أ. م. د. سامي محمود ابراهيم
انهيار
سحيق لمفاهيم الأنسنة في العالم بلا حياء.. بلا ضمير. كل ذلك وثيران السياسة تتجاوز
الخطوط الحمراء، وقيادة الحمير تشعل الشعير بصفائح لهيب الدولار. وكأنّ السياسة هي
فن احتقار الشعوب، واستعبادهم.. وكأنها صناعة الأزمات والشدائد، والعبث والفوضى والشرور..
السياسة
- بكل ما تحمله هذه الكلمة من كذب ونفاق -
تعاني من ديالكتيك كيكجاردي مفجع، بلا توفيق تبقى فيه الحدود عائمة على تعارضها
وتوتّرها، وبذلك تظلّ الأعصاب منشورة على حبل الصليب، منشورة على صليب التمزق، كأن
جراحة أجريت لها من قبل الصهيونية، فصلت أعصابها المصدّرة عن المورّدة، فتمّ فصل النظر
عن العمل، والضمير عن الخيرية، ولذلك عطّل الواقع. ذلك الواقع الذي ألف الانسجام والتناغم
في كل شيء: في الحرب، كما الحبّ.. حيث يتعانق الذئب والخرفان، وتتلاقى الأضداد.. فلا
أنت تأتي لتصير وصلاً، ولا الشوق يغنيه الوصال.
هكذا، يؤدّي تداخل المفاهيم،
واختلاطها، إلى نسبية أخلاقية ميكيافلية تبرّر كل شيء، وصولاً إلى غاية عديمة المسؤولية،
تدمّر كل شيء بصورة منمّقة ومبهرة. وكأنها جدلية هرقليطس القائلة بأن الصراع هو الأساس،
والحرب أبو الأشياء.. فنحن لا ننزل النهر الواحد مرتين، لأن مياهاً جديدة تجري من حولنا
أبداً.. والعشب أفضل من الذهب بالنسبة للحمار. وهو هنا يرضي العقل الغربي المتمرّد
على الحياة، على التآلف والثبات، يرضي هيجل كذلك في مقت التسامح والتصالح.. وهكذا رجحت
أولوية الذات على العالم..
هذا
الفكر أشبه بالليل الذي تبدو فيه جميع الأبقار سوداء.. فتشابه البقر علينا.. سياسة
بغيضة، تبدو وكأنّها أفلتت من زمام العقل الكلي الهيجلي، فهي تصطنع أفجع التناقضات
التي عاناها الفكر الغربي منذ الفترة اليونانية إلى مسلمات هابرماس التأويلية، وصولاً
إلى زوبعة دريدا التفكيكية.
ونحن
اليوم أمام فكر أشد تعقيداً من أن تحيط به مقولات ساكنة جاهزة محددة ومحدودة، كمقولات
الإسلام السياسي مثلاً، والتي تصنع الإنسان على قالب البنّا، كأنها قصيدة في الألم
أملاها واقع مصطنع مغدور، فقد القدرة على تجاوز وتخطّي عبث اللحظة.. فهلا تجاوزنا عبث
السياسة، وغطرسة السياسيين، أولاد الفوضى الخلاقة، لننعم في لحظة صفاء، حيث يتعانق
الجميع في مهرجان إنساني رائع..
فالصيرورة الحقّة هي التي تقتضي يقظة الروح في مواجهة
المادة.. تقتضـي التغيير، لا التفسير.. يقضة الخير في مواجهة الحياة، في مواجهة الموت..
إنها أقرب إلى الحركة الفيزيائية المحتومة، والمعلومة المسار، والسرعة، والنهاية. خاصة
أن بصماتنا ما كانت لتثقل علينا لو لم تسقط على الأشياء، أو تسجل في مشاعر الآخرين..
فنحن أمام مستقبل يعشقنا، فتهون علينا في المعالي نفوسنا.. وكلها ستمضـي قريباً بأمر
القدر. والدنيا نهر طالوت، والفضائل تنادي: فمن شرب منه، فليس مني!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق