01‏/12‏/2014

الكهنة المسيحيون وخدمة اللغة الكوردية

بقلم: د. فرست مرعي
المقدمة
 ظن الكثيرون أنه ليس لرجال الدين المسيحيين شأن يذكر في خدمة اللغة والثقافة الكوردية، على أساس أن جهودهم وإمكانياتهم تصب جميعاً في خدمة الدين المسيحي، والتراث السرياني، فضلاً عن أن اللغتين السريانية والكوردية تنتميان إلى عالمين مختلفين، هما: السامي، والهندو- إيراني (= الآري).
ولكن رغم ذلك، فإن للعديد من هؤلاء الكهنة (1) جهودٌ لا بأس بها في خدمة اللغة والثقافة الكوردية؛ جاءت في حقيقة الأمر نتيجة العيش في الوطن الواحد (كوردستان)، والمصير المشترك، وعشرات القرون
من المحن والآلاَم التي ترتبت على تجاذبات الحياة تلك.
إذن فكوردستان هي موطن الجميع، وهي الحاضنة التي تحتضن جميع الأديان والقوميات والمذاهب، التي يتألف منها فسيفساؤها، والذي يضيف رونقاً وبهجة على جبال وهضاب وسهول كوردستان، مثلها في ذلك مثل الأزهار والورود العديدة الألوان، والمتنوعة الروائح، التي تضيف جمالاً على الطبيعة، مما يسر الناظرين.
وجدير بالذكر أن الكثير من الشخصيات الاجتماعية والفكرية والحزبية والدينية، من المسيحيين، يعدون أنفسهم من المنتمين إلى قوميات أخرى لا تمت للكورد بصلة، غير العيش المشترك والجيرة، مثل: الكلدانية، والسريانية، والآشورية، وهذا شأنهم، وخيارهم، ولهم الحق في ذلك، فالقومية شعور بالانتماء، ولا يستطيع أي كائن أن يفرض ديناً أو قوميةً أو فكراً أو اتجاهاً محدداً على أحد {لا إكراه في الدين}. ولنضرب مثالاً على ذلك، فقد حاول النظام السابق أن يفرض التعريب على المسيحيين واليزيديين، ولكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، لأن المسيحيين لهم شعور بالانتماء خاص بهم، سواء أكانوا كورداً أو عرباً أو كلداناً أو آشوريين أو سريانيين، كما أن اليزيديين هم كورد أقحاح، لا يتناطح في ذلك عنزان.

المسيحيون الكورد
وفي خضم هذا الواقع المليء بالأشواك، يثير البعض سؤالاً، ولهم الحق في ذلك، مفاده: لماذا لا يوجد مسيحييون كورد، على غرار المسيحيين العرب؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال بطريقة علمية أكاديمية، بعيداً عن العاطفة والآيديولوجيا، التي مع الأسف الشديد هي سمة الكثيرين من كتابنا ومثقفينا الكورد، على وجه التحديد، لا بد من القول إن هناك فرقاً بين الدين كمعتقد، وبين القومية كعرق. فالإنسان يستطيع أن يغير معتقده وفكره كما يحلو له، ولكنه لا يستطيع أن يتخلص من موروثه العرقي (= السلالي) بهذه البساطة حتى لو أنكر ذلك، لأن الصفات الوراثية التي ورثها من أسلافه ستبقى ملازمة له إلى نهايته.
نعم قد يتنكر الإنسان لأصله أو لعرقه بسبب ظرفٍ ما سلبـي أو إيجابي، ولكنه لا يستطيع أن يكبح تلك العاطفة الحميمية تجاه بني جنسه، وللقاعدة شواذ.
وبخصوص الإجابة على السؤال السابق، يذكر المطران (أدي شير) (ت 1915)، في معرض النزاع الذي حدث بين الأساقفة بعد وفاة الجاثليق (يهبالا) سنة 420م، وتولي (داد يشوع) الجثلقة، وحرمانه لعدد كبير منهم، مما حدا بهم إلى أن يشتكوه إلى الملك الفارسي الساساني (بهرام الخامس) (420-432م)، الذي ألقاه في السجن وضيق عليه، وحينئذٍ توسط سفير الملك البيزنطي (ثيودو سيوس) (395- 426م)، وتمكن من إخراج (داد يشوع) من السجن، لذا تقاطر عليه المعارضون له، ومن ضمنهم الأسقف (أرداق) أسقف منطقة (مشكنا دقوُردو)(2) (مساكن الكورد - كوردستان) أو أسقف الكورد، وهذا دليل أكيد على أن مفردة (كوردستان) ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، وهو أقدم وروداً من المصادر الإسلامية.
كما أن المستشرق الفرنسي المختص بالسريانيات (روبنس دوفال) يذكر في سير الشهداء والقديسين، أن هناك كتاباً باسم (الفردوس المفقود) لـ(داؤد) أسقف الأكراد(3).
ولا حاجة لإيراد ما دونه المؤرخ الإسلامي الشهير (المسعودي) (ت 436هـ/1044م) حول وجود مسيحيين كورد تحت اسم اليعاقبة (المنوفستيين - أصحاب الطبيعة الواحدة)(4)، وأشار إليهم الرحالة الإيطالي الشهير (ماركو بولو) (5) في رحلته إلى (الصين)، حينما ذكر بأنه شاهد أكراداً نساطرة، وأكراداً يعاقبة(6). والنساطرة كانوا متواجدين آنذاك في منطقة بهدينان وهكاري، واليعاقبة (= السريان الأرثوذكس) كانوا متواجدين آنذاك في منطقة طور عابدين - جبل العباد الزهاد (= المنطقة المحصورة بين جزيرة بوتان وماردين).
ولكن هذا لا ينفي وجود مسيحيين كثيرين ساكنين في كوردستان ينتمون إلى قوميات أخرى، فكوردستان كانت وستبقى تفتح ذراعيها لكل من يريد العيش فيها، أو اللجوء إليها، لأن الكورد كانوا وما يزالون إنسانيين بكل المقاييس، رغم بعض المنغصات هنا وهناك، والتي لا يخلو منها مجتمع إنساني.

بداية ظهور الكرشوني الكوردي
الكرشوني: إن مصطلح "گرشوني/ Garshuni" يشير في الأصل إلى تلك النصوص العربية المكتوبة بالأبجدية السريانية. ومن الغريب بما فيه الكفاية أن شكل الكتابة السريانية الواسعة الانتشار كان لها بعض الأثر في أدب المجتمعات غير السامية في المنطقة: الأدب الفارسي، الأرمني، التركي، والكوردي. وهو استخدام الأبجدية السريانية في رسم لغة أخرى، أي بعبارة أخرى: كتابة الخط السرياني بأحرف لغة أخرى.
ولقد ظهر الگرشوني العربي في القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام، في عهد الخليفة الراشد الثاني (عمر بن الخطاب) (رضي الله عنه)، حيث بدأ تحديداً في المناطق التي كان الناطقون بالسريانية يتواجدون فيها، حيث فضلوا آنذاك استخدام حروفهم السريانية لكتابة اللغة العربية، بعد أن اتسع شمل الدولة الإسلامية، وأخذت اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) تكتسح اللغات الأخرى من سريانية وقبطية ويونانية وبهلوية.
أما الگرشوني الكوردي، أي كتابة الخط السرياني بالكلمات الكوردية، فلا تعرف نقطة بدايته على وجه التحديد، أو في حقيقة الأمر لم يكن له وجود البتة، حسب ما كان يعتقد. ولكن بعد ظهور (مخطوطة أرادن) التي قدمها القس (فرنسيس داود) كاهن قرية (أرادن)، التابعة لقضاء العمادية في محافظة دهوك (7) إلى مكتبة المتحف العراقي في 12/9/ 1975(8)، تغيرت هذه القاعدة من الأساس.
وتكمن أهمية هذه المخطوطة في أن الناطقين بالسريانية، وخاصة الكلدان منهم، كتبوا أكثر من لغة بحروفهم السريانية. فقد كان يعتقد في السابق، أن الكتابة بالحروف السريانية، والنطق بلغة أخرى غير السريانية، وهو ما أطلق عليه (الگرشوني)، كان حِكراً على اللغة العربية، إلا أنه بعد هذا الكشف تبين أن الناطقين بالسريانية كتبوا نطق لغات أخرى غير العربية، مثل: الكوردية، كما ذكرنا آنفاً.
والمخطوطة موضوعة البحث هي من تأليف الراهب القس (عبدالأحد عوديش بن خوشابا البقال الألقوشي)، أحد رهبان دير (الربان هرمزد)(9)، وقد وضعها سنة 1888م (10).
وغني عن القول إن الراهب القس (عبد الأحد عوديش)، كان خدم ككاهن (= قس) في عدد من القرى المسيحية في منطقة بهدينان، وبفضل ذلك أجاد اللغة الكوردية، فضلاً عن معرفته الواسعة باللغة السريانية: وبذلك تمكن من وضع هذه المخطوطة موضوعة البحث، التي أطلق عليها (مخطوطة أرادن)(11).
تتكون المخطوطة من 341 صفحة، وهي مقسمة إلى قسمين: الأول ويضم 186صفحة، تتناول (صرف) الكلمات الكوردية ومشتقاتها ومعانيها باللغة السريانية، أما القسم الثاني فيتناول مقتطفات من الأناجيل الأربعة (12) باللغة الكوردية - لهجة بهدينان (= اللهجة الكرمانجية الشمالية)، ومرتبة حسب ورودها في (الإنجيل).
ويذكر الباحث الإيراني (مصطفى دهقان)، في مقالته (مخطوط سرياني كوردي من بغداد)، وصفاً للمخطوطة، نقلاً عن (بطرس حداد) و(جاك إسحاق)، في فهرستهما للمخطوطات السريانية: "إن مخطوطة بغداد المسماة "كْتَابَا دْ - تُوُرَاشْ مَامْلا كَرْتْوَايَا" أي، كتاب في قواعد اللغة الكوردية، مكتوبة بالإملاء السرياني باللهجة البادِينِية للكوردية الكرمانجية، منسوخة في (أرادن صابنا) (العَمّادية). 
يتألف المخطوط من 172 رقاقة، وقياس كل رقاقة 22,5 × 16,0 سم. يتشكل النص من 19 سطراً، لكل رقاقة مع غلاف مقوى. والمؤلف هو الأب (عبدالأحد ألقوش ابن عَبْدِيْشُو)، من القرن الـ19، وهو راهب (= رَبَّن)، ومار هُوْرْمِزْدْ، والذي ألف رسالة أخرى بعنوان "مواعظ دينية" في عام 1897م. في الرقاقة 2ف، يشرح المؤلف الهدف من الكتاب، ويؤرخ له: "إنني أدون كتاب قواعد اللغة الكوردية، الذي ألفه الأب الراهب والقسيس (عبد الأحد ألقوش)، ابن (عبديشو بن خُوْشَابا بَقَّالا) وهو أحد رهبان ربّن ومار هورمزد في العام 1888 للمسيح، بينما كان في المهمة الرسولية في الجبال…"(13).
ومن ثم يستمر العمل كي يتتبع أساسيات اللغة الكوردية. وفي سعيه لكي يقدم الأسماء الكوردية، يفتتح (عبلحد) القواعد بـ: "أولاً، الأسماء الاستفهامية المفردة، والجمع، والأجوبة"، التي تتضمن الحالات المطلقة، والمحدَّدَة، وأشكال الجمع. وبالنسبة إلى المفردات، فإن المؤلف، أو لاحقاً قارىء النص، يشير في الهامش إلى عدة كلمات سريانية مشتركة في أصلها مع الكوردية.
أما الرقاقة 9ف فتبدأ موضوعاً ثانياً، وهو الضمائر المستقلة، وتصريف الأفعال. وبحسب قوله يشتمل هذا القسم على تفاصيل عن:
"تصريف الماضي، والحاضر، والمستقبل، والمبني للمجهول، وحالة المصدرية".
القسم التالي (رقاقة 80ر ف ف) يتعامل مع الأقوال الكوردية المأثورة. ففيما يتعلق بالفلكلور الكوردي، عمد (عبد الأحد) إلى كتابة بعض الأسئلة والألغاز الكوردية بالإملاء السرياني، مرفقة بترجمتها إلى السريانية. ويظهر التقسيم الرئيس والثانوي المتناغم لنص كل قول مأثور في قطع أصغر من الكوردية النقية، في الأمثلة التالية:
القول (الكوردي): "اثنان من الملالي في عمامة واحدة (= محاولة الاستهزاء بعلماء الإسلام من الكورد تحديداً).
اثنتا عشرة ناعورة في طاحونة، إحدى وخمسين قدماً في فردة حذاء واحدة".
التفسير (السرياني): "الشمس والقمر في السماء، 12 شهراً في السنة، واحد وخمسون أسبوعاً في العام".
وها هي الملاحظة الإفتتاحية في الرقاقة 99ف: "ثم بحول وقوة ربنا، سنكتب بضعة فصول من أصحاب الأناجيل الأربعة في نفس اللغة، أعني: (متي) و(مرقس) و(لوقا) و(يوحنا)؛ من ترجمات (عبد الأحد) السابق ذكره".
وهي تتميز بغلبة جدية مقاصده، ورغبته الحماسية في جعل دراسة (الإنجيل) ذات حظوة كبيرة لدى القراء الكورد (= محاولة تنصير الكورد).
ومن الرقاقة 100ر إلى 157ف يقدم الأب (عبد الأحد) ترجمة كوردية لبضعة فصول من (يوحنا) و(لوقا) و(متي)، وأيضاً لأقسام من رسائل (بولس). في المحتويات، رقاقة 157ف، ينجح في إلتقاط روح بعض الترانيم من قيامة المسيح، التي ترجمها إلى الكوردية.

الرقاقة 168ر تقدم خاتمة مفصلة أكثر، والتي تقرب القارئ أكثر إلى التاريخ الدقيق لكتابة هذه القواعد: "في شهر آب، اليوم 28، من سنة 1888 لربنا، أثناء أيام قداسة البابا العظيم ليو (= ليون الثالث عشر 1810-1903م) بابا كل المسكونة (= المعمورة)، والقديس إيليّا (= مار إيليا الثالث عشر عبو اليونان 1878-1894م)، بطريارك الكاثوليك في بابل، والقديس غيوارغيس (= كوركيس) الأسقف - مطران العمادية".
يتبين أيضاً من الخاتمة أن الناسخ الشماس (ألياس هومو) من (ألقوش)، قد كتب المخطوطة لكن برعاية الأب (عبد الأحد) نفسه(14).

تعليق الباحث
في اعتقاد الباحث أن كتابة الكرشوني الكوردي أقدم مما ورد في مخطوطة (أرادن)، التي ترجع كتابتها إلى سنة 1888م.
إن تاريخ التقليد الطرشوني في الأدب الكوردي، المدون باللهجة الكرمانجية، من قبل الكتاب السريان، والنشط خاصة في كوردستان العراق، من عام 1800م فلاحقاً، يبدو أنه كان معقداً جداً، نتيجة عوامل متنوعة، وجوانب مختلفة. في المسألة الأولى لـ(مجلة الدراسات الكوردية) المحترمة، قدم (فيليب غ. كريِنبروك) ما يعتبر ربما أفضل وصف حديث لما أصبح مساهمة أدبية كردو- سريانية مفيدة للدراسات الكوردية، بالطبع فإن النسخة الكوردية للنص، الذي أُنشئت مقالة (كرينبروك) على أساسه، قد نشرها أول الأمر (مار يوليوس يشوع جيجك) كجزء من كتيب بالسريانية بعنوان (كافو د – هابوبي) (باقة من الزهور). وهي تعزى إلى المفريان (= نائب البطريرك) شمعون الثاني (1695-1740م) من بيث منعم (= قرية قديمة تقع في منطقة طور عابدين)، وهو كاتب غزير الإنتاج في السريانية والكوردية، ولا تزال أعماله تطبع في منطقة (طور عابدين) في (كوردستان تركيا). وقد قدم الباحث السرياني (أسمر خوري) ترجمةً إلى السريانية لقصيدة كوردية لـ(شمعون الثاني)(15). 
ومن جانب آخر، فقد كان لجهود القس (يعقوب بن القس كانون البارزاني آل نجار) في كتابة الكرشوني الكوردي، قصب السبق في هذا المجال، على أقل تقدير في كوردستان الجنوبية (= كوردستان العراق)، وإلى أن تكتشف مخطوطات أخرى لا زالت طي النسيان.
إن المخطوطات التي كتبت بالكرشوني الكوردي كانت محفوظة ضمن مخطوطات (أبرشية عقرة)، وهذه الأبرشية تم استحداثها سنة 1852م، حين قام المطران (= البطريرك) يوسف أودو (1847-1878م) بتقسيم (أبرشية العمادية)، المترامية الأطراف، إلى ثلاثة أبرشيات: عمادية، عقرة، زاخو، وتم تعيين (مارايليا سفرو) من أسرة آل أبونا الألقوشية،- بعد أن دخل في نزاع مع المطران (أودو) (قبل انتخابه بطريركاً)- مطراناً على (أبرشية العمادية) في زمن عمه البطريرك السابق (يوحنا هرمزد)(16).
وكان الأب المستشرق (جاك ماري فوستي) الدومنيكي Jacques-marieVO3TE,O.P، قد زار (عقرة)، وسكن فيها، من 28 تشرين الأول وحتى 3 تشرين الثاني سنة 1938م، وبمساعدة الأب (ميخائيل إيشوع)، الوكيل البطريركي على (عقرة) يومذاك، والقس (بولص يونان) تلميذ معهد (مار يوحنا الحبيب) بـ(الموصل)، تمكن من وضع فهرس مخطوطات (أسقفية عقرة)، لا سيما المخطوطات التي كانت تحتفظ بها كنيسة عقرة وكنيسة قرية خربة (= غرب عقرة)، القرية التي يقع إلى جوارها دير(مار يعقوب)، الشهير بـدير (بيث عابي - دير الغاب).
ونشر الأب المستشرق (فوستي) حصيلة عمله في مجلة (المعهد الشرقي) بـ(روما)، وبلغ عدد المخطوطات التي رآها (فوستي)، ووضع لها فهرساً، (67 مخطوطة)، بينما بلغت المخطوطات التي فهرسها الأب الدكتور (يوسف حبـي) (96 مخطوطة) (17). ولعل أهم المخطوطات هي: مخطوطة العهد القديم، والعهد الجديد، وصلوات الطلب (= الباعوثا)، وغيرها من المخطوطات القديمة جداً من مخطوطات دير مار يعقوب (بيث عابي).
أما أهم المخطوطات، وأجملها، فهي ذات أصل ألقوشي، ولا عجب فقصبة (ألقوش) مدينة الخط السرياني الشرقي، ومعين غزير للمخطوطات(18).
وأهم المخطوطات التي تضم الكرشوني الكوردي، هي حسب الترتيب التاريخي:
1- مجموعة في التوبة، وفي أسرار الكنيسة، وفي الكهنوتية: يضم هذا المحتوى 26 موضوعاً مختلفاً، في مواضيع مسيحية مختلفة. ولكن ما يهم موضوع بحثنا، الموضوع الأخير رقم 26: فصل من (إنجيل متي) باللغة الكوردية، ومكتوبة بالكرشوني، وهو (إنجيل ماراسطفيا نوس الطقسي). الورقة (147ب)، كاتبها القس (يعقوب بن القس كانون البرزاني آل نجار) (النجارين)، فرغ من كتابتها في 30 تشرين الأول سنة 2166 يونانية - 1844م (هكذا، والصحيح 1855م).
كتبت في (برزان) في أيام مار (يوسف أودو) الجاثليق بطريرك بابل. على الورقة 55 نقرأ ما تعريبه: "تمت في 2 نيسان سنة 2166يو - 1844م في (برزان)، على يد القس (يعقوب بن القس كانون البرزاني) من (آل نجار). على الورقة 58": ملاحظة بالكوردية (19).
أما مخطوطات دير الآباء الدومنيكان بـ(الموصل)، فهي تضم عدة مخطوطات بالكرشوني للقس (داود بن يوخنان بن نيسان كوركو القرداحي البرزاني)، ولد (داود) في قرية تقع على نهر الزاب الكبير، قرب (بارزان)، في نهاية القرن الثامن عشر. وبدأ عمله في قرية (بارزان) في استنساخ الكتب. وفي سنة 1827م حدث طاعون في منطقة (الزيبار)، امتد إلى (الموصل)، حيث هلك المئات من الناس، ومن ضمنهم عمه القس (حزيران)، الذي هو الآخر له كتابات بالكرشوني الكوردي، تعد الكتابة الأولى بالكرشوني الكوردي (20)، حسب علمي.
 وأهم هذه المخطوطات هي:
1-     مديحة القس داؤد البرزاني للتوبة، باللغة الكوردية (الكرشوني).
2-     مديحة بالكوردية الكرشونية عن الحسد والمحبة والمال، وقرب مجيء المسيح.
3-     مدراش (= مرثية) على موت ابنه (انطوان) في قرية (كانيفلا) (= غرب ناحية مريبا) في التاسع من آب 1865مسيحية (ميلادية)(21).
كما يجب أن لا ننسى إسهامات الراهب (إرميا جبرائيل شامير) (جرمياس شامير) (الذي ولد في قرية (عينكاوة) عام 1821م، ودخل سلك الرهبنة في دير (الربان هرمزد) في (ألقوش)، في 23 حزيران 1859م، ثم تركها وعاد إليها، ثم تركها نهائياً، وعمل في (الموصل) مع المستشرق الألماني (أدوارد زاخاو)، المتوفى سنة 1930م، وترك الكثلكة، واعتنق البروتستانتية، وبعد عمر مديد في تجارة المخطوطات، توفي في مدينة (الموصل) عام 1904م، حيث ترك لنا عدة مؤلفات باللغات العربية والسريانية والكوردية(22).
وما يهم موضوع بحثنا، فقد كتب (شامير) في سنة 1883م معجماً باللغات الثلاثة: سورث (= سرياني محكي) - عربي - كوردي. وقد قام الباحث الإيطالي (بيتا كويني) بنشر قسم من هذه المخطوطة في (روما) سنة 1976م.
كما أن لـ(شامير) معجم إنكليزي - سورث - كوردي باللهجة العينكاوية، كتبه وأكمله سنة 1882-1883م. وقد قام (مارك ليوزبارسكي) بترجمتها ونشرها، ويذكر الباحث المسيحي (عزيز نباتي) أن لـ(شامير) مخطوطات باللغة الكوردية(23) أيضاً، محفوظة في ( Staatsbibliothek zu Berlin-Preußischer Kulturbesitz مؤسسة التراث والثقافة في برلين) (23)، لكن تم التعرف عليها ودراستها بالتفصيل فقط من عقود حديثة فلاحقاً، والبعض منها يحتوي أعمالاً فريدة متعلقة بهذا الحقل من الدراسات.
مما تقدم يبدو أن لرجال الدين المسيحيين، من الكهنة والرهبان، إسهامات عديدة في خدمة اللغة الكوردية: حرفاً ونحواً ومعجماً، ولكن لم يتسن-مع الأسف الشديد- الاطلاع عليها، نظراً لأنها مكتوبة في مخطوطات يتعذر الاطلاع عليها، ومدونة بالأبجدية السريانية، التي لا يستطيع الباحثون الكورد الاطلاع عليها وقرائتها، لعدم إلمامهم بهذه اللغة، التي كان لها دور لا يستهان به فيما مضى في العصور القديمة، وإلى حد ما في العصور الإسلامية.

المصادر و المراجع و الهوامش
1-          الكاهن: وهو خادم دين، وفي اصطلاح (الكتاب المقدس) الشخص المختص لتقديم الذبائح. وطبقة الكاهن ورتبته من (كهنوثا)، كهنوت أي قدس قداسة، ومنها جاءت كلمة قس من القدس أي من القداسة، ولكن دغمت الدال فاصبحت الكلمة قس، وهو الكاهن. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 791؛ داود الجلبـي، الآثار الآرامية في لغة الموصل العامية، الموصل، مطبعة النجم الكلدانية سنة 1354هـ/1935م، ص78.
2-          تاريخ كلدووآثور، بيروت، 1913، ج 2، ص120.
3-          تاريخ الأدب السرياني، ترجمة: الأب لويس قصاب، الموصل، ص168.
4-          مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، دار الفكر، 1409هـ - 1983م، ج2، ص104.
5-          ماركوبولو: رحالة إيطالي ولد سنة 1254م في مدينة فينيسيا (البندقية)، ذهب إلى (الصين) في رحلة تجارية، استغرقت رحلته حوالي 20عاماً، توفي سنة1324م.
6-          وليم مارتسدن: رحلات ماركوبولو، ترجمة: عبدالعزيز جاويد، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977م، ص37.
7-          أرادن: قرية كوردية تقع على سفح جبل (متين)، على علو 1140م فوق مستوى سطح البحر، تحيط بها بساتين مثمرة، وتسقيها مياه عيون صافية وعذبة. كانت مركز أبرشية بهدينان (1910-1947م) ثم نقل كرسيها الكهنوتي إلى العمادية. أشهر مزاراتها هو مزار سلطان مهدوخت الشهير، يقع على بعد 4 كم من القرية، ويتكون من صحنين حجريين طول كل منها 24م، ويعتقد أن البناء يرجع إلى القرن الرابع الميلادي. وفي سنة 1908م انشأت في أرادن (رهبنة قلب يشوع الأقدس) بجهود القس عبدالأحد ريس.
8-          أسامة النقشبندي: مخطوطة أرادن، الموصل، مجلة بين النهرين، العدد الثالث عشر، 1976م، ص69.
9-          الربان هرمزد: ولد الربان هرمزد في بيث لاباط (= شيراز الحالية) من إقليم فارس، من أبوين مسيحيين، وبعد أن تمرس (هرمزد) في الحياة النسكية ترك والديه قاصداً الأراضي المقدسة، وبعدة مسيرة 37 يوماً وصل إلى مدينة (الموصل)، وفيها التقى بثلاثة رهبان من دير الربان برعيتا، الواقع شرقي قصبة كرمليس. بعدها قصد الربان (هرمزد)، مع زميله الربان (إبراهيم)، جبل ألقوش الحالي، حيث يقوم ديره منذ ذلك الحين من (القرن السابع الميلادي). وهناك في قلب الوادي وجد الاثنان ينبوع ماء ينساب بين الصخور (عيناد دقديشا: عين القديس حالياً) فسكنا في مغارة بجواره، ولكن الربان إبراهيم لم يمكث طويلاً مع رفيقه هرمز سوى ثلاثة أيام، ثم تخلى عنه وانتقل إلى شمال شرق قرية باطناية، حيث بنى ديراً باسمه، أما الربان هرمزد فعكف على الاختلاء وإماتة الذات في هذا الوادي السحيق، وجاء العديد من التلاميذ للتنسك والزهد معه، بعدها توفي الربان هرمزد ودفن جسده في ديره. انظر: يوحنا جولاغ: دير الربان هرمزد، الموصل، مجلة بين النهرين، العدد الرابع، سنة 1973م، ص394-396.
10-     أسامة النقشبندي، المرجع السابق، ص70.
11-     المرجع نفسه، ص70.
12-     وهي: إنجيل متى، إنجيل مرقص، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا.
13-     بطرس حداد وجاك إسحاق: المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد، 1988م، ص 357-358.
14-     مصطفى دهقان: مخطوط سرياني كوردي من بغداد...، ترجمه عن الإنكليزية: غياث حسين، http://www.medaratkurd.com/.
15-     15- المرجع نفسه: http://www.medaratkurd.com/.
16-     د. فرست مرعي: بارزان وأنحائها في المصادر السريانية، دهوك، مجلة دهوك، العدد 32، تشرين الأول، 2006م ، ص84-85.
17-     فهارس المخطوطات السريانية في العراق، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، هيئة اللغة السريانية، بغداد، مطبعة المجمع العلمي العراقي1981م - 1401هـ، ج1، ص8.
18-     فهارس المخطوطات السريانية في العراق، ج 1، ص9.
19-     د. فرست مرعي: بارزان وأنحائها في المصادر السريانية، ص85-86.
20-     عزيز عبدالأحد بناني: تاريخ عينكاوة، راجعه وقدم له، الأب البير أبونا، أربيل، 2000م، ص 230.
21-     الأب الدكتور بهنام سوني: فهرس مخطوطات دير الآباء الدومنيكان، الموصل، منشورات المركز الثقافي الآشوري، دهوك، نيسان 2005م، ص 74-75.
22-     عزيز نباتي : تاريخ عينكاوة، ص 234.
23-     المرجع نفسه، ص234.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق