07‏/06‏/2014

الكرد والعرب في قفص الاتهام

نهاد فاضل رفيق
قبل أن أخوض في مضمار مقالتي أحب أن أجعل لها مدخلاً أقول فيه: نخيل العرب تحترق بكبريت الكورد، وأشجار جوز الكورد تقطع بمناجل العرب، لعله يكون مثالاً أبين من خلاله الحساسية الموجودة قديماً وحديثاً بين كلتا القوميتين: العرب والكورد، والتي لا يختلف عليها اثنان من العقلاء، هذا إن أردنا أن لا نقلد النعامة، ونضع رؤوسنا تحت الرمال، تجاهلاً لما يدور فوقها. 
من الواضح والجلي أن المواطن العراقي، الذي يعيش ويعايش المكونات الموجودة في العراق، ولا سيما المناطق المكتظة بكلتا القوميتين: الكورد والعرب، وعلى تماس واحتكاك معهم، يحس ويعلم بهذه الحساسية، التي يجهل الكثيرون أسباب نشوبها. 
وليس بغيتي من تناول هذا الموضوع الحساس، ذر الملح على الجرح، بل أريد أن أثبت أنه لا جرح أصلاً، وأنها في الأصل ندبة، وقد عبث بها العابثون. لذا أقول إن هذه الحساسية ليست بجديدة، ولا وليدة اللحظة، بل هي من رحم إيحاءات الحكومات المتعاقبة، كتعاقب الليل والنهار، وما نسمعه اليوم، وفي ظل الحكومة الحالية، هو لعب على نفس الأوتار، مضافاً إليها: الأوتار المذهبية. منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع عن الحملات العشوائية، التي تشن من قبل النظام السابق، بجيشه العرمرم، على القرى الكوردية في شمال العراق.. هؤلاء المواطنون البسطاء والعزل، الذين كل سلاحهم: المعول والمسحاة، وكانت البغية من هذه الحملات إبادة أكبر نسبة منهم عن بكرة أبيهم، دون أن يرتكبوا أي جريرة، سوى أنهم خلقوا أكراداً. وحينها، وأنا أسمع عن هذه الحملات، وكانت الأبواق آنذاك تردد عن قتال ناشب بين الكورد والعرب، ولم أكن أميز بين الحملات العشوائية ضد أناس عزل، وجيش عرمرم، لأنني كنت حينها طفلاً مبعداً ومرحلاً مع عائلتي إلى مناطق غرب العراق، ولم أكن أعي أيضاً أن مصطلح (القتال) يكون بين فئتين متكافئتين في العدد والعدة والعتاد، لا كما كان الحال حينها، فكانت حملات التهجير القسري، واغتصاب الأموال، وانتهاك الأعراض، تمارس ضدهم، على قدم وساق. والشواهد على ذلك كثيرة، ومن جملتها –حديثا- عملية (حلبجة) البربرية، التي استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية، والتي لا زالت تبعاتها سارية في مناطقهم، حيث أبادت الأخضر واليابس، ولم تفرق بين طفل وامرأة وشيخ. أما عن (حملات الأنفال)، فحدث ولا حرج، لأنها تشيب لها الولدان، حيث كانوا ينقلون الناس بعربات النقل كالشياة، ويضعونهم في أنفاق قد حفرت لهم مسبقاً، ويدفنونهم وهم أحياء، وكنت تسمع صراخ الأطفال، وأنين الشيوخ، مع أنفاسهم الأخيرة، ورضاعات الأطفال متساقطة هنا وهناك، ناهيك عن أنه كان قد أطلق على هذه الحملات البربرية والوحشية، التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، اسم (الأنفال) وهو اسم إحدى سور القرآن المبارك، بغية شرعنة القضية. وبالطبع كانت هناك فئات قليلة من شباب الكورد، الذين استطاعوا النجاة، وفروا وتحصنوا في الجبال، وكانوا يدافعون عن أنفسهم، ورفضوا أن يكونوا قطعاناً من النعاج، ينتظرون دورهم ليأتي الجزار لينحرهم. ولا ننسى أيضاً الفئات التي كانت قد حملت السلاح، وبادرت للدفاع عن حقوق شعبها.. كل هذا ولد لدى الكورد تصوراً أن العرب يقتلون الكورد، بصريح العبارة، فكان المتحصنون من الكورد في الجبال، يقارعون الغزاة من الجيش، وأقول (الغزاة)، لأن الكورد كانوا في قراهم، وفي أماكنهم، وكان أفراد الجيش هم الذين يغزونهم في عقر دارهم، وكانت رفاة الجنود تعود حينها إلى ذويهم، وتتنامى سلسلة الأحقاد، وتتمدد في قلوب كلا القوميتين، لأنه على الجهة الأخرى كان ذوو الجنود يعتقدون أن المعركة شريفة ومقدسة، من أجل الحفاظ على سيادة الدولة! هذا السم الذي كان يوضع لهم في الدسم، على يد النظام حينها! وقد انطلى هذا السيناريو، وأمثاله، على الشارع العربي، والبعض من الجنود كانوا يزجون في الجيش عنوة، ومن كان يفر من الجيش، كان يرمى بالرصاص بصفة جبان وفار من أرض المعركة، وهذا ولّد انطباعاً لدى كلا الطرفين، أن الآخر هو العدو، وأن المعركة حقة وشريفة، دون أن يعود إلى خلفيات الأمور ومآلاتها ؟ 
وبعد كل هذه الأعوام، وزوال الأسباب والمسببات، أقول كما قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فيما معنى حديثه الشريف: "الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها"، ولا سيما أن كفة الميزان رجعت نحو الكورد، لتعتدل، ليكون الكورد والعرب، وبقية القوميات، سيان، سواء بسواء. ولا شك أن كلتا القوميتين خدعتا وظلمتا على السواء، وأنه اذا لم يوصد هذا الباب، وترك مفتوحاً على مصراعيه، فإن هذه الفتنة سوف تحرق الجيل الجديد، وتبقى سارية المفعول، ولا سيما أن هنالك أطرافاً من الأذناب وخفافيش الليل، لا زالت تعبث وتنخر في هذه الندبة، التي أشرت إليها آنفاً.. لذلك قلت في مقدمة المقال إن الكورد والعرب في قفص الاتهام، لأن كلاهما ظلم الآخر، بتصورات مختلقة، والخطورة في تعميم هذه التصورات على الآخر، وهذا سم اللدغة الأولى، فلا ندع اللدغة تستمر، وتعود. وأختم مقالتي بكلام الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، والعاقل تكفيه الإشارة، أما الأحمق فلن تنفع معه العبارة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق