10‏/07‏/2014

أحداث العاشر من حزيران .. العراق على مفترق طرق


كتبه المحرر السياسي لمجلة الحوار 
دخل العراق يوم العاشر من حزيران 2014 مرحلة جديدة من الاضطراب الأمني، وعدم الاستقرار المجتمعي، حيث شن مسلحون تحت مسميات عدة هجمات سيطروا خلالها على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه وشرقه، بينها مدن رئيسة، مثل: (الموصل) و(تكريت)، وأجزاء من (كركوك) و(ديالى).

ونالت (الموصل) - تحديداً - القسط الأكبر من الهجمات المتوالية، ومع مغيب شمس يوم العاشر من حزيران أصبحت المدينة تحت سيطرة المسلحين بالكامل، عقب الانهيار العسكري للجيش العراقي. 
وساد الاعتقاد بأن الهزيمة التي لحقت بالقوات الأمنية والعسكرية العراقية كانت نتيجة تواطؤ بعض القيادات مع المسلحين لتسليم المدينة دون قتال، وبهذا الصدد نفى مصدر صحفي مطلع، في اتصال مع (الحوار)، أن يكون هناك تنسيق مسبق بين قيادات في الجيش وبين التنظيمات المسلحة، مؤكداً أن ماحدث هو "انهيار عسكري مفاجئ"، أثار دهشة الجميع.   
وقال (زيد الهاشمي) في معرض حديثه لـ(الحوار) عن مجريات الأحداث بالموصل: "كان للإشاعات دور كبير في إشاعة الخوف بين صفوف أفراد الجيش، وزعزعة معنوياتهم، وانهيارها، ما أدى إلى فرارهم في مواجهة العناصر المسلحة".
وأضاف الهاشمي: "أهالي الموصل ما كانوا يعيرون أهمية للجيش، ولم يعتبروه جيشهم، ولم يتعامل معه أحد بأريحية، لما صدر عنه من إساءات بحقهم"، مبيناً أن قنوات التواصل الاجتماعي لعبت، هي الأخرى، دوراً في تهيئة أجواء الحسم الميداني لصالح المسلحين.
ولفت (الهاشمي) إلى أن الأوضاع المستجدة لا تعني اقتناع مواطني المدينة بالتنظيمات المسلحة، وانهيار مؤسسات الدولة البتة، كما أن الجيش الحكومي ليس مرحباً به إطلاقاً.  
وفي السياق ذاته، أكد الباحث السياسي (أحمد يونس) لـ(الحوار) بأن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والمعروف اختصاراً بـ(داعش)، يظهر قوة، ويشدد على أنه صاحب القرار حالياً، وبأيديه زمام  المبادرة الأمنية، والسيطرة الإدارية، ومسك الأرض عسكرياً في الموصل، ولا يسمح في الوقت الراهن لأية فصائل أخرى -سواء أكانت مسلحة أو سياسية- بأن تشاركه السلطة، وهذا ما أشار إليه التنظيم في بيان سماه "وثيقة المدينة"، بأن لا راية ترفع سوى رايته فقط، رغم محاولات التنظيمات المسلحة الأخرى إيجاد موطئ قدم لها في الساحة الموصلية.
وحول أعداد عناصر تنظيم (داعش)، وقدرة بسط السيطرة على مدينة الموصل، المترامية الأطراف، قال (أحمد يونس): "لم تتجاوز أعداد مسلحي داعش الألف عنصر، بينما تعداد القوات الحكومية بكل صنوفها العسكرية والشرطية والأمنية تجاوز الـ 60 ألف عنصر، لكن العبرة ليست بالكثرة، رغم أنها تغلب الشجاعة، فهنا بدت المعادلة معكوسة شيئاً ما، لأسباب عدة، منها: العقيدة القتالية لكلا الطرفين، فالقوات الحكومية تفتقد العقيدة العسكرية، بالمقارنة مع تنظيم داعش، الذي يؤمن بفكرة معينة تجعل روحه القتالية عالية، رغم قلة عدده. والسبب الثاني: السمعة المتمثلة بإشاعة الرعب في صفوف الخصم، وهذه ميزة داعش. والسبب الثالث: ضعف تدريبات القوات الحكومية، وصعوبة تحركاتها الميدانية، في أغلب المواقف.     
وأردف: "التهميش المتعمد من قبل الحكومة لمحافظة نينوى، وبالأخص مدينة الموصل، طيلة الأعوام العشرة الماضية، أضف إلى ذلك: تعامل القوات الأمنية والعسكرية بقسوة مع الأهالي، أدى إلى نشوء أرضية خصبة لظهور جماعات مسلحة داخلية، وتسلل تنظيمات مسلحة أخرى إلى المدينة، من خارج الحدود، وهذا لا يعني أن الموصليين يشكلون حاضنة لتلك الحركات، فالمعروف عن الموصل طابعها السلمي، ونبذها العنف على مدار التاريخ". 
وبشأن قدرة المسلحين على إدارة المدينة، أشار الباحث السياسي (أحمد يونس) بالقول: "لا رؤية استراتيجية مطروحة لتنظيم (الدولة الإسلامية في  العراق والشام)، فهو لم يعلن عن أي شيء حتى الآن، سوى بيانات تحث الموظفين على الدوام، وغير ذلك من الأمور الحياتية اليومية".
وفي شأن أحداث العاشر من حزيران، عبر أحد علماء الدين، عن اعتقاده بأن سياسات حكومة المالكي، هي التي جرت العراق إلى هذا المنزلق الخطير.
وقال (الشيخ محمود العاني)، عضو المجمع الفقهي العراقي، في تصريح لـ(الحوار): إن تجاهل المالكي لنصح الناصحين، من ساسة وعلماء، أوصل البلاد إلى "شفا جرف هار". مبيناً أن العراق بعد العاشر من حزيران، بات على مفترق طرق صعبة للغاية.
وأبدى الشيخ (العاني) امتعاضه من فتاوى بعض المرجعيات إلى الحشد في وسط وجنوب العراق، بدلاً من حث الحكومة على مواجهة ما يحدث بالسبل السياسية.
وختم الشيخ (العاني) تصريحه بالقول: "العراق بعد الأحداث الأخيرة يتجه نحو التقسيم، الذي لا يرغبه أحد، لكن إذا كان لا مفر من ذلك، فليصار إلى تشكيل الأقاليم المنصوص عليها في الدستور العراقي الحالي".        
هذا، وتولت قوات البيشمركة الكوردية مسؤوليات أمنية إضافية، في ظل انسحاب الجيش العراقي من عدة مواقع، في شمال العراق وشرقه، حيث بسطت سيطرتها على مناطق متنازع عليها مع الحكومة الاتحادية (مناطق مستقطعة من كوردستان)، على رأسها مدينة (كركوك).
وبهذا الخصوص، شدد القيادي السياسي الكوردي (عادل نوري) لـ(الحوار) على أن: البيشمركة هي الآن تفرض سيطرتها على مناطق كوردستانية في الأصل، ولم تتجاوز تلك الحدود، موضحاً وجود ظهير نخبوي وشعبـي لتحركات قوات البيشمركة، لاسترجاع المناطق المستقطعة إلى أحضان إقليم كوردستان.
وتوالت ردود الأفعال الدولية إزاء ما يحدث في (العراق)، فقد عبرت (واشنطن) عن خشيتها من تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، مع دراستها كافة الخيارات لمواجهة ما يجري، فالبيت الأبيض بدا متريثاً بعض الشيء حتى تتضح الصورة تماماً، واستبق ذلك بارسال وزير خارجيته (جون كيري) للقاء القادة العراقيين، وحثهم على اتخاذ خطوات سياسية لتجاوز الأزمة، التي تبدو ذات نطاق أوسع، ودائرة أكبر من قدرة الحكومة الحالية، برئاسة (نوري المالكي)، على التحمل، فالأخير يواجه ضغوطات بالتنحي، وتشكيل "حكومة انقاذ وطني"، الأمر الذي عده (المالكي) في خطاب متلفز انقلاباً على الدستور، وإرادة الشعب العراقي، حسب تصوره.
من جانبها، رفضت (لندن) الدخول في حرب جديدة في (العراق)، موجهة اللوم إلى حكومة (المالكي)، ومحملة إياها مسؤولية ما يحدث. هذا الموقف جاء متطابقاً إلى حد كبير مع الموقف الألماني، حيث قالت المستشارة (انجيلا ميركل): إن تغافل الحكومة العراقية عن دمج الجماعات المختلفة، في إطار عملية سياسية شاملة، هو أحد أسباب اتساع نطاق دائرة العنف في البلاد.
وأبدت دول أوروبية أخرى، مواقف موحدة، اتسمت بالقلق، إزاء سيطرة جماعات مسلحة على مناطق عراقية، واسقاط مؤسسات الدولة، مع توجيه انتقادات لاذعة لحكومة المالكي المنتهية ولايتها. فيما أبدت (طهران) استعداداً للتعاون مع (واشنطن)، بشأن منع تدهور الوضع في العراق. هذا الموقف اعتبره بعض الساسة العراقيين تدخلاً في الشأن العراقي، ربما يرسم وضعاً شبيهاً بالوضع السوري.
من جانبها، أبدت (منظمة الأمم المتحدة)، على لسان أمينها العام (بان كي مون)، قلقها البالغ إزاء الوضع السياسي والأمني العراقي المضطرب، ورصدت موجات نزوح جماعي جديدة، نتيجة الاقتتال الدائر في الموصل وصلاح الدين وأطراف كركوك والأنبار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق