04‏/10‏/2016

بلاي ستيشن أم داعش دوت كوم؟

رولا حسينات 
الأردن
من الغريب أن تصيبنا الحيرة في البحث عن طرق مبسّطة لتوضيح مفهوم العنف والإرهاب لأطفالنا، وهم يومياً يشاهدونه بثاً حياً ومباشراً على شاشات التلفاز، أو في أيّ من مواقع التواصل الاجتماعي.. وحقيقة أمرنا أنّا لم نفطن إلى أن نواة العنف والإرهاب كامنة في بيوتنا..
ولم يكن الشذوذ السلوكي إلا ترجمة لبيئة التربية السلوكية الشاذة للفرد، الذي في واقعه لم تَعُدِ الأسرةُ قادرة على توجيهه أو التعامل معه، بل بدوره حفّز الانحراف والتمرد على مفهوم القانون والرقابة واحترام
التقاليد، وكان مرجعية لسلوكيات جماعية حملت مسمّى (الإسلام المبتور)، إسلاماً بالهوية لا بالمعتقد، وهو أشدّ وبالاً على المنظومة القيمية المجتمعية من غيره، إذ لم يحمل في مضامينه أيّاً من المحاور التي قامت عليها العقيدة من تسامح وعقلانية وحوار واحترام للآخر، وقد ساهم بفرزٍ نوعيّ لأجيال متباينة الأفكار: جيلٌ من القائمين على التفرّد النوعي المميز للفرد، ضمن المنظور الوسطي، وجيلٌ حمل المنظور التطرفي، وقد أشرب من نوازع ظالمة، لتسمّى فيما بعد بـ (الإرهاب الإسلامي)، وإن لم يكن الإرهاب مقتصراً على الحركات المتطرفة التي ادعت إسلامها، بل كان الإرهاب المسيحي قبل 800 عام في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، ولن نبتعد بالتاريخ كثيراً، فبين أيدينا الكثير من المجموعات المسيحية المتطرفة، ومنها: جيش الرب، البرق الشرقي، جيش مقاومة الرب، التي تضاهي بوكو حرام في إفريقيا، الجبهة الوطنية لتحرير تريبورا.. وهناك اليهودية المتطرفة، وعلى رأسها اليمين المتطرف، وحركة جماعة (غوش ايمونيم)، حركة حي فاكيام (الحي القيوم)، حركة هتحيا (النهضة)، جماعة أمناء الهيكل، حركة كاخ (عصبة الدفاع اليهودية)، حركة كهانا حي، مجموعة حشمونائيم، منظمة بيتار (منظمة الشباب التصحيحيين)، حركة (تسوميت)، أيْ: مفترق الطرق، ومنظمة يشفيات اتريت كوهانين.. وغيرها كثير..
ما يعنينا هنا هو خطورة السعي الصريح لترويج مفهوم ( فوبيا الأديان)، فالتطرف في اللغة: هو الوقوف في الطرف، وهو عكس التوسط والاعتدال، ومن ثم فقد يقصد به التسيب أو المغالاة، وإن شاع استخدامه في المغالاة والإفراط فقط. والتطرف كذلك يعني: الغلو، وهو ارتفاع الشيء، ومجاوزة الحد فيه.. والتطرف في الاصطلاح: يرتبط بأفكار بعيدة عن ما هو متعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات بسلوكيات مادية متطرفة، أو عنيفة، في مواجهة المجتمع أو الدولة.
 ويرى البعض أنّ التطرف يحمل في جوهره حركة في اتجاه القاعدة الاجتماعية أو القانونية أو الأخلاقية، يتجاوز مداها الحدود التي وصلت إليها القاعدة، وارتضاها المجتمع.
إن التفريق بين الإرهاب والتطرف هو مسألة جد شائكة، وذلك لشيوع التطرف والإرهاب كوجهين لعملة واحدة، ومع ذلك فالتفرقة ضرورية. ويمكن رسم أوجه الاختلاف بينهما من خلال النقاط التالية:
التطرف يرتبط بالفكر، والإرهاب يرتبط بالفعل، كيف ذلك؟
قلنا إنّ التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة. أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي، أو التهديد بالعنف، فإنه يتحول إلى إرهاب. فالتطرف دائماً في دائرة الفكر، أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك، من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح، أو تشكيل التنظيمات المسلحة، التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة، فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب. التطرف لا يعاقب عليه القانون، ولا يعتبر جريمة، بينما الإرهاب هو جريمة يعاقب عليها القانون. فالتطرف هو حركة تجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية، ومن ثم يصعب تجريمه. فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون، باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أنّ السلوك الإرهابي المجرم، هو حركة عكس القاعدة القانونية، ومن ثم يتم تجريمه. يختلف التطرف عن الإرهاب أيضاً من خلال طرق معالجته، فالتطرف في الفكر، تكون وسيلة علاجه هي الفكر والحوار. أما إذا تحول التطرف إلى تصادم، فهو يخرج عن حدود الفكر إلى نطاق الجريمة، مما يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها. والإرهاب بذاته تهيئة منطقية لمفاضلة السلوك، التي تتبنى تصوراً منطقياً في أجندتها عديمة الرحمة، في إنهاء وجود الإنسان بذاته، وتقتيل المسلمين والأبرياء علانية في أرض الله، ثم ترويع الآمنين في عقر بلادهم، فلا تفرقة للغة الموت بين المساجد والصوامع والمعابد والمناطق السكنية ومسالك الحياة، ضمن أطر ضيقة من الحكم والقضاء في التطهير العرقي، وهي أبعد ما تكون عن الرسالة السماوية، التي منحت البشرية السعادة والخير والإنجاز والإبداع، فلا علاقة لها بإرهاب لا دين له ولا هوية ولا وطن.
وهذا بيت الداء.. فالألعاب الأكثر وحشية وإراقة للدماء، هي الأوسع انتشاراً عالمياً في النسخ المتطورة من البلاي ستيشن والإكس بوكس وغيرها، من أدوات تقدّمُ فناً غير مألوف، بارعاً في فن التحايل على البرمجية النفسية للطفل، والمحفزة لخلايا السلوك العدائية، بل والتلاعب في نواة الفكر، فغدت قادرة على مسح الشيفرات الوراثية، وحتى المكتسبة، لمعاني السمو الأخلاقي والفكر العقائدي الصحيح، واحترام التاريخ والحضارات، بل وقبول الآخر، فكراً ومعتقداً. فتلك الساعات الطويلة التي يقضيها الطفل أمام المعلم الأول والوحيد لمفهوم البطولة المطلقة وحق تقرير المصير، لم تكن في الواقع هدراً أو مضيعة للوقت، بل استثماراً رخيصاً بالاتجار بالفكر، بعد أن غدا الاتجار بالبشر وأعضائهم إلى بوار.
فقد أصبح حق الحرية وتقرير المصير لذاته الفردية، ولقرينه، وقبيله، أمراً مفروضاً، لا حقّاً مشروطاً.. وإن كانت هذه البيئة التربوية للطفولة البريئة التي قد نزع منها صمام الأمان، وقد شبّ فيها الطفل وترعرع في حضن العنف والخطيئة، وبعد أن كان منهمكاً في القضاء على مجموع الأعداء، أو الأفراد، بمنظومة افتراضية، أصبح له العالم عدواً مفترضاً، بعد أن خرج من شرنقة الوصاية مبكراً، حاملاً جين الإرهاب، مهيئاً تماماً للتجنيد، وبيئة خصبة لتلقي الإملاءات الموجهة للسلوك الإجرامي، وترديد ما يؤمن به العقل الباطن من مفاهيم مبهمة، لكنها ذات دلالات إيمانية قد استُغلت بحذاقة، لتوليف السلوك نحو الهدف، واستئصال نزعة الخوف ورفض المجهول، كضرورة للخلاص والتطهير.
فلم يعد العدو محتملاً، بل واقعاً ملموساً، ولم تعد فكرة البطولة المطلقة حلماً، ولم يعد حمل السلاح جرماً بل تقليداً للرجولة، ومن ثم لم يعد للمشهد العام من المجازر والقتل والاغتصاب والتطهير العرقي أيَّ وقع في المنظومة العاطفية، بل لم تكن لتؤثر بهم أو تعنيهم، فمفهوم الضحية لم يعد مفهوماً يعنيهم، بقدر ما يعنيه مفهوم المخلص أو المنقذ..
فأين هي التربية التوعوية من كل هذا؟؟ وتسليط الضوء قد غضّ البصر عن الجرثوم أو الفيروس المتفشي داخل البيوت، بل وقد أغفله تماماً، ليفرض نهجاً جديداً فضفاضاً في تقليص مفهوم التربية الدينية فكراً وسلوكاً..
فالعقول الغضة صار فكرها داعشياً، وحزاماً ناسفاً قد تفنن في حفظ أنواع الأسلحة وجاهزيتها وقدرتها القتالية، وعدد قذائفها وعتادها، بدلاً من النحيب على الضحايا الذين سقطوا من نارها وبشاعة ويلاتها.

وغدت رخصة اختراق الحصون والاعتداء على المؤسسات العامة، والسرقة والنهب، بل الاعتداء على رجال الشرطة وقتلهم، والتخفي بملابسهم، نمطاً سلوكياً مجازاً ومقبولاً من مجموع الأفراد المتمردين.. فلم نعد بعد هذا كله  بحاجة إلى حبوب هلوسة، بل أصبحت لعبة ثلاثية الأبعاد، لا حدود لها، ولا وقت لإيقاف تشغيلها، أو حتى GAME OVER..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق