07‏/06‏/2014

مقابلة : في اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية






عبد السلام مدني:

ضمن الفكر الإسلامي نفسهعندنا إشكاليات متعددةمن ناحية احترام التنوع وقنوات الحوار والعيش المشترك


حاوره : آرام سعدي 
     يعد تجسر الهوة بين الثقافات أمراً ضرورياً وعاجلاً للسلام والاستقرار والتنمية، ويشكل التنوع الثقافي قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب، بل أيضاً كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً، ويعتبر التنوع الثقافي ميزة ضرورية للحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، في الوقت عينه، يساهم القبول بالتنوع الثقافي، والإقرار به، عبر الاستعمال الإبداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بشكل خاص، في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات، وفي بلوغ الاحترام والتفاهم المتبادل. وقد تحول تعزيز التنوع الثقافي "التراث المشترك للبشرية"، وفقاً للإعلان العالمي لليونسكو، المتعلق بالتنوع الثقافي للعام 2001، والحوار الناتج عنه، الى إحدى القضايا العصرية الأشد إلحاحاً، وبالتالي إلى قضية أساسية بالنسبة إلى ولاية المنظمة.
وللحديث حول "التنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية" أجرت مجلة (الحوار) هذا اللقاء مع المدرب الدولي والناشط (عبدالسلام مدني).



الحوار: ما المقصود بالتنوع الثقافي في المجتمع؟

عبدالسلام مدني: التنوع الثقافي حالة اجتماعية طبيعية وأصيلة في المجتمعات الإنسانية. لا يوجد مجتمع واحد ووحدوي في كل تفاصيله. التنوع الثقافي هو وجود انتماءات متعددة ضمن إطار مجتمعي واحد من ناحية العرق، أو الدين أو المذهب أو الطائفة.. هذا هو الأصل في المفهوم، وإن كان من الممكن سحبه وضم حتى التوجه الفكري والأيديولوجي إليه. وهي الحالة الطبيعية للمجتمع الإنساني، لأن مجموعة من هذه الانتماءات قد وجدت مع وجود الإنسان، فهو مسير عليها، وهي جعل إلهي (كالقومية والعرق واللغة..)، ومجموعة أخرى هي خياراتنا الإنسانية في هذه الحياة (كالدين، والمذهب والطائفة والتوجه الفكري والأيديولوجي).

الحوار: أين تكمن أهمية التنوع الثقافي؟
عبدالسلام مدني: الأصل في الموضوع أن هناك شعباً يعيش في مساحة جغرافية، وحدود سياسية، معينة، فإن قرروا أن يتقبلوا انتماءاتهم وخياراتهم المتنوعة لبعضهم البعض، وأن يركزوا على كيفية جعل البلد مكاناً سعيداً ومريحاً للعيش للجميع كمواطنين، فهذا بحد ذاته إنجاز حقيقي ومهم وكبير، لأن العكس معناه أن نتحول إلى التصارع والتقاتل والإلغاء، وهذا معناه أن نعيش في جحيم مستمر، فقط لأن (الآخر) لا يعجبني توجهه أو انتماؤه، أو أنا لا أعجبه! وأنا هنا أسميه (الآخر) مجازاً، لأنه من هو (الآخر)، ولم يكون هناك (آخر)، بدلاً من أن نكون مجموعة مواطنين متعايشين؟!. 

الحوار: كيف يتم ترسيخ مبدأ قبول الآخر في المجتمع وفق التنوع الثقافي؟

عبدالسلام مدني: كلمة (قبول الآخر) في حد ذاتها معناها أننا نفصل على أساس معين، وليس مطلوباً أن يكون هناك (أنا) و(الآخر)، وأنا إن رضيت بهذا الشرح، فهو فقط للتوضيح، وإلا فهي مشكلة بنيوية كبيرة. الفكرة هي إن علينا تجاوز مفهوم (القبول)، وكأننا أصحاب الحق والأرض، و(سنسمح) و(نقبل) بـ(الآخر)، وكأنها صدقة عليه. الموضوع يجب أن يتركز في (الاحترام)، وتجاوز فكرة (الوصاية)، أو (الحكم)، على انتماءات أو خيارات بقية المواطنين. يجب أن نعيش مع بعض مجتمعين على المشتركات التي تجمعنا، والتي ستحسن من مستوى معيشتنا وحياتنا في هذه السفينة (المجتمع)، الذي يحتوينا جميعاً، حتى لو كانت هذه السفينة هي الكرة الأرضية كلها، وليس فقط حدود دولة سياسية معينة! فكما قلنا مجموعة من هذه الانتماءات والتنوعات الثقافية وجدت مع وجود الإنسان، فهو مسير عليها، وهي جعل إلهي (كالقومية والعرق واللغة..)، ومجموعة أخرى هي خياراتنا الإنسانية في هذه الحياة (كالدين، والمذهب والطائفة والتوجه الفكري والأيديولوجي)، وإيماننا واحترامنا لهذا التنوع، مؤشر على إيماننا واحترامنا للجعل الإلهي وللخيار الإنساني. "ملاحظة: أقصد بالحكم أن يقوم أحدنا بالحكم على الآخر، لمجرد أنه من قومية أخرى، أو دين، أو مذهب آخر، أنه كذا وكذا، دون أن يعرفه هو كشخص".


الحوار: كيف نستثمر التنوع الثقافي في تنمية المجتمع؟

عبدالسلام مدني: التعامل مع (الاختلاف)، أو بمعنى أدق: (التنوع)، مهارة وثقافة بحد ذاتها. في المجتمعات المبتلاة بضعف مهارات وثقافة العيش المشترك والاحترام الثقافي المتبادل-كمجتمعاتنا بشكل عام، في هذه المرحلة - قد يؤدي تنوعنا إلى الاختلاف والخلاف، ومنها إلى مآسٍ كالتي نعيشها يومياً. صحيح أنها ليست جميعها دموية وإقصائية، ولكن ممارسات كثيرة تقوم بها التجمعات البشرية المختلفة/ المتنوعة تجعل حالة الانغلاق والعزلة بينها واضحة. وهناك وضوح في أن مظاهر التعامل والتواصل عابرة التجمعات الضيقة، ضمن المجتمع الواحد جغرافياً وسياسياً، ضعيفة وهشة، ولم تصل إلى مرحلة الاندماج في مفهوم المواطنة تحت مظلة الاحترام المتبادل وتجاوز فكرة الوصاية والحكم. التنوع يمكن أن يكون إضافة نوعية للمجتمعات التي تطور مهارات ونظم وقوانين، وتبدع عادات وأعراف جديدة، تجعل من التنوع ثروة جبارة في سبيل نهضة المجتمع.
؛إن علينا تجاوز مفهوم (القبول)، وكأننا أصحاب الحق والأرض، و(سنسمح) و(نقبل) بـ(الآخر)، وكأنها صدقة عليه. الموضوع يجب أن يتركز في (الاحترام)، وتجاوز فكرة (الوصاية)، أو (الحكم)، على انتماءات أو خيارات بقية المواطنين. يجب أن نعيش مع بعض، مجتمعين على المشتركات التي تجمعنا، والتي ستحسن من مستوى معيشتنا وحياتنا في هذه السفينة (المجتمع). 


الحوار: هل تسهم التباينات الثقافية في تأسيس تراث مشترك للبشرية؟

عبدالسلام مدني: دون أدنى شك، وهذا هو الأصل. لا يمكن لأي طرف أن يلغي الآخر، وإن فعلها فهو ظالم ومتعد، بمفاهيم الدين والحياة. أكبر كذبة كانت، تلك التي حاولت فيها مجاميع، أن تقنع العالم، أنه ببناء الدولة القومية، لا بد من وجود عرق واحد. لا وجود لشيء اسمه العرق السامي، أو الدم الأصيل النقي. كل المجتعات اختلطت وتزاوجت وتصاهرت وتعايشت وعاشت مع بعض، والحضارات كلها امتداد وتواصل. لا يوجد انقطاع، إنما شعاع مستمر وتوارث. قد تأخذ حضارة معينة البشرية باتجاه ما، لفترة ما، مخالفة للتي قبلها، ولكن لا يمكنها أن تبدأ من الصفر، لا شك أنها بدأت من شيء سابق، وبنت عليه بشكل من الأشكال، وستسلمه لحضارة أخرى بشكل من الأشكال، لتقودها باتجاه معين بشكل من الأشكال. جدل بشري مستمر يعبر بوضوح عن التواصل والتوارث الفكري والمدني والثقافي والحضاري لهذا المعرض الإنساني الكبير. ثروة جبارة، وكم هائل من الخبرات، تراكم، ويتراكم. ومرة أخرى أقول: عندما نقول تراث إنساني مشترك، فإن هذا لا يعني أن نتحول جميعاً – بالضرورة – إلى توجه واحد في كل تفاصيلنا. لا يمكن أن نقسر الجميع ليكونوا في زي واحد: (وَلَوْ شَاءَ رَبكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ الناسَ حَتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس/10. تنوع في إطار الوحدة. وحدة في المسارات والمشتركات.


الحوار: هل يوجد حوار وتقارب وتعايش بين التنوعات الثقافية في العالم الإسلامي؟

عبدالسلام مدني: في منطقتنا، وعلى عهد الأفكار الأساسية للفكر القومي ومفهوم الدولة القومية – وما يزال قليل من تداعياتها موجود لحد الآن – كان الصراع الأكبر أثنياً، عرقياً، قومياً، بدرجات متفاوتة، حسب الزمن والمكان. تغيرت الأمور كثيراً منذ الثمانينات، حيث بدأ الخطاب الديني يتصاعد أكثر، وأصبح هو (الإشكالية) الأكبر في هذا السياق. فبسبب إشكالية إسرائيل، هناك إشكالية الحوار الإسلامي – اليهودي. وتداعيات الحروب الصليبية لم تنته لحد الآن، وتتمظهر إشكالية الحوار الإسلامي – المسيحي في مظاهر ومناسبات عدة. وضمن الفكر الإسلامي نفسه، عندنا إشكاليات متعددة، من ناحية احترام التنوع وقنوات الحوار والعيش المشترك، فأكبر اشكالية هي بين السنة والشيعة، وهي مرشحة لأن تتفاقم أكثر، بل وضمن التيار السني نفسه، والشيعي نفسه، هناك إشكاليات، وإن كانت هي ضمن التيار السني أكثر اشكالية، لاعتبارات يضيق بنا المجال هنا لذكرها. فالسلفية، والجهادية، والإخوان، والصوفية، وغيرهم، بينهم صراعات واضحة في الفكر، وفي الممارسة، وصلت إلى التقتيل، ناهيك عن التكفير، والتفسيق، والإخراج من الملة. في هذا الخضم، هناك محاولات - رسمية وغير رسمية - لمحاولات التقرب، رأيي أنها صغيرة قياساً مع حجم الإشكالية، وتعقدها السياسة أكثر فأكثر. وكان من أكثر ما أعجبني، التقارب ونوعية الأفكار المطروحة من قبل الدكتور (يوسف القرضاوي)، من الطرف السني، وبين العلامة (محمد حسين فضل الله) (رحمه الله تعالى)، من الطرف الشيعي. ولكن الأجل أخذ منا العلامة (فضل الله)، والسياسة غيبت (القرضاوي).

الحوار: هل من خطاب واضح لمسألة التعايش المشترك للتنوعات الثقافية بإقليم كوردستان؟

عبدالسلام مدني: في كوردستان هناك محاولات جادة، رسمية وغير رسمية، لمسألة العيش المشترك. من الضروري تنضيج الخطاب الديني – الإسلامي المنبري تحديداً – وأن تكون هناك مراجعات له. لا توجد منهجية واضحة لهذا الخطاب. وهناك الكثير من السطحية والتناقضات في الطرح – مع احترامي لمجموعة قليلة من المنابر والدعاة والوعاظ – في ما يطرح على مسامعنا وأطفالنا. في الجانب المسيحي هناك تذمر، يظهر أحياناً على مستوى المنظمات الدولية وتقاريرها، حيث تظهر شكاوى وتذمر من قبل الإخوة المسيحيين – الذين في الخارج بشكل أكبر - أن مجموعة من حقوقهم تنتهك بسبب كونهم مسيحيين. وأنا على اطلاع أن هناك محاولات لفتح باب الحوار الرسمي معهم بهذا الصدد، وتشكيل لجان لإزالة سوء الفهم واللبس الحاصل، وهل أنه إشكالية تنوع، أم إشكالية إدارة وحكم. مع الأخوة اليزيديين لم تكن ثمة إشكالات، ولكن مؤخراً حدثت مجموعة حوادث، لا بد من الانتباه لها، حتى لا تتشظى أكثر. بشكل عام نحن في كوردستان، وفي الشرق الأوسط عموماً، بحاجة إلى مناهج تعليم وتربية وأنشطة متعددة واستراتيجية لتطوير مهارات العيش المشترك والاحترام المتبادل وخلق ثقافة التنوع. نحن نتاج تربية البعث السلبية، وبيئة لم تنتج أناساً هادئين متعايشين. ومن بعد مرحلة البعث، لم تكن هناك أهداف تربوية واضحة، ولا مسارات استراتيجية، توصف نوعية المجتمع أو الجيل المطلوب. والدور ليس حكومياً بحتاً، أين النخب الفكرية والثقافية من كل هذا؟! هناك ضيق أفق بهذا الاتجاه. والاستدارك ضروري، لأن القادم قد يكون خطيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق