04‏/01‏/2015

قراءة موضوعية في كتاب "الارتقاء في تلقي معاني القرآن"

غادة هيكل - مصر
قد كرم الله الأرض بنزول آدم وحواء لتعميرها، وأكرم البشرية من نسل آدم بخلق (محمد) عليه السلام، وأكرم الأمة الاسلامية والعالم أجمع بنزول الوحى المحمل بآي القرآن، الذي هو المعلم المتجدد الذي لا ينضب معينه من علم الأولين، وعلم الحاضرين، وعلم المتأخرين، إلى قيام الساعة. وقد أرسى (أ / عبد الباقي يوسف) بعض دعائمه في هذا الكتاب القيم، حيث أوضح طريقا مهما لكل من وجد في نفسه هوى ليكون نبراسا ومعلما، أو هوى ليكون متعلما، يترقى الدرجات في رحاب هذا الكتاب المتين، الذي فضله الله على سائر الكتب في السابقين والأولين، وعلى كل الرسالات من لدن آدم، وحتى قيام الساعة .
لقد ضمت دفتا هذا الكتاب قسمين هامين متصلين بالقرآن الكريم، وهما :
1- القرآن نور السـماء إلـى ظلمة الأرض.
2- فضل القرآن على الإنسان.
أما القسم الأول: نور السماء إلى ظلمة الأرض، فقد أتى في ستة فصول متتابعة، هي:
 الفصل الاول -  كتاب التحولات الكبرى
الفصل الثانـي -  حدود الله .. حدود الناس.. في القرآن   
الفصل الثالث  - خصائص العلاقة بين الإرسال  الإلهي والتلقي البشري
الفصل الرابع -  قارئ القرآن وفقــــه الموقــــــف
الفصل الخامس -  معالم الطريق ومنعرجات الفوضى
الفصل السادس -  التلقي القرآني وترويض النفس 
أما القسم الثاني، فقد تناول فيه خمسة فصول، على جانب كبير من الأهمية لحياة كل مُطّلع، وكل حافظ، وكل محب لقراءة القرآن الكريم، وهي:
الفصل الأول  -  حاجة الإنسان إلى القرآن 
الفصل الثاني  -  ارتقاء قارئ القرآن في درجات متعة العطاء
الفصل الثالث -  قارئ القرآن ومهارة قوة الملاحظـة 
الفصل الرابع  -  القرآن الكريم ومنهج الحياة
هذه أربعة، والفصل الخامس منها هو مثال كبير جدا، ومهم، للتطبيق الحياتي على ما سبق وذكر من التواصل القائم بين قارئ القرآن وحياته وفكره وعقله وقلبه ومكنونات نفسه وسمو روحه، وغيرها من الفضائل كانت أو المثالب، التي ترتكز عليها الحياة وتقوم بها، وهي (سورة البقرة)، أكبر سور القرآن الكريم، وكان الاختيار هنا من الأهمية بمكان، لأن (سورة البقرة) تعكس أكثر التفاصيل المرتبطة بحياة الأفراد اليومية، ومعاملاتهم مع بعضهم البعض، ومع الكون المحيط بهم، ولأنها سميت باسم هذا الحيوان النافع، الذي اختصه الله بعظيم الفوائد، وكان بها ضرب المثل، الذي يبين قاعدة العسر واليسر في الدين.
لو تعرضنا بشيء من التفصيل لهذا الكتاب المهم جدا، من وجهة نظري، في عرضه لعلاقة مهمة جدا في حياة الفرد اليومية، بل في حياة الفرد اللحظية، ومنهج حياته الذي يرتضيه لنفسه المؤمنة، التي نزل من أجلها القرآن الكريم، لتعرفنا على بعض العناصر المهمة، التي شملها هذا الكتاب، ومنها:
1-القرآن الكريم كتاب الله المنزل، بوحي من السماء، على سيدنا (محمد)، حقيقة لا نقاش فيها.
2-القرآن الكريم متجدد وصالح لكل العصور، لا يتوقف عند زمن معين، بل ينطلق من الماضى إلى الحاضر إلى المستقبل القريب والبعيد.
3-قدرة القرآن الكريم على الارتقاء بالدرجات الإيمانية لدى الإنسان.
4-قدرته على تحويل الفرد من حالة اعتقادية إلى أخرى، مثل أن ينتقل من الكفر إلى الإيمان، ومن الإلحاد إلى التوحيد.
5-قدم الكتاب العديد من البراهين والأدلة على كيفية تأثير القرآن في حياة البشر، وتأثرهم به، وتفاعله مع مقتضيات حياتهم اليومية .
6-قدم الكاتب، بشكل مشوق، ومرتب، حالات تهيئة الفرد، ثم قراءته، ثم تدبره، ثم تماهيه، ثم انطلاق أعضائه، ثم الذوبان الكامل مع آي القرآن. وهي مراحل الترقي مع القرآن، بداية من البسملة وفاتحة الكتاب، ثم انتهاء بمثال قوي وهو (سورة البقرة).
7-استطاع الكاتب، بمهارة الرواي العليم، والكاتب الحصيف، أن يقدم الأمثلة القوية على كيفية ترقي الفرد من حالة إلى أخرى، كلما انطلق لسانه، وتدبر عقله، وتناغمت روحه مع القرآن.
8-أكد الكتاب على علاقة القرآن بكل أنواع العلوم الأخرى، من: فن، وأدب، وفكر، وسياسة، وطب، وفلك، وغيرها مما يهم الإنسان في حياته.
9-أكد على علاقة القرآن، ليس فقط بالعالم المادي، بل بالعالم الروحاني، والنفسي، للشخص، ومدى تأثير القرآن في تلك الشخصيات بالإيجاب، ومساعدتهم على التحول من حالة السلب إلى حالات الإيجاب.
10-كما بين الكتاب قوة القرآن الكريم في إخراج الطاقات الكامنة لدى الفرد، والتي تتأثر بمراحل قراءة القرآن، حتى تصل إلى ذروتها في الطمأنينة، والإيمان، والعمل، والعطاء بلا مقابل، ومعرفة قوة الخير، وجذبها إلى النفس، ومعرفة سطوة الشر، وتجنبها بلا أدنى مشقة أو تعب.
11- أظهر الكتاب أن الارتباط الوثيق بين معاملات الفرد والقرآن الكريم، والتي تمثلت في العطاء، هذه الكلمة التي تحوي عدة معان، بيّنها القرآن جملة وتفصيلا، بضرب الأمثلة، والتي استطاع هذا الكتاب القيم أن يفردها، ويدلل عليها، بشكل مبسط وشيق.
12- أوضح الكتاب ثلاثة محاور رئيسية، يستخدمها الإنسان القارئ، وينتقل فيما بينها، خلال مراحل تدرجه، وهي: اللسان، هذا الناطق بالألفاظ ، والعقل، الذي يتدبر هذا اللفظ، ثم العين التي تبصر.
13- لم يقتصر الكتاب على تبيان مراحل التدرج الإيماني، المرتبط بقارئ القرآن بحواسه الثلاث السابقة، ولكنه أوضح مهارة مهمة جدا، مرتبطة بتلك الحواس، وهي مهارة قوة الملاحظة لدى العين، التي ترسل بإشارتها إلى العقل، فيتدبر، ثم ينطلق اللسان، فيتحدث، ويؤثر في الغير.
14- لم يترك الكتاب آفة مرتبطة بهذه الحواس الثلاث إلا وبيّنها،  وأوضح كيفية ترقي القرآن بالإنسان، حتى يتخلى عنها كلية. وكيف يتحول من إنسان سلبـي مشوش العقل، بغيض القول، عديم الرؤية،  إلى شخص إيجابي، طيب، مواظب على التدبر، منطلق التفكير نحو العمل الصالح، حتى يتخذه منهج حياة يومي، فيكون لغته التي يتحدث بها، وعقله الذي يفكر به، وعينه التي لا ترى سواه في حياته، فيكون -كما قيل عن المصطفى ( صلى الله عليه وسلم): (كان خلقه القرآن).
15 – وعندما يتحول القارئ إلى اتخاذ القرآن منهجا لحياته، فهو بذلك يقي نفسه الوقوع في الملذات، ويعمل على ترويض نفسه، وكبتها، بلا تفريط أو افراط. وهو بذلك يتبع منهج الوسطية التي نادى بها الاسلام الحنيف. وهنا كان موقفه من النفس، وبيان سطوتها، وقوة سيطرتها على الإنسان، إن ترك لها الحبل على الغارب، كما بين كيفية ترويضها بالقرآن، في يسر وسهولة.
16-إن هذا الكتاب القيم لم يكتف بذكر فضائل القرآن على الإنسان، ومراحل تدرجه الإيماني، واتخاذه منهجا لحياته، والقضاء على وسوسة نفسه، وكفى. ولكنه يعلم، بعين المجتهد، أن للشيطان دورا لا يغفله غافل، بينّه القرآن الكريم، وهو دوره في الوسوسة لهذا المتلقي للقرآن. ولم يغفله الكاتب أيضا، بل استطاع أن يبين متى يغافل الشيطان نفس الإنسان، ومتى يطلب منها المعصية. ثم بين كيفية مواجهته، والخروج من مأزق الوقوع في براثنه. وبين كيف اهتم القرآن الكريم بذكر الشيطان، والاستعاذة منه، في مواقع عدة. وبيّن مواطن الوسوسة لدى الإنسان، ومتى يتوغل فيها الشيطان بوسوسته، وأسبابها، وكيفية علاجها، متخذا من التلقي القرآني هدفا لذلك.
17- لم يغفل الكاتب أيضا أن أي مجتمع لا يقوم إلا بشقيه الأساسيين، وهما: الرجل والمرأة. فوجه حديثه السلس الواعي نحو أهمية المرأة، كعضو شريك في أي مجتمع، وإلقاء الضوء عليها في آي القرآن، بل واهتمامه بها في مواضع كثيرة، لأنها اللبنة الأولى التي تحمل هذه الذرية، وتربيها، وتعلمها، وتهذب أخلاقها. فكلما صلحت المرأة، صلح حال المجتمع ككل. ولم ينس أن يوجه إرشاداته إلى الرجل، كي تكتمل منظومة الصلاح في المعاملة، والرفق، والتوجيه القويم. ودلل على ذلك بآيات القرآن، والأحاديث النبوية، ص(130-131)
18- ضرب لنا الكاتب العديد من الأمثلة القوية، التي أكد عليها القرآن في كثير من المواضع، والتي تلهي النفس عن الترقي والتدرج في مراحله الإيمانية، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتلقي القرآن، وفهمه، وتدبره، والتي تهزم الروح، وتُشقي النفس، وتفتح بابا للشيطان، ومنها: الكبائر، وأخص منها: الزنا، فأفرد له مساحة للشرح، وكيف أنه يخرج الإنسان من منظومة البشرية، ويجعله عالما همجيا.
19- لم يترك الكاتب طرح آفة، أو فعل عصيان، بيّنه القرآن، أو أشار إليه، بدون إظهار الحل المناسب له من آي القرآن، وكيفية علاجه، والتخلص منه، بشكل ميسر. فيبين الآيات التي نهت عنه، ويأتي بالأحاديث التي تتكفل بالعلاج الواضح، حتى تكتمل أركان الترقي والتدبر، حتى تصل النفس إلى مبتغاها.
20-وأخيرا استدل الكاتب بأكبر وأقوى الصور التي جمعتها (سورة البقرة)، كدليل على أهمية القرآن والارتقاء في تلقي معانيه، حتى لا يكتفي القارئ بظاهر القول، وبثرثرة اللسان، كعادات فقط، دون الغوص إلى ماهية الألفاظ، ومعانيها، ومخرجاتها، وتأثيرها في كل ما يحيط به من أفعال وأقوال وعبادات وفروض ونواه وعلاقات، وكل ما يهم الإنسان في حياته، بل وفي آخرته أيضا، مع شرح مبسط لتلك الآيات، تصل بمعانيها إلى كل مهتم في يسر بالغ.
21- مما لفت نظري، وكنت أحب أن يكون عنصرا في هذا الكتاب القيم، هو القصص القرآني، ودوره في تربية الإنسان، كمرحلة أولى لدخول عالم المعاني. فنحن نعلم جيدا أن للقصص مفعولا جيد جدا في تلقي المفاهيم المختلفة، ولها تأثير كبير على النفس، منذ الطفولة، وحتى في مراحل الشباب، وغيرها. والقرآن الكريم حافل بالقصص المفيدة، التي تمتلئ بالعبر والعظات، والتي تفتح أمام النفس الأبواب المغلقة، وتعبر إليها بسهولة كبيرة. ولكن راقني كثيرا الأمثلة الحياتية التي صاغها الكاتب، مثل:
( المرأة التي أبت إلا أن يكون حديثها القرآن/ ص 127)
الأمثلة والأقوال التي نقلها عن بعض المشاهير، كسقراط وأفلاطون والرازي والكندي و... غيرهم كثير ) ص 35-39
الاستدلال بآيات القرآن الكريم في المواقف المختلفة، وشرحها المبسط.
الأمثلة الحياتية وارتباطها بالقرآن: (سنبلة الصدقة، الماء والحياة، شجرة الكلمة، ...) ص 56.
22- إن كل ما سبق ذكره، من: فضل القرآن، وفضل متلقيه، والمتمعن فيه، والمترقي بدرجاته العلى، والعامل به، والتارك له، وكيفية عودته إلى الطريق الصحيح، وأن يرتكز على القرآن كصراط مستقيم، وأن أثر القرآن الواضح الجلي على كل قارئ وعامل ومجتهد وبالغ الذروة في الإيمان، لن يصل إلى ذلك إلا برحمة من الله. وكما سأل (الشافعي) (وكيع)اً عن سوء حفظه، فقال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقـــــــــــال إن العلـــــــــــــــــــم نــــــــــــــــــــــــــــور ... ونور الله لا يهدى لعاصِ
كما بين أن القرآن لا يرتبط بمكان، ولا زمان، ولا تكنولوجيا، ولا أوراق، بل هو يتغلغل في النفس التي صنعت، والتي قرأت، والتي تعلمت التكنولوجيا، فهو شريك يكرم المكان، ولا يتكرم به، ومن أفضل الأماكن منبت الوحي، التي ذكر فضلها: (مكة المكرمة)، ومنها انتشر وفاح عطره في كل أرجاء العالم. قصة (مايكل وولف) ص 28.
وفي الختام، فإن هذا الكتاب القيم، والذي يقع في300 صفحة، لهو دليل قيم على أهمية القرآن الكريم للحياة القائمة، والسابقة، والمستقبلية، لكل من يبرهن على أهميته، ولكل ساع إلى محاولة الترقي في دنياه، والفوز بآخرته.

السيرة الذاتية
غادة هيكل، كاتبة مصرية حاصلة على شهادة الليسانس في الآداب من قسم التاريخ/ جامعة الأزهر، والدبلوم العام فى التربية وعلم النفس. وهي صحفية تعمل في جريدة (عين الشعب) الورقية.
شاركت في عدد من الكتب منها:
قصص عربية قصيرة جداً، قصص نسائية قصيرة جداً، روائع وقمم، كتاب حواديت.

وهي عضو مؤسس في الاتحاد العالمي للثقافة والأدب، وعضو في جمعية شمس النيل لعلوم الأهرام.

هناك تعليقان (2):

  1. الأخت السيدة غادة هيكل المصرية : هي عالمة صحفية غالية لدي كل ذي خلق كريم, لأنها هي نفسها أيضا من زمرة أهل الإيمان والصفات الطيبة على وجه أرض مصر العزيزة.

    ردحذف
  2. الأخت السيدة غادة هيكل المصرية : هي عالمة صحفية غالية لدي كل ذي خلق كريم, لأنها هي نفسها أيضا من زمرة أهل الإيمان والصفات الطيبة على وجه أرض مصر العزيزة.

    ردحذف