربية قرَّة العيون


صالح شيخو الهسنياني

 تربية الأبناء والتعامل معهم، والصبر على تهذيب سلوكهم وتحسينها، مسؤولية عظيمة وحساسة للغاية لكثرة المغريات والمتغيرات والأحداث والأزمات وانفتاح العالم وتغيير المفاهيم في زماننا؛ لذا وجب معرفة الفنون والأساليب؛ القواعد والأصول  التي تستعصي على كثير من الآباء والأمهات في فترة من فترات حياة الطفل، ...





كان لابد من البحث والتقصي والسؤال عن أحسن الطرق وأجدى السبل الملائمة والممكنة، والتزود بها، والتدريب عليها؛ لتفادي المشكلات الناجمة من أساليب التربية الخاطئة في بيئة البيت والأسرة.  
     أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن مرحلة الطفولة المبكرة في حياة الطفل تشكل الملامح الأساسية لشخصيته، وترسم الخطوط العريضة لما سيكون عليه مستقبله، ففي هذه المرحلة يحاول اكتشاف كل ما حوله ويتعرف على البيئة المحيطة به، ويفحص كل شيء تقع عليه عيناه عن طريق قاموس مدركاته.  
لذلك هذه المرحلة من أهم المراحل وأكثرها تأثيراً في حياة الفرد المستقبلية؛ إذ يتوقف عليها تحديد المعالم الرئيسية لشخصيته من خلال ما يكتسبه من خبرات وقيم واتجاهات؛ ومن المتفق عليه بين المشتغلين بعلم النفس أن الأسرة تؤدي دوراً بالغ الأهمية في إعداد الفرد وتأهيله للقيام بأدواره ووظائفه داخل النسق الاجتماعي، حيث تمثل الأسرة أولى المؤسسات الاجتماعية التي تحتضن الطفل منذ اللحظات الأولى لخروجه إلى الحياة وخلال فترة مراحله العمرية التالية. 
    أنتِ أيتها الوالدة الكريمة؛ وأنت أيها الوالد الكريم، مطلوب منكما أن تزرعا القيم والمبادئ في أطفالكما؛ لتهذيب سلوكهم وصقل شخصيتهم فأنتما المرآة التي يرى فيها أطفالكم الدنيا، ويعرفون طعم الحياة. قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم :6]. 
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي: "أولادنا هم الورقة الرابحة الوحيدة التي في أيدينا؛ فهم المستقبل، فإن أردنا مستقبلاً يتميز عن حاضرنا فلنعتن بأولادنا". 
 وقد دلت دراسة على أن الأطفال الذين يشترك في تربيتهم الأم والأب معا يتمتعون بقدرات أفضل في القراءة والكتابة، وإجراء العمليات الحسابية إذا ما قورنوا بالأطفال الذين نشأوا مع الأم، أو نشأوا مع الأب.
 ودلت دراسة أخرى غير متوقعة النتائج، قارن فيها بعض علماء النفس الأمريكيين بين عينة من بنات ولدن وربين في السجون مع أمهاتهن، وعينة أخرى من أطفال الأثرياء المولودين في جو من الترف والرفاهية، وكانت النتيجة أن الأطفال الذي نشأوا على أيدي الخدم والمربيات المستأجرات في القصور لم يتفوقوا في شيء على أطفال السجينات، بفضل بقاء هؤلاء إلى جانب أمهاتهم، على الرغم من ظروف السجن.   
 وبإحصائية بسيطة يقضي الطفل حوالي (6600) ساعة في المدرسة، إلى الصف التاسع الأساس؛ بينما يقضي أكثر من (125000) ساعة في البيت، هذا إذا أضفنا إليه السنوات الست التي تأتي قبل الالتحاق بالمدرسة، وبمقارنة بسيطة مع عدد ساعات طالب في الجامعة، للحصول على شهادة البكالوريوس، إذا افترضنا أنه يقضي حوالي سبع ساعات في الدوام الجامعي ولمدة ثمانية أشهر دراسية لأربع سنوات، فإنه يحتاج إلى (5824) ساعة للحصول على الشهادة الجامعية؛ فانظر كم شهادة يجب أن يحصل عليها الطفل من الوالدين؟. 
     جاء في مقدمة كتاب تربية الموهوبين: "إن ضخامة الخسائر في الثروة الإنسانية تتمثل في أطفال نابغين لا يجدون تشجيعاً على إظهار نوع من البحث عن هويتهم، يمنعهم آباؤهم أو معلموهم عن مواصلة هذا البحث فيضيعون قي الطريق ويتوقفون عن البحث عن هويتهم". 
قال عليه الصلاة والسلام : (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته). متفق عليه.
في سلسلة المقالات هذه؛ احاول التعريف بأساليب وفنون تربية الطفل بصورة جيدة، وحتى لا تتداخل الأساليب مع بعضها مع أن هنالك أساليب مشتركة بين المراحل إذا أخذنا مرحلة المراهقة أيضا، مثل أسلوب التربية بالثواب والعقاب والتربية بالحب ، آثرت تقسيم مرحلة الطفولة إلى مرحلتين: المرحلة الأولى من الولادة إلى قبيل سن السابعة (دخوله المدرسة)؛ والمرحلة الثانية تبدأ من دخوله المدرسة إلى تقريبا سن البلوغ (قبيل مرحلة المراهقة).  
من هو الطفل ؟
   هو عالم من المجاهيل المعقدة كعالم البحار الواسع والكون الشاسع الذي كلما خاضه الباحثون، كلما وجدوا فيه كنوزاً وحقائق علمية جديدة؛ لا زالت مخفية عنهم وذلك لضعف وضيق إدراكهم المحدود من جهة، واتساع نطاق هذا العالم من جهة أخرى، لذا تربية الطفل تحتاج إلى أساليب وفنون، سهلة في التطبيق، عملية في التعامل، مضمونة النتائج، محببة إلى الطفل وتتناسب مع عمره ليتجنب الآباء شقاء طفلهم مستقبلاً، ويستريحوا هم من عناء المشقة. 
قبل البدء:
     يقول الشيخ محمد الخضر حسين: "لا يدري كثير من الناس أن الطفل واحد من رجال الأمة إلا أنه مستتر بثياب الصبا فلو كشف لنا عنه وهو كامن تحتها لرأيناه في مصاف الرجال القوامين، لكن جرت سنة الله أن لا يتفق زوال تلك الأستار إلا بالتربية شيئاً فشيئاً ولا تؤخذ إلا بالسياسات الجيدة على وجه التدرج". 
  ووفقاً لأحدث الدراسات تبيَّن أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم نحو 90%، وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى 10%، وما إن يصلوا السنة الثامنة حتى تصير النسبة 2% فقط، وهناك من يقول غير ذلك. 
   ويقول الدكتور عبدالكريم بكار في كتابه (اكتشاف الذات): "وتدل بعض الدراسات على أن الطفل يولد وهو على درجة عالية من القدرة على الإبداع؛ وأن الأطفال حين تكون أعمارهم بين سنتين وأربع سنوات يكون 95% منهم مبدعين ومجددين؛ وفي دراسة على مجموعة من الأطفال في سن السابعة تبين أن نسبة المبدعين فيهم قد انخفضت إلى 4%. ومع تقدم السن أكثر فإنه لا يبقى سوى 2%".
  ويقول آخر إن عند كل طفل عدد من الاستعدادات أو المواهب التي تؤهله للتفوق في مجالات محدده ويختلف الأطفال فيما بينهم في هذه المواهب.   
  ومرحلة الطفولة من أهم مراحل التكوين ونمو الشخصية، وهي مجال إعداد وتدريب للطفل للقيام بالدور المطلوب منه في الحياة، ولمّا كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة، ودوره في الأرض هو أكبر وأضخم دور، اقتضت طفولته مدة أطول، ليحسن إعداده وتربيته للمستقبل ومن هنا كانت حاجة الطفل شديدة لملازمة أبويه في هذه المرحلة من مراحل تكوينه.
   يقول الدكتور حسان شمسي باشا: "معاملة الأبناء فنّ يستعصي على كثير من الآباء والأمهات في فترة من فترات الحياة، وكثيراً ما يتساءل الآباء عن أجدى السبل للتعامل مع أبنائهم".
   ويقول الإمام الغزالي : "إن أطفالنا جواهر...فالصبي إذا أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذاباً حسوداً سروقاً نمّاماً، ذا فضول وضحك ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب".
   ويقول ابن القيم، منبهاً إلى أهمية دور الأسرة في التربية : "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً ".
  ويقول الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الصحة النفسية : "إن العادات الخاطئة التي تنتجها معظم الأسر في تربية الأبناء هي السبب وراء حدوث مشكلة غباء الأبناء ". 
  كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال : "يا أبت إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً، فأضعتك شيخاً". 
 ويقول الدكتور لين كلارك : "إن التربية الخالية من الألم هي تربية موجودة في الفراغ، ومحض تصور لا معنى له على الإطلاق".
  فالتربية السليمة الصحيحة تجعل من الأطفال شباباً صالحين يتمتعون بسمو الأخلاق والفضائل ويخدمون مجتمعهم وأمتهم، وإذا نالوا قسطاً وافياً من العلم فقد كملت لديهم مكارم الأخلاق وكانواً أهلاً لأن تفتخر بهم بلادهم وأمتهم. 
وقت الاحتياج 
  علماء النفس يؤكدون أن أكثر وقت يحتاج إليه ابنك أو ابنتك فيه هو مرحلتان:
الأولى: منذ وقت الولادة وحتى سن أربع سنوات؛ حيث تكون الأم هي مركز حياة طفلها في هذا السن، وتمثل أنت له نقطة جانبية كأب، ومن سن أربع سنوات إلى سبع سنوات يحتاج إليك الشاب والفتاة؛ ولكن احتياج الشاب إليك يكون أكثر.
الثانية : سن المراهقة، إن الفتيات يبحثن عن حضن الأب، فإن لم يجدنه فسوف يبحثن عنه خارج البيت ولذلك امنح أنت العطف والحنان والصداقة لابنتك.  
    تساؤلات؟
-هل رسختم في نفوسهم فطرة التوحيد وعقيدة الإيمان؟.
-هل أمرتموهم بالصلاة وهم أبناء سبع، وعودتموهم على أدائها في أوقاتها؟.
-هل نشّأتموهم على الأخلاق الإسلامية الفاضلة من صدق وأمانة، وبر واستقامة؟.
-هل ربّيتموهم على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وعرّفتموهم بالحلال والحرام؟.
-هل أدّبتموهم على حب الرسول(صلى الله عليه وسلم)، وحب آل بيته وصحابته؟.
-هل علمتموهم تلاوة القرآن الكريم والتخلق بأخلاقه؟.
-هل راقبتموهم في تحركاتهم ومصادقاتهم، وفي غدوهم ورواحهم... عند كل صباح ومساء؟.
-هل صحبتموهم إلى بيوت الله عز وجل لتتغذى عقولهم بالعلم، وتسمو أرواحهم بالعبادة، وتتأثر نفوسهم بالموعظة؟.
-هل عودتموهم على أن الفشل ما هو إلا زيادة في التجارب والخبرات، وأن الإحباط واليأس ليس لهما سبيل إلى المبدعين؟.
-هل دربتموهم على تجاوز المشكلات، وإيجاد الحلول، وتعلم التفكير الإيجابي؟.
-هل أشعرتموهم بأهمية الوقت، وأنه يمضي ولا يعود إلى يوم القيامة؟.
-هل أخبرتموهم بأن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن هناك ثوابا للمحسن، وعقابا للمسيء؟.
-هل دربتموهم على الحوار وقواعده، وعلى الاستشارة وأهميتها؟.
-هل أخذتموهم وصحبتموهم في زيارات مفيدة وهادفة؟.      
تربية متكاملة ومتوازنة
 (مربع التربية)
 تربية القلب: الإسلام يوجه القلب البشري أن يفتح بصيرته على عوامل التطور الحقيقية في المجتمعات، ويستخدم طاقته الواعية في تدبرها والبحث في أسبابها ونتائجها؛ وتكون بتغذيته بالإيمان والاعتقادات الصحيحة، وذلك بتعليم القرآن الكريم والأحاديث النبوية وحكايات الصالحين، وبما يعرض من الأمثلة التاريخية المتعددة التي تحققت فيها سنة الله الخالدة.
 تربية الروح : وطريقة الإسلام في تربية الروح هي أن يعقد صلة دائمة بينها وبين الله سبحانه في كل لحظة، وكل عمل، وكل فكرة، وكل شعور وتكون بتزكية النفس، والدعوة للأخلاق الحسنة والسلوك الحميد، والقيام بالعبادات والتكاليف الشرعية. وهذا المجالان يشترك فيهما الوالدان، وإمام المسجد ومعلم المدرسة.
 تربية العقل:  وهو توجيه الطاقة العقلية إلى النظر في سنة الله في الأرض وأحوال الأمم والشعوب على مدار التاريخ وتكون بتغذيته بالتصورات والرؤى الصحيحة، والدلالة على طرائق التفكير، وطرائق الاستدلال، وبيان النظريات العلمية، والمشاركة في الأنشطة الفكرية، والمعارف الدنيوية المفيدة، وهذه يقوم بالدور الأكبر فيها المؤسسات التعليمية.
 تربية الجسم: والإسلام لا يغفل جانب الجسم والاعتناء به، من نظافة وتغذية، وحُسن رعاية ما قبل الولادة إلى الممات؛ وهذا يعني توجيه طاقات الجسم منذ الطفولة نحو العبادة، واغتنام فترة المراهقة والشباب لخدمة هذا الدين؛ وفي هذا المجال يشترك الوالدان، والمدرسة والمراكز والأندية الشبابية.  
الحقيقة الخطيرة  
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي : " الحقيقة الخطيرة هي أن الإنسان مهما بلغ من نجاحات الدنيا، إن لم يكن ابنه كما يتمنى وكما يطمح فهو أشقى الناس... وشقاء الابن شقاء حكمي للأب... ولا تجد أباً يسعد إذا كان ابنه منحرفاً ".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق