11‏/07‏/2014

ظاهرة انحراف الشباب

إعداد/ فاطمة سليم 
يؤكد علماء النفس بأن ظاهرة قبول الإحباط، والرضا به، أكثر قوة عند الشباب، وهذا نتيجة لإفرازات الواقع الذي يعيشونه من كبت وعدم اهتمام، والواقع يشهد تعقيدا مركبا في حاجياته وصعوبة تحقيق متطلباته، إذ أنه من المتحتم على الحكومات والمؤسسات القضاء على مسببات هذه الظاهرة، حيث يأتي في مقدمة ذلك ضعف الالتزام الديني، والاستسلام لإملاءات أهل الهوى والزيغ، والبطالة التي تسيطر على واقعهم، والضغط الاجتماعي الذي لا يرحم أخطاءهم، ولا يقف بجانبهم، وغير ذلك من بذور الإحباط التي نبتت بماء الواقع البئيس في حياتهم.


ولا ينكر أحد الانفتاح الذي يتفاعل معه الشباب، من الخطاب العاطفي الموجه له بالصوت والصورة، والتقنيات المؤثرة سلبا على عقولهم ، حيث أنهم يتفاعلون مع معطياتها بشكل كبير، لجاذبيتها وتوافق أهوائهم معها. ومن هنا ينبغي أن ننطلق في بناء الخطاب التربوي وتجديده، من أجل أن يجسد متطلبات الشرع والحياة في حياة الشباب، ومن الضروري أن نبتعد عن الخطاب التقليدي بكل ضروبه، لأن ذلك لا يؤثر كثيرا، في ظل هذا الكم الهائل من الثقافات المتجددة المؤثرة، في حين أن الخطاب التربوي المبدع يمنع شبابنا من أن يكونوا لقمة سائغة لتيارات الفساد والانحراف. 
ومن نماذج الانحرافات السلوكية التي يبتلى بها بعض الشباب: المعاكسات ، الإدمان على تعاطي المخدرات، المخالفات المرورية، السرقة، العبث في استخدام الهاتف، والاتصال على خطوط الآخرين بهدف الإزعاج، أو محادثة السيدات ومغازلتهن، وغير ذلك.
والمعاكسات الهاتفية تصدر من الشباب الذكور والإناث، إلا أنها من جانب الذكور أكثر منها من جانب الإناث، ولعل أهم الأسباب المؤدية لها : 
1- انعدام الرقابة من قبل أولياء الأمور، فكثير من الأسر تمنح ابنها الثقة المطلقة في تصرفاته، بل قد يكون له خط هاتفي خاص به في حجرته الخاصة . 
2- وجود المؤثرات الخارجية، مثل: مشاهدة الأفلام، والتأثر بما يشاهدونه من إثارة جنسية . 
3- وجود وقت الفراغ، وعدم إشغاله بالنافع المفيد . 
4- تزيين قرناء السوء لهذا الأمر، واعتباره من الأعمال التي يتباهون بها بين أقرانهم. 
5- حب الشباب للإثارة والمغامرة يدفعهم لولوج هذا الباب على ما فيه من أخطار.
وبالطبع فإن لهذا الأمر انعكاساته الضارة، على الشباب خصوصاً، والمجتمع عموماً، ومن ذلك الظواهر والآثار التالية:
1- تقصير الشباب في التحصيل العلمي، نتيجة لإضاعة الوقت في العبث بجهاز الهاتف، أو مشاهدة الأفلام .
2- حدوث العديد من الاضطرابات النفسية لدى الشباب المعاكس تفقده هدوءه واتزانه، بل قد تدفع به إلى ارتكاب الفاحشة، والعياذ بالله .
3- وقوع كثير من الفتيات في الشَّرَك الذي ينصبه لهن الشباب المعاكس، وبالتالي قد تقع في ما يفقدها شرفها وكرامتها، والواقع يشهد على ذلك.



إدمان وتعاطي المخدرات
" إن مشكلة تعاطي المخدرات مشكلة دولية تحرص الكثير من الدول والهيئات المختلفة على القضاء عليها، أو الحد منها، حفاظاً على شعوبها وأوطانها من هذا الوباء الخطير . 
 وقد أظهرت دراسة حديثة العوامل الشخصية المؤدية إلى تعاطي الشباب للمخدرات، والتي من أبرزها: إثبات الرجولة، التقليد والمسايرة، إشاعة جو المرح، نسيان المشكلات والهموم .
أما العوامل الاجتماعية المساعدة، فكان من أبرزها : 
1-  عدم وجود رقابة من قبل الوالدين.
2- تعاطي أحد أفراد الأسرة للمخدرات .
3- القسوة في المعاملة .
4- عدم التزام أحد الوالدين بالواجبات الدينية .
5- انشغال الوالدين في الأعمال الخاصة.
6- التدليل الزائد في المعاملة .
7- وجود خلافات بين الوالدين .
8- انفصال الوالدين بالطلاق .
9- زواج الوالد بأكثر من واحدة.
10- وفاة أحد الوالدين . 
أما عن الآثار الاجتماعية الناجمة عن تعاطي الشباب للمخدرات، فيمكن تصنيفها إلى :
أ -  ما يتعلق بالآثار (الأضرار الشخصية) على الشاب، ومن أبرزها: اللامبالاة والسلبية، إهمال الواجبات المدرسية، الاكتئاب، العزلة عن الآخرين، تأنيب الضمير .
 ب -  ما يخص الآثار الاجتماعية العامة، ومنها : ارتكاب السلوك الانحرافي(كالسرقة والقتل وغيرها)، التأخر الدراسي، الهروب من المنزل، الشجار مع الوالدين والإخوة والأقارب والزملاء والمدرسين، مزاملة رفاق السوء. 
   
أثر وسائل الإعلام
مع خيوط الفجر الأولى، وإشراقته الندية، تبدأ جيوش من وسائل الإعلام نشاطها المحموم، لتغزو عالم الإنسان، وتقتحم عليه عزلته، التي فرضــها على نفسه بالنوم .
إن وسائل الإعلام تلعب دوراً خطيراً في قلب مفاهيم الشباب واهتماماتهم، لذا فهي تقف في قفص الاتهام، والأصابع تشير إليها بقضايا عديدة، فهي متهمة بأنها تقصر تقصيراً ذريعاً في القيام بواجبها تجاه دين الأمة وفكر الشباب، وهي متهمة بأنها فتحت كل أبوابها، وأطلقت كل أبواقها، وسخرت كل أقلامها وأدواتها للفكر الغربي، بدلاً من أن تعين على التصدي له ، أو الفكر الشرقي، بدلاً من أن تنبري للوقوف في وجهه .. وهي متهمة بأنها صرفت هم الشباب، وحولت اهتماماتهم، من الالتفاف حول العقيدة، والانتصار للدين، والاندفاع نحو خدمة الأمة، إلى الاهتمام بالمظاهر، والانغماس في الشهوات، والتعلق بالأضواء والقشور، حتى غدا الشباب - وهو في عمر الورود   - يتطلع إلى البطولة، أو إبراز الذات، أو النجاح من خلال مغامرات سخيفة، أملاها عليه فلم سينمائي، أو قصة مكتوبة، أو برنامج مذاع، أو دعايات مكثفة.
ولا شك أن نوعية البرامج التي يشاهدها الفرد لها أثرها الواضح في سلوكه، والعكس صحيح، فمن يشاهد البرامج المثيرة للغرائز، قد تكون دافعة له إلى الجنوح، من خلال ما يكتسبه المشاهد منها من قيم ومواقف تدفعه لتقمصها ومحاولة تقليدها  .. وقد أثبتت كثير من الدراسات أثر وسائل الإعلام المرئية على الحدث، ودورها في انحرافه . 
ومن ذلك ما أظهرته دراسة من أن نسبة (32% ) من المنحرفين يقلدون بعض المشاهد التي يشاهدونها في الأفلام. وكذلك دراسة (هالوران )(Halloran ) التي توصل فيها إلى أن مشاهدة برامج العنف قد تؤدي إلى سلوك عدواني مستقبلاً . وأصدرت منظمة اليونسكو تقريراً عن خطورة برامج الإعلام على الشباب، حيث اعتبرت المنظمة أفلام العصابات تؤدي إلى اضطرابات أخلاقية تكمن وراء الجرائم المختلفة. 
ومما سبق ندرك حجم تأثير وسائل الإعلام، بمختلف أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية، ومقدار ما تبثه من دواعي الشر، وأسبابه، وتقديمه لمن هم سريعو التأثر به والانجذاب إليه، خاصة وأنه يُعرض في صورة تأسر أصحاب النفوس المضطربة .
التدابير الوقائية:
أ- الاهتمام بالأسرة 
تعتبر الأسرة هي المحضن الأول للطفل، لذا فإنها ذات أهمية بالغة، لأنه فيها يتم وضع اللبنات الأولى التي تحدد شخصية المولود. يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ))،  ومن هنا كان اهتمام الإسلام بصحة الكيان الأسري، وترابطه، عظيماً، فاهتمام الإسلام بالأسرة يبدأ منذ نشأتها الأولى حيث  حث النبي (صلى الله عليه وسلم) على الزواج ودعا إليه بقوله : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء )،  وحث الرجل على اختيار الزوجة الصالحة التي تعينه على تحمل المسؤولية وتربية الأبناء، فقال : (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ). وحذر ولي الفتاة من رد الخاطب، إذا كان صاحب دين، فقال :  ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) .   
 وما ذلك إلا حرصاً على قوة بناء الأسرة، ولتستطيع النهوض بتربية الأبناء، الذين هم شباب الغد، ورجال المستقبل .
فالمرأة الصالحة تجتهد أن يرضع بنوها منها الصلاح قبل اللبن، وهي كما قال الشاعر : 
 الأم مدرسة إذا أعددتهـا
  أعددت شعباً طيب الأعراق
والأب قدوة أبنائه، فهو المربي لهم، كما قال الشاعر : 
 وينشأ ناشئُ الفتيان فينا
     على ما كان عَوَّده أبــوهُ
وما دان الفتى بحجـىً ولكن
     يـُعـوده التـديـّن أقربـوهُ
كذلك فإن الإسلام جعل مسؤولية التربية على عاتق الأب، وجعله المسؤول عن حماية أبنائه، وتجنيبهم سبل الانحراف . يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
ب-الاهتمام بالتعليم 
تعد المدرسة هي المحضن الثاني للطفل، بعد أن يبلغ السادسة من عمره، ويستمر بها حتى ينهي دراسته الجامعية، وهي فترة تمتد لأكثر من ستة عشر عاماً. وإذا نظرنا إلى الوقت الذي يمضيه الطالب بين جنبات مدرسته، أدركنا مدى الأهمية والمكانة التربوية التي تحظى بها المدرسة، فالطالب يمكث فيها مع زملائه ومعلميه أكثر مما يمكث مع إخوته ووالديه ، وأنت حينما تذهب بولدك إلى المدرسة وتدفع به إليها، فإنك تدفع إلى القائمين عليها بصفحة بيضاء، هي عقل الابن، ليقوموا بتسطيرها بالعلوم والمعارف والعقائد والأخلاق، ومن هنا لا بد أن تكون المدرسة على مستوى المسؤولية، ومدركة للدور الذي تلعبه في رسم معالم شخصية الحدث .
ج-الاهتمام بوسائل الإعلام 
تعد وسائل الإعلام المختلفة من أهم وسائل الترفيه، التي يقضي عندها الشباب جل أوقات فراغهم، لذا كان من المتحتم توعية الأسرة بضرورة تهيئة وسائل الترفيه المناسبة لأبنائهم، وحسن اختيارها، مع مساعدتهم في اختيار الأشرطة التي يطلعون عليها في الفيديو ، أو الأشرطة التي يستمعون إليها، والمطبوعات التي يقرؤونها، ضماناً لعدم  اكتساب الشاب أو الفتاة لبعض الأفكار المنحرفة، أو المواقف والمشاهد التي تشجع على الانحراف بتقليدها.
د- وقت الفراغ 
إن الفراغ والشباب والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
كذلك ينبغي للمربي توجيه الشاب لاختيار الرفقة الصالحة، ممن هم على دين وخلق وصلاح وتقوى، وتحذيره من رفقة السوء، وأن يراقبه في ذلك، ويتحقق ممن يختارهم لصحبته، فالصاحب ساحب، والطباع تسرق من بعضها ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل). 



التدابير العلاجية :
أ- التربية الإسلامية لغرس الوازع الديني :
ضرورة تقوية الوازع الديني لدى الشباب، باعتباره خطاً دفاعياً أولياً مهمّاًً، يمنع الشباب من الانزلاق في الانحراف غالباً، وذلك بتكثيف الجرعات التوجيهية الإسلامية، من خلال المدارس والمناهج والبرامج الثقافية العامة والمجتمعية، كذلك العمل على تبصير الشباب بخطورة رفاق السوء، وسوء أثرهم على الفرد في حياته، وبعد مماته، ومخاطبة الشباب بحسب مستوياتهم العقلية والاجتماعية والنفسية، مع الاستفادة من جميع الوسائل المتاحة لذلك، كالمساجد، وخطب الجمع والأعياد، ووسائل الإعلام، والمدارس، والمحاضرات والندوات .. الخ  .
تعمدني بنصحك في انفرادي
          وجنبني النصيحة في الجماعـة
فإن النصح بين الناس نوع
         من التوبيخ لا أرضى استماعه
مقترحات عاجلة لاحتواء الشباب وبناء مستقبلهم وتحقيق آمالهم ..
• تثقيف المجتمع بالتعامل الأمثل مع أخطاء الشباب .. 
• ضرورة تفعيل البناء التربوي والبرامج الوقائية، من خلال المدارس في جميع مراحلها .. 
• تفعيل النوادي الثقافية والرياضية داخل الأحياء، والإسهام في إعداد القائمين عليها .. 
• تكثيف النوادي الصيفية، ودعمها، ووضع الخطط الإبداعية في ارتقائها .. 
• تكثيف المخيمات الشبابية، التي تحتفي وتحمي وتربي وتستثمر الشباب بشكل متواصل .. 
• إعداد قنوات فضائية تهتم باهتمامات وهموم وتطلعات الشباب، ومن ذلك :- 
- قناة تختص بتعليم القرآن، حيث يتم إظهار برامج وأنشطة جميع حلقات التحفيظ على مستوى العالم .. 
- قناة تختص بعلاج مشاكل وهموم الشباب .. 
- قناة رياضية، تقوم بتهذيب الوسط الرياضي، وتلبي متطلبات الشباب الرياضية، بعيدا عن الإحتكار الموجود.. 
- قناة متخصصة في إظهار الإبداع والثقافة والتميز لشباب العالم الإسلامي.. 
وغير ذلك من القنوات التي تهتم بالشباب، لأننا نعيش في عصر الإعلام الفضائي، وينبغي علينا استغلال هذه المرحلة في صيانة مستقبل الشباب عن طريق ذلك .. 
• النظر في إعادة صياغة المناهج الموجودة في مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا، والإهتمام بالكيف والهروب من الكم .. 
• ضرورة الإسهام في التخفيف من الصوارف التي تصرف الشباب عن الاهتمام والإبداع.. 
• القضاء على الموانع التي تمنع الشباب من الزواج المبكر .. 
• الوقوف بجانب الشباب المبتعثين، وضرورة استغلال فترة دراستهم فيما يعود بالنفع لهم ولأوطانهم وأمتهم، وحمايتهم من الثقافة التي قد تقود إلى الهدم والانحلال.. 
• بناء الثروة الاقتصادية عن طريقهم، ويكون ذلك عن طريق توفير الدعم المادي، حيث يكون هناك قرض مادي يساعد على تمكن الشاب من بناء مشروع اقتصادي، ولو كان بسيطا .. 
• إنشاء المؤسسات الشبابية الحكومية والخاصة التي تظهر الاهتمام، وتظهر التنافس البنـَّـاء في خدمة الشباب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق