سعد سعيد
الديوه جي
قرأت في العدد (153-154) من (مجلة الحوار) عنوانا أقل ما يقال عنه إنه غريب، و لا يمت للبحث العلمي أو التاريخي بصلة، للأخ (محمد واني)، و يقوم أساسا على وجود الاختلاف بين التيارات الإسلامية على مدار التاريخ، ليخلص إلى نظرية جديدة بأن "الإسلام بحاجة إلى إصلاح"، و الله تعالى يقول {إن الدين عند الله الإسلام}، و الذي تعهد بحفظه أساساً، من خلال حفظ القرآن الكريم {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، و عليه فالدين محفوظ من قبل الله، ولا يمكن أن تعتريه الزيادة أو النقصان، ولذلك فاختيار كلمة (إصلاح) كان اختيارا غير موفق لما يتعلق بمفهوم الإسلام، والله تعالى يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا}، فهل نصلح ما رضيه الله لنا؟!.
إن
الديمقراطية التي نتغنى بها صباحاً ومساءاً ما كانت لتقوم لولا وجود الاختلافات في
وجهات النظر في كل الأمور، و لا يخلو تيار فكري واحد - أكان دينياً أم دنيوياً- من
تشعبات و تيارات ثانوية، بمرور الزمن، نظراً لاختلاف مشارب الناس، وأفكارهم، ومصالحهم،
وتغيّر المفاهيم حسب الزمان والمكان. وعموماً فالاختلاف الذي لا يمس الأصول، ولا
يكون مدفوعاً بآراء تعصبية، أو أحقاد مبنية على مؤامرات مرسومة بدقة، لا يمكن
اعتباره إلا ظاهرة صحية، لا بل ومطلوبة بإلحاح.
إن
السقوط بهاوية التعصب الأعمى، الذي يكون انعكاسا لنفسية مظلمة، تتخذ من الاختلاف
منهجاً للانتقام، و تصفية الحسابات، يجب أن لا يدفعنا للتطاول على الإسلام، و
القول عنه بأنه بحاجة إلى إصلاح، والذي دفع (علي شريعتي) للتطاول أكثر بقوله بأن الإسلام
قد بلغ درجة الانحطاط !
إن الذين
يحتاجون للإصلاح هم فئات من المسلمين فهموا الدين الإسلامي فهماً معوجاً، عن قصد وغير
قصد، وخصوصاً أولئك الذين اتخذوا من بعض الحوادث التاريخية منطلقاً لعقائدهم وأفكارهم،
و تقوقعوا حول أفكار مبتدعة، ونسبوها للرسول (صلى الله عليه وسلم)، ثم اعتبروها
صماء لا تقبل النقاش، بحجة العصمة أو التواتر، مما لا مجال للخوض فيه.
إن
تاريخنا الفكري مملوء بمواقف التسامح والتفاهم والانفتاح على الآخر، و ليس من
الحكمة أن ندمغ تاريخنا بسطر واحد، بدءاً من الخلافات بين (علي) و(معاوية) (رض) ونفتح
المجال لـ(القاعدة) وأخواتها لتضليل الشباب، فذلك استخفاف بالتاريخ وبالدين معاً.
إن
سبيلنا لإصلاح الفكر الديني هو أمر واجب وحيوي، وليس إصلاح الإسلام، كما وقع في
هذا الفخ زميلنا (محمد واني). و في هذا الصدد يقول الإمام (مالك): "لا يؤخذ
هذا العلم (علم الدين) من أربعة، و يؤخذ ممن سواهم: لا يؤخذ من سفيه، و لا يؤخذ من
صاحب هوى، يدعو إلى بدعته، و لا من كذاب يكذب في أحاديث الناس، وإن كان لا يتهم
على حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة، اذا
كان لا يعرف ما يحمل ويحدّث به".. و هذه الأسس هي أهم الأسس لإصلاح الفكر
الديني، الذي ركب سفينته السفهاء والكذابون وأصحاب الهوى، ولا تكفي التقوى مع غياب
العقل.
إن حالات
التسامح وتقبل الآخر، بين فقهاء الأمة، كانت السمة الأعم في تاريخنا، والتي يذكر
منها الدكتور (طه جابر) في كتابه (أدب الاختلاف في الإسلام) الشيء الكثير، منها أن
(الليث بن سعد) لقي (مالكاً) في (المدينة)، فقال له إني أراك تمسح العرق عن جبينك،
قال له: عرقت مع أبي حنيفة، إنه لفقيه يا مصري، ثم لقي أبا حنيفة، و قال له: ما أحسن
قول هذا الرجل فيك (يشير إلى مالك) فقال أبو حنيفة : ما رأيت أسرع منه بجواب صادق،
ونقد تام!
وأخيراً،
إن التعميم الذي يصل إليه الأخ (محمد) أن الإسلام بحاجة إلى إصلاح، حاله حال جميع
المناهج الفكرية و التربوية التي تتعامل مع الإنسان، وتوجه مساره في الحياة، لهو
أمر عجيب وغريب عندما نضع الدين، وما يتصل به من معارف، على رف واحد مع مناهج
الفيزياء والكيمياء والرياضيات و .... و لله في خلقه شؤون!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق