04‏/10‏/2016

جدل الإيمان بين الصورة والحقيقة

سعد الزيباري
هناك بون شاسِع بين الصُورةِ والحقيقة، بين التخيّلِ والواقِع، بين الفكرِ والعمل، فما نراهُ في الصّور الجامدة لا يمثّل ماهيةَ الشيء وحقيقتَهُ الكامِلة، وما نتخيّله في تصوّراتِنا قد لا يُطابق الواقِع جُملةً وتفصيلاً، وشتّان بين الفكرِ والممارسة، وبينَ القولِ والعمل، فهناك - إذاً - مسافاتٌ شاسِعة واسِعة بين ما هو مُوجودٌ بالقوّة وما هو مُوجود بالفعل، ما هو ماديّ وما هو معنويّ، بين صورةِ الشيء وحقيقته! فما نراهُ من لدن مجتمعاتِنا اليوم، هو مجرّد ادعاءٍ أكثر مِمّا هو حقيقة شاخِصة في فعلٍ وعمل، وهذا الحكمُ على الشيء - وإن كان فرعاً من تصوّرهِ - ليسَ عامّاً ولا شامِلاً، ولكنّه مع ذلِكَ ينطبقُ على الكثيرِ من مُسلمي اليوم مِمّنْ توارثوا إسلامَهم عن آبائِهم وأجدادِهم، دون أنْ يعرِفُوا جوهرَ هذا الدِّين العظيم الذي يحمِلُونه في قلوبهم أو يدّعونه بألسنتهم، ودون أنْ يفهمُوا حقيقته كاملةً. فالدينُ لا يقتصرُ على أداءِ عباداتٍ جامدةٍ
جافّة لا روحَ فيها ولا حركةَ في تضاعِيفها، كما يتصورّهُ الكثير من مُسلمي اليوم، ممّن دشّنوا قطيعةً شبه كاملة بين أقوالهم وأفعالهم، بين أفكارِهم وممارساتِهم! فالعباداتُ في الإسلام لها مظهرٌ مادِّي برّاني، ولها جَوْهرٌ روحانيّ جوّاني، والجوهرُ هو هَدفُ هذهِ العبادات، ولكننا نسينا الجوهر وركّزنا على المظهر، فحياتُنا أصبحتْ غارقةً حقّاً بالمظاهِر الخادِعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، تلك المظاهر الزائفة التي بدأتْ تغطّي حياتَنا كلّها من البابِ إلى المحراب، كما يُقال!
وهذا الاهتمامُ المبالغ فيهِ بالمظاهر جعلنا جميعاً مُمثّلين دون أن ندّخر جهداً يُذكر في تعلّم التمثيل، ودون أنْ نعرِفَ الغايةَ التي وُضِعَ من أجلها، فكلُّ واحدٍ مِنَّا أصبح يمثِّلُ تمثيلاً في بيته، وفي مدرسته وكلّيته، وفي مكانِ عمله، فنحنُ نؤدِّي أدواراً مسرحيَّة في واقعنا. فكلامُنا هو عبارةٌ عَنْ نصُوصٍ تمثيليَّة لا غير، وحركاتُنا هِيَ حركاتٌ لا غائيّة من أجلِ إرضاءِ ميولِ الآخرين، في حين أنَّ غيرَنا مِمّنْ يعتنقُ إسلامَنا لا يعتنقه إلاّ عن رغبةٍ واقتناعٍ واعتقادٍ كامِل. هذا هو الفرقُ الجوهري بيننا وبين غيرِنا كتصنيف - لأنّ الإسلامَ لا يُفَرِّقَ بينَ مُعتنقيه،ِ مهما اختلفتْ لُغاتهم وتباينتْ ألوانُهم -، فهو يعرفُ قيمةَ الإسلامِ الذي اعتنقَهُ، لذلك تراهُ يبذلُ أغلى ما عنده من أجلِ دينه الذي اعتنقه بصدقٍ وإيمان، ويرى راحته في نُصرةِ عقيدتهِ التي لامَسَتْ شِغافَ قلبهِ وحرّكتْهُ لسلُوكِ كُلِّ الطُرقِ لنشرِ ما عندَهُ من قيمٍ ربَّانيَّة، بشَّر بها دينَه الإسلاميِّ الحنيف. فليسَ الإسلام عنده مجرّد سلُوكياتٍ جامدة لا معنى لها ولا مغزى من ورائِها، وإنّما هو عقيدة وحركة وتفاعُل وتميّز وحضارة، ووظيفة اجتماعيّة ومعرفية، فهو لا يختزلُ رسالةَ الإسلامِ إذاً في صُورةٍ مؤطّرة، كما هي عند الكثير من مُسلمي اليوم، وإنما يراها - كما رآها حسنُ البنّا رحمةُ اللهِ عليهِ - رسالةً امتدّتْ طولاً حتى شملت آباد الزمان، وامتدت عُرضاً حتى انتظمت آفاق الأُمم، وامتدّتْ عُمقاً حتى استوعبتْ شؤون الدّنيا والآخِرة([1]). ولكي نميِّز بين مَنْ عرفَ إسلامَهُ بوصفهِ صُورةً وظاهِرةً شكليّة، وبين من عرَفه بوصفه حقيقةً وجوهرةً معنويّة، نستشهدُ بأحدِ المواقِف المؤثّرة التي حصلتْ لمُسلمةٍ مُنقّبة، كانتْ تتسوّقُ في أحدِ أسواق (فرنسا)، وبعد اختيارِ سلعها وحاجاتها، التجأتْ إلى صندوقِ الحساب، وكانتْ تقفُ خلفه امرأةٌ مُتبرِّجةٌ مِنْ أُصولٍ عربيّة، فنظرتْ إلى المنقّبةِ نظرةَ استهزاء، ثمَّ بدأتْ تُحْصِي السِّلع، وتقومُ برميها بصُورةٍ غير لائِقة، لكنَّ المنقّبةَ لم تحرِّكْ ساكِناً، بل ظلّتْ هادئةً مِلْؤُها الوقار، الأمرُ الذي فجّرَ غضبَ تلكَ المحاسِبة العربيَّة، فلم تصبِرْ على ذلك، وقالت لها مُستفزّةً: لدينا في (فرنسا) مُشكلاتٌ كثيرة وأزماتٌ عديدة، ونِقابُكِ إحدى هذهِ المشكلات التي نعانيها، فنحنُ هنا للتِّجارة، وليسَ لعرضِ الدّينِ أو التاريخ، فإذا كُنْتِ تريدينَ مُمارسةَ الدّينِ، أو وضعَ النقابِ، فاذهبـيْ إلى وطنكِ، ومارِسِي الدّينَ كما تشائين. توقّفتِ المنقّبةُ عن وضعِ السِّلع في الحقيبة، ونظرتْ إليها نظرةَ إشفاق، ثُمَّ قامت بكشفِ النقابِ عن وجهِها، وإذا هي شقراءُ زرقاءُ العينينِ، وقالتْ: "أنا فرنسيَّةٌ أباً عن جَد، هذا إسلامي وهذا وطني، أنتُم بِعْتُم دينَكُم ونحنُ اشتريناهُ"! فتلكَ المرأةُ العربيّةُ قيَّمتِ المنقّبةَ مِنْ خلالِ مظاهرِها الخارجيّة، فالمظاهِرُ أصبحتْ هِيَ المعيارُ الأمثلُ والمقياسُ الأفضلُ لدى الكثيرِ مِنْ مُسلمي اليوم.
ومِنَ الرسُومِ السَّاخِرة التي أثارتْ فضُولي، كان منظرُ راهبةٍ مسيحيّة مُلفّعة بوشاحٍ أشبهُ بالحِجابِ مع راهِبٍ مسيحيّ، وفي الصُورة منظرٌ شخص يمرُّ خَلْفَهُما ويتصوَّر أنهما مُحجَّبتانِ، الأمرُ الذي دفعهُ للتعييرِ بهما، فلمّا التفتتا إلى الخلف، اعتذر إليهما، وقال: عفواً حَسِبْتُكما مُسلمتينِ. فالمظهرُ الخارجيّ إذاً كان هو المعيارُ النمطيّ الجاهِز لتقييمِ صُورةِ الآخَر، وهذهِ الصُورةُ النمطيَّةُ هي التي لا زالتْ تهيمنُ علينا في تقييمِنا لغيرِنا، وتجعلُنا نحكمُ على غيرنا سلباً أو إيجاباً. فما أحرى بنا أن نعيدَ الميزان الحقيقيّ والمعيارَ الصّادِق في أحكامنا التي نُطلقها جُزافاً على غيرِنا ليلَ نهار!
فنحنُ نرى لدى الكثيرين من مُسلمي الشرقِ شغفاً بالمظاهِر إلى حدِّ الاستغراق، فحياتهم غارقةٌ بالمظاهِر حتّى الثمالة، فصلاتُهم صارتْ جافّة جامِدة لا روح فيها، وزكاتهم أصبحتْ باباً واسِعاً للشُّهرة، وزيارتهم إلى الحجِّ والعُمرة تحوّلتْ إلى سياحةٍ لا ترى فيها آثار العِبادة، وصومُهم صار ميداناً للأكل الشَّرِه، أمَّا الجوهر فصار معدُوماً أو في حكم المعدُوم. أمّا القرآن، فقد هجرهُ المسلمون - كما يقول الشيخ سيِّد سابق - هجراً غير جميل، فأخذت تعاليمه تتقلّصُ مِنَ المجتمع شيئاً فشيئاً، حتّى لم يبق منه إلاّ آيات تردّد للتبرُّك والتغنِّي، واستنزال الرحمات. أمّا أنه عقيدة تهدي، وعبادةٌ تزكّي، وخلُقٌ سامٍ، وحكمٌ عادِل، ودستورٌ شامِل، فإنه لا يخطرُ لهم على بال، فجزاهم الله جزاءَ مَنْ أهمل كتابَه، وأعرضَ عن تعاليمه"([2])، - وإذا ما قرأُوه كانتْ قراءتُهم عابرةً وسريعةً دون تدبّر وتأمّل وتفكّر، على الرغم من أنّهُم يقرأون قولَهُ تعالى: [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا]([3]). ورُبّما يستمِعُون إلى قَوْلِ ابن مسعود (رضي الله عنه): "اقرؤوا القرآنَ وحرِّكُوا به القلُوبَ، ولا يَكُنْ همُّ أحدِكُم آخرَ السُورة"، ولكنّهُم على العكسِ مِنْ ذلِكَ قرأوا القُرآن قراءةً عابرة، لذا لمْ تتحرّكْ قلُوبهم، ولم تهتزّ مشاعِرُهم؛ وكيف تتحرّك وتهتزّ إذا كان همُّهُمْ آخِرَ السُّورةِ، وإذا كان دأبُهم الإكثار من ختمِ القرآن، دون فهمٍ وتدبّر واستبصار. وكان الأَوْلى بهم أنْ يقرأوا القرآنَ بتعقُّلٍ وتعمُّقٍ وتدبُّر للوصُول إلى التفسير الصحيح ومن ثمّ إلى التأويل السّليم، ذلِكَ التأويلُ الّذي يُسمَّى عند بعضِهم بـ"فهمِ الفهم"، أو "فنِّ تجنُّبِ سُوءِ الفهم"، أو "فَهْمِ الكلماتِ فَهْمَاً ثانياً"([4]). يقول (ابن عربي) في هذا المقام ما نصُّه: "ألا ترى أنّ العالِمَ الفَهِمَ المراقِبَ يتلُو المحفوظَ عندَهُ مِنَ القرآن؛ فَيَجِدُ في كُلِّ تلاوة معنىً لم يجدْهُ في التلاوةِ الأُولى، والحروفُ المتلوّة هِيَ بعينِها، ما زاد فيها شيءٌ ولا نقص، وإنّما الموطِنُ والحالُ تجدَّدَ، ولا بُدَّ مِنْ تجدُّده؛ فإنّ زمانَ التلاوةِ الأُولى ما هو زمانُ التلاوة الثانية"([5]). فالتأمُّل إذاً هو قرينُ الفهم، والفهمُ قرينُ التجرِبة، والتجرِبة هِيَ التي تقودُك إلى الحكمِ الصحيح. ولكي نحقّق هذا الغرضَ علينا أنْ لا نتلُوَ القرآن بالصُورةِ التقليديّة التي تكتفي بالقراءة السطحيّة العابرة، وإنما أن ندخلَ إلى الأعماق والمقاصِد والغايات. وتفيدُنا في هذا المقام تجرِبة الفيلسوف (محمّد إقبال)؛ عندما قال: "أشدُّ ما أثّر في حياتي نصيحةٌ سَمِعْتُها من أبي: يا بُنيَّ، اقرأ القُرْآن كأنّه أُنزل عليك"([6]). فعلينا أنْ نقرأ القرآن كما لو أُنزِل علينا، حينها نرى أشراقاتٍ روحيّةً وفتوحاتٍ ربّانيّةً ونظراتٍ معرفيّة، ونرى الروح في طُهرها وجمالِها وجلالِها، فنطلب المزيد والمزيد. وفي هذا المعنى قال أميرُ المؤمنين عثمان بن عفّان (رضي الله عنه): "لَوْ طَهُرَتْ قلُوبُكم ما شَبِعْتُم مِنْ كلامِ الله عزَّ وجلّ"([7])، ولوجدنا في القرآن في هذا الزّمان أمُوراً لم يجدها غيرُنا في زمانِهم؛ وذلِكَ لأنّ في القُرآنِ عِلْمُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ وَمَا مِنْ شيءٍ إلاّ وَيُمكنُ استخرَاجهُ منهُ، لِمَنْ فَهَّمَهُ الله تعالى، ولكننا لا ندخر جهداً في مُدارسةِ القرآنِ والتأمّل في آياته، وإذا ما اكتشفَ العلماءُ الغربيُّون أشياءَ في هذا الكون الفسيح الذي يحيطُ بنا، بناءً على الأبحاثِ العلميّة الجادّة والدراسات المعمّقة التي أنجزوها في سبيل اكتشافاتِهم، قُلْنا: إنّ هذهِ المكتشفاتِ موجودةٌ في القرآن الكريم، وهي حقّاً موجودة ومبثوثة في الوحي الإلهي، ولكن السؤال لماذا نحنُ لم نقدرْ على اكتشافِ ما هو موجودٌ في الكتاب الّذي بين أيدينا؟ لماذا نبخس النّاس أشياءَهم، لماذا لا نجتهد مثلما اجتهد غيرنا؛ فوطأوا سطح القمر، ولامستْ مَركباتهم ترابَ المريخ، ولا زالتْ أعينُهم مفتوحةً ترنو نحو الفضاء؛ لاكتشاف المزيد من أسرار هذا الكون الفريد! أمّا نحن فلا نجيد حتّى الآن السّيرَ على الأرض، نتمرّد على النظام، ونتحايلُ على القوانين، وهمّنا مراقِبة النّاس في حلّهم وترحالِهم، وأكل أجسادِهم بالغيبة، وتعييرهم بما يكرُهون، وتثبيطِ عزائِمهم، وتعزيز تقاعسهم، وتبرير ما نحنُ عليهِ من تخلّف وتراجُع حضاريّ بحجُجٍ واهية، ومن ثم تأويلهِ تأويلاً فاسِداً لا يستندُ إلى علمٍ أو دليل، ونحن مع ذلك ندّعي الإسلام، وقد اختزلناهُ في بعض العبادات التي نمارِسها بعيداً عن روحها وجوهرِها الحقيقيّ.
فنحنُ عالةٌ على غيرِنا، نأكلُ مِمّا يزرعونه، ونلبسُ مِمّا ينسجونه، وهذا ما أكّدَهُ (جبران خليل جبران) واصِفاً حالَ أُمّتِنا التي أخلدتْ إلى الأرض واتّبعت أهواءها؛ فقال: "وَيْلٌ لأُمَّةٍ تكثرُ فيها المذاهِبُ والطّوائِفُ وتخلُو مِنَ الدّين، ويلٌ لأُمَّةٍ تلبسُ مِمَّا لا تنسُج، وتأكلُ مِمّا لا تزرعُ، وتشربُ مِمّا لا تعصر، ويلٌ لأُمّةٍ تحسبُ المستبدّ بطلاً، وترى الفاتِحَ المذِلّ رحيماً، ويلٌ لأُمّةٍ لا ترفعُ صوتها إلاّ إذا مشتْ بجنازة، ولا تفخرُ إلاّ بالخرائبِ، ولا تثور إلاّ وعنقها بين السّيفِ والنطع. ويَلٌ لأُمّةٍ سائِسُها ثعلب، وفيلسُوفها مُشعوذ، وفنّها فنّ الترقيع والتقليد، ويلٌ لأُمّةٍ تستقبلُ حاكمَها بالتطبيل وتودّعهُ بالصّفير، لتستقبلَ آخَر بالتطبيل والتزمير"([8]). هذا هو ثمارُ ما أسماهُ (فهمي هويدي) بـ"التديّن المنقُوص" الّذي يعني به الفهم المنقوص للدّين: ذلِكَ الّذي يحصرُه أو يُحاصِره، إمّا في شكلٍ أو هيئةٍ بالمعنى التقليديّ المتعارف عليه، أي ذلِكَ الفهم الشكليّ الأُخروي للدّين - إنْ صحّ التعبير - الذي يعزلهُ عنِ دورةِ الحياة وهمُوم النّاس، ويعتبر الدّينَ علاقةً قلبيّة بينَ الإنسانِ وربّهِ، بوصفهِ أمراً يخصُّ الخالِق، ولا شأن لهُ بالخلق([9]). نعم، هذا هو التديّن الذي نراهُ ونعيشهُ يوميّاً في حياتنا، التديّن الفارغ من مضامين اجتماعيّة وفكريّة وحضاريّة، التديّن الذي يكتفي بالقشور دون الأعماق، التديّن الذي يفصلُ العبادة عن الحياة، والإيمان عنِ السلوكِ والعمل الصّالِح، ويتمعّنُ في الاهتمامِ بالمظاهر الشكليّة التي فقدت فعاليتها في عالم اليوم. لذا، فمشكلتُنا - بعبارةِ مالك بن نبـي - ليستَ أن نعلّم المسلمَ عقيدةً هو يملكُها، وإنما المهم أن نردَّ إلى هذهِ العقيدة فاعليتها وقوّتها الإيجابيّة وتأثيرها الاجتماعيّ". فالفهمُ المنقُوص للدّين هو حصادُ تربيةٍ إسلاميّة قاصِرة. لقد زرعْنا في ضمائِر النّاسِ وعقولِهم بذور الفهم الأُخروي أو الانسحابيّ عنِ الدنيا([10]). والأنكى من ذلِكَ أن جيلَ اليوم بدأ يبتعدُ رويداً رويداً عن الآخرةِ أيضاً، بعد أن ترك الدنيا لأصحابها وأصبح عالةً على غيره، يعيشُ منزوياً في زاويةٍ قصية عن همومِ المجتمع وحراكهِ الحضاريّ!
فالعُزلةُ الفكريّة - بتعبيرِ الشيخ محمد الغزاليّ - عنِ الكونِ هي انحرافٌ عنِ الخطِّ الإسلاميّ، وفرارٌ مِنْ تكاليفِ اليقظةِ الذهنيّة، التي فرضها علينا القرآن، بَلْ قد تكونُ طريق العجزِ عن مُقاومةِ الباطِل ومُؤازرةِ الحقّ([11]). هذا، وقد أثارَ الشيخُ الغزاليّ أيضاً سِجالاتٍ معرفيّة عن حاجتنا الحضاريّة إلى العلوم الطبيعيّة؛ فقالَ مُتسائِلاً: ترى أينَ العِلم الّذي يُحكم علاقتَنا بكتابنا وينقلنا إلى جوِّهِ الممدُود بينَ الأرضِ والسّماء؟ أينَ العِلم الّذي يقدرنا على أنْ نثيرَ الأرضَ ونُعَمِّرَها كما أثارِها وعمَّرَها غيرنا([12]). ومن هُنا وجب "كسرُ جدارِ العُزلة بينَ علُومِ الشريعةِ والحياة، وإعادةِ الدّم إلى شرايينها المتصلّبة، ومنحها الحيويّة والمرونة التي تمكّنها مِنَ التموضُع في قلبِ العصرِ، لا بعيداً عنه"([13]). إن مُعضلات العصر الحديث، ومُستجداته، تمثِّلُ تحدّياً مُلحّاً للعقلِ المسلم، وهي بمثابةِ اختبار لقُدرتهِ على الفاعليّة في صميمِ العصر، من خلالِ اعتمادِ الأصُول الإسلاميّة وتحكيمها: القُرآن، والسُنّة، والسّوابق الفقهيّة([14]). ويمكنُ القول: إنه كُلّما خمدت حركة الفقه في دينِ الله، زحفتِ العاداتُ والتقاليد والبدع لتحلَّ مكانه في حياة النَّاس، ذلك لأنَّ من شأنِ البشر أن يجعلُوا الدّين - الذي هو منهج ربانيّ مُطلق فوق الزّمان والمكان - واحِداً من عناصر ثقافتهم، بدل أن يكون الموجّه لتلك الثقافة والحاكِم عليها، وذلك ميسُور عليهم، ولا سيَّما حين تكون هناك بعضُ الملابسات بين العاداتِ وحقائِق الدين([15]).
ومن هنا فنحنُ أحوجُ ما نكون، كما يقول العلامة (أبو الحسن الندوي) - رحمه الله - إلى "حقيقةِ الإسلامِ والإيمانِ، للظفرِ بالحقائِق المبثوثةِ في العالَم. أمَّا صورةُ الإسلامِ وحدَها فهي عاجِزةٌ عَنْ قَهْرِ هذهِ الحقائِق والانتصارِ عليها، حتّى وإن كانت حقائِق مَمزُوجة بالباطِل، لأنَّ الصورةَ المجرَّدةَ لا تنتصِرُ على أيِّ حقيقةٍ"([16])، وقال أيضاً في موضعٍ آخر: "إنّ الصُورةَ لا تستطيعُ أن تسدّ مكان الحقيقة وتنوبَ عنها، ولا يُمكنها أن تمثل دور الحقيقةِ في الحياة وتأتي بهِ من عملٍ ونشاط.. ولا يُمكن أن تقاوِمَ الحقيقةَ وتكافِحها، فإذا وقعَ صِراعٌ بينهما انهارتِ الصُورةُ، ولا يُمكنها أن تحتمِلَ عِبء الحقيقة"([17]).
فشتّان إذاً بين صورةٍ جافّةٍ جامدةٍ لا روح فيها، وبين حقيقةٍ يمكن ترجمتها في حياتنا العامّة إلى صورةِ مواقِف نابضةِ بالحياةِ والحركة، وعامِرة بسلُوكٍ حيّ وشاخِص. فما نراهُ اليومَ بأعيُنِنا هو عبارةٌ عن حركاتٍ شكليَّة جاسِئة جامِدة، لا تلمسُ فيها حرارة الإيمان وطهارة التقوى، فالإيمان ليسَ لوحةً فنيةً تُعلّق على الجُدران، والإسلامُ ليسَ صُورةً أو يافطةً يُزيَّن بها الميدان، وإنما الإيمان عقيدةٌ وموقف وسلُوك، والإسلامُ هُوية وثورةٌ وتميُّز، والإيمان - كما يقول العلامة القرضاوي - ليس قولاً يُقال ولا دعوى تُدّعى، إنَّما هُوَ حقيقةٌ يمتدُّ شعاعُها إلى العقلِ فيقتنعُ، وإلى العاطفةِ فتجيش، وإلى الإرادةِ فتتحرّك وتحرِّك([18]). وكما جاء في الأَثر: "ليس الإيمانُ بالتمنِّي ولا بالتحلِّي، ولكن ما وقّر في القلبِ وصدّقهُ العمل"([19]). ومن هُنا ردّ القرآن الكريم على الأَعْرابِ على دعوى إيمانِهم، لأنّهُ لَمْ يتجسّد في أفعالِهم، وأنهم لا يعدّون مؤمنين، بقولهِ تعالى: [قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ]([20])، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ]([21]). ومن هنا يظهرُ لنا أنّ "إيمان الكثيرِ مِنّا - أفراداً وجماعاتٍ - بالقيم التي ندّعيها، لم يدخُلْ بعدُ شِغافَ قلُوبنا، والدّليلُ على ذلِكَ هو التناقض بين أقوالِنا وأفعالِنا، وعدم الاستعدادِ لدفعِ فاتورة الإيمان"([22]).
فما أحرى بنا إذاً أن نجعلَ صُورةَ إسلامِنا حقيقةً عمليَّةً تتحرّكُ شاخِصةً في أرضِ الواقِع، ونعيدَ صلتنا بجوهر ديننا الّذي يدعو إلى التعارُف والتكافُل والتواصُل، ويسهمُ في إعمالِ الفكر وإثارةِ الخيالِ، والسّيرِ في الأرضِ، والعروج إلى السّماء، ويمهِّد للخروج من أبراجنا العاجية والنزولِ إلى الحياة بهمُومها ومشكلاتها، والتحرُّر من أسرِ نزواتنا وأغلالِ أهوائِنا، التي لا زالت تعيق مسيرنا وتُبطّئ حراكنا الحضاريّ الفاعِل، وتمنعُ إشراقاتِنا الروحيّة والفتوحاتِ الربانيّة التي تثوِّر عقولنا وتعيدُ إليها فاعليتها وتحرِّرها من عزلتها التاريخيّة الخانقة! فهل بالإمكان - يا تُرى - لصُورِ التديُّن النمطيّ الموروث، وأشكالِ التعبّد العرفيّ المألُوف، أنْ تتغلّبَ اليوم على عاداتِنا وأعرافِنا وسلُوكياتِنا التي قد تناقِضُ جوهرَ الدّين القويم؟! وهل يمكننا أنْ نتحرّرَ مِنْ سُلطةِ الأهواءِ التي تأخذ بخناقِنا، وننعتقَ مِنْ قبضةِ الأيديولوجيّات السّاحِرة التي تتحكّم بوعينا، ونتخلّصَ من ربقة العاداتِ والتقاليد التي تطوِّقُنا، ونتجاوزَ الأفكارَ السلبيّة التي توجِّهُ عقولَنا؟ فنحنُ إذا رُمْنا جواباً لا يمكننا البتة أنْ نتخلّص من تراكماتِ تاريخنا السلبـيّ، ونتحرّر من ربقة الآبائية التي تطوِّق أعناقنا، ما لَم نرجع إلى جوهر إسلامِنا الحقيقيّ، ونجعلَ الإيمان في قلوبنا شُعلةً مُتّقدة توجِّهُ سلُوكنا نحو طريقِ الخيرِ والهداية، ونعيدَ إلى العباداتِ - التي نمارِسها ليل نهار - وظيفتَها الاجتماعيّة الغائيّة الغائبة. فـ"العباداتِ في الإسلامِ ليستْ هي الفرائِضُ وحدَها، إنّما كلُّ سلُوكِ المسلم وكلُّ فعلٍ نافِع يقومُ بهِ عبادةٌ، إذا خلصت فيه النية"([23]). ومن هُنا وجبَ على كُلِّ مسلمٍ أنْ يكون مِعْطاءً بقَدْرِ ما يستطيع، فَخَيْرُ النَّاسِ إلى الله أنفَعُهم للنَّاس، وأصبرُهم على أذى النّاس، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سرورٌ تُدْخِلُه على مُسْلِم، أو تَكْشِفَ عنه كُرْبة، أو تَقْضِي عنه دَيْناً، و(كلُّ معروفٍ صدقة)([24]).
وقمينٌ بنا أيضاً أن نتحرَّر مِنْ أُسارِ التبعيّة التي توَجِّهُنا إلى الخراب أو الأرض اليباب، وأن نمارس عباداتنا بصُورةٍ نقية صافية لا كَدَر فيها ولا غَبَش، بعيداً عن التقليد والتبعية التي ما أنزل الله بها مِنْ سُلطان، "فالعقيدةُ لا تُبْنى لا على تقليدٍ ولا على تبعيَّة، فالتقليدُ في أصلهِ مَرْفُوضٌ في العقيدة، ولو رجعْنا إلى كُتب التَّوحيد، لَوَجدْنا الحقيقةَ الأُولى هي أنّ العقيدةَ الصحيحةَ لا يُمكن أنْ تقلِّدها، ولا يمكن أن تأخذها اتّباعاً، ولا يمكن أن تقتبسها اقتباساً أعمى"([25]). والدليلُ على ذلك أن الخطابَ القرآني قد شدَّد الوصية بأولئكَ الذين يُقلِّدون آباءهم تقليداً أعمى، ويحذون حَذْوَهُمْ وإن كانوا على ضلالة، قال تعالى: [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا]([26]). فالباري عزّ وجلّ في مُحْكَمِ تنزيلهِ نَعَى على الكُفّار تقليدَهم لآبائهم، رافِضاً منهم مقولتهم التي لا ترتكحُ على سندٍ علميِّ أو دليلٍ عقلي، وهي: [حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا]، ومِنْ حُجج المكذبين أيضاً ما حكى الله عنهم: [وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ]([27]). وتؤكِّد هذهِ الآية - كما يقول الدكتور عبدالكريم بكّار - أن المترفين في الغالب هم الذين يُواجهون دعواتِ الرُّسل؛ وذلك لأنّ الرسالةَ السماويّةَ ستُحدث تغييراً في القيم السائدة، ومن ثم تمثلُ تهديداً مباشراً لمصالحهم ومكاسبهم، لذا كان جوابهم دائماً: أنّ ما تقوم عليه حياتهم الاجتماعيّة هو ما وَرِثوهُ عن آبائِهم وأجدادهم من الأعرافِ والعاداتِ والتقاليد، وما حياتُهم إلاّ استمرارٌ لحياةِ سلفِهم الذين يُفاخرون بهم. والخلفُ لا يكتفي عادة بالتلقِّي الأصمِّ عَنِ السلفِ، لكنه يُنشئ من الفلسفات والمقولات والخرافات ما يمنح ما ورثه - مِنْ تقاليدَ - صفة القداسة والاحترام، مِمَّا يجعلها مِحْوراً للمنظومات العقديّة والفكريّة والرمزيّة والتاريخيّة! وهذا كلّه طبيعي، لأنه في حالة اندراس معالم المنهج تُصبح السّوابق التاريخية هي المنهج، ومِنْ ثَمَّ كان من مهمّاتِ المصلحين وضع السّوابق التاريخية في إطارها الصحيح. وإذا كان المنهج الحق يسعى إلى تجديد ذوات مُعتنقيه، ونقدها، واستيعاب العظات والعِبَر من حياةِ الأولين، فإنّ الآبائية تعني تعطيل تراكُم الخبرة البشريّة وتقويمها، لأن ذلك يُخِلُّ بالمكانة التي أنزلوا آباءَهُم فيها([28])!
ومن هنا فالإنسانُ - حسب تعبيرِ النابلسي - مأمورٌ أن يتعلّم العِلْمَ الحق، والعِلْمُ "مقولةٌ مُطابقةٌ للواقِع، عليها دليل"، فإذا خالَفْتَ الواقِعَ فهذا هو الجهلُ، وإذا افتقرتَ إلى الدّليلِ، فأنتَ مُقَلِّد([29])، وإذا افتقرتَ إلى اليقين، فهذا هو الظنُّ، أو الشكّ، أو الوَهْم. فأنتَ بين شكٍّ، ووَهْمٍ، وظنٍّ، وتقليدٍ، وجهلٍ، ولَمْ يبقَ إلاّ العلم، وهو مقولةٌ مُطابقةٌ للواقِع عليها دليل. إنْ لم يكن لكَ الدليل، فأنت في دائرة التقليد، وإنْ لم يكنِ الواقِعُ، فأنتَ في دائرةِ الجهل، وإن لم يكنِ اليقينُ، فأنتَ في دائرةِ الشَكِّ والوَهْم والظنّ([30]).
وقمينٌ ذكرهُ هنا أنه "لَيْسَ كُلّ ما يرثه المرءُ عن آبائهِ وأجدادِه رديئاً - لأنه لا يوجدُ جيلٌ مختصٌّ بالرذائِل - لكن الرديءَ هو أن نفقُدَ القدرةَ على الحُكم على تلك الموروثات، ونُحلّها محلَّ القبُول والاقتداء! وإذا تأمّلْنا قضيّة التقاليد الموروثة وقبولها دون تبصُّر ولا تمييز، وجدناها واضِحةً في جوابِ المترفين للرسل، حين قالُوا لهم: [أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ]؟([31])، فكان جوابُهم: [إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ]([32]). وفي هذا الجوابِ القاطعِ الخالي مِنْ أيِّ تدليل أو بُرهان، توصيفٌ آخر للآبائية، وهو أنَّ التقليدَ، وإن بُني حولَهُ بعضُ الفلسفات التسويغيّة، إلاّ أنه يظلُّ مع الدليل والبُرهان على طَرفَيْ نقيض، فهو ظاهرة لا دليلَ لها سِوَى وجودها فحسب([33])!
ومن المظاهِر الموروثةِ أيضاً الحكمُ على الآخرين من غير دليل، أو الحكمُ بدليلٍ فاسِد. ومِنَ المواقِف الطّريفة التي يمكنُ أنْ نستشهدَ بها على مسألةِ الحُكْمِ على الآخرين بدليلٍ فاسِد، ما حكاهُ الشيخ (محمَّد حسَّان) بنفسهِ - عندما كان يحاضِرُ يوماً في السعوديَّة - وفي محاضرتهِ تلك كان يستشهِدُ كثيراً بسيِّد قطب - رحمه الله - فقالَ لهُ أحدُ الحاضرين: "لِمَ تستشهِدُ كثيراً بأقوالِ سيِّد قطب. إنّهُ فاسِق!"، فقالَ له: لماذا؟، فقال: إنه كان حليقَ اللحية، فأجابَهُ: "إن إسلامَنا بحاجةٍ إلى شعُورٍ حي لا إلى شَعْرٍ من دون شعُور". فالحكمُ على الآخرين بهذهِ الصُورةِ النمطيّة الجاهِزة التي عرضناها، يمثِّلُ ضَرْباً من ضرُوبِ التقليدِ الأعمى التي وقعَ في مطبّاتِها الكثير من مُسلمي اليوم، مِمّنْ يأخذون الأحكامَ دون إعمالِ العقلِ واعتمادِ المنطق. وهذا النمطُ من الأحكام نجدُه لدى أشخاصٍ يفكِّرُون بعقُولِ غيرهم، ويتحرّكُون بقيادةِ غيرِهم، وليسَ لهم إلاّ الحُكْم على الآخرين في ظلِّ محاكمهم الجائِرة ،التي توزِّعُ على النّاسِ صكُوكَ الغفران أو عهودَ الحِرْمان، فأثاروا بذلك صراعاتٍ عدوانيّة عنيفة بين طبقاتِ المجتمع الواحِد، فاحترقَ الجميع في محرقةِ حرُوبٍ أشعلُوها دون جدوى، وقدّم الجميع فاتورةَ ثاراتٍ جنونيّة مُفتعلة، انتهت بالخسرانِ المبين للخاسِر والمنتصِر. لذا، فعلى قادةِ الأمّةِ وعقلائِها أن يُعيدوا التوازن إلى ميزانِنا المختلّ، وأن لا يتركُوا النصُوص مُلكاً مُشاعاً لكُلِّ مَنْ هبّ ودبّ، يفسِّرُها تفسيراً بعيداً عن مقاصِدها، ويؤوِّلها تأويلاً فاسِداً بعيداً عن معانيها، وأن يعيدوا الصِلّة بين النصُوص والواقِع الّذي نعيشهُ؛ وذلِكَ لأنّ "النصُوصَ وحدها لا تصنعُ شيئاً، وأن المصحفَ وحدهُ لا يعملُ حتّى يكونَ رَجُلاً، وأنَّ المبادئَ وحدَها لا تعيشُ إلاّ أن تكون سلُوكاً.. ومن ثمَّ جعلَ محمّد (عليه السلام) هدفَه الأوّل أنْ يصنعَ رِجالاً لا أنْ يُلْقِيَ مواعِظَ، وأنْ يصوغ ضمائرَ لا أن يُدبِّج خُطباً، وأنْ يبنيَ أُمّة لا أنْ يُقيمَ فلسفةً"([34]).
فلا جدوى للأفكارِ مهما كانتْ قوّتها ومضاؤُها إنْ لم تتحرّكْ في أرضِ الواقِع، ولم تَكُنْ سلُوكاً ينفعُ العباد ويرتقي بالبلاد. وإلى هذا المعنى ذهبَ (سيّد قطب) بقولِه: "وما كانتِ الأفكارُ المجرّدةُ وحدَها لتعيشَ، وإنْ عاشتْ، فما كان لها أنْ تدفعَ بالبشريّةِ خطوةً إلى الأمام. كُلُّ فكرةٍ عاشتْ، قد تمثّلتْ بشراً سويّاً. وكُلُّ فكرةٍ عملتْ، قد تحوّلَتْ حركةً إنسانيّة. ولقدِ انتصرَ (محمّدُ بن عبدالله)، يومَ صاغ من فكرةِ الإسلامِ شخُوصاً، وحوَّلَ إيمانَهُمْ بالإسلامِ عملاً"([35]). فقوّةُ الكلمةِ من قوّةِ الفِكرة المكنونة فيها، وقوّتها من تطبيقها وتحقيقِها، فلا جدوى لفكرةٍ ليسَ من ورائِها عمل يُجدي النّاسَ في دنياهم وأُخراهم، وفي معاشِهم ومعادِهم، فالعملُ هو الميدانُ التطبيقيّ للفكر، والسلُوك هو الترجمانُ الموازي للتصوّر. ومن هُنا فـ"إنَّ أفكارَنا وكلماتِنا تظلُّ جُثثاً هامِدةً، حتَّى إذا مِتْنا في سبيلِها أو غذّيناها بالدِّماء، انتفضَتْ حيّةً، وعاشَتْ بين الأحياء. فإلى الّذين يجلسُون إلى مكاتبهم - يكدّون قرائِحَهُم، لينتقُوا اللّفْظَ الأنيق، ويُنَمِّقُوا العبارةَ الرنّانة، ويُلفِّقوا الأخيلةَ البرّاقة - أتوَجّهُ بالنصيحةِ: وفِّرُوا عليكُم كُلّ هذا العناء؛ فإنّ ومضةَ الرّوح، وإشراقَ القلب، بالنّارِ المقدّسة، نارَ الإيمان بالفِكرة.. هو وحدَهُ سببُ الحياة.. حياة الكلمات وحياة العبارات"([36]). فالكلماتُ الناريّة والعِبارات المجنّحة والأساليب المنمّقة، شأنُها شأن المظاهِر الشكليّة الجامِدة الفارِغة من مضامينها الغائيّة، إنْ لم تحملْ في أطوائِها مدلولاتٍ معرفيّةً تحرِّكُ طاقاتِنا الخامِدة، ولم تشتملْ في تضاعيفِها على قيمٍ جماليّة تُبهج الروح وتهذّبُ الضميرَ والوجدان. ومن هُنا فـ"إنّ السِرَّ العجيبَ ليسَ في بريقِ الكلماتِ ومُوسيقى العِبارات؛ إنّما هو كامِنٌ في قُوّةِ الإيمان بمدلُولِ الكلمات وما وراء المدلولات! إنّهُ في ذلِكَ التصميمِ الحاسِم على تحويلِ الكلمةِ المكتوبة إلى حركةٍ حيّة، والمعنى المفهُوم إلى واقِعٍ ملمُوس"([37]).
فالسلُوك هو الترجمان الحقيقيّ لإيماننا الذي ندّعيه دائِماً، فالسلُوك هو الذي يحبطُ الادعاءاتِ الكاذبةَ التي نتشدّقُ بها، والانتفاخاتِ الزائفةَ التي نتباهى دونها، فأخلاقُنا العمليّة في واقعِنا الحيّ هي المعيار الحقيقي للقيم التي ندّعيها أو نتحدّثُ عنها. فما أسهل أن نتحدّث عن القيم والأخلاق والمثل، ولكن ما أصعب ترجمة هذهِ القيم وتلك الفضائل في أرضِ الواقع الذي نعيشُ على ضِفافه، فما ينقصنا ليس الميراث القيميّ الزاخِر، وإنما بُعدنا، كحركة وسلوك، عن تلك النصُوصِ الحافِلة بالمثل والطّافِحة بالقيم والزّاخِرة بالفضائِل. لذا؛ فقد حقّ مَنْ قال: "لا تحدثني كثيراً عن الدّين، ولكن دَعْنِي أَرَى الدِّينَ في سلُوكِكَ وأخلاقِكَ وتعامُلاتِك"، فما أجمل أنْ نترجِمَ الإسلامَ في أفعالِنا وخصالِنا، وأن نتحدّث إلى النّاس بصفاتِنا حيّة شاخصّة، فالدّينُ المعاملة، وليسَ الدِّين المجادلة. و"الدينُ نفسهُ يؤكِّدُ التكامُل في التديُّن، فيربطُ العباداتِ بالمعاملات". قال تعالى: [إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ]([38]). وقال رسُول الله (صلّى الله عليهِ وسلّم): (مَنْ لَمْ تَنَهْ صَلاتُهُ عَنْ مُنْكَرٍ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إلاَّ بُعْدَاً)([39]). يقول (فهمي هويدي): "وإذا كان الحديثُ الشّريف قد أسقطَ اعتبار صلاة المسلم، إذا لم تنهه عن ارتكابِ الفواحِش والمنكرات، فقد يجوزُ لنا أنْ نستعملَ المنطِق النبويّ ذاته؛ لنقول: إنّ مَنْ لَمْ يمتثل دينه في أدائِه وخلُقهِ ومُعاملاتهِ فلا دينَ له([40]). فالتعبُّد إذا لَمْ يُتَرْجَم إلى مواقِف إيجابيّة في سلُوكِ المسلمِ كُلّه، فإنّه يفقدُ وظيفته ومعناه. وذلِكَ الفصلُ المتعسِّف بين تعبّد المسلم ومُختلف مُمارساتِه اليوميّة، هو في حقيقتهِ تفريغٌ للدّين من مضمُونه، وتحويلهِ إلى مجرّد مُمارساتٍ وطقُوس([41])، يمارِسُها الكثيرُ مِنَ المسلمين مِمّنْ جزّأُوا الدين؛ لينسجمَ مع مصالحهم وعاداتهم التي ما أنزل الله بها مِنْ سُلطان، "فإذا خرجُوا إلى السُّوقِ وزاولوا أعمالَهُم، وضعُوا تديُّنهم على الرّفِ، ليُسلم قيادَهم السوقُ القائِمة على الرِّبحِ وحدَه، فيستغلّون ثقة النّاس، ويحتكِرُون البضائِع أثناء الأزمات، ويتلاعَبُون بالأسعار من أجلِ كسبٍ مادّي عاجِل، دون التفكير في مدى مشروعيّةِ هذا الأسلُوب أو ذاك"([42])! وهذا ما أسماهُ (فهمي هويدي) بـ(التديّن المغشوش)، ذلِكَ التديّن الذي يُمارِسه المحترِفُون والمتاجِرُون بالتعاليم تضييعاً لحقُوقِ النّاس واستغلالِهم.
فما أجمل أن نعيدَ إذاً تلك الصلة المبتُورة بين نصُوصنا وبين واقعِنا، فنحنُ أبعدُ النّاسِ عن ترجمةِ هذهِ القيم في أرضِ الواقِع، فحياتُنا أصبحتْ كلّها عبارة عن نصائح ونصُوص ومقولاتٍ ومأثورات، ولكنّنا نعيشُ في وادٍ وهي في وادٍ آخر! وكأنّنا تحوّلنا حقّاً إلى ظاهرةٍ صوتيّة لا تتنفسُ بالحياة ولا تنبضُ بالحركة، وأصبحَ شأنُنا شأنُ "القذيفةِ التي قد تنطلقُ، كاملةَ العناصِر، تامّة القوّة، ولكنّها تقعُ بعيدةً عن مرماها، فتذهبُ هَدْراً، وما أكثر الخُطباء الذين يُرسِلون مِنْ أفواهِهم حِكَماً بالغةً تنطلقُ هُنا وهُناك، كما ينطلِقُ الرّصاصُ الطّائِش، لا يُصيبُ هدفاً ولا يُدْرِكُ غَرَضاً"([43]).
فما أحرى بالمسلمين اليوم أنْ يُقدِّمُوا إسلامَهُم من جديد بحالهم لا بمقالهم، وبخصالِهم لا بجدالهم، ولنا في تراثنا ما يُسعفنا في التدليل على ذلِكَ، فقد رُؤي (الجنيد البغداديّ) - رحمه الله - بعد موته، فقيلَ له: ما فعلَ الله بكَ يا أبا القاسِم؟ فقال: "بليتِ الرسُوم، وغابتِ العلوم، وانمحتِ العبارات، وطاحتَ الإشارات، وما نفعنا إلاّ ركيعاتٌ، كُنّا نركعها في جوفِ الليل". وقَالَ (عُمَر بنُ ذَرّ) لأبيهِ: يَا أبتِ! ما لَكَ إذا تكلّمْتَ أبكَيْتَ النّاسَ، وإذا تَكلّمَ غَيرُكَ لَمْ يُبْكِهِمْ؟ فقالَ: يَا بُنَيَّ! لَيْسَتِ النَّائِحَةُ الثَّكْلَى كالنَّائِحَةِ الْمُسْتَأَجَرَةِ([44]). فالنائحةُ التي فقدتْ ولدَها، تُمَزِّقُ بنياحها نياطَ القلُوب، وتستمطِرُ ببكائِها حرَّ الدمُوع، لكن النائحةَ المستأجَرة التي تنوحُ لا تُبْكِي أحداً ولا تُحرِّكُ ساكِناً، فهي مثل القينة التي تغنّي بلحنٍ حزين، لكنّها في الحقيقة لا تعاني مِنَ اللوعة ولا تشعرُ بالأسى!
ومِنَ الظّواهِر النمطيّةِ الخطيرة - التي تدخلُ ضمنَ إطارِ الصُّورِ الجاهِزة، ولا تمسُّ جوهرَ الحقيقةِ الثابتة -، تشويهُ صُورةِ الإسلامِ بمُمارساتِ بعضِ المسلمين الخاطِئة هُنا أو هُناك، تلكَ الممارسات التي تُنْسَبُ إلى الإسلامِ جَوْراً وبُهتاناً، على الرّغمِ مِنْ أنّها تتناقِضُ جُملةً مع ما يُعْرَف مِنَ الدّين بالضّرورة. فما يُمارِسُه المسلِمُ من سلُوكٍ سلبـيّ أو إيجابيّ يعودُ إليهِ وحدَهُ، ولا يجوزُ عقلاً ولا عُرْفاً أنْ يُتّهمَ بهِ الإسلام، لذا يجب أنْ ينهضَ كُلُّ مسلمٍ مِنْ أجلِ تبرِئةِ ساحةِ إسلامِه مِنْ مُمارساتِ بعضِ المنسُوبين إليه، ولْيَكُنْ شعارُه: "أنا مُسلم، والإسلامُ دينٌ كامِل، لكنّنِي لستُ كامِلاً، إذا ارتكبتُ خطأً، فلا تلومُوا الإسلامَ، ولكن لُوموني أنا!". فأنا أمثِّلُ نفسِي ولا أمثلُ هذا الإسلامَ العظيم، ومَنْ أنا حتّى أمثّلَه، لذا فإذا وجدتُم ما يشينُ من قيمةِ تلكَ المبادئ السّامية التي بشّر بها إسلامُنا، عليكم أن توجِّهُوا أصابعَ اتّهامِكم إليَّ أنا، فأنا وحدِي أحملُ وزري، وأنا وحدِي احتملُ خطأي، أمّا إسلامي فهو بريءٌ مِمّا أُمارسهُ مِنْ فعلٍ أو عمل. وخاصّةً في هذا الزّمن العصيب الّذي تفشّت فيهِ سلُوكياتٌ طّائِشة، وتفاقمتْ دونه أعمالِ جنُونيّة ترتكبُ بحقِّ الإسلام، وتمارسُ تحت يافطتِه، والإسلامُ بريءٌ منها ومِنْ وِزْرها براءةَ الذئبِ من دمِ يوسُف، فكَمْ من الدِّماء البريئة التي أُريقت ظُلْماً وبُهْتاناً باسمِ الإسلام، في الوقتِ الّذي شدّد فيهِ القرآن الكريم الوعيدَ بحقِّ كُلِّ مَنْ تُسَوِّل لَهُ نفسه بإراقةِ الدِّماء البريئة. ومِنْ ذلِكَ قولُه تعالى في مُحْكمِ كتابهِ: [مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا]([45]). وقولُه تباركَ تعالى: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا]([46]). وقولُه جلّ وعلا: [وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ]([47]). فكَمْ مِنْ مَوْءُودةٍ لفظتْ أنفاسَها الأخيرة تحت الأنقاض المتهاوية، وكَمْ مِنْ طفُولةٍ تمزّقَتْ براءتُها بأسنةِ الرِّماحِ القاسية التي غرَزَها أولئكَ الّذين [لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ]([48])، أي: المجاوِزُون للحلالِ إلى الحرام، أو البالِغُون في الشرِّ والتمرُّدِ إلى الغايةِ القُصْوَى([49]). وفي توصيفِ هؤلاءِ أكّد الشيخ (أحمد ديدات) بقولِه: إنّ "أشرسَ أعداءِ الإسلام هو مُسلمٌ جاهِل، يتعصّبُ لجهلهِ ويُشوّه بأفعالهِ صُورةَ الإسلامِ الحقيقيّ، ويجعلُ العالَم يظنُّ أنّ هذا هُوَ الإسلام". أمّا الشيخُ (الغزالي) فقالَ واصِفاً أولئِكَ الّذين شَوَّهُوا الإسلامَ بسوءِ فِعالِهم: "إنّ انتشارَ الكُفْر في العالَم يقعُ نصفُ أوزارِه على مُتدينين بغضّوا دينَ الله إلى خَلْقهِ بسُوءِ كلامِهم أو سُوءِ صنيعِهم". ومن هُنا وجبَ علينا أنْ نعرِفَ أنّهُ حتّى في حالةِ الجرائِم فإنّ الشريعةَ معنيَّةٌ بإصلاحِ النّاسِ أكثر من عنايتِها بعقابِهم؛ إذ يقبلُ الشّارِعُ التجاوز عنِ الحقّ قبلَ التبليغ، ويدعُو إلى السِّتر، ويُؤْثِر العَفْوََ، ويفتحُ بابَ التّوبة([50]).
وختاماً نقول إنَّ الإسلامَ هو الرِّسالةُ السماويةُ السّمحة التي زاوَجَتْ بينَ القولِ والعمل، بينَ الفكرِ والسلُوك، بينَ الشريعةِ والحياة، بين الدنيا والآخرة، بين المعاش والمعاد، فلا تفريطَ ولا إفراط، ولا عسفَ ولا افتئات، إنّما تواصُلٌ وامتداد، وتكامُلٌ واعتدال!

الهوامش:



[1]- من كلماتِ حسن البنّا في مقاله: "من وحي حراء"، بجريدة "الإخوان المسلمون" اليومية.
[2]- في تقديمه لكتاب (علوم القرآن) لأحمد عادل كمال، نُشِر ضمنَ سلسلة كتاب المختار، في سنة 2005م.
[3]- سورة محمّد، الآية: 24.
[4]- أنطولوجيا اللغة عند مارتن هيدجر، إبراهيم أحمد، ط(1)، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، 1429هـ - 2008م، ص130.
[5]- الفتوحات المكيّة، ابن عربي، ط(2)، تحقيق وتقديم: د. عثمان يحيى، تصدير ومراجعة: د. إبراهيم مدكور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1405هـ - 1985م: 4/258.
[6]- شروط النهضة، مالك بن نبـي، ط(1)، ترجمة: عمر كامل مسقاوي، وعبدالصبور شاهين، تقديم: محمّد همّام، دار الكتاب المصري – القاهرة، ودار الكتاب اللبناني – بيروت، 1433هـ - 2012م، ص83.
[7]- حديث موقوف عن سُفيان بن عُيَيْنة، رقم الحديث: (363).
[8]- حديقة النبـي، جبران خليل جبران، (د. ط), المكتبة الثقافية، بيروت – لبنان، (د. ت)، ص9-10، حديقة النبـي، جبران خليل جبران، ترجمة موازية للنصّين الإنكليزي والعربي: د. ثروت عكاشة، ط(9)، دار الشروق، القاهرة – مصر، 2000م، ص13-14.
[9]- التدين المنقوص، فهمي هويدي، ط(1)، دار الشروق، القاهرة – مصر، 1414هـ - 1994م: 37.
[10]- م.ن: 11.
[11]- الطريق من هنا، الشيخ محمّد الغزالي، (د. ط)، دار الشروق، القاهرة - مصر، (د. ت)، ص23- 24.
[12]- م.ن: 26.
[13]- ازدواجيّة التعليم الجامعيّ: مرئيّات للخروج من الأزمة، أ.د. عماد الدين خليل، مجلة (الحوار)، العدد (155)، السنة الثالثة عشرة، ربيع 2016م: 23.
[14]- م.ن: 31.
[15]- [إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ]، د. عبدالكريم بكار، مجلة (البيان)، العدد (64،) ص9. وشبكة صيد الفوائِد، وذلك على الرابط التالي:
http://www.saaid.net/Doat/bakkar/012.htm?print_it=1.
[16]- بين الصورة والحقيقة، لأبي الحسن علي الحسن الندوي، (د. ط)، دار عرفات للدراسة والترجمة والنشر، ص5.
[17]- م.ن: 4.
[18]- التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنّا، د. يوسف القرضاوي، في فصل "الربّانية"، ط(1)، مطبعة النهضة، قم - إيران، 1371، ص13.
[19]- وذكر الشيخ الألباني - رحمه الله - أنه حديث ضعيف وقال: الراجح أنه من كلام الحسن البصري - رحمه الله -.
[20]- سورة الحجرات، الآية: 14.
[21]- سورة الصف، الآية: 2-3.
[22]- ضريبة الإيمان، عمر علي غفور، صحيفة "الأفق الجديد"، العدد (165)، الثلاثاء 5/ 9/ 2006م، 12 شعبان 1427هـ، السنة الرابعة، ص4.
[23]- التدين المنقوص، فهمي هويدي: 40.
[24]- رواه البخاري.
[25]- العلاقة بين العلم والإيمان، للدكتور محمد راتب النابلسي، خطبة الجمعة – الخطبة (391)، بتاريخ: 1/ 5/ 1992م.
http://www.nabulsi.com/blue/ar/print.php?art=594 موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية.
[26]- سورة المائدة، الآية: 104.
[27]- سورة الزخرف، الآية: 23- 24.
[28]- [إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ]، د. عبدالكريم بكار، مجلة (البيان)، العدد (64،) ص5-6.
[29]- وإذا افتقرتِ المقولةُ إلى الدّليل فهذا هو التقليد، وإذا افتقرتِ المقولةُ إلى مُطابقةِ الواقِع فهذا هو الجهل، وإذا افتقرتِ المقولةُ إلى اليقين فهذا هو الظنُّ، أو الشكّ، أو الوَهْم.
[30]- العلاقة بين العلم والإيمان، للدكتور محمد راتب النابلسي.
[31]- سورة الزخرف، الآية: 24.
[32]- السورة والآية نفسهما.
[33]- [إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ]، د. عبدالكريم بكار، مجلة (البيان)، العدد (64،) ص6.
[34]- دراسات إسلامية، سيد قطب، ط(10)، دار الشروق، القاهرة – مصر، 1423هـ - 2002م: 27.
[35]- م.ن: 27.
[36]- دراسات إسلامية، سيد قطب، فصل "قوّة الكلمة": 139.
[37]- دراسات إسلامية: 138.
[38]- سورة العنكبوت، الآية: 45.
[39]- أثر صحيح عن ابن مسعود (رضي الله عنه) رواه عنه الإمام أحمد في الزهد، كما في كشف الخفاء ومزيل الإلباس. وقال الإمام الألباني: وجملة القول: إن الحديث لا يصحّ إسناده إلى النبـيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، وإنما صحّ من قول ابن مسعود، والحسن البصري، وروي عن ابن عبّاس (رضي الله عنه). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5: 22): هذا الحديث ليس بثابت عن النبـي (صلّى الله عليه وسلم) ولكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما ذكر الله في كتابه، وبكُلّ حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بُعداً، بل الذي يُصلّي خير من الذي لا يُصلّي، وأقرب إلى الله منه وإن كان فاسِقاً.
[40]- التدين المنقوص، فهمي هويدي: 40.
[41]- م.ن: 40.
[42]- التدين المفقود، عمر علي غفور، صحيفة "الأفق الجديد"، العدد (169)، الثلاثاء 3/ 10/ 2006م، 11 رمضان 1427هـ، السنة الرابعة، ص4.
[43]- "حسن البنا" في موكب الدعوة " للشيخ محمد الغزالي.
[44]- المجالسة للدينوري: 736.
[45]- سورة المائدة، الآية: 32.
[46]- سورة النساء، الآية: 93.
[47]- سورة التكوير، الآية: 8-9.
[48]- سورة التوبة، الآية: 10. [إِلاً] أي: قرابة ورحماً، [وَلاَ ذِمَّةً] أي: ولا عهداً.
[49]- تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، لمحمّد الأمين بن عبدالله الأُرَمِي العَلَويّ، (د. ط)، دار طوق النجاة، بيروت – لبنان، (د. ت): 11/ 140.
[50]- التدين المنقوص: 56.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق