عزيز غفور
إن الذي يدرس
علوم القرآن، وينظر إليها بعين النقد وعدم العصمة، يتبين له أنها بدلاً من خدمة القرآن
الكريم، والمساعدة على فهمه وتعظيمه، أصبحت مادة تؤول الى الشك وعدم اليقين في القرآن،
وصارت صيداً ثمينا للذين يزرعون بذور الضلال والشك في قلوب الناس.
إن ما أريد التحدث
عنه في هذا المقال ليس جميع المواضيع الضعيفة التي امتلأت بها صحف هذه العلوم، لأنها
كثيرة، ولكني بعون الله تعالى سأؤجل هذه المسائل إلى أوقات أخرى، وسأتحدث هنا عن واحدة
من هذه
المواضيع المشبوهة.. والتي هي محل للنظر والنقد، وهي: مسألة جمع القرآن الكريم.
إن كثيرا من
الروايات التاريخية تتحدث عن أن النبـي (صلى الله عليه وسلم) كان له كتّاب للوحي، وهذا
مما لا شك فيه. ولكن الذي هو محل للنظر، يكمن في بحثهم عن الكيفية التي جمعوا بها القرآن،
وأنها كانت بصورة عشوائية، لأن كلا من هؤلاء كان يكتب لنفسه.
فإذا كان من
المقرر أن يكون له سبعة –وهم يتحدثون عن حوالي ستين كاتبا- من كتّاب الوحي، فعليه يجب
أن تكون لهم سبعة نسخ من القرآن الكريم، أي لكل واحد نسخة خاصة، وأن هذه النسخ كانت
تعطى للنبـي (صلى الله عليه وسلم) حتى يحتفظ بها، تماماً كالأرشيف. أو أن يكون هؤلاء
جميعا قد كتبوا للنبـي نسخة واحدة من القرآن، فمن حظر أثناء نزول آية، كتبها في هذه
النسخة، وأضاف الآيات النازلة إلى النسخة الأرشيفية المحفوظة.
إذاً إن نسخة
النبـي (صلى الله عليه وسلم) من القرآن هي النسخة الأرشيفية الأصلية، التي لا اعتبار
لأي نسخة لا توافقها، وتعتبر استنساخاً عنها. إذ إن الروايات تتحدث عن أن هؤلاء الكتّاب
كانوا يكتبون نسخة لأنفسهم أيضا.
ثم عندما يتحدثون
عن جمع القرآن، ومع وجود تلك النسخة الأرشيفية الأصلية، لا يبقى معنى لما يقال من أنهم
نادوا في الأصحاب، كي يأتوا بما عندهم من النسخ، لينظروا ما عندهم من الآيات، التي
ليست موجودة في نسخة النبـي!!.. وذلك لأن نسخة النبـي (صلى الله عليه وسلم) - كما هو
واضح - هي الأصلية، وغيرها هي استنساخ لها.
ولكن لنستمع
إلى ما يقوله للناس علماء هذا العلم: كان للنبـي كتّاب للوحي، يتجاوز عددهم سبعة، إلى
ستين، أو أكثر، هؤلاء كتبوا القرآن لأنفسهم، وأعطوا نسخة مما كتبوا للنبـي، هؤلاء الصحابة
الكتّاب كان عندهم اختلاف في متن القرآن، فكان كل واحد منهم عنده ما ليس عند الآخر،
أو أقل من الآخرين، وكانوا في بعض الأحيان يتجادلون في قراءة أو (وجود) آية، أو عدم
وجودها؟!
ثم بعدما أرادوا
جمع القرآن، نادوا في الناس: أيكم عنده شيء من القرآن فليأت به، وجعل الناس يأتون بما
عندهم من القرآن على جريد النخل، أو الجلود والرقاع، بصورة مختلطة غير منظمة.. ثم جمع
(أبو بكر) (رض) ذلك في كتاب واحد، ورتب سوره. ثم في زمن (عثمان) (رض) لما أرادوا جمعه،
نادوا في الناس أيضاً، ليأتوا بما عندهم، وجمعوه كما جمع من قبل، وكان يجب لتثبيت أيَّ
آية من القرآن، أن يأتي صاحبها بشاهدين، ثم بعد ذلك تقبل منه.
حقا.. هل هذا
يقوي إيماننا بحفظ القرآن، أم يجعله يهتز؟؟ أتعجّب من جميع هؤلاء العلماء، كيف أنهم
رددوا كالببغاوات هذا الكلام، دون النظر إلى هذه التساؤلات:
1/ إن كان للنبـي
صلى الله عليه وسلم كتّاب للوحي، ألا يجدر بذلك أن يكونوا كتبوا له نسخة كاملة مرتبة..؟
فما فائدة هذ الكم من الكتاب إن لم يستطيعوا كتابة نسخة واحدة فقط..؟؟
2/ إذا كان على
هذا الرسول أن يبلغ القرآن، فما معنى هذه القطع المتقطعة؟؟ وما معنى أن يكتب كل شخص
لنفسه، ويقرأ قرائته الخاصة؟؟ فلماذا لا يذهب أحدهم إلى النبـي، ويقول له: يا نبـي
الله، هل هذه الآية هكذا؟!.. ولمّا يرجع النبـي إلى ربه، حتى يبدأ المراء والجدال والتجاذب!
3/ أليس مقررا
عند هؤلاء العلماء أن القرآن يجب أن يكون تلقيه من الرسول إلينا متواتراً، أي أن يكونوا
بحيث لا يسوّغ العقل تواطؤهم على الكذب عليه؟.. فما معنى قصة الشاهدين، والشهود الثلاثة،
والشاهد الواحد؟!
4/ أيوجد معنى
لهذا.. أن يكون القرآن نزل على النبـي، وهو المسؤول الأول بعد الله عن حفظه.. ثم بعد
وفاته يبحثون عنه في بيوت الناس، كي يجمعوه؟!
5/ إن جميع ما
يروى من كلام للبشر باسم القرآن، بمعنى: أنه كان من القرآن ثم نسخ، لا معنى له أبداً،
إلا التشكيك في مصداقية القرآن كـ(الشيخ والشيخة...) و(لو كان لابن آدم وادياً..)،
والروايات التي تتحدث عن وجود سور من القرآن هكذا وهكذا.. وحتى أنهم يتحدثون عن أنها
كانت تقرأ حتى بعد وفاة النبـي صلى الله عليه وسلم.!!
6/ مسألة اجتهاد
أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) في جمع القرآن، كلام فارغ أصلاً.. إن شيئا وعد
الله تعالى بحفظه، هل يحتاج جمعه في كتاب إلى التفكير، والانتظار، إلى أن يشرح الله
له الصدر؟! أم أن المسألة كاذبة من أساسها، وأن القرآن كان مجموعاً من قبل؟!..
7/ إن جميع الخلافات
التي وقعت في كيفية كتابته: فهذا يقول: أكتب هذه الآية هكذا، والآخر يقول: لا، هكذا
أكتبها!! هل تعلمون ماذا يعني ذلك؟؟ هذا يعني أن هذه الكتابة التي عليها الرسم القرآني
هي اجتهادية، وأنهم كتبوا حسب علمهم، وأهوائهم: ألف (الصلاة) و(الزكاة) بالواو، وكتبوا
اسم (إبراهيم) بالياء مرة، ومرة بدون ياء، وكتبوا كلمة (بأيد) بيائين، هكذا للتجميل...
إلخ، ألم يفكر أحد في مدى وكيفية جرأة (الصحابة) على قول أو كتابة شيء، باسم الله،
حسب أهوائهم؟!
إن ما قالوه
هو محل للشك، ويخلق الشك للعاقل. فما أدري كيف يجرؤون على أن يتحدثوا عن جمع القرآن
بهذه الصورة..؟؟
*** ***
حسب ما تقوله
روايات جمع القرآن الكريم.. فإن خمسين أو ستين كاتباً من كتاب الوحي، لم يستطيعوا أن
يكتبوا نسخة كاملة جامعة من القرآن للنبـي صلى الله عليه وسلم.. وحسب قولهم فإن النبـي،
الذي هو المسؤول الأول عن حفظ القرآن، لم يستطع أن يترك للمسلمين من بعده نسخة كاملة
من القرآن، حتى لا يضلوا بعده!!..
وحسب ما قالوا،
فإن جميع القرآن ليس متواتراً، وإن بعضاً منه جُمِعَ من ألسنة الناس، الذين أتوا به
مثنى وثلاث ورباع، يشهدون على أن ما معهم من الآيات هي من القرآن، وأنهم سمعوها من
النبـي، وإن لم تكن موجودة فيما نسخه كتاب الوحي..!
وحسب ما قالوا،
فإنه حتى أواخر عصر الصحابة، كان البعض منهم يشك في بعض آيات، أو سور، من هذا القرآن،
كالمعوذتين، وإن بعضاً منهم كان يعتقد بوجود سور من القرآن، كانت تقرأ حتى بعد وفاة
النبـي، لم تسجل فيما جُمع من القرآن!!؟..
هذا وهناك المزيد
من هذه المهاترات والروايات (الصحيحة)، العديمة المعنى والمبنى.. فما هو هذا التواتر
الذي يدعون؟!
وما هذه المهزلة
والاستهزاء بعقل هذه الأمة، من هؤلاء وشياطينهم؟! وما قلة الأدب هذه مع كتاب الله؟!
أترك جواب ذلك للذين يقولون بحجية رواية الآحاد، ووجوب الاعتقاد بها من المسلمين، والذين
هم مستعدون لتكفير المسلمين، والقول بردتهم، من أجلها؟؟
فما هو الحل..؟؟
إن خطأ (آلات
تسجيل الروايات)، يكمن في بحثهم داخل الروايات عن حجية القرآن.. أي إنهم لكونهم أخذوا
إيمانهم من الروايات، يظنون أن إثبات الحق يجب أن يكون عن طريق الروايات فقط، وإلا
فهو ليس بحقّ. ولهذا أرادوا أن يثبتوا، برواياتهم الكاذبة المفتراة، أن هذا القرآن
متواتر، ولا ريب فيه!!.. بمعنى آخر، أرادوا إثبات الحجة القوية: (القرآن)، بالحجة الضعيفة:
(الروايات)، ولم يفكروا في أنه إذا كان أساس حجية القرآن والتسليم به، مبنيا على الروايات
الآحاد، فذلك يعني أن حكمه يكون في الحجية كحكم الآحاد !!..
وخطأ هؤلاء،
هو أنهم أرادوا تحقيق القرآن، بمقياس موضوع في الأصل لتمييز الأحاديث الصحيحة عن الضعيفة،
مع أن هذا العلم، أو المقياس، يكون مفيداً في تحقيق الأحاديث فقط، وبسببه يقوى إيماننا
بصحة بعض الأحاديث.. ولكن هذا العلم ليس علماً لتحقيق القرآن!!..
لهذا، فإن الحل
يكمن في النجاة بأنفسنا من هذه الروايات، والقفز فوقها، كي نبحث في القرآن نفسه عن
جواب هذا السؤال: هل جُمِع القرآن في عصر النبـي (صلى الله عليه وسلم)، أم لا؟.. لأن
القول بتواتر القرآن لا يتحقق إلا بذلك، أي بأن يكون مجموعاً في حياة النبـي، لا بعد
وفاته. فإن أثبتنا تواتره، فإن ذلك يعني أنه وصلنا من النبـي (صلى الله عليه وسلم).
ولكن بعد ذلك
تبقى حاجتنا إلى دليل آخر، يثبت لنا أنه من عند الله أم لا.. ويجب أن نثبت هذا بدليل
آخر، وذلك بنفس المنهج الذي قلنا به، أي: أن نثبت من القرآن نفسه أنه من عند الله،
لا من الروايات..
فبذلك صارت المسألة
إثبات أمرين: الأول: إثبات التواتر، والثاني: إثبات كونه من عند الله.. ولهذا نتأمل
في القرآن بهذا الشكل:
أ/ هل القرآن
كلام الله؟
1/ لما نزل القرآن
الكريم تضرر منه الظلمة والخرافيون وأصحاب المصالح الشخصية، ولهذا أعلنوا الحرب عليه،
وعلى حامله.. قالوا: إن الذي جاء به هو كلام البشر.. وقالوا: إنه ساحر.. يعلمه بشر..
به جنة.. يقول الشعر.. مجنون.. مسته الجن.. أساطير الأولين اكتتبها.. يريد أن يتفضل
علينا.. لا يستحق أن يوحي الله إليه.. إلخ.. وأثبت التاريخ أنه لم يكن الرسول به أيّ
من هذه الأشياء.. فإن لم يكن به أيٌّ منها، فذلك يعني أنه بقي شيء واحد ليفسر ما جاء
به، وهو أنه من عند الله..
2/ ولما أصروا
على أن القرآن قول البشر.. تحداهم القرآن، لا أن يأتوا بقرآن من عندهم، بل أن يأتوا
بمثل هذا القرآن، أي شيئاً قريباً منه.. فلم يستطيعوا.. ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور
مثله.. فلم يستطيعوا.. ثم تحداهم أن يأتوا بسورة منه.. فلم يستطيعوا.. مع أن أصغر سورة
من القرآن هي (سورة الكوثر)، وتتكون آياتها من ثلاث آيات فقط.. أي لم يقدروا أن يقولوا
من عند أنفسهم ثلاث آيات.. والذين لم يستطيعوا أن يأتوا به، كان لهم الوقت الكافي للمبارزة،
وكانوا يحقدون على محمد، ورسالته، أي كان لهم دافع للمبارزة، وكانوا أصحاب قوة، ولهم
باع طويل في الأدب، والبلاغة، والكلام، بحيث لا تجد لما كتبوا إلى الآن مثيلا في أي
من البلدان، من الناحية الأدبية.. وكان القرآن بلسانهم الذي يتكلمون به، ويتمكنون منه..
ولكنهم عجزوا أن يكتبوا ثلاث آيات فقط مثل القرآن..
3/ إن جميع المجالات
التي تحدث فيها القرآن، ليس في آياته، أو إشاراته، شيء لا ينسجم مع العلوم العصرية..
فعلى سبيل المثال، في مسألة طبية، مثل مراحل نمو الجنين في بطن أمه.. لو كان هناك خطأ
علمي في القرآن، لكان كافياً لأن نقول عنه أنه ليس من عند الله.. وقس على ذلك بقية
ما فيه من مسائل، تتعلق بالفيزياء، أو الكيمياء، أو الطب، أو الجغرافيا، أو التاريخ...
إلخ، فلا تجد فيه شيئا مضادا لهذه العلوم..
4/ عدم وجود
الاختلاف بين آياته.. فلو كتب شخص عدة سطور في هذه السنة، فهناك احتمال كبير أن يغير،
في السنة المقبلة، شيئا من آرائه، بسبب أقل تغيير في حياته، أو مجتمعه.. ولكن القرآن
نزل في ثلاث وعشرين سنة، وطرأ عليه جميع هذه الظروف: ظرف الضعف، وظرف العزة والقدرة
للمسلمين.. ظرف الفقر، وظرف الغنى.. ظرف عبودية المجتمع للأصنام، وظرف عبودية المجمتع
لله، والتدين بالأديان السماوية.. ظرف عدم استجابة الناس للدعوة، وظرف الاستجابة لها،
وكثرة الأنصار.. ظرف شباب صاحب الدعوة، وظرف شيخوخته.. هذه الظروف، وكثير من الظروف
الأخرى، التي حدثت فيها تغيرات كبيرة وواسعة في مدة الثلاث والخمسين سنة من النبوة..
ولكن القرآن، مع مروره بجميع تلك الظروف، لا يوجد فيه اختلاف، ولا تعادي آية منه آية
أخرى. وهذا دليل قوي جداً على أن الله وحده هو القادر على هذا، بل إن كتابه صَلُحَ،
لا للثلاث والعشرين سنة من النبوة، بل لآلاف السنين من بعده، ويمكن بناء الحياة على
تعاليمه!!..
هذه بعض الأدلة
الواضحة على أن القرآن من عند الله. وهناك أدلة أخرى كثيرة، ولكنني اكتفيت بهذه الأربعة،
لكونها مذكورة في القرآن، ولم أذكر الآيات القرآنية كي لا أطيل على القراء، الذين يستطيعون
الرجوع إليها بسهولة..
ب/ هل جُمِعَ
القرآن قبل وفاة النبـي صلى الله عليه وسلم..؟؟
هذا السؤال يأتي
بعد إيمان المسلم بأن القرآن من عند الله، ولهذا قدمنا عليه السؤال الأول. وبهذا الصدد
نرجع إلى القرآن حتى نعلم ما يقوله لنا:
1/ يقول تعالى
في القرآن الكريم: {إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.. تأمل قوله تعالى: (جمعه)، الذي جاء
قبل لفظ: (قرآنه)، أي أن تسلسل نزول القرآن هو هكذا: نزل القرآن من عند الله، وأوحاه
(جبريل) عليه السلام إلى النبـي (صلى الله عليه وسلم)، ثم جُمِعَ إلى ما نزل من قبل،
وألحق بمكانه من قِبَل كَتَبة الوحي، ثم قُرئ على النبـي، من قِبَلهم، للاطمئنان على
دقة كتابته، وتسجيله جيداً، ثم طبقه النبـي بصورة عملية في حياته، حسب نوع المطلوب
منه.. وهذا واضح في أنه لم يخرج شيء من الوحي إلى الناس، قبل أن يُجمع مع ما نزل من
الآيات من قبله. وعلى هذا، فالقرآن جمع بعضه إلى بعض، في عصر النبـي (صلى الله
عليه وسلم).
2/ آية [الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
دِينًا] تدل على أنه، في زمن معين، قيل للمسلمين إن دينهم قد اكتمل، ووصل إلى كماله،
أي أنهم لا يحتاجون إلى شيء آخر من الوحي، بعد ذلك اليوم، وأن الوحي انتهى..
وأقول هنا: لو
لم يدر النبـي أن الوحي قد اكتمل، كان من الممكن أن تحدث إشكالات في عدم تسجيل بعض
آيات القرآن، أو ضياعها بعد النبـي. ولكن بعد علم النبـي بانتهاء نزول الوحي، فيجب
عليه عندها أن يسلم ما أخذه من الوحي من الله إلى الناس، لأن هذا ببساطة هو عمله، ومن
واجباته أن يوصله إلى الناس بكماله وتمامه، لأن الله تعالى قال له إنه سلمه القرآن
كاملاً، إذاً على النبـي أن يسلم ما تسلمه كاملا أيضا إلى الناس، بصورة يكون أوله وآخره
معلوماً لهم، ولا يتركه للأهواء والاجتهادات..
3/ آية: [ذَلِكَ
الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ]، تعني أن هذا القرآن هو الوحيد الذي يستحق أن يسمى بالكتاب،
وأنه لا ريب فيه.. ولكن الذي تحدثت عنه من جمع القرآن، كما تقول به الروايات، فيه من
الريب ما لا يخفى، ولكن القرآن لا ريب فيه، وهذا كاف لتكذيب الروايات، التي تتحدث عن
أن بعضاً من الصحابة كان في شك من فقدان بعض آيات، أو سور القرآن، أو زيادتها.. لأن
أقل شيء من الظن في آية من القرآن، يجعل من القرآن جميعاً محلاً للشك.. والشيء الوحيد
الذي يبطل هذا الشك، هو أن يكون هذا القرآن قد سلمه الرسول إلى الناس كاملاً تاماً
معلوماً.
وهناك شيء جدير
بالانتباه، وهو أنه علينا أن نتأمل في إشارة القرآن إلى نفسه بـ(ذلك)، و(هذا)، في أكثر
من موضع! وهذا أيضا دليل على تعيين وتمييز ما أشير إليه، وأنه موجود معين بالفعل.
4/ آية: [بَلْ
هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ]، القصد من الكتاب هو (اللوح المحفوظ)..
فإن كان الله، الذي لا يضل ولا ينسى، قد وضع نسخة من القرآن في اللوح المحفوظ، فكيف
بنبيه، وهو بشر، لا يستنسخ هذا القرآن، ويحفظه في مكان آمن؟!
5/ كون كلمة
(القرآن) بالألف ولام التعريف، يكون معناه كتاب معلوم من أوله إلى آخره. وهذا بالنسبة
للنبـي يكون بعلمه أنه كتاب له نسخة معينة، ومحفوظة عند الله، وينزل كل مرة شيء منه
حسب الوقائع.. وإن المهمة لهذا النبـي هو تبليغ وإيصال هذا القرآن المعلوم إلى الناس
دون إهمال.
وهكذا تسمية
القرآن بـ(الكتاب)، والذي معناه في اللغة العربية: الشيء المرتبط المشدود بعضه إلى
بعض، ومجيئ ذلك بالألف ولام التعريف، دليل أيضاً على فهمنا السابق.
6/ إن كان من
وظيفة النبـي إيصال القرآن كله إلى الناس، فهذا لا يتأتى ولا يصدق إلا بتركه للناس
من بعده كاملا في كتاب!.. في عصرنا الحاضر إن صدر أمر حكومي إلى الناس، فإنه لا يصبح
عليهم حجة، إذا أبلغت بعض فقراته لأشخاص، وقيلت الأخرى لأشخاص آخرين. ولكن إذا كتبت،
ونشرت جميع فقراته في جريدة يومية، فإن الناس يكونون ملزمين بما فيه، وليس لأحد منهم
أن يشتكي عدم تبليغه بالقرار، أو عدم سماعه.. وبنفس الصورة إذا كان - كما تقول الروايات
- من أن النبـي بلغ بعضاً من الآيات لذاك الصحابي، وبلغ بعضاً آخر لآخر، وهكذا وزعه
على الناس ليكتبوه.. فهذا حقاً لا يصبح حجة ملزمة لجميع الناس، ولهذا وجب مع هذا الفعل،
أو التبليغ، أن تكون هناك نسخة محفوظة، معينة منه، مكتوبة، كي يرجع الناس إليها، وينتفعوا
بها.
هذا، ويمكن أن
يكون لدى الآخرين أدلة على أن القرآن جمع في عصر النبـي، وبالأخص هناك مجموعة من الأحاديث
فيها إشارات إلى ذلك، ولكني أردت أن آتي بجميع أدلتي من القرآن الكريم..
سؤال مهم:
حتى إن قلنا
بأن القرآن وصل إلينا بالتواتر، يبقى هناك أن هذا الوصول إلينا، صار آحاداً عند النبـي
نفسه (صلى الله عليه وسلم)، أي أن الوحي جاء من عند الله إلى جبريل، ثم إلى النبـي،
فظهر لنا من النبـي وحده، وهو آحاد، ثم صار منه إلى الصحابة، ومنهم إلى غيرهم بالتواتر.
و بتعبير آخر: إن القرآن متواتر عند وصوله إلى الصحابة، لا قبله.. فكيف يكون حجة علينا؟؟..
ظاهر أن هذا الكلام موجه لمن هو ينظر إلى القرآن، ونقله إلينا، خارج دائرة الإيمان،
وإلا فإن المسلم يكتفي في إيمانه، أن يكون القرآن مسموعاً من النبـي.
وجواب هذا السؤال
هنا، يكمن في فهم ضرورة مجيء الرسل للبشرية، والإيمان بأن الله تعالى لا يعمل عملاً
ليس له نفع ولا معنى، وأنه لم يترك الإنسان هكذا لنفسه دون أن يرسل له الهداية.. وهؤلاء
الرسل كان معهم من الأدلة ما يثبتون به صدق نبوتهم، وهذه الأدلة سماها العلماء بالمعجزات..
فعلى سبيل المثال: عصا موسى، وإحياء عيسى للموتى، وهكذا الأنبياء الآخرون.. فماذا عن
محمد؟!
إن معجزة محمد
هي القرآن الذي أتى به، والذي تحدثنا عنه أنه تحدى الناس جميعا أن يأتوا بثلاث آيات
من مثله.. وهذه مسألة مهمة جداً، لأن الأنبياء معجزاتهم هي أدلة لإثبات صدقهم في ادعاء
النبوة، ثم إن نبوتهم كانت دليلا على صدق رسالتهم.. أي أن النبوة دليل على صدق الرسالة..
ولكن معجزة النبـي
محمد هي القرآن، والذي هو رسالته.. أي إن رسالته دليل على صدق نبوته!..
وهذا يعني أن
معادلة الإيمان بمحمد، ورسالته، هي عكس الأنبياء السابقين، ومختلفة عنهم. وهذا يظهر
لنا عظمة القرآن، بحيث إن القرآن يجعل من الناس يؤمنون بأن محمداً هو رسول الله..
وهذا اختلاف
كبير بين القرآن والكتب السماوية السابقة.. ومن هنا نصل إلى نتيجة مهمة جداً، والتي
بسببها نعلم كيف أن (آلات تسجيل الروايات) وقعوا في خطأ فكري وعلمي. وتوضيح ذلك، هو
أننا مع إيماننا بأن القرآن - الذي وصل إلينا متواتراً بما لا شك فيه - لا يحتاج في
الحقيقة إلى أن يكون متواتراً، حتى نثبت أنه من عند الله، وليس بحاجة إلى التواتر،
كي نثبت أنه هو القرآن الذي بلّغه، وأوصله إلينا النبـي محمد (صلى الله عليه وسلم)،
لأن صدق نبوة محمد نفسه قد أثبتت بالقرآن، فما حاجتنا إلى أن نأتي بالأدلة على صدق
نسبتها للنبـي محمد. وبتعبير آخر: إن شرعية محمد نفسه في نبوته أخذها من القرآن، كما
أشرت من قبل بأن هذا عكس الأنبياء الذين من قبله، حيث أخذت رسالتهم الشرعية من الرسل.
وهذا يعني أن
الكلام عن تواتر القرآن ليس له تأثير على صدق القرآن، وأنه من الخطأ أن نتحدث عن أي
ركن من أركان الإيمان، قبل الكلام عن صدق القرآن - من حيث المحتوى، لا من حيث وصوله
إلينا متواتراً- ويجب على المسلمين خوض الحرب الفكرية بالقرآن، وأن لا ينشغلوا بحروب
جانبية، لأن جميع أركان الإيمان تأخذ مصداقيتها وصدقها من القرآن. وهذا هو معنى قوله
تعالى: [وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا].
-----------------------------
(ملاحظة: الموضوع
حساس جداً، والكلام عليه أيضاً، فإن نسيت من الموضوع شيئاً، أو تركت منه شيئاً دون
جواب، فأرجو من الأحبة الكرام، والسادة المحققين، تنبيهي عليه بآرائهم، وتعقيباتهم..
وأقدم شكري سلفاً لجميع الأحبة)..
في الحقيقه انك كتبت واحسنت واعطيت ووفيت واستوفيت , وانها لرسالة عظيمة تستحق عليها الشكر والعرفات لما بذلت فيها من جهد فكري مستنير , فنسأ ل الله العظيم ان يعظم لك الاجر والثواب لك ووالديك , كما أسأل الله عز وجل ان ينفع بها جميع المسلمين خاصة ً , وجميع البشر عامتة ً.
ردحذفان كلمة ( سنة ) والتي اصطلح عليها على انها ( الاحاديث ) المسوبة زوراً لرسول الله , والتي جعلواها : قاضية ً على القران , وناسخة ً له , ومبينة ً له , وغير ذلك مما قالوا , لهي اكبر ضرةً وجهت الى الاسلام والمسلمين , والتي ادت لتمزق المسلمين واختلافه ثم ضعفهم ثم بُعدهم عن دينهم والذي جهلوه .
محمود مطير28 سبتمبر، 2015 6:15 ص
حذففي الحقيقه انك كتبت واحسنت واعطيت ووفيت واستوفيت , وانها لرسالة عظيمة تستحق عليها الشكر والعرفات لما بذلت فيها من جهد فكري مستنير , فنسأ ل الله العظيم ان يعظم لك الاجر والثواب لك ووالديك , كما أسأل الله عز وجل ان ينفع بها جميع المسلمين خاصة ً , وجميع البشر عامتة ً.
ان كلمة ( سنة ) والتي اصطلح عليها على انها ( الاحاديث ) المسوبة زوراً لرسول الله , والتي جعلواها : قاضية ً على القران , وناسخة ً له , ومبينة ً له , وغير ذلك مما قالوا , لهي اكبر ضربةً وجهت الى الاسلام والمسلمين , والتي ادت لتمزق المسلمين واختلافه ثم ضعفهم ثم بُعدهم عن دينهم الذي جهلوه .