03‏/07‏/2015

ماذا تعرف عن (أدب الخيال العلمي)؟

جميلة محمَّد المحمَّد
الخيال العلمي هو مجال أدبي وفنيّ شاسع، يسعى لتجسد عناصر قد لا تكون موجودة في الواقع المعاصر، أو وسيلة يتم خلالها الانتقال في آفاق الزمن، على أجنحة التأمُّل الممزوج بالتطوّرات والمكتسبات العلمية. وهو يحظى بأهمية كبيرة في الدول المتقدمة، ويعدُّ بوابةً للإبداع والابتكار، ومنبراً يرصد صوراً حيَّة لأفكار ومخترعات متفرِّدة، وتُظهر توقعات مستقبلية؛ مبنيّة على ملاحظة بعض ظواهر الحياة المختلفة، سواءً الطبيعية أو الإنسانية.
أما أدب الخيال العلمي، فهو فرع روائي، يتضمن مجموعة من التصورات أو الافتراضات العلمية حول المستقبل، ويعالج -بطريقة خيالية- استجابة الإنسان للتطورات المذهلة في مجال العلوم والتكنولوجيا، بما تحمله من اكتشافات واختراعات يمكن أن تحدث في المستقبل. كما يجسِّد هذا النوع من الأدب، تأملات الإنسان في احتمالات وجود حياة مختلفة في الأجرام الفضائية الأخرى. ويكون الإطار الزماني لرواية الخيال العلمي، غالبا، في المستقبل القريب أو البعيد. أمّا الإطار المكاني، فيمكن أن يكون على الأرض، أو على إحدى الكواكب السيّارة، أو حتى في أماكن خيالية.
ويعدُّ أدب الخيال العلمي من أهمّ الأجناس الأدبية المعاصرة، وأكثرها ارتباطاً بالحياة. وتكمن أهميته في المقدرة على تنمية ملكة التخيُّل لما ستكون عليه الأشياء مستقبلاً، ليشبَّه بذلك بالمرآة التي تعكس الإنجازات العلمية، وتتنبأ بها. إضافة إلى أن هذه التنمية أصبحت مدخلاً ضرورياً للإبداع، والكشف عن المبدعين. وبات هذا الأدب علماً ضرورياً لإعداد الناشئة، وفرعاً هاماً يدرَّس في المدارس والجامعات. وفي قصص الخيال العلمي يطرق مؤلفوه أبواب المستقبل بتنبؤاتهم، من دون زمن محدَّد، وتظهر فيها نظرة واسعة إلى العالم، يدخل فيها العلم، وتُمتزج حقائقه مع خيال الكاتب، وتُرسم أحداث تنقل القارئ إلى المستقبل البعيد، أو الماضي السحيق، فتثيره وتذهله. الحقيقة الأخرى، أن الكتابة الجادَّة في مجال الخيال العلمي، تعتمد -قبل كل شيء- العلم محوراً فاعلاً في أحداثه وأبطاله، وأنها تحتاج إلى ثقافة علمية مميَّزة لحبك الأحداث، وإلى الابتعاد عن الخرافة والمبالغات البعيدة عن المنطق العلمي، كما تحتاج إلى الكثير من الوعي، والإقناع، والابتعاد عن الإسفاف المغلَّف بالغيبيات والأوهام الدرامية.

من رواد أدب الخيال العلمي:
لمعت في مجال الخيال العلمي أسماء عدّة، لمفكرين وأدباء وسينمائيين، كانت لكتاباتهم وأعمالهم تأثيرٌ كبير في تطور هذا المجال برمته. وتعدُّ رواية (صومنيوم)، لعالم الفلك (يوهانز كيبلر)، عام 1634، إحدى أقدم المحاولات في هذا المجال، إلى جانب محاولات أخرى، مثل: الرحلتان الخياليتان اللتان وضعهما (سيرانو دو بيرجيراك)، والمعنونتين بـ (التاريخ الكوميدي لدول القمر وإمبراطورياته) 1657، و(التاريخ  الكوميدي لدول الشمس وإمبراطورياتها) 1662.
لكن رواية الخيال العلمي لم تتبلور وتتضح معالمها، إلا مع ظهور العبقري الفرنسي (جول فيرن) (1828-1905)، الذي تبنى هذا اللون، وأعطاه شكلاً حديثاً، ومتقناً، بكل معنى الكلمة. حتى عدُّ أهم رواد أدب الخيال العلمي، بل الأب المؤسِّس له. بدأ أولى أعماله -التي اتسمت بالخيال المجنح، وتغليب المنطق العلمي- برواية (خمسة أسابيع في منطاد)، عام 1863، ثم (رحلة إلى جوف الأرض)، 1864، وبعدها كتب رائعته (من الأرض إلى القمر) 1865، التي دوَّن بها علامة فارقة في تاريخ هذا الأدب، إذ تخيَّل فيها رحلة الإنسان من الأرض إلى القمر. ومن أعماله الأخرى: (عشرون ألف فرسخ تحت الماء)، عام 1870، ورواية (هكتور سيرفاداك) 1877، التي تتحدّث عن مذنب يقتطع قطعة من كوكب الأرض، وترافق هذه القطعة المذنب في رحلته حول الشمس. وكتب، قبل عام واحد من وفاته، روايته (سيد العالم)، عام1904. إضافةً للعشرات من المؤلَّفات الأخرى. كما يلمع اسم الكاتب الإنكليزي (هربرت جورج ويلز) (1866-1946)، الذي وصفه النقّاد بـ (شكسبير الخيال العلمي). كتب أول رواياته العلمية الخيالية (آلة الزمن)، عام 1895، والتي تعدُّ أعظم روايات الخيال العلمي على الإطلاق، وفيها يتخيَّل أن بطله صنع آلة، حين يدير عجلتها يستطيع أن يقفز فوق الزمن، يعود إلى الماضي، أو يخترق المستقبل لسنين بعيدة، بحسب الجهة التي يدير بها العجلة. ثم كتب رواية (رجال القمر الأوائل)، عام 1901، و(حرب العوالم)، 1898، وغيرها الكثير من الأعمال المشهورة. ومن أبرز رواد هذا المجال أيضاً: المؤلف الأمريكي الروسي المولد (إسحق
أزيموف) (1920- 1992م)، الذي حظي بمكانة مرموقة بين رواد كتّاب الخيال العلمي، بفضل كتاباته التي أينعت في رياض خياله الخصب، ومعرفته العلمية الواسعة، التي اتصف بهما. حصل (أزيموف) على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم، من (جامعة كولومبيا)، بمدينة نيويورك، وعمل كيميائياً في البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، وغدا عضواً في هيئة التدريس بكلية الطب، بجامعة بوسطن، عام 1949. كتب ما يقرب من 400 كتاب للصغار وللكبار، تركزت معظمها على العلوم والثقافة. أغلب أبطال قصصه القصيرة، ورواياته، هم أشخاص آليون. وأشهر كتبه هنا: (أنا الإنسان الآلي) 1950. كما أن له نتاجات كثيرة ومتصلة بالأساطير العلمية، التي اختار لها اسم الأسس، من هذه المجموعة: (الأسس) 1951، (الأسس والإمبراطورية) 1952، (أطراف الأسس) 1982، (الأسس والأرض) 1986، وغير ذلك. وإضافة إلى كتاباته في مجالات، مثل: التاريخ، والفكاهة، وكتابة السيرة الذاتية.

أدب الخيال العلمي عربياً:
عرف التاريخ العربي محاولات عدِّة من هذا المجال، حتى قبل أن يعرف هذا النوع من الأدب بهذا الاسم، كأسطورة (حي بن يقظان) لـ (ابن طفيل)، وهي أقرب ما تكون إلى أدب الخيال العلمي، إضافة إلى أعمال أخرى، دوَّنت علامات متباينة، خطّها بعض الأدباء والمفكرين العرب، بهدف إثراء هذا النوع الأدب. وفي ذلك يتساءل الكاتب د. (طالب عمران): هل عرف العرب الخيال العلمي من قبل؟ قد لا يخطر هذا السؤال على بال الكثيرين من الناس، ربما للمسافة الزمنية التي تفصلنا عن الحضارة العربية، التي بلغت أوجها في القرن العاشر الميلادي. ثم يردف الكاتب: الجواب عن السؤال يبدو صعباً، لأن الخيال العلمي لم يكن معروفاً عند الناس بهذه التسمية المحدودة.
يرى بعض الدارسين أن (مصطفى محمود) –الكاتب المصري المعروف- كان من أوائل من كتب أدب الخيال العلمي، من العرب، في التاريخ الحديث. إذ نشر في الستينات من القرن العشرين روايتيه: (العنكبوت)، ثم: (رجل تحت الصفر). لكن التجربة التي قدَّمها الأديب والروائي (نهاد شريف)، طوال ما يقرب من نصف قرن  من الزمن، أبدع خلالها أعمالاً متنوِّعة، حول: الفضاء، والأطباق الطائرة، والخلية الحية، والهندسة الوراثية، ونشر الكثير من الروايات والقصص في هذا المجال، كان لها أثر بالغ في تطويره، وتصنيفه، حتى أنه عدَّ رائد أدب الخيال العلمي في العالم العربي، بل عميد، أو الأب الروحي لهذا النوع من الأدب. وكان (شريف) أهم من أخلص لهذا النوع من الأدب، ومن القلائل عالمياً الذين اتخذوه أسلوباً وهدفاً ومجالاً وحيداً للكتابة. يقول (شريف)
في إحدى كلماته: "إن أدب الخيال العلمي، الذي يمثل اليوم صيحة الحديث، وقمة الطموح الحضاري، يُجمع النقاد وذوو الرأي على أنه سيكون الأدب الأكثر ذيوعاً وانتشاراً وشعبية في المستقبل القريب، بل وربما كتبت له السيادة على سائر ما يقدم من آداب، بدءاً من القرن القادم. وحبذا لو أمكننا  -بوسيلة أو بأخرى- إرضاع صغارنا جرعات الخيال العلمي، مع إرضاعهم وجبات اللبن الدافئة الشهية".
نشر شريف روايته الأولى (قاهر الزمن)، عام 1972، وتناول فيها فكرة السُّبات عند الإنسان، وتجميد جسده لسنوات، ثم إحيائه. ثم كتب روايته الشهيرة الأخرى: (سكان العالم الثاني)، عام 1977، التي تناول فيها فكرة السلام المطلق. ليتابع مشواره الإبداعي في كتابة كثير من المجموعات القصصية، مثل: (بالإجماع)، 1992، و(رقم 4 يأمركم)، 1974، التي تدور معظم قصصها حول صراع إنسان المستقبل، مع القوى الكونية، التي تسكن الكواكب
البعيدة. وأيضاً: (الماسات الزيتونية) 1979، و(الذي تحدّى الإعصار) 1981، و(أنا وكائنات الفضاء) 1983، ومسرحية (أحزان السيد مكرر) 1991، وغيرها من الأعمال. يقول د. (طالب عمران)، في تجربة (نهاد شريف): "يتميز أدب نهاد شريف بالنزعة الإنسانية، التي تحكي عن الإنسان وعذاباته وهمومه
ومشاكله المستقبلية.. فهو يتحدث عن مشاكل البيئة، والتلوث، وتخزين السلاح النووي، وخطورة ذلك على الحياة.. كما تتداخل عوالمه مع قوى الإنسان الخفية، والحاسة السادسة، والبحث عن عوالم أخرى في الكون من حولنا.. عوالم من الكائنات العاقلة، التي تحكي عن السلام والخير.. تستوطن الكواكب البعيدة، وتأتي في زيارات متتابعة للأرض، للقاء مع البشر.."(1).
ومن الكتّاب العرب الذين أسهموا في كتابة الخيال العلمي، السوري د. (طالب عمران)، ومن أعماله: (العابرون خلف الشمس) 1979، و(ليس في القمر فقراء) 1983، و(خلف حاجز الزمن) 1985. كما أنه توجَّه للأطفال بنوعه
الكتابي، وأصدر لهم قصصاً كثيرة، منها: (كوكب الأحلام)، و(محطة الفضاء)، وغيرها. مما يشير إلى أن الخيال العلمي أصبح نوعاً هاماً من أنواع الكتابة للأطفال، تخصَّص فيه الكثير من الكتاب. كما لمعت أسماء عربية أخرى في هذه الكتابة، ففي المغرب ظهر (عبد السلام البقالي)، وفي مصر، من الأجيال الجديدة: (صلاح معاطي).. كما أن دراسات كثيرة تناول هذا المجال، منها مثلاً: كتاب لـ (يوسف الشاروني)، بعنوان: (أدب الخيال العلمي في الأدب العربي المعاصر)، عن مكتبة الأسرة، سلسلة الأعمال الكاملة، عام 2004. وكتاب: (الخيال العلمي أدب القرن العشرين)، لـ (محمود قاسم)، الذي تناول مراحل تطوّر الخيال العلمي، والأقسام الفرعية لأدبه، مثل: الفانتازيا العلمية، والظواهر العلمية الخفية، إضافة لفصول أخرى في أدب الخيال العلمي.

أدب الخيال العلمي العربي واقعاً:
بالرغم من الأهمية الكبيرة التي حظي ويحظى بها الخيال العلمي وأدبه في دول العالم المتقدِّم، كبوابة للإبداع والابتكار، فقد وضعت بعض المقررات في مناهج التعليم لديها، تقوم على استثارة الخيال العلمي لدى الأطفال، كما فعلت ذلك في مناهج المرحلة المتوسطة والجامعات. رغم ذلك لم يشهد العالم العربي اهتماماً ملحوظاً بهذا النوع. ولعل أهم الأسباب لهذا الوضع يكمن في نظم التعليم، وعدم إعطاء الخيال والإبداع حقهما من الاهتمام، إلى جانب عدم إدراك أهمية تطوّر العلم، وإشباع ملكة الخيال. مما أدى إلى قصور أدب الخيال العلمي، حتى عن المستويات المقبولة، التي تجاوزته تجارب عالمية عدّة. كما أن هذا الواقع يشير إلى نقص كبير في نشر هذا الأدب، من قبل مؤسسات الثقافة، ودور النشر العربية عموماً. يذكر العالم العربي د. (أحمد زويل)، في هذا الشأن، وهو الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، مقولة شهيرة، هي: "الجميل في أمريكا، وهو ما جعلها تتقدَّم على العالم علمياً، أن الخيال العلمي لا ُيقتل، وليست له حدود، وأن كلَّ المؤسسات تشجعه وتدعمه، والعالم الحقيقي المحبُّ لعلمه لا بد أن يحلم، وإذا لم يتخيل ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون، ولن يضيف شيئاً". والحقيقة أن تنمية أدب الخيال العلمي، ترتبط بعوامل حركة المجتمع، ومدى تطوره عبر الزمن، ارتباطاً وثيقاً، الأمر الذي يؤثر، سلباً أو إيجاباً، على طبيعة عمل الأدباء والمفكرين في مجال هذا النوع من الأدب. يقول د. (نعيم عطية)، في دراسة له حول أدب الخيال العلمي عند العرب: "أدب الخيال العلمي عندنا ما زال في بداياته، وعلى جيل الروّاد الحالي أن يعمل من أجل تجويد فنه، وإتقان صنعه. ويمكننا أن نقول، بصفة عامة، إن كثيراً من أعمال الرواية العلمية، تتسم بتقريرية مباشرة، تقترب بالعمل الروائي من المقال".(2)
لقد أصبح من الضروري إعطاء الخيال، وأدب الخيال العلمي، في عالمنا العربي، الأهمية التي يستحقها فعلياً، من قِبل مؤسسات المجتمع التعليمية والثقافية والإعلامية، والتأكيد على عمق العلاقة بين العلم والخيال العلمي، من خلال المساندة والدعم بجميع الوسائل، وإدراج هذا الفن الأدبي الراقي، في المناهج الدراسية المختلفة، وتشجيع الطلبة عليه، وغرس حبِّ العلم في نفوسهم، وتوجيهه إلى الناشئة توجُّهاً جاداً وحريصاً. إلى جانب ترجمة النماذج الجادة والراقية، من هذا الأدب، ما أمكن، ووضع المسابقات الثقافية في المؤسسات التعليمية، لتشجيع الكتابة فيه، ومساعدة الناشئة على استيعاب معطيات هذا الأدب، وقيمته في استشراف المستقبل.

المراجع:
1) الخيال العلمي، مجلة علمية ثقافية شهرية، تصدر عن وزارة الثقافة في سوريا، العدد 34/ أيار 2011، نهاد شريف عميد الخيال العلمي العربي، د. طالب عمران، ص 6 .
2) المصدر نفسه، نهاد شريف. قراءة في جذور التخيُّل العلمي على الطريقة المصرية، محمود قاسم، ص 27.

السـيرة الذاتيـة
- جميلة محمَّد المحمَّد، من مواليد محافظة الحسكة/ سوريا عام 1985.
- إجازة في اللغة العربية/ جامعة حلب.
- تكتب في (المقالة الأدبية/ الشعر)، وتنشر في بعض الدوريات العربية.
- العنوان: سوريا- الحسكة- ص. ب /630/


هناك تعليق واحد: