03‏/07‏/2015

تعقيب على مقال (المسلمون والثالوث المدمر)

سعد سعيد الديوه جي
في العدد ( 145 - 146 ) من مجلة (الحوار)، ورد عنوان هذا المقال للدكتور (هادي علي)، وفي محاولة للإجابة على السؤال الشهير: (لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم؟)، وهو سؤال حاول الإجابة عليه كثير من المفكرين على أسس دينية وتاريخية بحتة، وهو أمر غير صحيح بالمرة. وقد حصر الأخ الدكتور نفسه ضمن الدائرة نفسها، واضعا كل العوامل الأخرى وراء ظهره، وأن حركة التاريخ حركة مضطربة، لا تتوقف عند أحد، ولا عند زمن معين، والتأخر والتقدم عملية متناوبة طوال التاريخ.
فالسؤال، وبصورة عامة، لا يفرق بين التقدم المدني والتقدم الحضاري (الإنساني –
الأخلاقي)، وهو الإشكال الذي التبس على معظم مفكرينا، وباندفاعات عاطفية، نتيجة الهزائم العسكرية التي لحقت بمجمل تاريخنا الحديث.
فقبل الإسلام كانت هنالك مدنيات متألقة، كالآشورية والبابلية والفرعونية والفارسية والهندية والصينية، وكلها (مدنيات) وثنية، أو ثنوية. وبعد دخول الحضارة الإسلامية، أضيفت لحركة التاريخ حضارة بأفكار دينية، تعتبر أكثر وضوحاً وعمقاً مما عليه في الحضارات السابقة، وليختفي بريق معظمها، وكانت المسيحية في أسوأ حالاتها، ولا وجود لشيء اسمه حضارة يهودية، وليدخل العالم في منعطف جديد، خصوصاً بعد زوال الإمبراطورية الفارسية العريقة.
والذي أعتقده أن المقال مكتوب بتأثير الوضع الحالي للمسلمين، وما نتج عنه من حركات متطرفة، لا تمثل كل المسلمين، تاريخا وحاضرا، وتدور الشكوك حول مصداقيتها، ولم يقل التاريخ كلمته النهائية بشأنها بعد.
لقد كتبت الكتب والمقالات أيام الصعود التاريخي للاستعمار الأوروبي، وتقديم المدنية الأوروبية على ما عداها في العالم، وتحت ضغط واقع لا يمثل نهاية التاريخ.
وحركة التاريخ، التي يصفها الأخ الدكتور عند المسلمين، بأنها حركة غير تكاملية، وغير تقدمية إلى الأمام، بل هي حركة تناقصية، تبدأ قمتها بعصر صدر الإسلام. فهي آراء غير صحيحة، ولا تمس إلا الفئة المشار إليها. ولو كان الأمر كذلك، لما رأينا الفن الإسلامي، والعمارة الإسلامية، والأدب الإسلامي، والتقدم في فروع العلوم والطب والهندسة، وفي مجالات شتى. فكل الأديان تؤمن بقيام الساعة، ولا علاقة للأمر من قريب أو بعيد بالمسألة. فقيام (إسرائيل) مرتبط أساسا بعودة المسيح إلى فلسطين، في المعتقدين اليهودي والمسيحي، وقد تأثر المسلمون بهذه الأفكار، كما هو معلوم.
والأخ الدكتور يحصر نفسه بهذا الرأي، قائلا: "ويرجع التخلف بالأساس إلى تلك النظرة غير الصحيحة إلى التاريخ الإسلامي"، على أساس النظرة المثالية لصدر الإسلام، وترك ما دونه.
فالمتنورون الإسلاميون، وحتى الذين ينادون بالخلافة، لا يقفون ضد التطور نحو الأمام، كما لا ينسون التاريخ، ويستمدون منه بعض قواهم المعنوية، ناهيك أن القوى الإسلامية المعتدلة قد حوربت أخيرا، كما حصل في أحداث الربيع العربي، ولم تعط الفرصة لإثبات مصداقيتها.
إن مسألة تقسيم العالم إلى قسمين: شرقي إسلامي، وغربي مسيحي، والذي غرسه المرحوم (شكيب أرسلان)، و(مالك بن نبـي)، وغيرهما، مسألة غير واقعية، تحكمت بها هزيمة المسلمين، الذين كانت الدولة العثمانية تمثلهم سياسيا. ولو عاش (أرسلان) - رحمه الله- لرأى التجربة الصينية الخارقة، مع وجود استبداد الحزب الواحد، واليابانية، بعد هزيمة الحرب الثانية، وهم يعبدون إمبراطوريتهم (ابن الشمس)، والتطور الهائل في القوة العسكرية الألمانية، أيام الحكم النازي الاستبدادي، الذي يعد نموذجا للبطش والقسوة، والتطور العلمي الهائل في روسيا (الاتحاد السوفييتي)، تحت الحكم الاستبدادي الشيوعي، ثم ما تبع ذلك من انهيار بطريقة أخرى، لا مجال لمناقشتها، في هذا الحيز الضيق.
إن التقدم المدني - الحضاري الأوروبي، قام على واحدة من أقسى تجارب التاريخ في الاستعمار واستعباد الشعوب، ثم لتظهر المدنية الأمريكية المسيطرة على مقدرات العالم، والتي تقبع الحضارة الأوروبية خلفها الآن، بما لا يقل عن خمسين عاما، على أقل تقدير.
علما أن الحرب العالمية الثانية، التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين مليونا، والمسلمون عموما ليسوا جنسا واحدا، ولا دولة واحدة، ولذلك لا يمكن التعميم في هذا المجال، خصوصا بعد أن وضعت التجربة التركية قدميها على الأرض، وهي تشق طريقها نحو وضع نفسها ضمن العشر الأوائل في العالم عام 2023م، على الأقل اقتصاديا.
وعموماً، فإن التقدم العلمي والتكنولوجي مسألة في غاية التعقيد، ولا يرتبط بالاستبداد، ولا بالتطرف، ولا بالطائفية. فأمريكا الآن تمارس أقسى أنواع الاستبداد بالنسبة لبقية العالم، ومحاولة السيطرة عليه، وهي الدولة الأولى تقدما في العلوم والمجالات العسكرية.

وأخيراً، علينا أن نفكر بهذه المواضيع بواقعية علمية، وترك الدوران حول المسائل العقائدية فقط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق