02‏/09‏/2015

العصيان السياسي: نظرة في المفهوم والدلالات - مفاهيم أساسية (2-2)

سالم الحاج
----------------------
تكلمنا في القسم الأول من هذه الدراسة عن مفهوم (العصيان السياسي)، وأنواعه، والفرق بينه وبين مفاهيم أخرى قريبة منه، مثل: (العنف السياسي)، و(الصراع السياسي)، و(الإرهاب). وبينّا أن (العصيان السياسي)، يمكن أن يكون مسلحاً، وآنذاك فهو (عصيان سياسي مسلّح)، أو (عسكري).. وألمحنا إلى أن كل (عصيان سياسي غير مسلّح، أو مدني)، هو (عصيان مدني) بالضرورة، ولكن ليس كل (عصيان مدني)
سياسياً بالضرورة.. وأشرنا إلى أن هناك مفاهيم تراثية تتقاطع، أو تتطابق مع هذه المفاهيم الحديثة، مما دفعنا إلى تخصيص هذا القسم من الدراسة لبحث مثل هذه المفاهيم.
----------------------
هناك بعض المفاهيم الأساسية، التراثية، التي لها ارتباط مباشر بموضوعنا، ولذلك فإنه من المناسب أن يتم الحديث عنها، والتعريف بها، لكي يكون القارىء على بينة منها، وعلى علم باستعمالاتها، لتتم الفائدة. ومن هذه المفاهيم التي رأينا من الضروري التعريف بها مفاهيم: الخروج، الثورة، الفتنة، البغي، المعارضة، السلطة.

1/ الخروج:
المعنى اللغوي لـ(الخروج)، كما يرد في كتب اللغة المعروفة، هو ذات معناه المعتاد والمستعمل، أي: الظهور والبروز، أو: نقيض الدخول. جاء في (لسان العرب): "خرج: الخروج نقيض الدخول. خرج يخرج خروجا، ومخرجا، فهو خارج... يقال: خرج مخرجا حسنا، وهذا مخرجه... والاستخراج كالاستنباط ... وقوله عزوجل: [ذلك يوم الخروج]، أي يوم يخرج الناس في الأجداث... وخارج كل شيء: ظاهِرُهُ... يقال للماء الذي يخرج من السحاب: خَرْجٌ، وخُروج... خَرَجتِ السماءُ خروجا: إذا أَصْحَت بَعْد إِغامَتِها... والخُراج: وَرَم يَخرُج بالبدن من ذاته، والجمع: أَخْرِجة، وخِرْجان... والخوارج: الحَرُوريَّة... لزمهم هذا الاسم لخروجهم عن الناس... والتَّخارُج، تَفاعُلٌ من الخروج، كأنّه يَخرُج كل واحد من شركته عن مُلْكه إلى صاحبه بالبيع... والخَرْجُ و الخَراجُ واحدٌ، وهو شيءٌ يُخْرجه القومُ في السنّة من مالهم بقَدَرٍ معلوم... والخَرْج والخَراجُ: الإِتاوَةُ تُؤْخَذُ من أموال الناس... وفي التنزيل: [أمْ تسأَلُهم خَرْجاً فَخَراجُ ربِّك خَير]. قال الزجّاجُ: الخَراجُ الفَيْءُ، والخَرْجُ: الضَريبةُ، والجِزيةُ... وقيل للجزية التي ضربت على رقاب أهل الذمة: خَراج، لأنّه كالغُلّة الواجبة عليهم... والخُرْج من الأوعية معروفٌ، عربيٌّ، وهو هذا الوعاءُ، وهو جُوالِقٌ ذو أَوْنَيْنِ، والجمعُ: أخْراج... والخَرْج: خلاف الدَّخْلِ. ورَجُل خُرَجَةٌ وُلَجَةٌ، مثال هُمَزة، أي كثير الخروج والولوج"([1]).
وجاء في (مفردات ألفاظ القرآن): "خَرَج خروجا: برز من مَقَرِّهِ، أو حالِهِ، سواء كان مقرُّهُ دارا أو بلدا أو ثوبا، وسواء كان حالُهُ حالةً في نفسه، أو في أسبابه الخارِجَةِ. قال تعالى: [فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ](القصص/21). وقال تعالى: [قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً](الأعراف/18)... والخارجي: الذي يَخرُجُ بذاتِهِ عن أحوال أقرانه، ويقال ذلك تارة على سبيل المدح، إذا خرج إلى منزلة من هو أعلى منه، وتارة يقال على سبيل الذم، إذا خرج إلى منزلة من هو أدنى منه... والخوارج لكونهم خارجين عن طاعة الإمام"([2]).
 والملاحظ أن من معاني الخروج الرئيسية، والتي تهمنا هنا، هو: البروز والخروج، على السلطان، أو غيره، بمعنى التمرد عليه، ونبذ طاعته([3]) . والخروج هو نقيض الدخول، فإذا كانت (البيعة) دخولا في الطاعة، فإن نقيضها هو (الخروج)([4]).
وكلمة (الخروج) ترد كثيرا في القرآن الكريم، "فهي تشير إلى هجمة مفاجئة، أو الثورة، أو القتال معاً. ذلك، ويشير القرآن إلى نكوص المنافقين عن القتال: [وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً](التوبة/46)، وفي الآية السابقة استعملت كلمة(الخروج) بمعنى الجهاد والقتال"([5]).
أما (الخروج) في معناه الإصطلاحي، فيعني عند الفقهاء: "الظهور والبروز تجاه الحاكم، من جهة إظهار المعارضة له، بالقول والفعل"([6]). وقد استعمل مصطلح (الخروج)، عندهم، للدلالة على "التمرد غير المشروع"([7])، وهو يتضمن معنى "إسقاط الطاعة للحاكم، واعتبار حكمه غير شرعي"([8]).
وقد تحدث الفقهاء المسلمون عن أكثر من صورة لـ(الخروج)؛ فهناك خروج بحق على الإمام الحق، وهو ما تحدث عنه الفقهاء تحت اسم (البغي)([9]). وهناك خروج بالحق على الإمام الجائر، وهذا لا يعدّ بغياً عند كثير من الفقهاء، بل هو من الجهاد المشروع، وهو باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([10]). وهناك خروج بغير الحق على الإمام الحق، وهذا نوع من الفساد في الأرض عند الفقهاء، وعلى المسلمين مقاتلة هؤلاء مع الإمام العدل، حتى يقلعوا عن أفعالهم([11]). وهناك نوع آخر، هو الخروج بغير الحق على الإمام غير الحق (أي الإمام الفاسد، أو الجائر)، وهذا النوع لا يعد بغياً كذلك، وإنما هو من نوع قتال الفتنة، التي أمر المسلمون باجتنابها، والابتعاد عن أسبابها، وعن الخوض فيها([12]).
فالخارجون إذن قسمان: "قسم يخرج من أجل الدنيا والسلطة والهوى، وهؤلاء يجب محاربتهم والتعاون مع الإمام لصدهم عن الباطل... وقسم يخرج من أجل تحقيق أهداف إسلامية؛ كتخليص المسلمين من الظلم، وإحقاق الحق، وتطبيق المبادىء الإسلامية، وهذا هو سبب خروج بعض الصحابة على الخلافة الأموية... وهذا القسم هو موضع الخلاف بين العلماء"([13]).
ومما سبق يتضح أن مفهوم (الخروج على الحاكم)، هو قريب من مفهوم (العصيان السياسي المسلح)، ذلك أن (الخروج) لا يحدث - في الغالب - إلا لأسباب سياسية، وربما كانت دوافعه إدارية واقتصادية، وهو مسلح عادة، ويتطلع أصحابه إلى تحقيق أهداف سياسية.
وهناك مصطلحات حديثة، قريبة في معناها من مفهوم (الخروج)، مثل مصطلحات: الثورة، الانقلاب، التمرد، وكلها تدل على الخروج على السلطة الحاكمة، ولو بالقوة والقتال، ويسعى أصحابها إلى تبديل الحاكم، أو نظام الحكم([14]).

2/الثورة:
لفظ (الثورة) كان معروفا عند العرب الأوائل، ونجد له استخدامات قريبة من المعنى المعاصر له، ولكن هذا المصطلح لم يتبلور إلا في العصر الحديث، حيث أصبح اليوم من ضمن مقررات (علم الاجتماع السياسي).
فقد جاء في (لسان العرب) في مادة (ثور): "ثارَ الشيءُ ثَوْرا وثُؤورا وثوَراناً، وتَثَوَّر: هاجَ ... وثورةُ الغضب: حِدّتُه . والثائِر: الغضبانُ، ويقال للغضبان أهيجَ ما يكون: قد ثارَ ثائِرُه، وفارَ فائِرُه، إذا غضب وهاج غضبه. وثار إليه ثَوْرا وثُؤورا وثَوَرانا: وَثَبَ... وثارَ الدخانُ والغبارُ وغيرهما يثورُ ثَوْرا وثُؤورا وثورانا: ظَهَر وسَطَع... رأيتُ فُلاناً ثائِرَ الرأْسِ: إذا رأيتَه قد اشْعانّ شعره، أي انتشر وتفرق... وفي الحديث: فرأيت الماءَ يثورُ من بينِ أصابعه، أي ينبع بقوة وشدّة ... وكذلك كل ما ظَهَرَ، فقد ثارَ يثورُ ثَوْرا وثورانا... وكل ما استخرجته أو هِجْته، فقد أَثَرْتَه إِثارة وإثارا... ويقال: ثَوَّرْتُ كُدُورة الماءِ فَثاَر، وأَثَرْت السَّبُعَ والصَّيْد إذا هِجْته، وأَثَرْت فُلانا إذا هيَّجته لأَمْر، واستثرت الصيد إذا أثرته أيضا، وثوّرت الأمر: بحثته. و ثوّر القرآن: بحث عن معانيه، وعن علمه"([15]). فـ(الثورة) تأتي إذن بمعاني الغضب والهياج والفورة والوثوب، وجماع معانيها: "البعث، والخلق الجديد"([16]) .
 وقال صاحب (مفردات ألفاظ القرآن) في مادة (ثور): "ثار الغبار والسحاب، ونحوهما، يثور ثورا وثورانا: انتشر ساطعا، وقد أثرته، قال تعالى: [فَتُثِيرُ سَحَاباً](الروم/48)... وثوّرَ شراً كذلك، وثار ثائرهُ: كناية عن انتشار غضبه... والثارُ هو طلَبُ الدم"([17]).
وقد وردت في (القرآن الكريم) إشارات إلى "ما يعنيه هذا المصطلح – الثورة – من تغيير عميق، ومن انقلاب في الأوضاع"([18]). قال تعالى: [إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ](البقرة/71)، فنفى عنها الله سبحانه الذل، بنفي الإثارة، لأنها "لو كانت تثير الأرض، لكانت الإثارة قد ذللتها... وإثارة الأرض: تحريكها وبحثها"([19]). وقال تعالى: [كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا](الروم/9)، أي: قلبوها للزراعة والحرث([20]). وقال تعالى: [فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً](العاديات/4)، أي: تثير الغبار([21]). وقال تعالى: [وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً](فاطر/9)، أي: تزعجه وتحركه([22]).
وقد وردت إشارات من هذا النوع في الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها الحديث الذي ترويه السيدة عائشة(رضي الله عنها)، حول هياج الأوس والخزرج: {فثار الحيان، الأوس والخزرج، حتى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت}([23]). وفي حديث آخر يتنبأ (صلى الله عليه وسلم) بفتنة عهد (عثمان) (رض): {كيف في فتنة تثور في أقطار الأرض، كأنها صياصي بقر}([24]). وكذلك أحاديث: {أثيروا القرآن، فإن فيه خبر الأولين والآخرين}، و{ من أراد العلم فليثوِّر القرآن}. "قال شمر: تثوير القرآن قراءته، ومفاتشة العلماء به في تفسيره ومعانيه"([25]).
وقد استخدم لفظ (الثورة) في الأدبيات الإسلامية، بمعناه المتعارف عليه، فهذا الإمام (ابن حجر) في (فتح الباري)، يكرر هذا اللفظ أكثر من مرة، في قوله - مثلاً-: "إن (يزيد بن الوليد)، الذي قام على ابن عمه (الوليد بن يزيد)، لم تطل مدته، بل ثار عليه، قبل أن يموت، ابن عم أبيه (مروان بن محمد بن مروان)... ثم ثار على (مروان) بنو العباس... ثم كان أول خلفاء بني العباس (أبو العباس السفاح)، ولم تطل مدته، مع كثرة من ثار عليه.."([26]).
على أن "مصطلح (الثورة) لم يكن هو المصطلح الشائع، في التراث الإسلامي، للدلالة على تلك المعاني الخاصة بمحاولة تغيير الوضع القائم. وإنما وجدنا مصطلحات أخرى شاركت مصطلح (الثورة) في الدلالة على تلك المعاني، أو على بعض منها، بل إن الواقع يثبت أن هذه المصطلحات كانت أكثر شيوعا في التراث الإسلامي للتعبير عن حقيقة الثورة"([27]). ومن هذه المصطلحات التي استخدمت في الأدبيات الإسلامية، للدلالة على معنى (الثورة): الخروج، والفتنة، والنهضة، والملحمة، والقيام، وهناك مصطلح (الانتصار)، الذي استعمل في القرآن الكريم([28]).
أما (الثورة) في المصطلح المعاصر، فقد كثرت تعريفاتها، بحيث نجد "أن هذا التعبير قد استخدم بمعنى مختلف، في كل الأعمال التي تدرس الثورة، بل إن بعض هذه الدراسات كانت تقدم تعريفات للثورة تختلف باختلاف أقسام الكتاب الواحد"([29]). " فقد عرفت الثورة مثلا بأنها تغيير الجماعة الحاكمة في المجتمع عن طريق العنف. ولا يتفق هذا مع تعريف آخر، يراها من حيث هي إبدال جذري للقيم السائدة في المجتمع"([30]). ويجمع تعريف آخر بين هذين الجانبين، إذ يرى إن الثورة هي: "وسيلة من وسائل القضاء على النظام السياسي القائم، عن طريق القوة، وإحداث تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي"([31]). وهو تعريف قريب من تعريف عالم الاجتماع الغربي المعروف (بيتريم سوروكين)، الذي يعرف التغيير الثوري بأنه "تغيير مفاجىء وسريع وعنيف نسبياً، للقانون الرسمي البالي للجماعة، أو المؤسسات، ولنظام القيم التي تمثلها"([32]). ويعرفها آخر بالقول: "الثورة (revolution) هي التغيرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، وهذه التغييرات تعمل على تبديل المجتمع، ظاهرياً وجوهرياً، من نمط إلى نمط آخر، يتوافق مع مبادىء وقيم وآيديولوجية وأهداف الثورة، ويتماشى مع فلسفة وطموحات وتطلعات قادتها ومهندسيها. والثورة قد تكون عنيفة، أو صامتة، دموية، أو سلمية، سريعة وفجائية، أو بطيئة وتدريجية"([33]).
ومن مجمل التعريفات السابقة نخلص إلى أن (الثورة) هي حركة كلية شاملة، تهدف إلى إحداث تغيير أساسي في كيان وتركيب المجتمع، وخاصة في المجال السياسي، وغالبا ما يتم هذا التغيير عن طريق استخدام العنف والقوة، من قبل قطاعات واسعة من الجماهير، تفقد خلالها السلطة الحاكمة سيطرتها على قسم هام من الأرض أو السكان، "وتتصارع عدة مجموعات، بما فيها الحكومة القائمة، للاستيلاء على السلطة المركزية"([34]).
ويشترط البعض للثورة – فضلا عما سبق ذكره - أن يكون لها نظرية للتغيير، أي أن تكون قائمة على أساس فلسفة أو آيديولوجية محددة. ويرى هؤلاء أن الثورة إذا فقدت أحد هذه العوامل أو الشروط، فإنها آنذاك لا تعود ثورة، بل قد تكون انتفاضة، أو انقلابا، أو انبعاثة([35]).
ومن هنا، فإن الباحثين في هذا المجال يكادون يتفقون على أن هناك مجموعة من الخصائص المميزة للثورات، يمكن إجمالها في:
1/ أنها حركات جماهيرية، يشترك فيها القطاع الأكبر من المجتمع، في مقابل قطاع أصغر؛ يكون عادة هو المستفيد والمسيطر على زمام السلطة.
2/إحداث تغييرات هامة وأساسية في نسق القيم والمعتقدات، وفي البنى والمؤسسات الرئيسية للمجتمع. وقد اعتبرت "عملية التغيير وإبدال نسق القيم ...عند الكثيرين، من أكثر سمات الثورة أهمية"([36]).
3/ رفض الحلول الجزئية، وغير الجذرية، للمشاكل، وعدم المهادنة والمصالحة مع النظام، في منتصف الطريق، والوصول إلى التغيير الشامل.
4/ التغيير السريع للنظام السياسي، ولمجمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تعتبر الثورات من "أكبر الأشكال جذرية وتطرفاً في إحداث عملية التغيير الاجتماعي، الذي يشتمل على جوانب كمية ونوعية، إلى جانب شموليته لكافة مناحي الحياة الاجتماعية"([37]). وقد كتب (أنجلز): إن الثورة تجعل أمة تمر، خلال خمس سنوات، على أرض تمر عليها في قرن بأكمله، في ظل ظروف عادية([38]).
5/ استخدام العنف والقوة في التغيير، ولقد "اقترنت الثورة ومفهومها بالعنف، وأن العنف يكون عنصرا تكوينيا بالنسبة لها"([39])، حيث إن "جميع الانقلابات الكبرى اعتمدت على العنف، الذي كان دائما يرافقها"([40]).
ومع أن هذه الخصائص تكاد تحظى باتفاق علماء الاجتماع، ولكنها لم تنج من انتقادات وملاحظات علماء آخرين، حيث يرى البعض أنه "على رغم حقيقة أن معظم منظري الثورة يميلون إلى جعل العنف شرطا ضروريا في الصياغة الثورية، فإن هذا لا يقدم لنا مفهوما خلواً من المشاكل ... فمفهوم العنف مفهوم غير دقيق، وافتقاره للدقة يثير عديدا من المشاكل"([41])، منها عدم اعتبار التغيير الجذري للمجتمعات، تغييرا ثورياً، إذا لم يحدث عن طريق العنف، في حين أن أعمال عنف تؤدي إلى تغيرات أهون شأنا من سابقتها، تعتبر ثورية، لأن النخبة الحاكمة تم استبدالها باستخدام وسائل العنف. كما أن هؤلاء ينفون أن تكون التغييرات الثورية مرتبطة بعامل السرعة في التغيير، فكثير من التغييرات الجذرية الكبرى في العالم، إنما حدثت بصورة بطيئة ومتدرجة. ويضرب هؤلاء مثلا على التغييرات الشاملة، التي حدثت ببطء تدريجي، وبأشكال بعيدة عن العنف، بثورات الأديان السماوية. ومن هنا كتب أحدهم يقول: "إن الفكرة القائلة بأن التغيير الاجتماعي تسببه حتما كارثة وثورة؛ تنشأ عن ازدياد التوتر في العلاقات الاجتماعية، لم تعد قائمة. إن التقدم الاجتماعي يحدث بصعود سهل تدريجي"([42]). ذلك "أن التغييرات الثورية تتم ليس بالضرورة عن طريق القوة والعنف"([43]). يقول عالم الاجتماع الروسي البروفيسور (بيتيريم سوروكين): "يعلمنا تاريخ التقدم الاجتماعي أن كل المكتسبات التقدمية الأساسية والحقيقية، كانت نتاج المعرفة والسلام والتضامن والتعاون والحب؛ لا نتاج الكراهية والحيوانية والصراع الجنوني، التي ترتبط حتما بكل ثورة كبرى"([44]).
ومن هنا ذهب علماء الاجتماع إلى أن الثورات - بالمعنى الحقيقي - قليلة، وأنَّ كثيرا مما يجري الحديث عنه على أنه ثورة، ما هو في الحقيقة سوى (انقلاب). والفرق الرئيسي بين الانقلاب والثورة، هو في كون (الانقلاب) استيلاء على السلطة، من قبل بعض أجهزة السلطة نفسها، حتى لو استعان هؤلاء بأفراد من خارج المؤسسات الرسمية، إذ العبرة بأشخاص وقادةِ الانقلاب، وكونهم جزءا من المؤسسات الرسمية، ويسخّرون مواقعهم فيها للقيام بالإطاحة بحكم قائم. وبذلك فإن الشعب يكون غائباً، أو مغيّباً، في عملية (الانقلاب)، على عكس (الثورة) التي يكون حضور الشعب، أو قطاعات واسعة منه، أساسياً، وفاعلاً([45]).

3/ الفتنة:
الفتنة مصطلح عربي إسلامي أصيل، كان معروفا عند العرب في الجاهلية، ولكن الإسلام شحنه بمعان جديدة، فقد قفز (القرآن الكريم) "بالكلمة العربية مجالات كبيرة في هذا المضمار، حمّل الكلمة معاني تفوق طاقة الاستعمال العلمي والعرفي، وخلق ظاهرا لغويا جديدا في نظام الكلمة العربية، أي حررها من قصورها الذاتي"([46]).
فإذا نظرنا إلى كتب اللغة والمعاجم، رأينا أن (الفتنة) لها معان عديدة. فهذا (ابن منظور) يقول في مادة (فتن): "جماع معنى الفتنة: الابتلاء، والامتحان، والاختبار. وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب، إذا أذبتهما بالنار، لتميز الرديء من الجيد... والفتْنُ: الإحراق، ومن هذا قوله عز وجل: [يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ] (الذاريات/13) أي يحرقون بالنار. ويسمى الصائغ: الفتان، وكذلك الشيطان... يقول ابن الأعرابي: الفتنة: الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة: الكفر، والفتنة: اختلاف الناس بالآراء، والفتنة: الإحراق بالنار... وقوله تعالى: [وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ] (البقرة/191)، معنى الفتنة هنا: الكفر، كذلك قال أهل التفسير... والفتنة ما يقع بين الناس من القتال. والفتنة: القتل"([47]). وقال صاحب (مختار الصحاح):" الفتنة: الاختبار والامتحان. تقول: فتن الذهب يفتنه (بالكسر) فتنة ومفتونا أيضا: إذا أدخله النار لينظر ما جودته، ودينار مفتون أي ممتحن. وقال الله تعالى: [إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات]، أي حرقوهم. ويسمى الصائغ: الفتان، وكذا الشيطان... وقال الخليل: الفتن الإحراق، قال الله تعالى: [يوم هم على النار يفتنون]. وافتتن الرجل وفتن فهو مفتون: إذا أصابته فتنة، فذهب ماله أو عقله، وكذا إذا اختبر. قال الله تعالى: [وفتناك فتونا]... وفتنته المرأة: دلهته، وأفتنته أيضا... والفاتن: المضل عن الحق"([48]). وتتكرر هذه المعاني ذاتها عند صاحب (مفردات القرآن)، حيث يقول: "أصل الفَتْنِ إدخال الذهب النار، لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسانِ النارَ، قال: [يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ](الذاريات/13)... وجعلت الفتنة كالبلاء، في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء... [ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً](الأنبياء/35)"([49]). و"هذا العدد الهائل لمعنى الفتنة، بلغ إحدى عشرة دلالة، نجدها متكررة في معاجم عديدة... يكرر كل واحد منها ما جاء في (لسان العرب)"([50]). "وقد اتفق كثير من علماء اللغة على أن جماع هذه المعاني هو الابتلاء. فالابتلاء أساس الحياة، وسنة الله في خلقه، لقوله تعالى: [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً] (الأنبياء/35)، وقوله: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيات وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ] (المؤمنون/30)... وأكثر فتنة المسلمين شدة، وأعظمها بلاء، هو تسليط بعضهم على بعض: [وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ] (الفرقان/20)"([51]).
 أما في القرآن الكريم، فقد وردت معاني كثيرة لهذه المفردة، أشرنا إلى بعضها خلال بحث المعنى اللغوي لها، فقد وردت بمعنى: الإغواء، والابتلاء، والاضطهاد، والإيقاع في التفرقة والخلاف، والعقاب، والكفر، والقتل([52]). "إلا أن أيّاً منها لم يشر إلى أن من دلالتها الاقتتال بين المسلمين باستخدام السلاح. وربما كانت الآية الكريمة: [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا] (الحجرات/9)، هي الإشارة الوحيدة التي وردت في القرآن الكريم، التي تتضمن معنى الاقتتال بين المسلمين"([53]).
وركزت كتب شرح الصحاح على "أن الفتنة تعني: المحنة، والفضيحة، والعذاب، والشرور"([54]). ويمكن استجلاء معالم الفتنة من خلال الإشارات الواردة حولها في كتب الحديث واللغة: ففيها يسل السيف على الأمة، وينتشر الكذب، وتكثر البلايا والمصائب، ولا يأمن الرجل جليسه، ويكثر الهرج، وينزل الجهل، ويرفع العلم، وتنتشر البدع والمحدثات في الدين، وتسود الأثرة والحنث، وتتغير فيها المعتقدات؛ فيصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، وتنتقض العهود والأمانات، والفتنة عمياء، كقطع الليل الأسود، تموج كموج البحر، تنقطع فيها السبل، وتنتشر الدهماء، ويسيطر الخوف على الجميع([55]). ومن اللافت للنظر أن ما عرف بـ(أحاديث الفتن)، تركز في جلها على تحذير المسلمين من (الفتنة)، والانخراط فيها، وتوجههم إلى الابتعاد عن مثيريها، والتبرؤ منهم([56]). وهي تنهى "مطلقا عن المشاركة المسلحة في الفتن، وما يدور فيها من الصراعات السياسية المسلحة"([57]).
وهكذا رأينا كيف أن لفظة (الفتنة)، اكتسبت معاني جديدة مع الاستعمال القرآني و(الحديثي) لها، فإذا كانت في الأصل المعجمي لها تعني: الاختبار، والامتحان، والحرق، فقد أغناها الاستعمال القرآني بمعان جديدة، تتجاوز هذه الحدود المعروفة والمألوفة، فأصبح محمّلا بمعاني (إيمانية) و(عقدية)، لم تكن من قبل معروفة. فـ(الفتنة)، هي صرف المسلمين عن دينهم، وفتنتهم في عقيدتهم([58]). وهي (الشرك). قال تعالى: [وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ] (البقرة/191)([59])، والضلال: [يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ] (الأعراف/27)([60])، وهي الابتلاء بالمال والأهل والولد: [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ] (الأنفال/28)، [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً] (الانبياء/35)([61]). والابتلاء هنا يتجاوز معنى الاختبار والامتحان، إلى معنى التمحيص والإعداد والصقل، ورفع الدرجات: [وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ] (آل عمران/154). ثم اكتسبت الكلمة معاني أخرى عند الفقهاء، فأصبحت تشير "إلى التشاجر بين المسلمين، وهي بهذا المعنى تأخذ صورة الإيقاع والتفرقة والخلاف والحرب الأهلية"([62]). جاء في (الفتح): "والمراد بالفتنة ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك، حيث لا يعلم المحق من المبطل"([63]). وجاء فيه: "عن الحسن، هو البصري، قال خرجت بسلاحي ليالي الفتنة... والمراد بالفتنة: الحرب التي وقعت بين (علي)، ومن معه، و(عائشة)، ومن معها"([64]). وهكذا أصبح مصطلح (الفتنة) مرتبطا "في أغلب الأحيان بالشر، لارتباطه بدلالات الهلاك والحرب والتقاتل"([65]). ولا عجب بعد ذلك "أن تترادف الفتنة مع دلالة البدعة؛ لما تجره هذه الأخيرة من تطاحن وعداء واستعمال السلاح، كما تترادف الفتنة وتقترن بظهور الفرق الباغية، المرتبطة بالانقسام، والخروج عن السنة"([66]). وليس اقتران الحرب والفرقة بمصطلح (الفتنة)، "مجرد انعكاس لحركة المجتمع، أو انعكاس لدرجة ارتقائه في التعامل مع الأحداث فقط، بل انعكاس لذاكرة الأمة، القائمة على ذلك الخوف العام من اندثار بيضة الإسلام. هذا الخوف الذي أصبح هاجسها الأول، جسدته الحروب التي خاضتها هذه الأمة: الجمل، صفين، نهروان، فخ، حرّة، كربلاء، إلخ..."([67]). ومن هنا اكتسبت (الفتنة) ذلك البعد العنيف والمأساوي، في الذاكرة الإسلامية، وأصبحت المرادف والبديل لمصطلح (الثورة)، مع أن (الثورة) تختزن في جذرها اللغوي الكثير من المعاني الإيجابية، على عكس (الفتنة)، كما رأينا آنفاً([68]). ومع أن التوجه العام استقر على تعريف كل ما يبدو مسببا للفوضى على أنه فتنة، ولكن التمييز ظل قائما بين الفتنة والثورة ، فـ"لم تكن كل ثورة فتنة، إذ ظل قائما ذلك المبدأ القائل: بأن من حق المسلمين وواجبهم أن يثوروا ضد الحكام الكفرة الفاسقين. مثل هذه الثورات يمكن أن تعد قتالا ضد الفتنة، لأن الفتنة ليست فعل الثورة (بذاته)، بل الهجوم الذي يمكن أن يهدد إيمان المسلمين، وهو هجوم يقوم به الحكام أنفسهم"([69])، كما كان حال المسلمين الأوائل مع فتنة (قريش).

4/ البغي:
(البغي) لغة يعني: التعدي. وبغى عليه: استطال. وكل مجاوزة وإفراط على المقدار، الذي هو حد الشيء، فهو (بغي). و(البغية): بكسر الباء وضمها: الحاجة. و(بغى) ضالته يبغيها (بغاء) بالضم والمد، (وبغاية) بالضم أيضاً: طلبها([70]).
وجاء في (مفردات ألفاظ القرآن) للراغب الأصفهاني: البغي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى، تجاوزه أو لم يتجاوزه... يقال: بغيت الشيء: إذا طلبت أكثر مما يجب، وابتغيت كذلك. قال عز وجل: [لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَة مِنْ قَبْلُ] (التوبة/48) ، وقال تعالى:[يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة] (التوبة/47). والبغي على ضربين: أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل... ولذلك قال سبحانه وتعالى: [إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ] فخص العقوبة ببغيه بغير الحق... وبغى الجرح: تجاوز الحد في فساده. وبغت المرأة بغاء: إذا فجرتْ، وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها. وبغت السماء: تجاوزت في المطر حد المحتاج إليه. وبغى: تكبر، وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، ويستعمل ذلك في كل أمر. قال تعالى: [يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ] (يونس/23)، وقال تعالى: [إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ] (يونس/23)... وقال: [فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي] (الحجرات/9). فالبغي في أكثر المواضع مذموم... وأما الابتغاء، فقد خص بالاجتهاد في الطلب، فمتى كان الطلب لشيء محمود، فالابتغاء فيه محمود، نحو: [ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ](الإسراء/28)، و[ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى](الليل/20)([71]). ويذكر (ابن عابدين) في حاشيته: إن "البغي في اللغة: الطلب، بغيت كذا، أي طلبته. قال تعالى حكاية: [ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ] (الكهف/64). ثم اشتهر، في العرف، في طلب ما لا يحل من الجور والظلم"([72]).
وقد وردت مفردة (البغي)، في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، بنفس معناها اللغوي. فقد وردت بمعنى العدول عن الحق، وبمعنى اتباع الظلم، والاتصاف بالكذب، والتكبر على الناس، والتعالي عليهم. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ] (يونس/23). [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ] (الأعراف/33). [وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ] (الشورى:39). ولا نجد في النص القرآني معنى "البغي بين الحاكم وفئة معارضة، بل بين فئتين مؤمنتين، يُطالَبُ الحاكم بفضّ النزاع بينهما سلمياً، وإلا قوتلت التي تبغي على الأخرى"([73]).
أما كتب الحديث الشريف، فقد كثرت فيها الروايات عن (الخوارج)، وبيان صفاتهم، والأمر بقتالهم. كما وردت أحاديث عديدة في التحذير من الوقوع في (البغي). ومن هنا نجد أن أغلب كتب الحديث تحوي على باب خاص تحت اسم (كتاب قتال أهل البغي)([74]).
وأما معنى البغي في الاصطلاح الشرعي، فهو: الامتناع عن طاعة من تثبت إمامته، في غير معصية الله، بمغالبةٍ، تأوّلاً([75]). وعرّف الحنفيةُ البغاة بأنهم: "قوم لهم شوكة ومنعة، خالفوا المسلمين في بعض الأحكام، بالتأويل، كالخوارج وغيرهم، وظهروا على بلدة من البلاد، وكانوا في عسكر"([76]). وقال المالكية: "البغاة هم الذين يقاتلون على التأويل، مثل الطوائف الضالة، كالخوارج وغيرهم، والذين يخرجون على الإمام، أو يمتنعون من الدخول في طاعته، أو يمنعونه حقا وجب عليهم، كالزكاة، وشبهها"([77]). وعرفه الحنابلة بقولهم: "وهم الخارجون على الإمام بتأويل سائغ، ولهم شوكة، لا جمع يسير... وإن فات شرط، فقطاع طريق"([78]).
والعنصر المميز لجريمة البغي عن غيرها من الجرائم، التي تقع ضد النظام السياسي، هو التأويل، واعتقاد القائمين عليه بصواب فعلهم، وأنه موافق للحق([79]). فضلاً عن ضرورة توفر الأركان الأخرى المشكلة لفعل (البغي)، وهي: الخروج عن طاعة الإمام الحق، وأن يكون هذا الخروج (مغالبة): "أي باستخدام القوة والغلبة ضد السلطة الشرعية"([80]).
وهكذا فمعنى (البغي) – الذي يعتبره الفقهاء جريمة سياسية، تمييزاً له عن جرائم الحرابة، وقطع الطريق- ([81])، من خلال تعريفه الذي تقدم، هو: خروج جماعة من المسلمين، ومجاوزتهم لحدّهم، إلى ما ليس لهم. أي: خروجهم عن طاعة الإمام الحق، وأن يكون ذلك بتأويل سائغ، مغالبة، أي باستخدام القوة والغلبة. ومن خلال هذا التعريف تتضح لدينا أركان جريمة (البغي)، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1-الخروج على الإمام الحق.
2-التأويل.
3-الشوكة، وإعلان القتال ([82]).
ومن هذه الشروط نفهم أن الفقهاء المسلمين ميزوا بين (البغي)، وبين غيره من (الجرائم)، التي ربما اشتركت معه في بعض الظواهر، مثل الردة، والحرابة، والخروج بدوافع العبث، والتخريب، أو الأحقاد والثارات الشخصية. يقول الإمام (بدرالدين بن جماعة): "فأهل البغي، هم: الخارجون عن طاعة السلطان، والانقياد إليه، بتأويل، وشوكة تمنعهم. وغيرهم: هم الذين يخرجون عليه، وليس لهم تأويل، ولا شوكة، أو لهم شوكة بلا تأويل، أو تأويل بلا شوكة، وأحكام القسمين مختلفة. فإذا خرج على الإمام طائفة من المسلمين، لهم شوكة ومنعة، وقصدتْ خلعه، أو تركت الانقياد لطاعته، أو منعتْ حقاً من الحقوق الواجبة، بتأويل أظهرته، ولم يقدرْ على ردّها إلى طاعته، إلا بقتالها، فهم البغاة... ولا يكفرون بالبغي، بل هم عصاة ومخطئون فيما تأولوه"([83]). ومن هنا أيضا تميز التعامل مع (البغاة) ببعض الأمور، التي لا نراها في التعامل مع الجرائم الأخرى، فـ "ليس للإمام محاربة الخارجين عليه، إلا بعد أن يستنفد كافة الوسائل التي يمكن أن تؤدي إلى الإصلاح... فإن قاتلهم، فقتالهم كدفع الصائل، دفاعاً يبدأ فيه بما يردعهم، لا ما يهلكهم، لأن المقصود تأديبهم وكسر شوكتهم، لا قتلهم وإفناءهم... وكذلك لا يقتل جريحهم، ولا يجوز قتل نسائهم وذراريهم، إلا إذا قاتلوا... ولا تؤخذ أموالهم، لأنها معصومة... وإذا ترك البغاة القتال لم يجزْ قتالهم"([84]). وهكذا فإننا نرى أن هناك تخفيفا في أحكام التعامل مع (البغاة)، لا نراه في أحكام التعامل مع المرتدين والمحاربين. "ذلك أن سبب خروج الأوائل شريف، هو ابتغاؤهم مصلحة الأمة، ويقال: اجتهدوا، ولو أنهم انتصروا ربما لقيل هم أهل العدل، فما داموا يهدفون إلى إرساء حكم الإسلام، فهم يتحدون مع حكومة العدل في الهدف"([85]). أي أن تأويلهم ما دام سائغا، أي له مبررات شرعية – في نظر أصحابه-، فإن ذلك يمنحهم نوعا من المعاملة الخاصة، تميزهم عن غيرهم من الخارجين بلا تأويل سائغ. بمعنى أن الفقه الإسلامي عرف تمييز (الجريمة السياسية) عن غيرها من الجرائم العادية، واعتبرها ذات (باعث شريف)، وعامل مرتكبيها معاملة خاصة.
 5/ المعارضة:
المعارضة في المعنى الاصطلاحي الحديث:
المعارضة :(opposition) هو"مصطلح يستعمل في القانون الدستوري، وفي علم السياسة، ويقصد به الأحزاب والجماعات السياسية التي تناضل للاستيلاء على الحكم... وتضم المعارضة الأشخاص والجمعيات والأحزاب، التي تكون معادية، كليا أو جزئيا، لسياسة الحكومة"([86]). أو هو: "ذلك الشكل من أشكال النظم السياسية، حيث تنقسم الحياة السياسية بين طرفين، أحدهما يكون في السلطة، ويطلق عليه (الحكومة)، والثاني يكون خارج السلطة، ويطلق عليه (المعارضة). حينئذ تكون دلالة اللفظ تتجه إلى ذلك التكوين الواقع خارج السلطة، أيّاً كان شكله"([87]). والمعارضة، بهذا المعنى، جزء من الحياة السياسية للدولة، إذ هي تمارَس ضمن الإطار الشرعي، والمؤسسات الثابتة لها. "غير أن المعارضة قد ترفض أحيانا النظام السياسي القائم، فتتمرد على قواعده وأصوله، مما يضفي عليها طابع التطرف"([88]). وآنذاك نكون أمام حالة من حالات العصيان السياسي، أو – على الأقل – الصراع السياسي، في الدولة.
وهذا المعنى الجديد والمعاصر، ليس مبتور الصلة بالمعنى اللغوي والمعجمي القديم للكلمة، سوى أنه قد اتخذ طابعا دستوريا سياسيا خاصاً، له آلياته ومؤسساته الخاصة.
(المعارضة) لغة:
 إذا ذهبنا نبحث عن المعنى اللغوي لكلمة (المعارضة)، في المعاجم اللغوية، فإننا لن نجد المعنى السياسي، المتبادر إلى الذهن اليوم، حاضراً. وذلك أن هناك تطوراً وتغيّراً قد طرأ على معنى الكلمة الأساسي، بفعل الاحتكاك بالغرب، والتأثر بحضارته، جعل المعنى المتبادر إلى الذهن، اليوم، من كلمة (المعارضة)، هو المعنى السياسي الغربي الشائع. وبالطبع فإن قواميس اللغة العربية، لا تكاد تعرف لفظة (المعارضة)، إلا في معناها اللغوي، الذي يدل على: المقابلة، أو بيع العرض بالعرض. ولو نظرنا إلى أي قاموس لغوي لوجدنا حديثا طويلا، وغنياً، عن معاني هذه اللفظة، ومشتقاتها، ولكنه لا يقترب من المعنى السياسي المعاصر لها. فقد جاء في (لسان العرب) في مادة (عرض): "العرض: خلاف الطول، والجمع أعراض ... وعرضت الشيء: جعلته عريضا... وقوله تعالى: فذو دعاء عريض، أي واسع، وإن كان العرض إنما يقع في الأجسام، والدعاء ليس بجسم... وعرض الشيء عليه، يعرضه عرضا: أراه إياه... وعرضت الكتاب، وعرضت الجند عرض العين: إذا أمررتهم عليك، ونظرت ما حالهم... ويقال: اعترضت على الدابة، إذا كنت وقت العرض راكباً... ورأيته عرض عين: أي ظاهراً عن قريب. وفي حديث حذيفة: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير، قال ابن الأثير: أي توضع عليها وتبسط، كما تبسط الحصير... وعارض الشيء بالشيء معارضة: قابله، وعارضت كتابي بكتابه: أي قابلته. وفلان يعارضني: أي يباريني. وفي الحديث: إن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضه العام مرتين. قال ابن الأثير: أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن، من المعارضة: المقابلة... والمعارضة: أي بيع العرض بالعرض، وهو بالسكون: المتاع بالمتاع، لا نقد فيه. يقال: أخذت هذه السلعة عرضا، إذا أعطيت في مقابلتها سلعة أخرى، وعارضه في البيع فعرضه يعرضه عرضاً: غبنه... والعارض: ما عرض من الأعطية... وفي الحديث: خمروا آنيتكم، ولو بعود تعرضونه عليه، أي تضعونه معروضا عليه، أي بالعرض ... وعرض الشيء يعرض، واعترض: انتصب، ومنع، وصار عارضا، كالخشبة المنتصبة في النهر، والطريق، ونحوها، تمنع السالكين سلوكها. ويقال: اعترض الشيء دون الشيء، أي: حال دونه... وعرض له أمر كذا: أي ظهر. وعرضت عليه أمر كذا، وعرضت له الشيء: أي أظهرته له، وأبرزته إليه... واعترض الفرس في رسنه وتعرض: لم يستقم لقائده... والعرض: ما يعرض للإنسان من الهموم والأشغال"([89]).
 ولكن لفظة (المعارضة) لفظة عربية على أية حال، وهي تحمل في أحشائها هذا المعنى السياسي المعاصر للكلمة، حيث إن من معانيها اللغوية: المقابلة، والمدارسة، والمتابعة، كما أن فيها معنى المباراة، والمحاكاة، والمحاذاة، فضلا عن معنى: المغالبة، والممانعة، فيها([90]).
 وقد تطورت دلالة اللفظة في الاستعمال الحديث، من هذا المعنى الحسي لها، إلى المعنى المعاصر الذي يشير إلى وضع معين في الحياة السياسية، أو غيرها، " كما صاحب ذلك أيضا رقي في الدلالة، فبعد أن كانت (المعارضة) تشير إلى الإبل (العلوق)، التي ترأم بأنفها، وتمنع درها، إذا بها تحظى بالاحترام في الأوساط الثقافية والسياسية، كدلالة عن حرية الرأي، واحترام كرامة الإنسان"([91]).
إن جماع مفردة (المعارضة)، في المعاجم اللغوية، تلتقي عند جوهر واحد، هو (المواجهة، والمخالفة، والمنع، والتحدي)([92])، وهذه هي الدلالة المركزية لهذا اللفظ. أما (الدلالة الهامشية) - وهي التي ترتبط باللفظ، بحسب ما يمر به من تجارب، تختلف من فرد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، وهي قابلة للتطور والتجدد، وتختلف بحسب التطور الذي يمر به المجتمع، والخبرات التاريخية التي تستجد لديه([93])-، فإنها قد تعرضت إلى تطور كبير، وتباينت من عصر إلى آخر، وصولا إلى العصر الحديث..
 ولقد كانت (المعارضة) فنا أدبيا معروفاً عند العرب، وهو ما أسموه بـ(المعاريض)([94]). كما أن لفظة (المعارضة) استعملت في عنوان كتاب لأحد أعلام التصوف المسلمين، وهو (سهل بن عبدالله التستري ت283هـ)([95])، واسمه: (المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوى في الأحوال)، وفيه يعرض آراء بعض الفرق، ويرد عليها من منطلق نقدي. و"مثل هذا الاستخدام المبكر للفظ، في مجال الفكر الإسلامي، بدلالته التي تعني النقد، والمراجعة، وإبداء وجهة النظر المخالفة، يوضح كيف أن (المعارضة) لفظ أصيل: لغوياً ودلالياً"([96]). ولو رجعنا إلى كتاب (التعريفات) للجرجاني([97])، لرأيناه يقول: "المعارضة لغة هي: المقابلة على سبيل الممانعة، واصطلاحا هي: إقامة الدليل على خلاف ما أقام الدليل عليه الخصم"([98]). وهذا التعريف للفظة (المعارضة) يقترب من المعنى المعاصر لها.
(المعارضة) في الفكر الإسلامي:
إن المتتبع لآيات القرآن الكريم لا يجد فيها لفظة (المعارضة)، ولا كذلك في السنة النبوية الشريفة.. ولكن ذلك لا يعني خلوهما من معاني ودلالات مفهوم (المعارضة).
ففي القرآن الكريم، نجد ألفاظاً أخرى، يدور معناها حول الاختلاف والمعارضة، ومنها: التنازع، الشجار، الجدل، المجادلة، والاختلاف. قال تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ] (النساء/59). وبذلك نرى أن الأمر الإلهي بطاعة الله، والرسول، وأولي الأمر من المؤمنين، لم يمنع من الإقرار بإمكانية وجود التنازع والاختلاف، ومن ثم وضع الضوابط اللازمة له. وفي قوله تعالى: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ] (النساء/65)، فكلمة (شَجَر) هنا تعبّر عن الاختلاف في الرأي، والتنازع([99]). وكذلك قوله تعالى: [ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ] (هود/119)، حيث نجد إقراراً بشرعية الاختلاف وحتميته.. فهذه الآيات، وغيرها كثير([100])، تبين أن الرؤية القرآنية تعاملت مع (الاختلاف في الرأي) كأمر بشري طبيعي، غير مستبعد الحدوث، ولم تفترض أن يكون المجتمع المسلم صورة واحدة، ورأياً واحداً([101]) .
وهكذا أيضاً، فإن المتتبع لأحاديث الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم)، لن يجد استعمالاً للفظة (المعارضة)، ولكنه لن يعدم أدلة على حضور (المعارضة)، وشرعية وجودها، من خلال سنّة النبـي، وسيرته. وهو ما يمكن الإشارة إليه، باختصار، فيما يلي:
*عن أبي الوليد عبادة بن الصامت (رض) قال: {بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً، عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول الحق أينما كنا، لانخاف في الله لومة لائم}([102]). فهناك إمكانية للمنازعة في (الأمر)، وقيام المعارضة، عند قيام أسبابها، بظهور الكفر البواح من (الحاكم).. كما أن الالتزام بقول الحق (أينما كنا)، هو التزام صارم بـ(معارضة) الباطل، أينما كان، ومن أية جهة صدر.
*عن حذيفة (رض) عن النبـي (صلى الله عليه وسلم) قال: {والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم}([103]). وهل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إلا نوع من أنواع (المعارضة)، واختلاف وجهات النظر؟! والحديث دعوة وتحذير من التهاون في شأن هذا الأمر، الذي إن ضاع، أو أهمل، كانت له آثار خطيرة على عموم المجتمع.
* عن أبي سعيد الخدري (رض) عن النبـي (صلى الله عليه وسلم) قال: {أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر}([104]). و"المعارضة، بهذا المعنى، تدخل أحياناً في مفهوم (أفضل الجهاد)، بمنطق هذا الحديث الشريف"([105]).
*وحديث أبي سعيد الخدري المشهور: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان}([106]). والتغيير باللسان هو (المعارضة) القولية، التي هي درجة مطلوبة شرعاً في تغيير المنكر..
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي – في مجملها – تدل، "بطريق المفهوم، أن المجتمع الإسلامي لا بد أن يفتح المجال لمقابلة الرأي بالرأي، وإلا كيف يمكن أن يؤدي أفراد المجتمع هذا الواجب الشرعي"([107]).
ومن مجمل ما ذكرناه آنفاً، نستطيع القول: إن (المعارضة)، إذا كانت في الفكر السياسي الغربي المعاصر، مسألة (دَوْر) متناوَب، يقوم به في كل مرة فريق ما، بعد إجراء انتخابات حرة، يتبين بها فريق (الأغلبية)، التي لها الحق في أن تحكم، في مقابل فريق (الأقلية)، التي تتخذ دور المعارضة([108]). فإنها – عند بعض الباحثين في الفكر السياسي الإسلامي - ، ليست كذلك، بل هي تنطلق من منطلقات مغايرة، وتقوم على أسس عقدية وفكرية متكاملة. فالمعارضة، في الإسلام، هي مسألة موقف مبدئي، فهي "معارضة لكل ما يخالف الشرع"([109]). وهي تقوم على مبدأي: (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)، و(الشورى)([110]). إذ لما كانت التكاليف الشرعية ليست موجهة للمحكوم، دون الحاكم، ولا هي خاصة بطبقة، أو فئة، دون أخرى؛ فكل مسلم – ذكراً كان أو أنثى – مطالب بالالتزام بأوامر الشرع ونواهيه. ومن ثم فإن (الحاكم)، مَـَثلُهُ في ذلك مثل (المحكوم)، مطالب بالتقيّد بـ(الشرع)، وعدم مخالفته. بل إن (الحاكم)، ومن باب الأولى – بحكم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وبحكم السلطان الذي يتمتع به -، مطالب أكثر من غيره بالقيام بهذا الالتزام، ودون أن يعفي ذلك الأفراد – من جهتهم - من الوفاء بالتزاماتهم، والتصدي لواجباتهم، بما في ذلك مراقبة (الحاكم) نفسه، ومحاسبته، و(معارضته)، إن أخطأ، أو قصّر في أداء واجبه([111]). لما كان ذلك كذلك، فإن (المعارضة)، تكون متعيّنة كلما توافرت أسبابها، إذ إنها "ليست (دورا) أساسا، بقدر ما هي موقف يتخذه الفرد، بغضِّ النظر عن كونه حاكما أو محكوما، متى ظهرت دواعيه الشرعية، الممثلة أساسا في القيام بالشورى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"([112]).
ولكن هذا الفهم لمسألة الدور السياسي لـ(المعارضة) هو في الحقيقة فهم تراثي، يقيّد نفسه في حدود التجربة البشرية الإسلامية، كما أنه يخلط بين ميدانين، ميّزت بينهما التجربة النبوية، وهما ميدان (الدعوة)، وميدان (السياسة).. إذ إن اتفاق الأحزاب السياسية، في أي بلد، على احترام مبدأ تداول السلطة، واحترام حق (المعارضة) في العمل السياسي، هو أمر من أمور الإدارة (الدنيوية) - إذا صح التعبير-، وهو ميدان مباح، المؤمنون فيه عند شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً.. وليس يلزم من القول بوجوب الالتزام بفرائض وسنن الإسلام، وهو أمر لا بد منه لكل مسلم، حاكما كان أم محكوما، أن نقول بحرمة مثل هذا الاتفاق، طالما أنه في دائرة المباح. إن السياسة الشرعية تبيح مثل ذلك، بل توجبه، لما فيه من مصالح دنيوية للعباد والبلاد، وقد كشفت التجارب البشرية عن كون هذا اللون من التداول على السلطة، هو أحسن الطرق، أو أقلها سوءا، لإدارة الحياة السياسية بأقل الخسائر، فلماذا يكون ذلك محظورا، أو مكروهاً، أو محرَّماً، في الإسلام؟!.. وأين وجه التناقض بينه وبين واجب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وحقيقةِ أنّ المسلم مطالب بمعارضة كل ما يخالف الشرع؟!..

6/ السلطة:
الجذر اللغوي للفظة (سلطة) هو: سلط، وهو يعني: "القهر، وقد سلطه الله، فتسلط عليهم. والاسم: سُلْطة بالضم. السلط السليط: الطويل اللسان، والأنثى: سليطة، سلطانة... ولسان سلط سليط كذلك، ورجل سليط: أي فصيح حديد اللسان... وامرأة سليطة: أي صخابة التهذيب... السلط: القوائم الطوال. السليط عند عامة العرب: الزيت... السلطان: الحجة والبرهان... وقال الزجاج في قوله تعالى: [ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين]، أي: وحجة بينة. السلطان إنما سمي سلطاناً، لأنه حجة الله في أرضه. قال: واشتقاق السلطان من السليط، قال: السليط ما يضاء به، ومن هذا قيل للزيت: سليط... وكل سلطان في القرآن حجة... ولذلك قيل للأمراء: سلاطين، لأنهم الذين تقام بهم الحجة، والحقوق. وقوله تعالى: [وما كان له عليهم من سلطان]، أي: ما كان له عليهم من حجة... السلطان: الوالي، وهو فعلان، يذكر ويؤنث، والجمع: السلاطين. والسلطان: قدرة الملك... وقال الليث: السلطان قدرة الملك، وقدرة من جعل ذلك له، وإن لم يكن ملكاً، كقولك: قد جعلت له سلطاناً على أخذ حقي من فلان... وقال أبو بكر: السلطان قولان؛ أحدهما: أن يكون سمي سلطاناً لتسليطه، والآخر: أن يكون سمي سلطاناً، لأنه حجة من حجج الله... قال الأزهري: السلاطة بمعنى الحدة... وحافر سلط سليط: شديد... قال أمية بن أبي الصلت: إن الأنام رعايا الله كلهمو هو السليط فوق الأرض مستطر. قال ابن جني: هو القاهر، من السلاطة"([113]).
وجاء في (مفردات ألفاظ القرآن): "السلاطة: التمكن من القهر. يقال: سلطته، فتسلط. قال تعالى: [ولو شاء الله لسلطهم]. وقال تعالى: [ولكن الله يسلط رسله على من يشاء]. ومنه سمي السلطان... نحو: [ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطاناً]، [إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا]... وسُمِّي الحجةُ سلطاناً"([114]).
فـ(السلطة) إذاً، لغة، تعني: القهر والشدة، أو التمكن من القهر، أو الحجة. "ولا نجد في القرآن الكريم إشارة لكلمة (سلطة) بهذا المبنى – بصيغة الاسم من الفعل سلّط - ، ولكنا نجدها في صيغة الفعل مرات، والمصدر (سلطان) على الأكثر"([115]). ولم تستعمل هذه اللفظة في كتب الفقهاء والعلماء كمصطلح شرعي، ولا نجد لها ذكراً، عندهم، بهذا المعنى. على أننا نجد مصطلح (السلطان)، بمعنى وليّ الأمر، أو صاحب السلطة والقوة، متداولاً في كتب الفقهاء الذين كتبوا في الأحكام السلطانية، بل وفي كتب عامة الفقهاء والمفسرين المسلمين([116]). مما يدل على أن المعنى اللغوي قد وجد مصاديقه على أرض الواقع، وخاصة أن لفظة (السلطان) أخذت تطلق رسمياً على (الحاكم) الفعلي، أو من بيده مقاليد الحكم، منذ العصر العباسي الثاني، إلى جانب مصطلح (الخليفة)، الذي بقي ملازماً للخلفاء العباسيين.
أما مصطلح (السلطة authority)، اليوم، فقد أصبح علماً على (علم السياسة)، حتى قيل: إن علم السياسة هو علم السلطة([117]). ولفظة (السلطة)، وإن كانت عربية أصيلة، ولكنها قد حملّت اليوم بهذه المعاني الحديثة للكلمة، والتي وإن كانت لا تخرج في النهاية عن المدلول اللغوي للفظة، ولكنها بالتأكيد لا تقف عند تلك المدلولات.
ويمكن تعريف (السلطة authority)، حسب المصطلح السياسي المعاصر، بأنها: "المرجع الأعلى المسلّم له بالنفوذ، أو الهيئة الاجتماعية القادرة على فرض إرادتها على الإرادات الأخرى، بحيث تعترف الهيئات الأخرى لها بالقيادة والفصل، وبقدرتها وبحقها في المحاكمة وإنزال العقوبات، وبكل ما يضفي عليها الشرعية، ويوجب الاحترام لاعتباراتها، والالتزام بقراراتها. وتمثل الدولة السلطة التي لا تعلوها سلطة في الكيان السياسي"([118]). أو هي "شكل من أشكال القوة، التي توجه وتقود جهود وفعاليات الأفراد، نحو تحقيق الأهداف الخاصة والعامة للمجتمع"([119]). أو هي –باختصار-: القدرة على فرض الإرادة، سواء عن طريق العنف، أم بوسائل الإقناع([120]). والسلطة، في النهاية، هي مفهوم قانوني، يشير إلى القوة العليا التي تتمتع بها الدولة، ممثلة في أجهزتها ومؤسساتها، القادرة على ترجمة إرادتها إلى صيغ قانونية نافذة المفعول([121]).
و(السلطة)، كما يذهب علماء السياسة، هي ركن من أركان الدولة، إذ "لا دولة بدون هيئة حاكمة عليا، تفرض احترام التشريعات والتنظيمات، الضرورية لتحقيق الأمن والخير المشترك لأفراد الجماعة"([122]).
والسُلطة من منظار العلوم الاجتماعية،" تعني قدرة أشخاص، أو مجموعات، على فرض إرادتهم على الآخرين. إذ يستطيع الأشخاص ذوو النفوذ فرض قراراتهم، بوساطة إنزال عقوبات، أو التَّهديد بها، على أولئك الذين لا يطيعون أوامرهم أو طلباتهم. وتكاد السُّلطة تكون موجودة في كلِّ العلاقات الإنسانية، إذ يتمتع المعلمون بسلطة على الطلاب، وأرباب العمل على المستخدمين، والآباء على الأبناء، والأقوياء على الضُّعفاء، والدُّول القوية عسكريًا على الدول الضعيفة"([123]). فالسلطة، من هذا المنظار الاجتماعي، هي ظاهرة بشرية عامة، لا تقتصر على الدولة والحياة السياسية. "فالسلطة تولد وتنشأ أصلا مع نشوء الجماعة، وهذه الولادة والنشوء، ضرورة نابعة من طبيعة الحياة البشرية الاجتماعية. فالسلطة السياسية ظاهرة اجتماعية، لا يتطور وجودها خارج الجماعة، كما أنه لا أهمية للجماعة بدون سلطة"([124]).
وتختلف طبيعة ممارسة الدولة لهذه (السلطة)، من نظام إلى آخر، بحسب بناء، ووظائف، وآيديولوجية الدولة، وأسلوب الحكم الذي تتبعه. وبحسب الوعي السياسي، والقومي، الذي يتمتع به الشعب. ففي ظل الأنظمة الاستبدادية والقمعية، تميل النخبة الحاكمة، عادة، إلى استخدام القوة في تأكيد دورها، وسلطتها. بينما يضعف دور القوة، إلى حد كبير، في الحكم الديمقراطي، الذي يعبر حكامه عن الإرادة العامة للمجتمع([125]).
 إن السلطة هي ثمرة الشرعية، إذ إنها ليست قهرا ماديّاً فحسب، بل هي تعتمد على مجموعة عوامل نفسية، واقتصادية، واجتماعية، وتاريخية. "وهي عندما تتحول إلى نوع من القهر المادي فقط، إنما تكشف عن انحراف مرضي، ولا تنبىء عن الوضع الطبيعي للأمور"([126]).
 ومن هنا يأتي الحديث عن أهمية الشرعية بالنسبة للسلطة، فـ"الشرعية هي التي تخوّل الدولة استعمال القوة ضد المخالفين والجانحين والعصاة، ولولا هذه الشرعية لكانت قوة الدولة قوة تعسفية، ولكان استعمالها غير عادل، ولا منصف"([127]). إن احتكار الدولة لوسائل القوة والضبط، هو أمر لا بد منه، لتحقيق الاستقرار في النظام السياسي والاجتماعي. وهو أمر يأتي كنتيجة طبيعية للشرعية، وكثمرة من ثمراتها. فإذا ما أصاب شرعية السلطة خدش ما، لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك يكون مؤذنّاً بتراجع سلطة الدولة. إن شرعية (السلطة) هي التي تجعل الأفراد يخضعون لتعاليم وأوامر الدولة، وهي التي تمكّن الدولة من حكم المجتمع وتمنحها السيادة المطلقة. ومن دون هذه الشرعية "سيستحيل على الهيئة الحاكمة ممارسة السلطة، وفرض أوامرها"([128])، إلا إذا لجأت إلى فرض سلطتها بالقوة والإكراه، وهو أمر لا يستمر طويلا، لأن العنف المستخدم سرعان ما يولّد عنفاً مضاداً([129]). ومن هنا يأتي حرص الدول، والأنظمة السياسية، على الحصول على الشرعية والاعتراف من قبل المواطنين.
والآن، فإذا كانت السلطة ظاهرة ملازمة للاجتماع البشري، ولا سلطة من دون قوة، وإذا كان احتكار الدولة للسلطة، والقوة، بحاجة إلى التفويض والشرعية، فإن السؤال الذي يطرح هنا هو: ما مصدر شرعية السلطة؟
ولقد ذهب الباحثون في الشأن السياسي، إلى تقديم تفسيرات متعددة للمصدر الذي تنبع منه وتعتمد عليه السلطة. من أهمها: "أنها واقعة تتعلق بالطبيعة الإنسانية، أو أنها منحدرة عن الإرادة السماوية، أو الإرادة العامة، أو العقد الاجتماعي، أو الوعي الجمعي"([130])، أو غير ذلك. وفي العصر الحديث، فإن المصدر الأساس الذي تعتمد عليه السلطة في كسب شرعيتها هو (إرادة المواطنين)، أو (الاختيار)، حسب المصطلح الإسلامي([131]).

وفي الختام، فقد مررنا سريعاً على بعض المفاهيم والمصطلحات التراثية، التي لها صلة من نوع ما مع موضوعة (العصيان السياسي)، وهناك الكثير غيرها، ولا شك، ولكننا اكتفينا بهذا القدر، وبما يناسب الموضوع، الذي هو ظاهرة معاصرة، وتاريخية، بمعنى أنه ظاهرة ملازمة للحياة والمجتمعات البشرية، قديما وحديثا، ومن هنا أهمية الموضوع.

الهوامش:



([1]) ابن منظور، لسان العرب، ج2 ص249-254.
([2]) الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص145.
([3]) فروان، د. عبدالله أحمد، الخروج على الحاكم الجائر في الفكر السياسي الإسلامي، أوان للخدمات الإعلامية، د.م، د.ط، د.ت، ص106.
([4]) ربّاع، كامل علي إبراهيم، نظرية الخروج في الفقه السياسي الإسلامي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2004، ص15.
([5])أحمد، د. منظور الدين، النظريات السياسية الإسلامية، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، مصر، ط1، 1988، ص 204.
([6]) فروان، الخروج على الحاكم الجائر، ص106.
([7]) أحمد، د. منظور الدين، النظريات السياسية الإسلامية، ص55.
([8]) البغدادي، د.أحمد مبارك، دراسات في السياسة الشرعية عند فقهاء أهل السنة، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1، 1987، ص197.
([9]) فروان، الخروج على الحاكم الجائر، ص106. وانظر: أحمد، د. منظور الدين، النظريات السياسية الإسلامية، ص205.
([10]) يقول الإمام (ابن حزم): "وأما من دعا إلى أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وإظهار القرآن والسنن، فليس باغياً، بل الباغي من خالفه". ابن حزم، المحلى، دار الآفاق الجديدة، د.ط، د.ت، ج11 ص98 .
([11]) فمن خرج على الإمام، ولم يكن تأويله سائغاً، لم يعتبر باغيا، بل مفسدا في الأرض. وقد أوضح الإمام (النووي): إن" التأويل للبغاة إن كان بطلانه مظنونا فهو معتبر، وإن كان بطلانه مقطوعا به؛ فوجهان: أوفقهما، لإطلاق الأكثرين، أنه لا يعتبر، كتأويل المرتدين وشبهتهم". النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي(ت676هـ)، روضة الطالبين، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1985، ج10 ص51.
([12]) هيكل، د. محمد خير، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، دار البيارق، بيروت، ط2، 1996، ج1 ص146-147 . حيث يعرف المؤلف قتال الفتنة بقوله: "القتال غير المشروع بين طائفتين، أو أكثر، من المسلمين".
([13]) ربّاع، نظرية الخروج، ص16.
([14]) فروان، الخروج على الحكم الجائر، ص122.
([15]) ابن منظور، لسان العرب، م4 ص108-111.
([16]) صعب، د. حسن، الإسلام وتحديات العصر، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1979، ص63.
([17]) الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص84.
([18]) عمارة، د. محمد، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، دار نهضة مصر، القاهرة، د.ط، 1997، ص139.
([19]) القرطبي، الإمام أبو عبدالله محمد بن أحمد أبي بكر بن فرح القرطبـي، الجامع لأحكام القرآن، دار الشعب، القاهرة، ط2، 1372، ج1 ص453.
([20]) المصدر السابق، ج1 ص453.
([21]) المصدر السابق، ج20 ص158.
([22]) الزحيلي، د. وهبة، التفسير المنير، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط1، 1991، ج22، ص234.
([23]) رواه البخاري ومسلم وأحمد.
([24]) رواه أحمد. "صيص، جمع صصية، وهى: القرن. سميت بذلك لأن البقرة تتحصن بها، وكل ما يحصن به فهو صيصية... شبه الرماح التى تشرع فيها وما يشبهها من سائر السلاح بقرون بقر مجتمعة" الزمخشري، الفائق في غريب الحديث، ج2 ص323. "وقال الزجاج: الصياصي كل ما يُمتَنع به" لسان العرب، م14 ص474.
([25]) ابن منظور، لسان العرب، م4 ص110.
([26]) ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي(773-852هـ)، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، د.ط، 1979، ج13 ص214.
([27]) مصطفى، د. نيفين عبد الخالق، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، مكتبة الملك فيصل الإسلامية، القاهرة، ط1، 1985، ص240.
([28]) المرجع السابق، ص
([29]) كوهان، ا.س، مقدمة في نظريات الثورة، ص13.
([30]) المرجع السابق، ص15.
([31]) الجاسور، موسوعة علم السياسة، ص145.
([32]) الكيالي، موسوعة السياسة، م1 ص871.
([33]) الحسن، د.إحسان محمد، علم الاجتماع السياسي، ص217.
([34]) مجموعة مختصين، قاموس الفكر السياسي، ج1ص199.
([35]) البنا، جمال، تثوير القرآن، دار الفكر الإسلامي، القاهرة، د.ط، د.ت، ص6.
([36]) الأسود، د. شعبان الطاهر، علم الاجتماع السياسي، ص64.
([37]) المرجع السابق، ص67.
([38]) كرازين، يوري، علم الثورة في النظرية الماركسية، ترجمة: سمير كرم، دار الطليعة، بيروت، د.ط، 1975، ص81.
([39]) فروان، الخروج على الحاكم الجائر، ص122.
([40]) البيطار، د. نديم، الأيديولوجية الانقلابية، بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، بيروت، د.ط، 2000، ص43.
([41]) كوهان، مقدمة في نظريات الثورة، ص36.
([42]) كرازين، علم الثورة، ص80.
([43]) فروان، الخروج على الحاكم الجائر، ص123. إن (الإصلاح)، وليس الثورة)، هو منهج الأنبياء في التغيير. قال تعالى:[إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ] (هود/ 88). "فالإصلاح، هو الآخر، تغيير شامل جذري وعميق – كالثورة تماما - . وهو إنما يتميز عنها في الأدوات التي يتم بها التغيير، إذ في الثورة عنف وهياج لا يوجدان في أدوات الإصلاح... وفي الإصلاح تدرج قد لا ترضى عن وتيرته الثورات!". والفكر الغربي يميز ويفاضل بين الإصلاح وبين الثورة، فيخص الثورة بالتغيير الشامل والجذري، في حين لايعني الإصلاح عنده سوى الترقيع والحلول الجزئية. أما الإصلاح في الفكر الإسلامي فهو في معنى الثورة. انظر: عمارة، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، ص138.
([44]) كرازين، علم الثورة، ص17. يرى الأستاذ (جودت سعيد)، أن الثورات الغربية ارتبطت بالعنف والدماء، "أما الثورات الشرقية، فهي لا عنفية، وأعظمها وأكملها ثورة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) التي قامت على اللاعنف، وقامت على السلم والشرعية". ندوة (العالم) عن الإسلام والعنف، مجلة (العالم) اللندنية، العدد(495)، أغسطس 1993، ص31.
([45]) الغازي، د. إبراهيم عبدالكريم، الدولة والنظم السياسية، دار المتنبي للطباعة والنشر، أبو ظبي، د.ط، 1989، ص127.
([46]) حسن، غالب، الصراع الاجتماعي في القرآن، ص259.
([47]) ابن منظور، لسان العرب، م13 ص317-318.
([48]) الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر(ت721)، مختار الصحاح، تحقيق:محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، د.ط، 1995، ص205.
([49]) الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص 371-372.
([50]) الكبسي، د. محمد علي، الفكر السياسي العربي من التطور إلى المصطلح، دار الفكر، دمشق، ط1، 2006، ص20-21.
([51]) منجود، مصطفى محمود، الأبعاد السياسية لمفهوم الأمن في الإسلام، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1996، ص414.
([52]) أحمد، منظور الدين، النظريات السياسية الإسلامية، ص 202.
([53]) نوري، د. موفق سالم، العامة والسلطة في بغداد، دار الكتاب، الأردن، د.ط، 2005، ص121.
([54]) المرجع السابق، ص121.
([55]) المرجع السابق، ص122-123.
([56]) الكبسي، الفكر السياسي العربي، ص16.
([57]) أبو سليمان، د. عبدالحميد أحمد، العنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي، دار الفكر، دمشق، ط1، 2002، ص28. من المفيد الإشارة هنا إلى أن موقف الصحابة (رضي الله عنهم)، لم يكن واحدا تجاه الفتن، التي أطلت برأسها على عهدهم، وذلك لاختلاف تصورهم عنها، بحسب فقههم وعلمهم وتجربتهم الشخصية. ولكن العدد الأكبر منهم اختار موقف اعتزال الفتن، وكان ذلك توجها قويا بين صحابة النبي r . انظر في ذلك: الخليفة، د. حامد محمد، الإنصاف فيما وقع في العصر الراشدي من الخلاف، دار القلم، دمشق، ط1، 2004، ص64-68.
([58]) في قوله تعالى: [فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ](يونس/83)، يقول (الواحدي) في تفسيره: "أن يفتنهم: يصرفهم عن دينهم، بمحنة وبلية يوقعهم فيها". الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد (ت468هـ)، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، ط1، 1995، م1 ص506.
([59]) "أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى:[ والفتنة أشد من القتل] يقول: الشرك أشد" . السيوطي، الإمام عبدالرحمن جلال الدين، الدر المنثور في التفسير المأثور، دار الفكر، بيروت، ط1، 1983، م1 ص494.
([60]) يقول (الواحدي) في تفسير قوله تعالى: [لا يفتننكم الشيطان]، أي: "لا يخدعنكم ولا يضلنكم". الواحدي، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، م1 ص390.
([61]) "أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد(t) في قوله: [واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة]، قال: فتنة الاختبار، اختبرهم، وقرأ قول الله تعالى: [ونبلوكم بالشر والخير فتنة]. السيوطي، الدر المنثور، م4 ص50.
([62]) أحمد، د.منظور الدين، النظريات السياسية الإسلامية، ص202.
([63]) ابن حجر، فتح الباري، ج13 ص31.
([64]) المصدر السابق، ج13 ص32.
([65]) الكبسي، الفكر السياسي العربي، ص17.
([66]) المرجع السابق، ص17-18.
([67]) المرجع السابق، ص31-32.
([68]) صعب، د.حسن، الإسلام وتحديات العصر، ص63.
([69]) أسبوزيتو، جون، الإسلام والديمقراطية، فصّلت للدراسات والترجمة والنشر، سوريا، حلب، ط1، 2000، ص80.
([70]) الرازي، مختار الصحاح، ص24.
([71]) الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص55-56.
([72]) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر، بيروت، ط2، 1966، ج4ص 261.
([73]) العسكري، عبود عبدالله، أصول المعارضة السياسية في الإسلام، دار النمير للنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 1997، ص101.
([74]) انظر مثلا: المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري، كتاب قتال أهل البغي، ج2 ص162. مجمع الزوائد، كتاب قتال أهل البغي، ج6 ص225. سنن البيهقي الكبرى، للإمام البيهقي، كتاب قتال أهل البغي، ج8 ص141.
([75]) انظر: شاكر، د. كاوة محمود، آلية العلاقة بين السلطة والمعارضة في الإسلام، مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، العراق، أربيل، ط1، ص39.
([76]) السمرقندي، محمد بن أحمد بن أبي أحمد(ت539هـ)، تحفة الفقهاء، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405، ج3 ص157.
([77]) ابن جزي، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي(693-741هـ)، القوانين الفقهية، تحقيق:عبدالكريم الفضيلي، المكتبة العصرية، بيروت، د.ط، 2002، ص380-381.
([78]) ابن مفلح، أبو عبدالله محمد بن مفلح المقدسي(717-762هـ)، الفروع، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998، ج6 ص147.
([79]) فروان، الخروج على الحاكم الجائر، ص110. واشتراط التأويل لجريمة (البغي) يلقي عليها ظلالا سياسية، أو فكرية، فالجماعة التي تخرج متؤولة، يعني أن لديها أسبابها السياسية أو الفكرية التي تدفعها إلى النقمة على الحاكم، ومن ثم الخروج لمحاولة التصحيح بالقوة.
([80]) انظر: د. كاوة محمود، آلية العلاقة بين السلطة والمعارضة في الإسلام، ص127. فروان، الخروج على الحاكم الجائر، ص113.
([81]) انظر: غرايبة، د. رحيل محمد، الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار المنار للنشروالتوزيع، الأردن، ط1، 2000، ص284. د. كاوة محمود، آلية العلاقة بين السلطة والمعارضة في الإسلام، ص36 فما بعد.
([82]) انظر: غرايبة، الحقوق والحريات السياسية، ص285. د. كاوة محمود، آلية العلاقة بين السلطة والمعارضة في الإسلام، ص55 . أيضاً: هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، ج1 ص63.
([83]) ابن جماعة، الإمام أبو عبدالله محمد بن إبراهيم المشهور ببدر الدين(ت733هـ)، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تحقيق ودراسة: د. فؤاد عبدالمنعم أحمد، دار الثقافة، الدوحة، ط3، 1988، ص239-240.
([84]) زيتون، د. منذر عرفات، الجريمة السياسية في الشريعة الإسلامية والقانون، دار مجدلاوي، الأردن، ط1، 2003، ص141-142.
([85]) النداف، محمد زكريا، الأخلاق السياسية للدولة الإسلامية في القرآن والسنة، دار القلم، دمشق، ط1، 2006، ص430.
([86]) الكيالي، موسوعة السياسة، م6 ص231.
([87]) د. نيفين، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ص12.
([88]) الكيالي، موسوعة السياسة، م6 ص231.
([89]) ابن منظور، لسان العرب، م7 ص165-169.
([90]) انظر: د.نيفين، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ص9.
([91]) المرجع السابق، ص9 الهامش.
([92]) انظر: قميحة، د. جابر، المعارضة في الإسلام بين النظرية والتطبيق، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1998، ص51.
([93]) د. نيفين، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ص17.
([94]) وقد استعملت كلمة معارضة قديمًا للدلالة على المجاراة والمحاكاة في الشعر والنثر على حد سواء. فقد ورد في كتاب الأغاني أن أبا عبيدة والأصمعي كانا يقولان عن عدي بن زيد: "عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها". وفي العمدة قال ابن رشيق: "ولما أرادت قريش معارضة القرآن عكف فصحاؤهم الذين تعاطوا ذلك على لباب البر وسلاف الخمر ولحوم الضأن والخلوة" قصد بالمعارضة المحاكاة. الموسوعة العربية العالمية، الأصدار الألكتروني الأول، 2004، المملكة العربية السعودية.
([95]) د. نيفين، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ص10.
([96]) د. نيفين، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ص10.
([97])
([98]) الجرجاني، أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني(740-816)، التعريفات، دار الشؤون الثقافية، بغداد، د.ط، د.ت، ص121.
([99]) ابن منظور، لسان العرب، حيث يقول في مادة(شجر): " شجر بينهم الأمر يشجر شجرا تنازعوا فيه و شجر بين القوم إذا اختلف الأمر بينهم، واشتجر القوم و تشاجروا أي تنازعوا... وكذلك كل شيء يألف بعضه بعضا فقد اشتبك و اشتجر، وسمي الشجر شجرا لدخول بعض أغصانه في بعض" ج4 ص394.
([100]) انظر: عبدالحميد، د. محسن، حق المعارضة السياسية في المجتمع الإسلامي، دار إحسان، طهران، (د.ط)، 1994، ص23-27، حيث يورد المؤلف العديد من آيات القرآن الكريم للاستدلال بها على شرعية المعارضة في الإسلام، ويقول: "وإذا جمعنا إلى هذه الآيات آيات أخرى كثيرة في القرآن الكريم، لتحصل عندنا أن التعاون في الوصول إلى الرأي الأصوب، عن طريق الرأي بالرأي، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالأمر بالقسط، واجب شرعي كفائي. وأن تمكين هؤلاء من أداء واجبهم الشرعي، من واجبات أولي الأمر، وأن أية إعاقة مقصودة لأداء ذلك الواجب العظيم، مخالفة شرعية أكيدة"، ص27.
([101]) انظر: د. نيفين، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ص105.
([102]) أخرجه (البخاري) في الصحيح، باب كيف يبايع الناس الإمام، ج6 ص2633، رقم الحديث(6774). ورواه (النسائي) في السنن ، ج5 ص211، رقم الحديث(8688).
([103]) الترمذي، سنن الترمذي، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ج4 ص468، رقم الحديث(2169)، وقال: حديث حسن. وورد بألفاظ أخرى مقاربة عند: أبي داود، والبيهقي.
([104]) رواه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، ج4 ص124، رقم الحديث(4344). ورواه (الترمذي)، باب أفضل الجهاد كلمة عدل، ج4 ص471، رقم الحديث(2174)، وقال: حديث حسن.
([105]) عبدالحميد، د. محسن، حق المعارضة السياسية، ص30.
([106]) رواه مسلم .
([107]) عبدالحميد، د. محسن، حق المعارضة السياسية، ص31. وانظر: قميحة، المعارضة في الإسلام، ص75-80. المطيري، الحرية أو الطوفان، ص69-71. العوضي، أحمد، حكم المعارضة وإقامة الأحزاب السياسية في الإسلام، دار النفائس، الأردن، عمان، ط1، 1992، ص15-17.
([108]) (المعارضة)، في المفهوم السياسي الغربي الحديث، هي تعبير عن حرية (الأقلية) في أن تعارض، في مقابل حق (الأغلبية) في أن تحكم. انظر: نيفين، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ص29.
([109]) المرجع السابق، ص31.
([110]) المرجع السابق، ص28. وانظر: قميحة، المعارضة في الإسلام، ص69.
([111]) انظر: المرجع السابق، ص30.
([112]) المرجع السابق، ص30.
([113]) ابن منظور، لسان العرب، م7 ص320-322.
([114]) الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص238.
([115]) زين، إبراهيم محمد، السلطة في فكر المسلمين، الدار السودانية للكتب، الخرطوم، ط1، 1983، ص9.
([116]) اتفق المفسرون على أن كلمة (سلطان) لها معنيان، أولهما: القوة والقهر والغلبة، وثانيهما الحجة والبرهان. انظر: المرجع السابق، ص10.
([117]) الكيالي، موسوعة السياسة، م3 ص215.
([118]) المرجع السابق، م3 ص215.
([119]) الحسن، د. إحسان محمد، علم الاجتماع السياسي، ص139.
([120]) الطاهر، د. شعبان، علم الاجتماع السياسي، ص95.
([121]) الحسن، د.إحسان محمد، علم الاجتماع السياسي، ص141.
([122]) عبدالوهاب، د. محمد رفعت، الأنظمة السياسية، منشورات الحلبي الحقوقية، ، بيروت، د.ط، 2005، ص28. وانظر: محمد، د. محمد علي، أصول الاجتماع السياسي، ج2 ص127.
([123]) الموسوعة العربية العالمية، مادة (سلطة).
([124]) الكيلاني، عدي زيد، تأصيل وتنظيم السلطة في التشريعات الوضعية والشريعة الإسلامية، دار البشير، عمان، الأردن، ط1، 1987، ص15.
([125]) الحسن، د. إحسان محمد، علم الاجتماع السياسي، ص142.
([126]) إمام، د. إمام عبدالفتاح، الطاغية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، د.ط،1994، ص21.
([127]) الحسن، د. إحسان محمد، علم الاجتماع السياسي، ص153.
([128]) د. محمد رفعت، الأنظمة السياسية، ص29.
([129]) الحسن، د. إحسان محمد، علم الاجتماع السياسي، ص153
([130]) الأسود، د. صادق، علم الاجتماع السياسي، ص161.
([131]) انظر في مبررات شرعية السلطة: الحسن، د. إحسان محمد، علم الاجتماع السياسي، ص153. زين، إبراهيم محمد، السلطة في فكر المسلمين، ص66.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق