الشاعرة والأديبة سعدية مفرح |
أجرى اللقاء/ بسام الطعان
شاعرة وناقدة وصحفية كويتية، تعمل بالصحافة منذ عقد
ونصف، تُرجمت قصائدها إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والسويدية والطاجيكية
والفارسية، تهتمُّ بالكتابة الشعريّة للأطفال، وأصدرت لها مجلة (العربي) مجموعة شعرية
للأطفال بعنوان (النخل والبيوت).. فازت بعدة جوائز شعريّة، وصدرت عن تجربتها عدة كتب
ودراسات، باللغتين العربية والإنكليزية.. تنشر قصائدها ودراساتها في الكثير من الصحف
والدوريات العربية. وقد صدر لها: (آخر الحالمين كان) شعر/ 1999، و(تغيب فأسرج خيل ظنوني)
شعر/ 1994، و(كتاب الآثام) شعر/ 1997، و(مجرد مرآة مستلقية) شعر / 1999، و(تواضعت أحلامي
كثيراً) شعر/ 2006، و(كتاب سين، نحو سيرة ذاتية ناقصة) / 2011.
*أنت شاعرة وناقدة وصحفية، ما سبب توجهك للتنويع في الكتابة الأدبية؟ لمن تنحازين أكثر: للشعر، أم
للنقد، أم للعمل الصحفي؟
- أنحاز لذاتي التي لا تتشظّى كما يوحي السؤال، بل تتنوّع
وتزداد ثراءً، عبر كل هذه الممارسات الكتابية. أحاول أن أعبِّر عن ذاتي بواسطة الكتابة،
محض الكتابة، ولست أبحث عن الأسباب، لأنها لا تعنيني، مع الأخذ في الاعتبار أن الصحافة
هي مهنتي التي مارستُها منذ أن كنت في الثامنة عشرة من عمري، وقبل أن يصدر لي ديوان
شعري أو تنشر لي قصيدة، وما زلت أُمارسها بذلك الشغف الأول، دون أن أشعر بالملل مثلاً.
وأستطيع القول إنني كشاعرة استفدت كثيراً من عملي في الصحافة، فقد فتحت لي أبواب النشر
بسرعة، واختصرت عليّ سنوات من محاولات التعريف بتفاصيل تجربتي الشعرية، وسهلت لي التعرّف
على تجارب أُخرى شعريّة ونقديّة وصحفيّة أيضاً، ولهذا أشعر أنني مدينة لها بأحلى كتاباتي.
*هل لك أن
تضعي القارئ في صورة الحركة الشعرية في الكويت، وأين مكانها على الخارطة الشعريّة العربيّة؟
- على خط متوازٍ مع تجليّات الحركة الشعريّة العربيّة
المتوحّدة في كل مكان، ولا أنظر للحركة الشعرية في (الكويت) بمعزلٍ عن إطارها العربي،
وخصوصاً بعد أن صار التواصل بين التجارب، وأصحاب التجارب الشعرية، في جميع أقطار الوطن
العربي، أسرع وأكبر.
*كناقدة، ما
هي رؤيتك للعمل الإبداعي؟
- أفضل أن أتلقّى
العمل الإبداعي كمتلقية وقارِئة، وبتلك الصفة تكون اللذة هي بوابتي الأُولى نحو العمل،
ولم أعد أجبر نفسي على قراءة عمل لم يعجبني منذ صفحاته الأولى، لمجرّد أنني أود الكتابة
عنه مثلاً.
*الحركة النقدية
العربية هل هي ضعيفة في الوقت الراهن؟ وهل
لإرهاصات الوضع الثقافي العربي أثر في ضعف الحركة النقدية؟
- ليست ضعيفة،
بل أرى أن النقاد هذه الأيام أكثر من الشعراء والروائيين، ولكنّهم يركّزون على النقد
التنظيري أكثر من تركيزهم على النقد التطبيقي. أنا متفائلة بالمشهدين الشعري والنقدي
على حدٍّ سواء، وأرى أن الإبداع العربي بخير. فقط نحن بحاجة للمزيد من الثقة بما نكتبه،
وما نكتب عنه.
*أيهما أكثر
غنى من حيث الإيقاعيّة، الشعر العربي القديم، ببنيته العموديّة، أم الشعر العربي الحديث،
ببنيته التفعيلويّة؟
- بصراحة، لا أقيس الأمور هكذا، أعني أنني لا أُمسك
بالآلة الحاسبة لأحصي الثروات الإيقاعية التي يتمتع بها الشعر العربي القديم والشعر
العربي الحديث، حتى أنني لا أستسيغ أن أصف الشعر بالقديم أو الحديث، فالقصيدة الحقيقية
تظلُّ حيّةً ومتوهجة دائماً، ولنا في تراثنا الشعريّ، الذي نجح في اختبار الزمن، مثال
على ما نقول. ثم إن الإيقاع ليس هو المعيار على شعريّة النص، مع إعجابي الشديد به كأحد
أهمّ مكونات النص الشعري العربيّ، بغض النظر عن شكل هذا النص. ولعلي لا أُبالغ إذا
قلت: إنني أجدُ في كثيرٍ من قصائد النثر، من الإيقاع، ما يطغى على الإيقاع الذي أجده
في بعض القصائد التفعيليّة، على صعيد إحساسي بذلك الإيقاع، وملاءمته لأجواء النص النفسية،
على سبيل المثال.
*يُلاحظ أن
قصيدة النثر بدأت بالانحسار لحساب شعر التفعيلة، الذي ما يزالُ يؤكّد جدارته الفنية،
من حيث الشكل، في استيعاب الطموحات الشعرية لدى الكثيرين من الشعراء العرب المعاصرين،
ما رأيك؟
- بصراحة لا ألحظُ ذلك، فنظرة سريعة على المجلات الأدبية
والصفحات الأدبية في الصحف اليومية - على سبيل المثال - تجعلُنا نكتشف دون عناء أن
أكثر من 80% مِمّا يُنشر من شعرٍ ينتمي لحقل قصيدة النثر. أنا محررة صفحة ثقافية لمدة
تقرب من العشرين عاماً، وأستطيع أن أحكم على الأمر بسهولة على هذا الصعيد. وهذا طبعاً
لا يُلغي الجزء الثاني من فرضية السؤال الذي يقول إن "شعر التفعيلة ما يزالُ يؤكّد
جدارته...إلخ"، فأنا أيضاً مؤمنة بذلك، ولكنني أيضاً مؤمنة بأن قصيدة النثر قد
أكّدت جدارتها على هذا الصعيد، وقبلهما القصيدة العموديّة. لا أحاكم الشكل، ولا أنحاز
تقييمياً لشكلٍ ضد آخر، وإن انحزتُ إبداعيّاً مثلاً لشكلٍ معيّن، شرط ألاّ يكون شكلاً
جاهزاً قبل تكوّن القصيدة.
*أيضاً ثمة
انحسار آخر للشعر العمودي، الذي يكاد يختفي
عن الأنظار، ولا يظهرُ للعيان إلاّ في بعض المناسبات الرسمية والتظاهرات الوطنية؟
- وهذا أسوأ ما في الأمر، أعني أن يرتبط شكلٌ معيّن
من أشكال الكتابة الشعرية بموضوعاتٍ بعينها، كأن ترتبطَ القصيدةُ العموديّة بما يسمّى
بالقصائد الوطنية، وقصائد المديح تحديداً. لعلَّ هذا أحد أسباب الانحسار الذي يشير
إليه السؤال. الشعر ضدّ الأشكال الجاهزة، وضدّ البلاغة الجاهزة، بل هو ضدّ كل ما هو
جاهز وناجز مسبقاً. الشعر دهشة متناسلة عن بعضها البعض، ولا يقتله أكثر من أن يجد نفسه
محاصرا بالشكل، قبل أن يتحقّق كقصيدة.
*هل الشعر
في الوقت الحالي صالح للتعبير، وقادر على مجاراة
العصر، وهل ذلك يتطلّب مواهب متميزة، خاصة، قادرة على تفجير طاقاتٍ تعبيريّة جديدة؟
- القصيدة قادرة على خلق زمانها، وهي ليست مجرّد وسيلة
للتعبير، هي لحظة دهشة كامنة في اللازمان واللامكان، لا تحتاجُ سوى إلى ومضة من الموهبة
كي تخلق زمنها ومكانها الخاصين، ولعلّها تكون هي الزمان وهي المكان.
*لدى العرب
الآلاف من الشعراء المعاصرين، وأيضاً الكثير من الشاعرات، ولكن ليس لديهم الآحاد من
الشعراء الكبار من جيل الروّاد، كأحمد شوقي، والشابي، والجواهري، والسيّاب، وقبّاني،
والقائمة تطول؟
- في زمن الشعراء الكبار، الذين ذكرتهم في سؤالك، كان
يوجد الآلاف من الشعراء المعاصرين آنذاك، لكن اختبار الزمن لا ينجح فيه سوى الكبار
يا عزيزي.
*ما هي المعطيات التي يتمّ بها النقد الثقافي السليم؟
- لا أعرفُ، ولا أستطيع أن أكتب وصفة دقيقة تشبه وصفات
الأطباء في هذا الشأن، ولكنني أستطيع على الأقل أن أشيرَ إلى قاعدة شرعية تصلُح لأن
تكون قاعدة ثقافية، وهي تقول: "استفتِ قلبك" أو "استفتِ ذائقتك"،
لأن النقد - وخصوصاً نقد القصيدة - يجب أن ينطلق من الذائقة، قبل أن يستعين بأدوات
نقديّة أخرى، ليست سوى أدوات مساعدة.
*كيف تكتبين
القصيدة، وما هو تصورك للشعر وطرائق تعبيره، وكيف تبدو رؤيتك عبره للعالَم من حولك؟
- ليتني أعرف كيف أكتب القصيدة، بل لو كنت أعرف من أين
أَبدأها، وكيف أُنهيها، على الأقل، لكتبت كل يوم عشر قصائد. ما زالت القصيدة بالنسبة
لي سرّاً عصيّاً على البَوْح بتفاصيله، ولغزاً مستحيل الحلّ، ولكنّها على أيّ حال ما
زالت أيضاً قادرة على انتشالي من كلٍّ تفكيرٍ مسبق، وكلّ تخطيط جاهز للكتابة.
*هل على الشاعر
أن يلتزمَ دائماً بقضايا الوطن والأُمّة؟
- ليس على الشاعر شيء، سوى أن يكون نفسه، وسوى أن يعبِّر
عن ذاته، بكلِّ صدقٍ وجمال وحِرَفيّة. أمّا تلك القضايا الكبرى للوطن والأمة، فليستْ
من مهمّات الشاعر، وهو بالمناسبة لا يملك من الأدوات ما يجعله قادراً، كشاعر وحسب،
على الاهتمام بها. ثم إن أهل السياسة، في وطننا العربي، ينافِسُون الهمّ الراقد على
القلب، في كثرة عددهم، وقوة عديدهم، فلندعْ قضايا الوطن والأُمّة لهم، وإلاّ فماذا
يفعلون؟!
*هل من أصواتٍ
شعريّة جديدة في (الكويت)، يمكن أن ينظرَ إليها بعين الدهشة والإعجاب؟
- بالتأكيد، هناك شعراء شباب تتخطّى تجاربهم حدود الدهشة
والإعجاب، ومنهم (سعد الجوير)، و(محمّد هشام المغربي)، و(حمود الشايجي)، وغيرهم، لكن
علينا الإشارة إلى الأصوات القصصيّة والروائيّة، التي ظهرت في (الكويت) مؤخّراً، متفوّقة
في عددها، وربما في مستواها، على الشعراء، ومعظمها أسماء نسائية. وأستطيع الإشارة على
هذا الصعيد إلى (استبرق أحمد)، و(ميس خالد العثمان)، و(بثينة العيسى)، و(هبة بوخمسين)،
وغيرهن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق