03‏/07‏/2015

أزمة الحضارة المعاصرة وصدام الحضارات

د. مصطفى عطية جمعة
تعود النهضة الأوربية في بداياتها إلى عوامل مادية بحتة، تتصل بعوامل سكانية وطبيعية وجغرافية . فقد ظلت شعوب أوروبا قرونا طويلة لا تتطور إلا بمستوى ضئيل، لأن الطعام والمياه كانا متوافرين، وكانت المشكلة الوحيدة هي البرد القارس، وقد واجهوه بالبيوت والفراء والملابس، وكانوا يشغلون فراغهم بالحرب والتناحر والرقص والغناء، ولم تسرع أوروبا للحضارة إلا خلال القرن العاشر الميلادي، عندما تضاعف سكانها ثلاث مرات عما كانوا عليه في القرن الخامس، فأسرفوا في قطع الشجر لاستعمال أخشابه في بناء البيوت والتدفئة، فقل صيد الحيوان، وشحت الأقوات، فنشط العمل في الزراعة وتربية المواشي، وفي القرن الحادي عشر وصل السكان إلى درجة الانفجار، وضاقت بهم الأرض، فازدادت الهمة للعمل، وزاد طلبهم على المنسوجات، لندرة الجلود، فارتحلوا إلى الشرق لاستيراد الأقمشة، مما أدى لتطور الفن البحري، وتحسن
صناعة السلاح، ومن ثم تدخلت الكنيسة لحثهم على غزو أراضي المسلمين، لأن الشائع لديهم أنهم أغنى من أوروبا، فكانت الحروب الصليبية، ومن ثم التعرف على نهضة الشرق، وانطلقت شعلة الحضارة لديهم ([1]). إذاً لم يكن عامل الدين هو السبب الأساس في هذه النهضة، وإنما أسباب دنيوية بحتة، وكانت المؤسسات الدينية لديهم عائقاً في سبيل نهضتهم.
أزمة الحضارة المعاصرة:
ويكاد باحثو علم الحضارات أن يجزموا بدور الدين – إيمانا وعبادة وقيما وخلقا – في الحضارات المختلفة، فهم يرون : "أن الدين هو الخط الأقوى في قلب الحضارات: ماضيها وحاضرها معًا" ([2]) ، "إذ توشك الحضارات كلها أن يغمرها ويكتسحها العنصر الديني.. تستمد منه أقوى مسوغاتها، وحياتها، وكيانها"([3]).

وهذا ما خلت منه الحضارة الغربية المعاصرة، حيث ارتكنت على فصل الدين عن الدولة، أو فصل الكنيسة وكهنوتها عن المجتمع وأحواله وتقدمه، نظرا لتسلط رجال الكنيسة. وربما يكون لديهم بعض الحق فيما فعلوا، في بدايات ما يسمى عصر النهضة، ولكن تحول الفصل بين الدين والدولة إلى فصل بين الدين والمجتمع والناس، ثم تجميد الدين في رحاب الكنائس. وهذا ما حدا بفيلسوف التاريخ (توينبـي) إلى القول إن عبادة الإنسان متحققة بشكل أو بآخر في الحضارة الغربية المعاصرة، مثلما كان شائعا في الحضارة الهلينية، حيث يقول: "العقيدة السائدة في واقع الأمر، في العالم الغربي، في الوقت الحاضر – وإن كان لا يعترف بذلك – ، فالغربيون يعدون من المؤمنين المتحمسين، بقوة الإنسان الجماعية، وبخاصة قوته على الطبيعة غير البشرية..، كما كان الفلاسفة الإنسانيون الغربيون في القرن الخامس عشر من عبدة الإنسان، كلٌ بطريقته الخاصة، وما يميز التجربة الهلينية.. هو أنها كانت أصدق وأصلب عبادة للإنسان سجلها التاريخ حتى يومنا هذا" ([4]).
ويصدقه القول (بروديل)، الذي يصرح: "لا بد من الاعتراف بأن الحضارة الغربية، كلما نمت وازدهرت، بدت وكأنها تبتعد عن المفاهيم الدينية، وتقترب أكثر وأكثر من التفكير العقلاني، أي: نوع من التحلل والتحرر من السلوك الديني، حيث لا بد من الاعتراف بتفردها في هذا الاتجاه"([5]).
وتبدو أزمة الحضارة المعاصرة في شيوع (التشكك الأخلاقي) بين صفوة المثقفين، فقد أصبحت غيبيات ما فوق الطبيعة على درجة من الإسقاط والإهدار، أكبر مما كانت في كل تاريخ البشرية. لأن العلماء الآن، رأوا أن الخير والشر، والصواب والخطأ، من مسائل القيمة (النسبية)، وهم يفترضون أن العلم يهتم بالحقائق لا بالقيم ([6])، وتطور الأمر إلى تبني نظرية (تقليد الفردية الاقتصادية)، ومعناها أن الذي يسير العالم هو اهتمام كل فرد بما يخصه وحده، وأن تفاعل قوى السوق كفيل بتسيير المجتمعات بشكل جيد. وأصبحت هذه النظرية هي المؤثر القوي في الحياة الاجتماعية والثقافية، فقد صارت الثقافة – في الحضارة الغربية – تجارية، بمثل ما هي ثقافة صناعية، وباتت هي السائدة بين الناس بشكلي يقيني، في الوقت الذي يشكك فيه المجتمع في القيم الأخلاقية، ويتعامل معها بنسبية، فكانت المحصلة زيادة أنانية الأفراد، وتشككهم في أي وجهة نظر: دينية أو اجتماعية ، فكل إنسان يحاول أن يجعل حكمه هو في مقام أساسي مجادل ([7]).
إن هذه النظريات "تكوّن طابورا مخربا، لأن أثرها هو هدم كل قيادة أخلاقية أصيلة..، وإن الفصل بين الحقيقة والقيمة هو الذي يحدد أزمة القرن العشرين..، فلكل ثقافة وجهان، يمكن أن يحددهما لفظ دنيوي وغيبـي بوضوح كاف لأغراضنا الحالية، وقد كان هذا واضحا على طول المدى" ([8]).
وهناك قيمة عكسية تضرب في بنية الحضارة الغربية، وهي قيمة "الإسراف في التنظيم الاجتماعي"، وهي ناتجة عن تعاظم دور المؤسسات في المجتمع الصناعي: في المصانع، الشركات، المنتديات، التجمعات...، وهذا التعاظم له آثار إيجابية بلا شك؛ تتمثل في تنظيمه للأعمال والاقتصاد وشؤون الناس، ولكنها تفقد الفرد الغربي الشعور بالذاتية، وتضعف لديه القوى العاطفية الخاصة بالاقتناع، والتي تُعرَف عن طريقها القيم الأخلاقية. وظهر، بناء على ذلك، إحساس الناس – في الغرب – أنهم تجمعات وحشود ضخمة مثل الحشرات، كل فرد لا يكترث بمن حوله، وإنما هو يرى نفسه نكرة ضمن الجموع، الزاحفة للعمل صباحا، والعائدة منه مساء. فالتنظيم الحديث له أثر كبير في تلاشي القيم العاطفية، والانكفاء على الذات، والعزلة وسط عالم يموج بالصخب([9]).
فنحن إزاء قيمتين تضربان في متن الحضارة المعاصرة، وهما: زيادة النزعة الفردية، وعظم النزعة المؤسساتية، وربما يكون ظاهرهما التناقض، ولكن باطنهما التلاقي، لأنهما ناتجتان - ببساطة- عن إقصاء الدين وأسباب السمو الروحي، والإمعان في العلمانية أو اللادينية، فأدى ذلك إلى هاتين النتيجتين/ القيمتين. فكل فرد لا يفكر إلا في ذاته، ولا يقيّم الأمور إلا بمنظوره الخاص، ولا يعبأ كثيرا بمن حوله، رغم أنه عضو في تجمعات عمالية، ومؤسسية، كثيرة، بداية من المدرسة، إلى المصنع أو الشركة، إلى النادي والنقابة. لتبقى حقيقة واضحة: عندما يموت الضمير الفردي، والقيم الخلقية، وتذبل العلاقة مع الله تعالى، تموت كل القيم الأخرى.
وقد يستغرب البعض من حال (الغرب)، الذي يتعصب بشكل كبير للمسيحية - وللفاتيكان دور مهم في صنع القرار السياسي الدولي والمحلي- وهم يضادون الإسلام والقضايا الإسلامية بشكل لافت، ويعملون على التنصير في كافة الدول الإسلامية، مستخدمين أعداد لا حصر لها من المنصّرين، تمولهم مؤسسات ضخمة، ومع ذلك، نجد خواء روحيا، وفسادا قيميا، وهذا عائد إلى مبدأ فصل الدين عن الدولة (العلمانية). وهي على ضربين: العلمانية الجزئية، والعلمانية الشاملة. والأولى تقصي الدين عن الحياة، وتقبله في الحياة الخاصة، بوصفها غذاء روحيا. أما الثانية، فهي تقصي الدين تماما عن الحياة والأحياء وشؤون الناس والقيم، وتجعل عقل الإنسان وذاته هي المصدر الأساسي لكل قيمة، وهي الحكم أيضا على أي قيمة، ولا دور للدين إلا بوصفه تراثا، أو مرجعا معرفيا، قابلا للنقد والنقض والاستفادة والمناقشة. إذ ثمة افتراض أن العقل البشري قادر على رصد الواقع بأسره، والإحاطة به، والتحكم فيه، وهذه هي الرؤية المتمركزة حول الذات، التي تفترض مركزية العقل الإنساني ووعيه، ومن ثم تفترض أسبقية الإنسان على الطبيعة… لقد حقق العلم الغربي انتصارات رهيبة، بفضل حياديته وموضوعيته العالية، أي بسبب تجاهله الإنسان، وغائياته، وقيمه، ومثالياته، ومطلقاته. وقد طرح العلم نفسه بوصفه القادر على الإتيان بحلول للمشكلات المادية، وغير المادية، وادعى العلم أنه مصدر القيمة، وأنه قادر على تزويد الإنسان بالرؤية السليمة، وأنه سيحقق للإنسان السعادة والخلاص، والتحكم في الطبيعة، وتسخيرها للإنسان، ولن يتحقق هذا إلا إذا قبل الإنسان أن يكون العلم هاديا ومرشدا ودليلا، وسلم له أمره، فأعاد الإنسان صياغة واقعه الإنساني والنفسي، حسب قوانين الطبيعة والمادة، أي تكون مرجعيته هي المادة ([10]). وفي جميع الأحوال، فإن الدين غائب عن الحياة العامة، في حقول التربية والفكر والثقافة والفنون، وغيرها.
صدام الحضارات :
أُطلِقَ مصطلح (صدام الحضارات The Clash of Civilizations) في مطلع حقبة التسعينيات (1992م) من القرن العشرين، عبر مقال نشره (صموئيل هنتنجتون)، في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية (Foreign Affairs)، وناقش فيه ظاهرة التصارع الثقافي، والهويات الدينية بين البشر، خاصة مع انتهاء حقبة الحرب الباردة بين القطبين 
صموئيل هنتنجتون
الكبيرين في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، والتي أسفرت عن انهيار الاتحاد السوفيتي، وتفكك المنظومة الاشتراكية العالمية. ثم توسع في الدراسة لتصبح كتابا، حمل اسم: الصراع بين الحضارات، وإعادة صياغة العالم. وقد رأى المؤلف، وهو باحث في العلوم السياسية، أن السياسة العالمية معرضة لصراع بين الثقافات، وليست على المصالح والنفوذ. وقد عدّ (هنتنجتون) الحضارات: الصينية، اليابانية، الهندية، الإسلامية، الغربية، الأفريقية، وأمريكا اللاتينية، وأن ما يحكم العالم هو الصراع بين هذه الحضارات، أو الثقافات. وقد خص الحضارة الإسلامية بحديث خاص، واعتبر الأصولية الإسلامية هي ميدان المواجهة في العالم، وإن كان قد خلط - بوضوح - بين الأصوليين الإسلاميين، وبين الإسلام، وغفل عن المنجزات الضخمة للحضارة الإسلامية، وأن الإسلام دين العدل والرحمة والسلام. وقد ذكر (هنتنجتون) أن المجتمعات الإسلامية تقع عند خطوط المنازعات الثقافية للعالم، ولهذا بدت سلوكياتها عنيفة. وهو يحرض، في سبيل ذلك، النصارى، وغير المسلمين، إلى خوض حرب دينية. وفي الكتاب إشارات مختلفة عن الحروب الصليبية قديما، والحرب المقدسة الإسلامية (حروب الجهاد)، والدليل على ذلك: محاولة إحياء الإسلام، بوصفة قوة سياسية. كما يشير إلى أن هناك صراعا داخل الحضارة الصينية أيضا، من منطلق الرغبة في الهيمنة، لا المصالح المتبادلة، ولا ميزان القوى، والدليل: صعود النمور الآسيوية، وصعود الصين، كقوة اقتصادية وعسكرية وبشرية عالمية. ويربط المؤلف بين الإسلام والكونفوشيوسية (الصين)، في مضمار النزاع مع الغرب. ويجدر بالذكر أن (هنتنجتون) نفسه، دعا - في نهاية كتابه- إلى التفاهم والتعاون بين كبار السياسيين، والمثقفين، في جميع الحضارات، وتبني ما سماه (الأخلاق الرقيقة)، التي تسمح بالتعايش بين الدول والشعوب، في حين أن (الأخلاق الغليظة)، المطبقة في العلاقات الدولية، والتي أساسها الهيمنة والتسلط، تؤدي إلى صراعات ثقافية([11]).
وتزامن ذلك مع صدور كتاب (نهاية التاريخ)، لـ(فرانسيس فوكوياما)، الذي تناول الظاهرة من منظور أن التاريخ
أثبت انتصار مبادئ القيم الليبرالية، وأن المسألة حسمت لصالح المعسكر الغربي الأمريكي، وأنه لا بد من مواجهة أية ثقافات، أو حضارات، تناوئ القيم الليبرالية، التي أثبت التاريخ انتصارها النهائي([12]).
وقد تحدث الكثير من المفكرين حول هذا الصراع أو الصدام الحضاري، ولكن المهم، في سياقنا، أن طبيعة هذا الصراع، ليس مجرد نزاعات بين حضارات، وإنما هو نزاع بين ثقافات. فالثقافة الغربية باتت متخوفة من الصعود، أو العودة القوية، للثقافات الأخرى، خاصة الثقافة الإسلامية، والثقافة الصينية (الكونفوشيوسية). ويمكن أن تقرأه في سياق إيجاد أعداء جدد، أو أعداء مفترضين، كي يظل الغرب العسكري في مرحلة الاستعداد العسكري ، وتستفيد من ذلك صناعات ضخمة يعمل فيها الملايين، عبر إشعال نزاعات مباشرة بين أمريكا والشعوب الأخرى (الولايات المتحدة الأمريكية والعراق وأفغانستان، وكلتاهما دولتان مسلمتان)، أو حروب بالوكالة عن الغرب وأمريكا، مثل التدخل الأثيوبي في (الصومال)، لتحقيق الهيمنة الأمريكية على القرن الأفريقي.
كما يمكن أن تقرأ ذلك في ضوء تصاعد طروحات (العولمة Globalization)، التي ظهرت في نفس توقيت تصاعد هذه النزعة، ونتجت عن الحالة التي وصل إليها الاقتصاد العالمي، من حيث اتساع الفجوة بين البشر، والدول، اتساعا لا مثيل له: فهناك 358 مليارديرا في العالم، يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه ملياران ونصف من البشر، أي نصف سكان الأرض. وهناك 20% من دول العالم، تستحوذ على 85% من الناتج العالمي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموع مدخرات العالم ([13]). وهناك في الساحة العالمية 40 ألف شركة أممية (متعددة الجنسيات)، مختلفة الأحجام، وهذه انتشرت في بقاع الأرض المختلفة، خاصة الدول النامية، حيث رخص الأيدي العاملة، وتوافر الأراضي بأسعار زهيدة، والإعفاء من الضرائب العالية، والتخفف من الشروط البيئية، وهذا ما يسمى (أممية رأس المال)، التي يمكنها أن تقتلع دولا بأكملها([14]).
ولا شك أن العولمة – وإن كانت ذات بعد اقتصادي واضح – إلا أنها ذات أبعاد سياسية وثقافية عديدة، وقد ارتفعت أصوات دعاتها، متزامنة مع دعوة الصراع الحضاري، ونهاية التاريخ، ومتناغمة معهما أيضا، فما لم تستطع جيوش الدول العظمى أن تنجزه، يمكن أن يتحقق من خلال الهيمنة الاقتصادية للشركات العالمية، التي تأتي وراءها ثقافة غربية بشكل عام، وأمريكية بشكل خاص، ليكون الصراع الثقافي / الحضاري على أرض الدول النامية، وتكون الغلبة لرأس المال المهيمن، ومعه أدوات دعائية جبارة، ممثلة في الفضائيات، وشبكة المعلومات الدولية، وغيرها.
إن دعوات الصراع الحضاري تجاهلت الكثير من حقائق التاريخ، ومنطق الحضارات، وبدلا من أن يقوم المثقف بدور سلمي، تكون دعواته محرضة نحو المواجهة. لذا، انطلقت عشرات الطروحات الرافضة لهذا المنطق، والتي تنادي بأهمية التعايش الثقافي، وأنه ينبغي على الحضارات التطلع باحثة عن القيم والمؤسسات والممارسات المشتركة بينهم وبين الآخرين، ومن أجل تعزيز سلوكيات حضارية راقية، ومواجهة تصاعد النزعات الهمجية([15]). إن الصراع الثقافي موجود منذ قرون، وقد اتخذ طابع هيمنة ثقافة الأقوى على الأضعف، وهو من حقائق التاريخ، ولكن الجديد أن المناطق الحضارية الكبرى، في عالمنا اليوم، وهي: الكونفوشيوسية، الهندوسية، الإسلام، المسيحية الأورثوذكسية، والمسيحية الغربية، ستصبح محددات للصراعات الثقافية، التي ستعم العالم مستقبلا، بفعل تطور شبكات الاتصالات والمعلومات. وستكون هذه الصراعات في الميدان الاقتصادي، ومن ثم السعي إلى المزيد من مناطق النفوذ السياسي، والهيمنة ([16]).
وهنا تكون الإشكالية: في أن يتحول الأمر من صراع ثقافي، إلى صناعة أعداء، أو تخيل وجود أعداء. أي: يتحول من الثقافي إلى السياسي والعسكري، فهذه مشكلة كبرى، ولن تحل من خلال ما طرحه (هنتنجتون)، من خلال التفاهم بين النخب المثقفة، والسياسيين، فهذا وحده لا يكفي، ولا بد من السعي إلى قيم حضارية مشتركة بين البشر، أساسها التعايش، والحوار، والمثاقفة. وبعبارة أخرى: تبني قيم حضارية جديدة، أكثر فاعلية، بين الشعوب والحضارات والقادة، وفي العلوم السياسية والحضارية، لا أن تقتصر على حوار وتفاهمات بين النخب السياسية، وهي محكومة بالمصالح الآنية، والمنافع المتبادلةً.
-----------------------
الهوامش:
 1) تاريخ وقواعد الحضارات، فرنادند بروديل، ترجمة: د. حسين شريف، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999م، ص18.
[2]) السابق ، ص36 ، 37 .
[3]) السابق ، ص19 .
[4]) تاريخ الحضارة الأوربية، كلود دلماس، ترجمة: توفيق وهبة، مكتبة الفكر الجامعي، القاهرة، ص29، 30.
[5]) تاريخ وقواعد الحضارات، مصدر سابق، ص19.
[6]) الحضارة الصناعية الحديثة: ما لها وما عليها، س . إيريس، ترجمة: محمد ماهر نور، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط1، 1966م، ص 43. يجدر بالذكر أن المؤلف يطلق مصطلح (الحياة الدنيوية) بديلا عن (الحياة العلمية التكنولوجية)، ويبرر ذلك بأن معنى دنيوي Secular هو المقابل لمعنى كلمة مقدس Sacred، ويرى أن كلمات: مادية، ميكانيكية، تقابلان: المقدس، مثلما تقابل لفظة (الطبيعي)، في العلوم، ما فوق الطبيعي، وهو الخفي المقدس. انظر: ص42 ، 42 .
[7]) المصدر السابق، ص 48- 50. يذكر المؤلف مثلا، يوضح عمق الاتهام لكل من يريد الإصلاح الخلقي للمجتمع الغربي، فيقول: "حك جلد المصلح، يظهر لك الدكتاتور"، في إشارة إلى عمق التشكك الذي ساد الناس إزاء كل مخلص، أو داع للدين، أو للخير، في أغلب الأحوال. ويجدر بالذكر – أيضا - أن الرأي السابق أعلاه ورد وفق النظرية الليبرالية، ولكن إقصاء الدين هي لب النظرية الشيوعية، التي تراجعت كثيرا في العقدين الأخيرين لصالح المنطق الليبرالي.
[8]) السابق، ص53 . يضيف المؤلف: إن الشعوب البدائية تعي جيدا الفرق بين أنواع النشاط الدنيوي، وأنواع النشاط الغيبـي، في حين لا يعي الإنسان الغربي هذا الأمر البسيط.
[9]) انظر: الحضارة الصناعية الحديثة: ما لها وما عليها، م س ، ص176 – 179.
[10]) العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، د. عبد الوهاب المسيري، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م، المجلد الثاني، ص10، 11.
[11]) The clash of Civilizations and the remarking of world order .by Samuel P. Huntington . National Besteseller.New york 1996
[12]) انظر: نهاية التاريخ، فرانسيس فوكوياما، ترجمة: حسين الشيخ، دار العلوم العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1993م.
[13]) فخ العولمة: الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية، هانس بيتر مارتين، وهارالد شومان، ترجمة: د. عدنان عباس علي، مراجعة وتقديم: د. رمزي زكي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ص11 (من تقديم د. رمزي زكي).
[14]) السابق، ص31، 32.
[15]) راجع: الصدام داخل الحضارات: التفاهم بشأن الصراعات الثقافية، دييتر سنغاس، ترجمة: شوقي جلال، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 2009م، ص143، 144.
[16]) السابق، ص166، 167. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق