03‏/07‏/2015

عبق الكلمات// بين الرجل والمرأة

عبد الباقـي يوسف 
[وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً] النساء/ 129
العدل هو التساوي، فإن وقفتَ إزاء امرأتين متساويتين بالنسبة لمشاعرك نحوهما، فيمكنك أن تستغني عن إحداهن، لأنها لا تمتلك شيئاً تفتقده الأخرى، ولا تتميّز بميزة عن الأخرى، فما دام الرجل يتزوّج بامرأة ثانية، فهو يرى فيها ما لا يراه في زوجته الأولى، وهي تحرّك فيه ما لا تحرّكه الأولى، وبالتالي فهو يميل إليها بما لا يميل إلى الأولى، وهذا هو دافع زواجه منها، كونها تحقق له ما لا تحققه زوجته الأولى، ويجد لديها ما يفتقده لدى زوجته الأولى، فلا يوجد زواج للزواج فحسب، بل الزواج هو صفحة حياة جديدة في حياة الرجل، وعندما يجنح الرجل إلى فكرة زوجة ثانية، فإنه يفتح صفحة جديدة في حياته، ليستمتع بها،
ويقطف ثماراً جديدة من شجرة هذا الزواج، هذه الثمار التي لا تثمرها شجرة زواجه الأول. فهو، إذاً، يُناشد في هذه المرأة التي تزوّجها آفاق حياة جديدة. فإذا كان الأمر كذلك، ووقع هذا الزواج، فـ{لَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ}، في مشاعركم {بَيْنَ النِّسَاء}، مهما {حَرَصْتُمْ} على العدل. لأن العدل، إن تحقق في كل شيء، حتى في ميلكم ومشاعركم نحوهما، ما كان للزواج الثاني أن يكون، فلا بأس، وقد أجاز الله لك ذلك، لكن على ألاّ{تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ}، وألاّ يؤدّي اللاعدل إلى الإفراط. فإن لم تملك ما تعدل به، مثل: الحب، وبعض المشاعر، فعليك أن تعدل فيما تملك، مثل: حسن التعامل، وإعطاء الحقوق، والكلم الطيب. اعدلوا فيما تستطيعون أن تعدلوا به، وتمتلكون زمام أن تعدلوا به، فإنكم وإن لم تستطيعوا إلاّ أن تميلوا شيئاً، فتستطيعون ألاّ {تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ}، وهذا نوع من التعويض للزوجة الأولى، فإن لم يستطع أن يعطيها شيئاً لا يملكه، عوضها بأن زاد لها فيما يملك، ولعله بذلك يسترضيها، ويُجبر في خاطرها، فعليه ألاّ يـذرها{كَالْمُعَلَّقَةِ}، فتكون زوجة، وبذات الوقت ليست زوجة، لأن زوجة أخرى قد جاءت وحلّت مكانها، وبقيت هي في الهامش، مذروة من بيتها وزوجها، {كَالْمُعَلَّقَةِ} بين الزواج واللازواج، لأن زوجها قد هجرها تماماً، ولا تكاد تراه، أو تحصّل منه حقاً من حقوقها الزوجية، فهي لبثتْ بين بين: ليست مطلّقة، كي تتصرف على أنها مُطلّقة، وهي بحكم غير المتزوّجة، لأن زوجها لا يقوم بأي واجب زوجي تجاهها، وقد سلاها تماماً. فإن الله لا يجيز للرجل أن يستمرّ في تسبب هذه المعاناة لزوجته، فإن بدر منه شيء كهذا، لوقت ما، بحق زوجته الأولى، فعليه أن يُصلح في شأنه معها، وأن يكف عن ميله {كُلَّ الْمَيْلِ} إلى زوجته الثانية، وعن زوجته الأولى، ويعود إلى جادة الصواب، ويتقي الله، {فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}.
ثم قال جل ثناؤه:
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} النساء/ 131

لكن لعلهما يبلغان مرحلة لم تعد فيها الحياة الزوجية ممكنة بينهما، سواء في حالة الآية السابقة عند زواج الرجل، أو في حالة الآية، التي سبقتها، عند بوادر النشوز من الرجل، فلم تنفع مع الرجل كل ما قدّمته المرأة له، وهي تمتص احتقانه، وتستوعب ما يبدر منه في اعتدائه عليها، حتى تحافظ على حياتها الزوجية، فلعلّه يمرّ بأزمة ما، وسيعود إلى رشده، بيد أنه يزداد حدّة في تعامله معها، وتماديه عليها، بدرجة يمسي فيها كائناً لا يُمكن احتماله بأي حال من الأحوال، فيكون قد طغى، وخرج عن المقاييس والقيم الإنسانية معها، ثم أن الحياة بينهما لم تعد تُطاق، فإن الله لا يضيّق على أحد، ولا يفرض أحداً على أحد، وقبل أن يُفسدا كل هذه العلاقة الزوجية بينهما، فيمكن أن {يَتَفَرَّقَا} بمعروف، كما تزوّجا بمعروف، فلهما أن يفترقا، دون أن يفرض عليهما أحد أن يبقيا معاً، كما تزوجا، ولم يفرض عليهما أحد أن يتزوجا. وفي ذلك يجدا عند الله سعة يجعل بها كل واحد مستغنياً عن الآخر، ويعيش في غنى عن الآخر، فالله يغنيهما {مِّن سَعَتِهِ}. هذه هي مقوّمات الحرية التي شاءها الله - فضلاً منه - للإنسان، وأراد الله أن يستمتع الإنسان بممارسة هذه الحرية الشخصية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق