رئيس التحرير
قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في العراق، كان ثمة أمل أن تقدم التجربة العراقية في الديمقراطية شيئا مختلفا ومتميزا، عن محيطها العربي والإقليمي، وخاصة أنها تأتي في سياق متميز، وبعد سقوط نظام أذاق الشعوب العراقية الويلات، وحرمها من حرياتها، وحط من كرامتها..! ولكن نتائج الانتخابات أثبتت أن الطريق أمامنا لا يزال طويلا، وأن الشعوب وإن كانت تتعلم من أخطائها، ولكنها تحتاج إلى زمن، وتراكم أجيال، لاستيعاب ذلك!!..
لا يمكن أن يحدث التغيير بين عشية وضحاها، وخاصة التغيير الجذري، الذي تقوم به الشعوب، وتصنع به الفارق في حياتها.. وهذه سنة كونية، ربانية، ترشدنا إلى الصبر على التغيير، وتحدونا إلى الوضوح في رؤية خارطة الطريق ..
ولا يمكن أن يحدث التغيير دون ثمن، ودون تضحيات وكفاح وجهد.. ذلك أن "العوائد إنما ترسخ بكثرة التكرار،
وطول الأمد، فتستحكم صبغة ذلك، وترسخ في الأجيال. وإذا استحكمت الصبغة عسر نزعها"، كما يقول (ابن خلدون).. وليس من اليسير على الناس أن يثوروا على ما اعتادوا عليه، ولا من الهين عليهم أن يضادوا طباعهم، ويقوموا بما لم يألفوه..!
وطول الأمد، فتستحكم صبغة ذلك، وترسخ في الأجيال. وإذا استحكمت الصبغة عسر نزعها"، كما يقول (ابن خلدون).. وليس من اليسير على الناس أن يثوروا على ما اعتادوا عليه، ولا من الهين عليهم أن يضادوا طباعهم، ويقوموا بما لم يألفوه..!
فلا عجب إذن أن نرى العملية السياسية الجارية في العراق، وبعد أكثر من عقد من الزمان على سقوط النظام السابق، وقيام النظام الذي يراد له أن يكون ديمقراطيا وشفافا، لا تزال تعاني من مطبات، ومخاطر، عديدة.. ولا يزال الخوف من عودة النظام الدكتاتوري، والنزعة الاستبدادية، والتفرد بالحكم، والعقلية الإقصائية، مسيطرا، وحاضرا، وقويا..!
إن العراق الذي تربى أبناؤه على (القسوة، والصمت)، طوال عهود مديدة، والذي يخوض الآن عهدا جديدا من الدماء والدموع والتضحيات، ويدشن فصلا تاريخيا آخر من (القسوة) - وهو يمتلك صوته، ويمارس حريته- لا يزال في أول الطريق إلى التغيير.. نعم، فالخارطة الانتخابية، التي هي تعبير عن إرادة الشعب العراقي – إذا تغاضينا بالطبع عن عملية تزوير الإرادة، الذي مورس بشكل كبير ومنظم، كما يشير المراقبون- لا تزال تحمل عناوين الطائفة، والانغلاق الديني، وإقصاء الآخر، وهو ما يؤكد أن أفق التغيير لا يزال وليدا..!
إن الأمر لا يحتمل التفاؤل، أو التشاؤم، ولكنها ضريبة لا بد من سدادها، وطريق لا بد من سلوكه.. وإذا كانت الأجيال الحاضرة ليست مؤهلة لإنجاز التغيير الموعود، بكل تفاصيله، فإنها ترسم اليوم بدمها ودموعها وتضحياتها، ملامح ذلك التغيير، الذي لا بد أن يستوي كاملا على أيدي الأجيال القادمة!
إنها ليست دعوة للهروب إلى الأمام، ولكنها دعوة للتأمل في سنن التغيير، والصبر عليها..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق