03‏/09‏/2015

قراءات سياسية/ النخبة الكوردية في ضيافة المسؤولين الترك

أحمد الزاويتي
غالبية من شارك في الوفد الإعلامي الكوردي، الذي ذهب إلى (أنقرة)، استجابة لدعوة رئيس الوزراء التركي، بدت عليهم الثقة التامة بأنفسهم، رغم ما أثير حولهم من ضجة، باعتبار أن الوقت لم يكن مناسبا لهذه الزيارة، وهذه اللقاءات، فلا تزال الطائرات التركية تغير على مواقع (حزب العمال الكوردستاني)، داخل إقليم كوردستان العراق، وهناك مدنيون قرويون من كورد العراق،
يسقطون من جراء ذلك. كان ذلك يراودني وأنا ذاهب باتجاه (أنقرة)، ومترقب - في الوقت نفسه- للزيارة السريعة، واللقاءات الكثيرة، والكلام الطويل..
في أول لقاء لنا، كان مع (ييالجين أوكدوغان)، نائب رئيس الوزراء التركي، حيث كان بادياً عليه التعب، إثر لقاءات كثيرة سابقة، مع أطراف تركية، بشأن تشكيل الحكومة التركية. جلس معنا، بعد أن صافحنا، فرداً فرداً، وتحدث عن كل ما أشرت إليه أعلاه، وقبل أن ينتهي ربما لم يتوقع أن جميع الوفد المؤلف من 24 صحفياً وإعلامياً كوردياً سيرفع يده للحديث والمداخلة، فبدأ من اليمين، ليتحدث الكاتب والصحفي (سمكو محمد)، الذي قال: "لغة الدبلوماسية هي التي تخدم السلام، الآن (حزب العدالة والتنمية) يواجه مشكلة سياسية، وكذلك مشكلة تشكيل الحكومة، قد يحتاج الحزب إلى التفاوض مع (حزب الشعوب الديمقراطي)، كمثال عليه أن لا يتهم (حزب العمال) بالإرهاب، إن كان فعلاً يريد حل المشكلة، لأنه لا يمكن أن تفاوض طرفاً تتهمه بالإرهاب، هذا خطأ سياسي، بالنسبة لنا هناك منظمة واحدة فقط إرهابية، وهي: (داعش). (تركيا) تحتاج أن تغيّر من لغتها السياسية، وتحاول جذب (حزب الشعوب الديمقراطي)، لا أن تكون مواقفها رد فعل لقرارات (قنديل)، وبذلك تهدم ما بناه". مداخلة (سمكو) أزالت من خاطري الكثير من الريبة والشكوك حول امتلاك النخبة الكوردية جرأة الحديث في المحافل الدولية، (سمكو) طمأنني كثيراً، وطمأن جميع أعضاء الوفد الآخرين، دون أن أنتظر ماذا سيرد (آوكدوغان) على كلام (سمكو)، فالمطلوب والمهم بالنسبة لي هو ما قاله (سمكو)، حتى جاء الدور على الناشطة والإعلامية (أمل جلال)، وهي الأنثى الوحيدة بين الوفد الكوردي، وأفادها ذلك في إعطاء الجميع مجالاً لها للحديث. قالت، رداً على نائب رئيس الوزراء التركي، عندما كان يردد كلمة (شمال العراق):
"إقليم كوردستان ضحى كثيراً للوصول إلى سلطة وكيان شبه مستقل، له برلمان وحكومة وسلطة قضائية، ورئاسة إقليم، أود أن ترد عليّ بصراحة: لماذا تسموننا بشمال العراق؟ أو مديرية؟ هذا نعتبره تصغيرا لنا، وعدم اعتراف بنا".
(أحمد داوود أوغلو) كان يختلف كثيرا عن (ييالجين أوكدوغان)، فقد جاء بشوشاً مبتسماً، وفي كلمته عرف كيف سيتحدث لجذب أنظار الوفد الكوردي، وعرف أي مصطلحات سيستخدم، ولم يكن المجال فسيحاً أمام الوفد الكوردي للحديث كثيراً، بعد (أوغلو)، كما كان أمام (ييالجين)، بحجة أن له اجتماعاً يجب أن يلتحق به، فاختير ثلاث من بين أربع وعشرين، والمحظوظة الأنثى (أمل جلال)، حيث اختارها (داوود أوغلو) للحديث، بعد عن انتهى المتحدثون الثلاث الرجال، باعتبارها المرأة الوحيدة بين الوفد، ليبدأ الحديث (عارف قورباني)، رئيس تحرير (موقع خندان)، كممثل عن الوفد، ليقول: "أشرتم في كلمتكم إلى تاريخ ما قبل مائة عام، وما بعدها، وأنت شخص عرفت عنك الاستراتيجية السياسية، الآن الزمن لا يرجع إلى ما قبل الأحداث، ولكن السياسة السليمة بإمكانها تصحيح مسار الأحداث. كنا في المائة سنة، التي ذكرت، أمام حملة إبادة جماعية في العراق، وهنا في (قصر جانكايا)، كانت تصدر فيه قرارات الإبادة الجماعية، وقرارات لاعتقال رجال كبار كـ(إسماعيل بيشكجي)، لكونه تحدث عن الكورد. ولكن نحن الآن، في نفس القصر، نتحدث عن الكورد وكوردستان والدولة الكوردية. نحن نتمنى أن نغيير من ذلك التاريخ، وأن يعيش جميع شعوب المنطقة بسلام، لكن كل هذا يحتاج إلى حل المسألة الكوردية في تركيا، وهذا لا يكون إلا بطرق سلمية"
(عارف قورباني) تحدث بذلك بهدوء وروية، وعرف كيف يدخل، وماذا سيطلب، وكان (أحمد داوود أوغلو) منتبهاً، مركزاً على الترجمة، ويكتب ملاحظاته، ويستمر (قورباني) قائلا:

"علينا جميعا أن نعمل من أجل ذلك، بدون الإفراج عن (عبدالله أوجلان) لا يمكن حل المسألةالكورديةفي تركيا، لذا أطلب منكم قرارا جريئاً، بأن تطلقون سراحه، أنتم كحزب العدالةوالتنمية واجهتم بجرأة التمييز العنصري في تركيا، وعملتم من أجل ذلك في البرلمان، وقلتم لا نستطيع أن نخرس أمام بكاء تلك الأم في (دياربكر)، والتي تبكي لابنها الذي قتل في الجبل، الآن أيضا عليكم أن تفرجوا عن (عبدالله أوجلان)، دون الخشية من العنصريين الترك، أنا متأكد من أنه بهذه الخطوة ستضع تركيا قدمها في طريق مرحلة جديدة، وسيأخذ مشروع السلام المنحى السليم". إذاً، زالت الريبة والشك لديّ من قدرة النخبة الكوردية في أن تقول ما تريد، وحتى الآن الأمور تسير وفق ما مرضي عنه، ليأتي الإعلامي (بوتان تحسين)، وهو من (مؤسسة باس) الخبرية، التي تصدر نسخ منها بالتركية، ولها فروع في (أسطنبول) و(أنقرة) و(ديار بكر)، ومركزها الرئيس في (أربيل)، وهي التي كانت قدر رتبت ونسقت بالاشتراك مع مكتب رئيس الوزراء التركي لهذه اللقاءات. فقد قال: "يجب على تركيا الاستمرار في العملية السلمية مع (قنديل)، والابتعاد عن استخدام خيار القوة، لأن أغلب ضحايا هذا الخيار هم من الأبرياء، ولا يختلف عندما يقتل طفل من (زاركلي)، عن قتل ابن الشرطي، الذي فقد والده، بعد العمليات الأخيرة". إذاً، هي الرسالة التي أداها الوفد الإعلامي الكوردي في (أنقرة) على أكمل وجه، لتقول تركيا ما تريد، ويقول الوفد الكوردي ما يريد، ويبقى أيهما سيغير من قناعة الآخر، والأمر يحتاج لزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق