أحمد الزاويتي
عانت كوردستان كثيراً من كونها مركز التأثر الإقليمي، خاصة في المائة
سنة الأخيرة، فهي كانت الأكثر تأثراً باتفاقية (سايكس - بيكو)، بعد الحرب العالمية
الأولى، حيث حُرم أكبر شعب في المنطقة من أن تكون له دولة، ولم يقف التأثر بالمتغيرات
الجيوسياسية عند حد الحرمان من الدولة وحسب، بل توسع إلى حد أن يعاني كل جزء من أجزاء
كوردستان، في دولها الجديدة (تركيا، إيران، العراق، سوريا) من حرب للقضاء على الوجود
الكوردي كجغرافيا (وطن)، وكإنسان (مواطن)،
خاصة بعد ثورات اندلعت رفضاً للواقع الجديد.
ففي تركيا قامت ثورة الشيخ (سعيد بيران) عام 1925، وأفرزت حالة عداء تركية للقضية الكوردية،
بدأت بإعدام الشيخ (سعيد بيران)، مع قيادات الثورة، وقتل 15 ألف من الثوار الكورد،
وإزالة 210 قرية من الوجود، ونهب ممتلكات وثروات كل من وصلت إليه أيدي الجنود الأتراك،
وتهجير مئات الآلاف من الكورد إلى الدول المجاورة.
وقد امتدت حالة رفض الوجود الكوردي كقضية شعب، إلى ما يقرب ثلاثة أرباع
القرن، واستمرت كوردستان الشمالية في حالة شبه حرب، نسي بسببها ملايين الكورد هناك
لغتهم، وتركوا ديارهم ليذوبوا في المجتمع التركي تماماً، وليتحول الجزء الكوردي من
تركيا إلى أفقر المناطق، رغم أنه في الأصل أكثر المناطق من حيث الغنى في مجالات المياه
والأراضي الزراعية، بل حتى النفط والثروات الأخرى.
وبعد قرن من الزمن، وبعد استمرار النضال الكوردي في تركيا، واقتناع الحاكمين
هناك بأن القضية الكوردية أصبحت تتحول من مركز التأثر إلى مركز التأثير، بدأوا يراجعون
حساباتهم، ويضعون خططاً لحل المشكلة، ويعيدون الاعتراف بأن هناك مشكلة ويجب أن تحل،
وهي أولى نتائج التحول من التأثر إلى التأثير.
ما تحدثنا عنه يظهر أكثر جلاءً في كوردستان الجنوبية (العراق)، التي سبقت
كوردستان الشمالية عندما قام الشيخ (محمود الحفيد) بثورته في (السليمانية)، وأعلن عن
(مملكة كوردستان) عام 1919، فيما لم يكن قد أُعلن عن (العراق) بعد. لكن ثورة الشيخ
(محمود) اصطدمت بإرادة المستعمر البريطاني، الذي تصدى بكل عنف لثورة (الحفيد)، وقضى
البريطانيون باسم العراق الجديد على الثورة. وبعد ذلك اندلعت ثورات (الملا مصطفى البارزاني)،
التي بدأت في أربعينيات القرن الماضي، واستمرت حتى منتصف السبعينيات، لتخمد، ثم تتجدد
بقيادة شباب شبّوا على الثورة، وهم (مسعود البارزاني، و(جلال الطالباني)، و(سامي عبدالرحمن)،
وآخرين، وصولاً إلى الانتفاضة عام 1991.
انتقلت حالة العداء الاستعماري للإرادة الكوردية في (العراق) من المستعمر
إلى السلطات العراقية، التي شكّلها الاستعمار، بدءاً من الملكية، ومروراً بالجمهورية،
ولا تزال حالة العداء الاستعماري موجودة في كل سلطة عراقية تحكم في (بغداد)، وحتى الآن،
رغم أن الكورد في (العراق) يرون أنفسهم حالياً جزءاً من تلك السلطة.
كانت كوردستان مركز تأثر سلبـي نتيجة عداء أنظمة الحكم المركزية في (العراق)
للقضية الكوردية، فنتج عن هذه الحالة دمار 4500 قرية، وقتل ما يقارب النصف مليون إنسان
خلال مائة سنة، وتهجير مثل هذا العدد من موطنهم.
لم يتنفس الكورد الصعداء في (العراق) إلا بعد أن تحولت القضية الكوردية
في (العراق) من حالة التأثر إلى حالة التأثير حالياً، فـ(أربيل) أصبحت مركزاً لحل ما
يمر به (العراق) من أزمات سياسية وأمنية وعسكرية، ويجب أن تستمر كوردستان في حالة التأثير
حتى تصل إلى حالة من الاستقرار تكسب معها ما فقدته خلال قرن.
أما لو تحدثنا عن كوردستان الشرقية (إيران)، والغربية (سوريا)، فنستطيع
القول بأنه رغم أن كوردستان في (إيران) واكبت ثورات كوردستان في (تركيا) وفي (العراق)،
ففيها تم الإعلان عن (جمهورية مهاباد)، ومن ثم تم القضاء عليها بتواطؤ دولي مع السلطات
الإيرانية، ومن ثم أصبحت كوردستان ضحية ظلم إيراني استمر حتى الآن، فرغم ثورات ونضال
الكورد إلا أنه لم تستطع كوردستان الشرقية أن تنتقل من حالة التأثر إلى حالة التأثير،
ولا تزال كوردستان هناك تعيش حالة التأثر السلبـي من عداء النظام للقضية الكوردية في
إيران. كذلك كانت القضية الكوردية في (سوريا)، التي لم تعش ثورة ولا مقاومة أو مواجهة
مع النظام إلا مؤخراً، بعد الثورة السورية، فالقضية الكوردية في (سوريا) كانت - ولا
زالت - أسيرة التحرك الكوردي في الشمال (تركيا)، والجنوب (العراق)، سواء بموالاة (حزب
العمال الكوردستاني)، وقبول فكر (عبدالله أوجلان)، أو بموالاة (الحزب الديمقراطي الكوردستاني)،
بزعامة (الملا مصطفى البارزاني) -سابقاً- و(مسعود البارزاني) -حالياً- وكذلك موالاة
(الاتحاد الوطني الكوردستاني)، بزعامة (جلال الطالباني). وكان سبب ذلك أن السلطات السورية
لم تعترف - ولا تزال - بوجود كوردي في (سوريا)، وكان الكورد هناك محرومون حتى من انتمائهم
السوري، ولم تتبلور القضية الكوردية في (سورية) عن نموذج خاص بها، وربما ما يجري في
(كوباني) الآن من مقاومة بطولية ضد مسلحي (داعش)، والاهتمام الدولي بهذه المقاومة،
في وقت تشكل فيه تحالف دولي ضد (داعش)، قد يبلور نموذجاً خاصاً للقضية الكوردية في
(سوريا)، يحول القضية من حالة التأثر إلى حالة التأثير مستقبلاً.
دوما يتألق قلمك كصوتك وحضورك الاعلامي المتميز من اجل خدمة قضيتك الاولى، مقال رصين محبوك يجد القارئ فيه حاجته من المعلومات ومن الاراء.
ردحذفدمت مبدعا اخي احمد
اليوم أن الأمور انقلبت رأساً على عقب فقد قام أكبر تحالف دولي في القرن الواحد و العشرين ليقف الى جانب الكورد في الدعم العسكري من تمويل و تدريب و دعم اقتصادي في مواجهة الارهاب الذي يهدد وجود الكورد على الأقل في كوردستان الجنوبية , رأينا أيضاً توجه قوة عسكرية كوردية من جنوب كوردستان الى غرب كوردستان في كوباني في حين أن النظام السوري لم يكن يعترف بالوجود الكوردي أساساً , هذا الأمر و التوجه بحد ذاته يولد علامات استغرابٍ كبرى لدى البعض بمعنى أن الزمن تحول حيث ان هذه القوات قد عبرت من جنوب كوردستان ثم شمال كوردستان ثم الى غرب كوردستان وبمباركة من الأظمة الحاكمة في كل من ايران وتركيا علناً وسوريا ضمناً,,,, استاذ زاويتي صديقي البطل سألقبك بهذا الوصف دائماً كونكَ احد الغيورين على قضيتك ضمناً و علناً , فتحياتي لك واحترامي و انحنائي لقلمكَ الحقْ.
ردحذف