رئيس التحرير
عانى العراقيون من ويلات السياسة، وتبعات المصالح الدولية المتضاربة.. وإذا كانت الدولة العراقية الحديثة قد ولدت في أوائل القران العشرين، فإن معاناة العراقيين بالتأكيد هي أقدم عمرا من ذلك بكثير.. ولكن العراقيين، وبعد ميلاد دولتهم الحديثة، لم تخف معاناتهم، ولم يجدوا في ظلها سوى المزيد من الآلام !
لقد بنيت دولة العراق الحديثة، كما هو حال جميع دول المنطقة، وفقا لتقسيمات ومصالح استعمارية، ولم تكن ولادة طبيعية، ولا من بناة أفكار أبناء هذه الدول، ولا استجابة لمصالح الناس فيها، أو مطالبهم.. ولكن تقادم العهد عليها، وتوارث الأجيال فيها، جعلها تحظى بنوع من العصبية، والولاء، الذي كثيرا ما يكون مرضيا وخطيرا.. ومع ذلك، ففي دولة مثل العراق، ولأن الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد لم تستطع أن تحقق العدالة الاجتماعية المطلوبة، ولا المساواة أمام القانون، وظلت على الدوام مصدرا للقلق وعدم الاستقرار بالنسبة إلى شعوبها، ولذلك أصبح العراق مسرحا للاضطرابات والانتفاضات، وحتى الثورات الشعبية، ولم يذق العراقيون طعم الاستقرار!..
إن رفع شعار الوحدة، وفرضها على شعوب مختلفة، ومتمايزة، في ظل حكم لا يوفر الحد الأدنى من الحقوق، أمر من الصعوبة بمكان، ومن هنا كانت أزمات العراق المتكررة، التي لم تهدأ حتى في (العراق الجديد)، الذي يفترض فيه أن يكون ديمقراطيا، يحفظ للجميع حقوقهم!!
إن الأزمات المتتالية المتجسدة بين سنة العراق وشيعته، وبين عربه وكرده، وباقي طوائفه، لم تأت من فراغ، ولا هي من صنع أجندات خارجية، بل هي تعبير عن ذلك الاحتقان التاريخي الذي أشرنا إليه، والذي لا يبرح يزداد قوة واشتعالا يوما بعد يوم .. وما الأحداث الأخيرة، التي كانت تتويجا مأزوما لكل ذلك، إلا إشارة إلى أولي الألباب بأن المعالجة يجب أن تطال جذور الأزمة، لا قشورها، وأن مفردات هذه الأزمة، ومن يقودها، أو من يمولها، أو يقف وراءها، لا تهم، بقدر ما يهم أن نعي أن هذه الأزمة هي نتيجة لفعل طويل متراكم من الاحتقانات، والاحتجاجات، والتظلمات، التي لم تجد آذانا صاغية لها، فوجدت تعبيرها فيما حدث!
إن وحدة العراق ستظل شعارا يولد مزيدا من الأزمات والحروب، طالما بقي الأمر على ما كان.. فللوحدة ثمن، وعلى الداعين إليها أن يكونوا على استعداد للاستماع إلى عظة التاريخ، ونبض الشعوب، وإلا فإن المعالجات العسكرية وحدها لن تزيد النار إلا اشتعالا، ولن تدوم وحدة شيدت على دماء الناس وحقوقهم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق