لماذا تربط الذاكرة الجمعية في منطقتنا بين رمضان ومسلسل (باب الحارة)؟. كيف استطاع هذا المنتج الفني أن يخترق موسم التلفزيون في رمضان! حيث تنتج مئات المسلسلات، وتعرض في الموسم، وتصبح عملية المنافسة من أصعب ما يكون؟.
(باب الحارة)، مسلسل سوري أنتج الجزء الأول منه عام 2006، من إخراج (بسام الملا)، كتب الجزء الأول منه (مروان قاووق) و(كمال مرة)، بينما كتب (قاووق) الجزئين الثاني والثالث منفردًا، وعاد (كمال مرة) للعمل، وكتب الجزئين الرابع والخامس منفردًا.
المسلسل عبارة عن دراما اجتماعية شامية، تدور أحداثها في عشرينيات القرن الماضي، ويتكلم الجزء الأول منه عن سرقة الذهب من (أبو إبراهيم)، الذي يبيع القماش، ودخول (صطيف) جاسوس الفرنسيين إلى (حارة الضبع)، ويسلط الضوء على الحياة الدمشقية، والقيم النبيلة، والعادات والتقاليد القديمة، كما أن قصص المسلسل حقيقية، كما ذكر الكاتب (مروان قاووق). وكما كان مقررا، فقد تم عمل جزء ثان، عرض في شهر رمضان بالعام الميلادي 2007، علمًا أن الجزء الثاني كان قد صور بنفس فترة تصوير الجزء الأول، وهي المرة الأولى التي يتم تصوير جزئين بوقت واحد، كما أن نجاح المسلسل أدى إلى عمل جزء ثالث، عرض في شهر رمضان بالعام الميلادي 2008، كما أنه تم الاتفاق بين المخرج والمنتج (بسام الملا) وقناة (إم بي سي)، على عمل جزء رابع وخامس من المسلسل، ليعرضا في شهر رمضان بالعامين الميلاديين 2009 و2010، وعرض الجزءان فعلا في الوقت المحدد، كما كان مقررًا.
برأيي أن مكمن الإبداع في العمل والمنتج الإبداعي هو في إثارته للجدل، وقدره على الاستحواذ على سمع ونظر المتلقي، وهو ما ينعكس في الساحة الأدبية والصحافية من خلال مقالات نقدية، ومطارحات ثقافية وفنية،بينما الأعمال التقليدية تسير على نسق روتيني رتيب، قد تضيف للمتلقي، أو للفن، الذي شغلت حيزا فيه، حراكا نقديا يكاد لا يذكر إلا في كواليس التخصص!.
هذه القاعدة هي سر الإبداع في (باب الحارة). إنه أكثر منتج أثار الجدل في عصر العمل الدرامي الحديث، بين مؤيد ومعارض، ومادح وقادح. ومكمن الإبداع، في تصوري، يعود إلى عدة نقاط:
1- الإبداع في كتابة النص، ثم الإبداع في صياغة السيناريو. فالنص كتب من قلب مشاهد، لا من عقل مؤلف، وهذا سر وصوله لقلوب المتابعين.
2- الإخراج الفني الراقي، الذي يحاكي المنتج الهوليودي في إبداع زوايا التقاط اللقطة والمشهد والسياق الدرامي، واعتماد المخرج على كامرة واحدة فقط، في التصوير، وهو ما يشكل دورا محوريا مهما في كفاءة اللقطة، ودقة ووضوح المشهد.
3- ميزانية المسلسل الكبيرة، التي تتيح اعتماد إمكانات فنية هائلة، وصلت إلى بناء حارة كاملة متكاملة لغرض العمل، وهو ما يؤثر في (دقة) المنتج شكلا ومضمونا، خصوصا في مجال المؤثرات البصرية، والحسية، التي يحرم منها أي عمل لا تتاح له مثل هذه الإمكانات.
4- العزف بذكاء على وتر المشاعر العربية الغاضبة من عصر الانبطاح العربي، وهو ما يجسد الربيع العربي بشكل ثقافي، لا بشكل المظاهرات والثورات، فالإقبال الشعبي على مشاهدته، مرجعه مشاعر الغضب والسخط من هذا الواقع، الذي لا يرضي شعوبا تربت على الثورية الكارتونية..
رغم ذلك، هناك انتقادات كثيرة أثيرت حول المسلسل وسياقه، وأجزائه المتعددة التي تتابعت، وتبث تقليديا في رمضان. فمن المؤاخذات؛ أن المنتج، بعد جزئه الثالث، اتجه نحو المبالغة في جزئيات تتعلق بالمشاعر، والسياق الدرامي القصصي، ولعل مرجع ذلك يعود إلى غياب نجوم العمل الأساسيين، وتخلفهم، بسبب الخلافات المستحكمة مع فريق الانتاج، فكان الخيار - فيما أتخيل- هو التوجه نحو التلاعب العاطفي بمشاعر المتلقين، للإبقاء على حرارة التواصل والتخاطر مع المسلسل.
الجزء السادس من المسلسل يعرض عبر شاشة (إم بي سي) هذا العام، وإذانجح سيتم إنجاز الجزء السابع. هذان الجزءان سيكونان كتابة كاتبين بالشراكة هما: (سليمان عبد العزيز)، و(عثمان جحا)، وهو ما يعتبر تحديا جديدا يواجه المسلسل. فإذا كان غياب الأبطال الأساسين لم يؤثر في شعبيته وقوته واتقانه، فهل سيؤثر تغيير المؤلف؟ وما هو النفس الجديد الذي سيتركه هذان المؤلفان، لا شك أننا بانتظار هذا المنتج الإبداعي بحلته الجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق