01‏/12‏/2014

تحريف من نوع آخر

محمد واني
إذا كانت (التوراة) و(الإنجيل) قد تعرضا إلى التحريف والتشويه، من قبل البشر، بحسب النص القرآني، وأضيفت إليهما، أو نقصت منهما، كلمات: {يحرفون الكلم عن مواضعه}، من أجل تحقيق مصالح وغايات معينة، لفئة، أو لجماعة، أو أمة. فإن الدين الإسلامي أيضاً قد تعرض لتحريف وتشويه كبيرين، ولكنه تحريف من نوع آخر، لا يقل خطورة عن التحريف الذي أدخل إلى الكتابين السماويين السابقين: تحريف في (التأويل والتفسير)، وتحريف في تقطيع (القرآن)، وتجزئته، وأخذ ما يوافق آراء وأهواء ومصالح جماعة، أوحزب معين، وترك ما يخالفها. وهذا ما نهى عنه (القرآن) بشدة، عندما قال:
[أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ...]
صحيح أن نصوص القرآن وآياته بقيت، وستبقى، محفوظة إلى يوم القيامة، ولم يتغير الكلم عن مواضعه، لأن الله (سبحانه) قد تكفل بحفظه. ولكن التحريف جاء من خلال التأويل والتفسير - كما قلنا - عقب وفاة النبـي (صلى الله عليه وسلم) بفترة وجيزة، وأصبح ظاهرة، بعد انتشار الإسلام، وتمدده شرقاً وغرباً، ودخول الشعوب المختلفة في الدين الجديد، حتى ظهرت حركات وجماعات إسلامية سياسية واجتماعية لا حصر لها، كلها تزعم أنها تتبع القرآن، وتنهل من معينه، مثل: حركة (الخوارج)، و(الشيعة)، وحركات (الزنوج)، و(الحشاشين)، والفرق المتصوفة، والمعتزلة، والقدرية، والجبرية، والجهمية، وغيرها الكثير، ولحد الوصول إلى التنظيمات والجماعات والأحزاب الإسلامية المعاصرة، وهي كثيرة، أكثر من الهم على القلب، وكل واحدة من هذه الجماعات تدعي أنها على الحق وصراط مستقيم، وغيرها على الباطل والضلال المبين! والعجيب أن جميع هذه الفرق لديها ما تؤكد به، بدلائل قاطعة من آيات الذكر الحكيم، أنها على الحق، وغيرها على الباطل!

والسؤال الذي يطرح نفسه: فإذا كان الجميع على الحق، فمن إذن على الباطل؟! ومن هو المسلم الحقيقي، ومن هو المسلم المزيف؟ ومن يزايد على الإسلام، ويتاجر به؟ ومن يخلص له، ويدافع عنه؟ لا أحد يعرف بالضبط الجواب القطعي لهذه الأسئلة، وسط الكم الهائل من الاختلاف القائم بين المسلمين، والذي يصل في كثير من الأحيان إلى حد التقاتل والتذابح!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق