03‏/07‏/2015

لا تسيئووا للتاريخ

ماجد محمد زاخوي
مدرس مساعد في قسم التاريخ/ كلية الآداب/ جامعة زاخو
محاضر في الكلية العسكرية الثانية/  زاخو
ورد في مجلتكم الغراء، في عددها (140)، مقالة للسيد الدكتور (سعد سعيد الديوه جي)، بعنوان: (لا تسيئوا لتاريخ الشعب الكوردي)، وانتقد (الديوه جي) في مقاله هذا، ما جاء في كتاب: (الفرسان الحميدية 1891-1923 دراسة تاريخية تحليلية)، لمؤلفه: (ماجد محمد زاخوي)، حول الفرسان الحميديين.. وحاول الأستاذ الفاضل (الديوه جي) أن يقوم بعملية ذر الرماد في العيون، فاتهم صاحب ذلك الكتاب تارة بأنه أجحف بحق الفرسان الحميديين، وتارة بأنه ألقى باللوم على الحميديين، على مشاركتهم في مذابح الأرمن في سنوات 1894-1896، وفي سنة 1915-1916، وتارة أخرى بأن معلومات الباحث مضللة، وإلخ...
هنا نريد، كصاحب مؤلف (الفرسان الحميدية1891-1923)، أن نقول، ونذكر للسيد (الديوه جي)، جملة من الأمور، راجياً أن يقبلها برحابة صدر،
وأن لا يعتقد بأن الرد على كلماته تأتي للدفاع عن النفس، أو أن صاحب الرد تأثر بما كتبه (الديوه جي)، أو أنه نادم على تأليفه لكتاب (الفرسان الحميدية)، على شاكلته، وبما فيه، وكما هو.
أخي (الديوه جي)، إن هذا المؤلف: (الفرسان الحميدية)، كان أطروحة ماجستير، قدمت إلى (كلية الآداب/ جامعة الموصل)، سنة 2006، وقد نوقشت علمياً من قبل أساتذة أجلاء كفوئين، مختصين بالتاريخ العثماني، ومررت من تحت أصابع ذهبية للأستاذ المشرف عليها، صاحب العقل النير، والخلق الرفيع، صديق الشعب الكوردي، الأستاذ (عبد التواب أحمد سعيد)، الذي علمنا، هو ورفيقه الأستاذ الدكتور (غانم الحفو)، أسس كتابة التاريخ، وكيف يجب أن نتعامل مع التاريخ، بعيدا عن العواطف المزيفة، وكيف نحق الحق، ونزهق الباطل، وكيف ننصر المظلوم، ونحاسب الجلاد، في محكمة التاريخ.. وبسبب المستوى الرفيع لأكاديمية هذين الفاضلين، وسداد رأيهما، وفهمهما العميق للتاريخ، وإنارتهما الدرب للأجيال، كنا نشعر أحيانا - نحن طلبة الدراسات العليا، أيام الدراسة- أن أفكارهما، ومناصرتهما للشعوب المظلومة، وتحليلهم للتاريخ، بمنتهى الرصانة العلمية، لم يكن محل ترحاب من قبل أغلب زملائهم المؤرخين في (جامعة الموصل).
أخي (الديوه جي)، أعلم حضراتكم، وكل من ليس على دراية بأوليات التاريخ، وكيفية كتابته، وكل من لا يعرف تاريخ الشعب الكوردي، أن تاريخ هذا الشعب ناصع البياض، ولا تشوبه شائبة، لكن تتخلله أحيانا - شأنه شأن تاريخ شعوب الأرض قاطبة- فترات أساء إليها أناس لا محل لهم ولا شأن لدى الشعب الذي أسيء إليه. ولقد حكم الكورد، في حقب تاريخية، شعوبا أخرى، في مراحل معينة، فأثبتوا للكل بأنهم رجال حكم وإدارة وعدالة، وعلى سبيل المثال: حكمت الأسرة الأيوبية الكوردية شعوبا إسلامية عديدة، في مرحلة تاريخية، وأثبتت الأيام، وشهد التاريخ، أنها كانت الفترة الذهبية التي مرت بها تلك الشعوب، رغم قساوة الفترة، والهجمات العنيفة التي انطلقت من (أوروبا) على العالم الاسلامي باسم الدين، فكانت الأسرة الأيوبية بمستوى المسؤولية، فوحدوا العالم الإسلامي، وتصدوا للأوروبيين، وأداروا الدولة، وحققوا النصر، وحافظوا على العرض والأرض، ثم نشروا العدالة، ونصروا المظلوم، وحرروا أولى القبلتين، ولأجله سطرت صفحات تاريخهم بحروف من ذهب.. وفي تاريخ (إيران) أيضا، حكم الكورد الزنديون  - لسنوات - شعوبها، وكانت بحق أهدأ وأجمل فترة مرت بها تلك الشعوب، في تاريخ إيران الحديث، حيث استقرت الأوضاع، وازدهر الاقتصاد، وانتشرت العدالة، وتقدمت العلوم والآداب والفنون، وتنفس الناس الصعداء، فأثبت الكورد مرة أخرى، أنهم رجال حكم وتدبير وإدارة وعدل، ولذلك امتلأت المكتبات بالأوراق التي كتبت عنهم، وعن عدالتهم، وكفاءتهم، وشجاعتهم، وجدارتهم..
ولهذا نقول للأستاذ (الديوه جي): نحن نفتخر بتاريخنا، ما دام مثل هؤلاء موجودين فيها.. ولا حاجة للشعب الكوردي بـ(الفرسان الحميدية)، وأمثالهم، كي نفتخر بهم. ولأننا نفتخر بتاريخنا، أستاذي (الديوه جي)، آثرنا أن نسلط الأضواء في كتابنا: (الفرسان الحميدية)، على المسيئين في تاريخنا، ولتاريخنا، لكي يبقى نظيفا كما هو، إذ لا يجوز أن أوازي بين (الأيوبيين) و(الزنديين)، مع الفرسان الحميديين، الذين تدافع عنهم أخي (الديوه جي)، بسبب قلة درايتكم بتاريخ هذه المؤسسة، وبتاريخ الكورد عامة، وليس منطقيا أن يعلمنا غيرنا بمن هو مسيء أو مصلح في تاريخنا، فنحن أهل مكة، وأدرى بشعابها.     أخي (الديوه جي)، لقد اتهمتم الباحث بالإتيان بمعلومات مضللة في كتابه، وحقيقة لا نعلم ما هو المضلل فيها؟ وليكن معلوما عند حضراتكم أن الباحث الذي انتقدته، ضحى بالغالي والنفيس، بغية تقديم مادة غنية بالمعلومات التاريخية الموثقة، وبالأدلة القاطعة، وبالاعتماد على وثائق كان يستحيل على أصحاب النقد حتى معرفة مكان تواجدها. واعتمدنا على دراسات ورؤى مختلفة، لجميع الأطراف المعنية، فاعتمدت الدراسة على المصادر الكوردية والتركية والأرمنية والعربية والروسية والفارسية والإنكليزية، والأهم من ذلك كان حصولنا - وبشق الأنفس- على وثائق من الأرشيف العثماني حول المذابح الأرمنية، وأبطالها، وصرفنا من المجهود ما يكفي لفك هذه الوثائق المشفرة، بغية الوصول إلى هدف نبيل، وهو بيان الحقيقة التاريخية، وخدمة للتاريخ الكوردي، وتاريخ الإنسانية.
أخي الكبير الأستاذ (الديوه جي)، إن الأطروحة التي انتقدتموه: (الفرسان الحميدية)، قومت علميا، قبل مناقشتها من قبل أحد فطاحلة التاريخ، ورموزه، وهو الأستاذ الدكتور (خليل علي مراد)، الذي أشاد بطريقة كتابتها، ورشحها مشكورا للمناقشة العلمية، ونالت رضى الأساتذة المناقشين المؤرخين، وحاز صاحبها على تقدير جيد جدا عال.
 ولذا، فإني أعتقد جازما أن حضراتكم لم تقرأوا سوى صفحة، أو اثنتين، من الكتاب الذي انتقدتموه، فبنيتم انتقادكم استناداً على ما جاء في الصفحتين.. أخي الكريم، يرجى أن لا تنتقدوا فقط لأجل النقد، وأن لا تروجوا للمبدأ المشوه: (ولا تقربوا الصلاة)، وأدعوكم لقراءة الأطروحة كلها، وبشكل جيد، لاستيعاب ما فيها، وفهم ما بين سطورها.
أخي الدكتور (الديوه جي): إن جل غايتي من كتابتي حول الفرسان الحميديين، كان عكس ما تصورته حضرتكم، والغاية كانت فصل حفنة من المرتزقة المأجورين، المخدوعين بالمال والرتب والمناصب، عن تاريخ الأمة الكوردية الشجاعة.. أخي العزيز، إن من تحب أن تدافع عنهم من الحميديين، كانوا مساندين للدولة العثمانية، في وقت كان الشعب الكوردي المسلم، والمسالم، في أدنى مراتب التهميش والبؤس في معادلة تلك الدولة، حتى وصلت بهم الحالة من البؤس في أحايين أضطر فيها الأب لأن يعطي بناته لجابي ضرائب العثمانيين، لعدم امتلاكه قروشا عثمانية، لكي يدفع الضرائب المتعددة الدنيئة للعثمانيين، وبأسماء ما أنزل الباري بها من سلطان.. لقد وقف من تدافع عنهم، أخي الكريم، مع العثمانيين، الذين قاتلوا وقتلوا علماءنا وشيوخنا وقادتنا الشرفاء، المجاهدين في سبيل الحق، ضد الطغيان، مطالبين بأبسط حقوق الكورد.. وقفوا كعائق كبير أمام الحركة القومية والدينية الكوردية، الرافضة للظلم والطغيان وعبادة العباد، مطالبين بالعدالة والإنصاف.. لقد شقوا وحدة الصف الكوردي، عندما وقفوا مع الجلاد، ضد المثقفين والمتنورين الكورد.. لقد زرعوا الفرقة بين الكورد، عندما وقفوا ضد الكورد العلويين، وأمعنوا في بعض عشائرهم المناضلة  قتلا وتمثيلا، في وقت كان الكورد بأمسّ الحاجة لرص الصفوف.. لقد رضوا بأن يكونوا آلة بيد الاتحاديين الأتراك، الذين كانوا يقولون جهارا: "إن كعبتنا هي طوران، وسنجعل من الطورانية دينا لنا بين الأنام".. لقد جرحوا الشعب الأرمني، في وقت وقف الشعب الكوردي، وأصر على تضميد جراحهم.. لقد شوهوا اسم وسمعة الكورد في أوروبا، في وقت كان الكورد بأمسّ الحاجة إلى الدعم، ومن أي طرف كان، للخروج من تحت الاستبداد، ونصرة الدنيا والدين.. لقد شاركوا بفعالية كبيرة في حرب الاستقلال التركية، بزعامة (مصطفى كمال أتاتورك)، ليدور عليهم الكماليون، وعلى شعبهم - بعد ذلك-، وليصبح الشعب الكوردي بعد ذلك غريبا على أرضه، وفي موطنه، مجردا من أتفه الحقوق، وفي الدرك الأسفل من سلم الشعوب في تركيا، عقابا لإحسانهم.. لذا نقول لحضراتكم: إن هؤلاء الذين تحبونهم، خدعوا، بمختلف المقاييس، وفي مختلف المراحل التاريخية.. فهل تريدون أن ندافع عن المخدوعين في تاريخ شعبـي؟ وهل تريدون منا أن نفتخر بمثل هؤلاء؟ أم تريدون أن يكون الكوردي دائما حصان طروادة، كالحميديين، يخدم غيره، ليكون وبالا على شعبه؟ ثم لماذا التباكي على الحميديين؟ فإن كان من منطلق ديني، يا دكتور، فالإسلام الحنيف براء منهم، ومن أعمالهم.. وإن كان دفاعكم عنهم من منطلق أنهم وقفوا مع الدولة العثمانية المسلمة، عندها نسأل: إذاً لماذا جعلتم، أنتم الأخوة العرب، من شريف مكة المرحوم (الحسين بن علي)، الذي ثار على العثمانيين سنة  1916، ثائرا عربيا مجاهدا، و مناضلا ضد الطغيان، مطالبا بحقوق العرب من العثمانيين؟ أم تطبقون مبدأ (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)؟ ثم لماذا تطلقون كلمة المذابح على قتل، أو استشهاد، حوالي 2000 من الأخوة العرب اللبنانيين، من قبل الإسرائيليين سنة 1982 في( صبرا وشتيلا )، ولا تأبهون، أو تنكرون، قتل مئات الآلاف من الأرمن سنة 1915، وترفضون إطلاق كلمة المذابح على أحداث مروعة تعرض لها هؤلاء، ليدفعوا جريرة قادتهم، الذين أساؤوا التقديرات، وأرادوا تشكيل دولة في مناطق نعتبرها كبد كوردستان، وعرضوا شعبهم للانتقام، نتيجة سياساتهم الخاطئة، وجريرة مروجي الطورانية التركية، من الذين تعمقوا في التعصب العرقي، ففقدوا صوابهم، وعميت أبصارهم، وجريرة الفرسان، الذين رضوا أن يقولوا لأسيادهم: (سمعا وطاعة)؟!.. ما هذه المعايير المزدوجة؟!.. أم تريدون أن تجعلوا من أراذل القوم قدوة لنا؟!.. أم تريدون أن ياتي مؤرخون في المستقبل القريب، ليدافعوا عن (فرسان صلاح الدين)، وما قاموا به في ثمانينات القرن الماضي، ليصبحوا أبطالاً في تاريخنا؟

مع فائق شكري وتقديري للأخ الدكتور (سعد سعيد الديوه جي)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق