01‏/12‏/2014

دنيانا التي فيها معاشنا

د. يحيى ريشاوي
لا يمكن أن تقيّم مستوى رقي وتقدم أي شعب إلا بسلوكياته وتعامله الحضاري مع البيئة المحيطة به، تعامله مع الإنسان والحيوان والجماد، مع ما يحيط به من خيرات وثمرات وأشياء. المستوى الحضاري لا يقاس بالأدبيات، فحسب، وبما تحويه كتب التاريخ من مآثر وإنجازات، السلوك والتعامل الحضاري يقاس بما أنت عليه الآن .. الآن فقط لا غير!
زرت أخيرا عددا من الأخوة العائدين من حج بيت الله الحرام، وكنت أحاول أن أستشف منهم المخفي والمسكوت عنه من أحوال المسلمين، في تلكم البقعة المباركة، ولا أخفي عليكم أنني سمعت منهم ما يسر،
وكذلك ما لا يسر، ما لا يسر من تصرفات غير حضارية لبعض المسلمين، وأكوام النفايات الملقاة على جانب الطرقات، والتصرفات غير اللائقة (للبعض) أثناء حدوث الازدحامات، وحال ركوب الحافلات، ودخول مصاعد الفنادق، وغيرها كثير.. كنت أسمع منهم بعض لقطات هذا الجانب المحزن، من تلكم الشعيرة الروحانية العظيمة، وكلي ألم وحسرة واستغراب ! حين كنت أسمع تلك الروايات من الأخوة الحجاج، كنت أفكر بالزوار الأجانب (المسلمين الجدد)، وكيف تكون انطباعاتهم عن واقع المسلمين، في بلد يفترض أن (لا رفث ولا جدال) فيه؟!

نحن نحتاج إلى نقد صريح وبناء لهذه الصور المحزنة، وهذا الجانب السلبـي، من واقع بعض المسلمين. نحتاج إلى عشرات المحاضرات، والخطب، والكتيبات، حول (المحافظة على بيئتنا، والالتزام بقوانين السلامة المرورية، وكيفية الوقوف بشكل حضاري أثناء شراء حاجياتنا ومستلزماتنا، ونحتاج إلى دورات في تعلم فن الابتسامة، ولغة المجاملة، و..). وقد أعجبني كثيرا موضوع إحدى البرامج الدينية في فضائية (سبيدة)، حيث خصص الداعية الحلقة، ليس للحديث عن مآثر (عمر)، وغزوات (صلاح الدين)، أو صيام يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، بل خصصها كي يرشدنا إلى كيفية قيادة سياراتنا في الطرقات، والالتزام بالإشارات المرورية، والأخلاقيات الواجب اتباعها، وأنت خلف مقودك، راجعا إلى البيت، أو متجها إلى مكان عملك.. حقيقة أمتعني حديثه الواقعي والحضاري، ودعوت من ربي أن يهبنا خطباء ووعاضا، يحدثوننا عن دنيانا التي فيها معاشنا، كما يحدثوننا عن آخرتنا التي إليها معادنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق